قحطانيات3: عبد الله مطلق القحطاني


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 13:17
المحور: الادب والفن     

الرسالة المخبأة
في مقالة عبد الله مطلق القحطاني "المسيحية بين النصوص والتأريخ والنفاق": نقرأ: إله الكتاب المقدس إله سادي إرهابي متعطش للدماء متحيز للفساد، إله أباح القتل لكل صنوف البشر، من الجنين حتى الكهل الكبير، ذكرًا كان أم أنثى، ولم يكتف بذلك بل حتى الدواب لم تسلم من شره وبطشه وساديته وتعطشه للدماء، إله لا نظير له ولا شبيه في الإجرام والحض عليه، في السبي وسخرة البشر، في التلذذ في فنون استعباد البشر. وصف الإله هنا أقرب إلى ما اعتدنا عليه في الأدب الأسطوري، وغالبًا ما يكون البطل في هذا النوع من الكتابات إسقاطًا للخيال الشعبي الذي عماده فكرة (الفكرة البنيوية) تؤرقه خَيِّرة أو شِريرة، يبني هذا الخيال الشعبي من حولها شخصياته، الإله إحداها. لكن في بنيته القحطانية، الإله هنا أقرب إلى الشيطان: سادي إرهابي متعطش للدماء متحيز للفساد... إلى آخره، من هذه الأوصاف لا يرمي القحطاني إلى عمل قائمة فلكلورية، وإنما إلى إبلاغ رسالة مخبأة خلفها، رسالة تنويرية ينقلها الكاتب إلى القارئ، ومن قارئ إلى قارئ، ومن قارئ إلى قراء لأهميتها، ومن قراء اليوم إلى قراء الغد، إلى قراء ما بعد الغد، وهكذا.

إله الكتاب المقدس كيف؟
بعد الأوصاف حوله، تأتي الأفكار حوله، وهذا الإله القاتل والإرهابي والمحرض على القتل والإجرام لم يكتف بذلك، بل هو: نقرأ: إله ضال مضل وفاسد مفسد، يأمر بالزنا، ويتفنن بذلك وبصور مقززة لنفس السويّ. إذن هو: أولاً) ضال مضل. ثانيًا) فاسد مفسد. ثالثًا) يأمر بالزنا ويتفنن به. ثلاث أفكار إذن وثلاث طرق في التعبير عنها: الضال المضل، الفاسد المفسد، الآمر المتفنن. دونها ليس هناك إله كتاب مقدس، وهو في طريقة التعبير عنه إله بشري، إنه ضال وفاسد وآمر ككل إنسان منا، ومضل ومفسد ومتفنن أيضًا ككل إنسان منا، وهو بالتالي في السماء ما الإنسان على الأرض، فيؤكد النص ما ينفيه الكاتب: إله الكتاب المقدس ضال ومضل لأن الإنسان ضال ومضل، فاسد ومفسد لأن الإنسان فاسد ومفسد، آمر ومتفنن لأن الإنسان آمر ومتفنن. وبالتالي، الرسالة المخبأة خلف هذه الأفكار رسالة اجتماعية حول الضلال والضالين.

فك الكود أو حل الشِّفرة
فيما استنتجناه هناك كود للأفكار الثلاث السابقة بخصوص الإنسان الضال بعد أن حل محل الإله الضال، نفكه كما يلي: أوّلاً) الإنسان الضال لا يتبدل بعد أن يصبح إلهًا ضالاً. ثانيًا) الإنسان الضال خطير على مجتمعه. ثالثاً) الإنسان الضال طريد مجتمعه. هنا يتم تبرير ما ينطبق على المسيحية في الماضي: نقرأ: وقدماء الآباء لم يُسْقِطوا الحدود وخاصة حد الحرق طوال تأريخ المسيحية في أوروبا وكذلك حد الرجم والرِّدة أو ما تسمى بالهرطقة. الكامن المستتر المخبأ، الرسالة المخبأة خلف كل أوصاف إله الكتاب المقدس هذا والأفكار حوله، ما هي سوى تنبيهات يتم لفت النظر إليها، وقواعد (حدود) في السلوك يجب احترامها لتفادي الحرق أو الرجم أو الجلد كقواعد (كحدود) للجزاء والعقاب.

إلغاء الإله
عند إلغاء الإله الضال يُلغى الإنسان الضال، لكن لإلغاء الإله الضال شرط أساسي، ألا وهو إلغاء المسيحية: نقرأ: المسيحية لم تتخل يومًا عن الحدود إلا مجبرة في القرون الثلاثة الأخيرة بعد تقليم أظافرها ثم قصها للأبد، المسيحية الآن ليست كما يحاول البعض إظهارها! هي حالة نفاق وليست محبة مزعومة! (انتهى نص القحطاني)... ليست محبة مزعومة لأنها غير ما هي عليه، فيحل النفاق محل المحبة، وفي عالم من النفاق، يضلَّل الإنسان، وبالتالي يضلَّل الإله، وتكون النتائج الاجتماعية الوخيمة التي سيواجهها الفرد والمجتمع إذا ما داوما على الاعتقاد بإله مضلَّل.

خاتمة
الوظيفة الأساسية عند القحطاني هي الكشف عن الرسالة المخبأة لأجل توصيلها كعبرة كنصيحة كإنذار... إلى آخره، ولأسلوب كهذا محور، اسمه محور التعدي، أي أن الكلام الخطاب المقال يتعدى الظاهر فيه، ليكشف عن الخافي فيه، نماذج رأيناها في ثلاث حالات: تنويرية، اجتماعية، تنبيهية. ولكن من يضمن فعلها على القارئ وفعل القارئ بها؟ الضمان هو الإقناع، والإقناع عندما أتى القحطاني بشخصية متعارضة للإله: ضالة مضلة، فاسدة مفسدة، آمرة متفننة، وبما أن التعارض لا يكفي الإقناع، لا بد من عملية قلب في النظام الإلهي، كالانقلاب الذي نعرفه جميعًا عندما يطاح بملك أو برئيس، وذلك عندما ألغى الإله الضال، وحرر الإنسان من ضلاله.


يتبع إكرامًا للقراء: البنيوية1