عساكر الفصل الثاني


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4849 - 2015 / 6 / 26 - 15:31
المحور: الادب والفن     

اعتذر الرئيس، وتبع مس رز. أخذت الأوركسترا تعزف مزيجًا من الراب وهز البطن، والمدعوون يحافظون دومًا على تلك الابتسامة الكبيرة المجمدة فوق شفاههم. كانوا يضربون في أيديهم من وقت إلى آخر، ويطلقون صرخات قصيرة.
على التلفون، بدأ بولوش بِسَبِّ صد-صد بالعربية الفصحى:
- آلو، صد-صد، أريد أن أضاجع أمك!
- شكرًا سيدي الرئيس، سيتشرف والدي، أجاب صد-صد، هادئ الأعصاب. لكن إياك أن تمس أبي، أبي لي أكثر قداسة من كل العراق.
- أبوك، أبوك... كرر وهو يتخيله دميمًا كالخطايا السبع المميتة بشاربين مفتولين ووجه درنيّ. شخصيًا، أنا لا أحب الرجال.
- أنا، بلى، سيدي الرئيس، خاصة المخصيين.
- لهذا السبب تريد أن تقطع لي...
- الخُصيات. لا، لأنك تريد أن تضاجع أمي.
- أنا لا أفهم، يبدو لي أنك كنت موافقًا منذ لحظة.
- لكن لا أم لي، سيدي الرئيس، قال صد-صد منفجرًا بالضحك.
- ماذا؟ لا أم لك!
- لم أعرف أمي أبدًا: ماتت عندما كنت صغيرًا جدًا. صغيرًا جدًا، جدًا، جدًا. لا أكثر مني ظرافة. نعم، أنا الدكتاتور الدموي، كنت لا أكثر مني ظرافة!
- ولماذا كل هذه الضراوة لقطعها لي، خُصياتي؟ يمكننا أن نتفاهم نحن الاثنين.
- لأنك تريد بضراوة أن تأخذ مني العراق.
- العراق ليس خُصياتك.
- تصور أن الأمر واحد لي. هذا الخلاف، قضينا أربعين عامًا في حله مع سابقيك. العراق مهم بقدر خُصياتي، المهمة بقدر إليتي زوجتك لبووي-بووي.
- ماذا توحي؟ بووي-بووي وزوجتي هما...
- نعم، أنت مقرن، سيدي الرئيس. وهذا طبيعي في أمريكاك. لكني أنا أجعل من العراق ركامًا من الجثث يصل أعتاب السماء إذا ما ارتأى أحدهم أن يمس شعرة واحدة لزوجتي. ماذا تظن؟ أنا لست الرجل القوي لهذا البلد الخرع مقابل لا شيء.
- لكني أمسك بك رغم كل شيء، وسأخلصك هذا البلد الخرع.
- تريد القول، تخلصني خُصياتي. بلا خُصى، الرئيس ليس رئيسًا، سيدي الرئيس.
- إذن تترك السلطة، ولا نعود إلى الكلام في الأمر.
- أنت تطالبني بهذا هكذا، بعد كل الخدمات التي قدمتها لبلدك؟ العراق لي، ولن أتركه.
- أية خدمات، يا للبغاء! قل لي قليلاً أية خدمات؟ الحرب مع إيران، نعم، "متفقون"، قالها بالعربية الفصحى، لامتلاك البترول الإيراني، وزعزعة المنطقة. لكن لم يمش الحال. الملالي هنا دومًا، البترول بين أيديهم دومًا.
- هذا لأن أباك خانني، وقبل أبيك ذاك الممثل المعتوه الذي واصل سياسةَ سابقِه، "أسنان ضخمة"، زارع الفستق الذي طرد صديقي الشاه لإقامة نظام إسلامي، مُحِلاً فزاعة محل أخرى، النظام الشيوعي. نحن نعرف ألاعيبكم، أنتم رأسماليو الخراء. يلزمكم بعبع تخفون من ورائه مرامي بالعي الشعوب، بما فيها شعوبكم، وثرواتها. هكذا يعمل نظام الخراء نظامكم!
- بفضل نظام الخراء، كما تقول، أنت في السلطة منذ عشرات السنين. تخدمه وتستخدمه. قصورك المرصعة بالذهب، ملياراتك، ليست مقابل لا شيء. انتهى كل شيء الآن. ضاعت عليك منذ الوقت الذي أضعت فيه الحرب ضد الملالي.
- أنت تصر؟ طيب. وحرب الخليج؟ اسأل أباك. سيقول لك إنه بفضلي هيمنت أمريكا على كل نفط المنطقة. وكعلاوة، تقسيم العرب إلى الأبد.
- الآن كفى، صد-صد، تغادر، وتترك لي كل الحقول النفطية، إلا إذا كنت تريدني أن أكلم زوجتك؟
- لا نشرك النساء في كل هذا. أنا كذلك أستطيع التكلم مع زوجتك، وحتى ببعض حقول البترول أستطيع ركبها.
- طيب، لنترك النساء حيث هن...
- في الحريم.
- نعم، في الحريم.
تردد الرئيس، ثم لنفسه:
- الجناح الجنوبي في البيت الأبيض حريم بشكل ما، هناك تستقبل زوجتي أعظم النساء نفوذًا في العالم، وهناك يتعرين لأجل الحمام التركي.
- وأنا، رئيس، تدخلت مس رز، ستتركني أيضًا في الحمام التركي؟
- لماذا؟ أنت امرأة، أنت؟ سأل الرئيس.
- لا، أنا الأب نويل! أجابت بصوتها الخفيض.
- دعيني أحل مسألة خُصاي مع صد-صد للحيلولة دون شن الحرب.
- أنت تنسى تفصيلاً، رئيس، مهما حصل، على الحرب أن تقع.
- تكلمي بصوت أقل قوة! قال بولوش مغطيًا السماعة.
ولصد-صد:
- لنعد إلى أشغالنا.
- ليست أشغالنا نحن الاثنين، رئيس، لكن أشغال كل الأمريكيين من جهة وكل العراقيين من جهة أخرى.
- لا، أولاً أشغالي وأشغالك، أشغال الآخرين لا حساب لها حتى اللحظة. عَقدك مع السي آي إيه انتهى منذ حرب الخليج، عليك الرحيل.
- لن أرحل. أعيد، قدمت خدمات كثيرة لأمريكا، وخاصة لأبيك.
- على العكس، حاولت اغتياله! لما لم تنجح، فعلت كل شيء كي تمنعه من كسب الانتخابات. أنا، لن أفعل أبدًا كوالدي، ولن أدع لك الفرصة أبدًا لتغتالني أو لتمنعني من كسب الانتخابات.
عاند صد-صد:
- لن أرحل. لأجل الشعب العراقي الذي يحبني كثيرًا.
- الشعب العراقي الذي يحبك كثيرًا، قفاي!
- ماذا تعني؟
- الحرب لا مفر منها.
- لقفاك؟
- لا، لقفاك. وسأضربه بصواريخ عابرة للقارات.
- طيب، طيب، طيب. لنتفاهم. أنا أعد بإعادة بناء الورلد تريد سنتر، حتى ولو كان لاد-لاد من دمره، وليس أنا. مقابل ذلك تبقيني في الحكم مدى الحياة، ومن بعدي ابني وابن ابني. أنت وأبوك ومن بعدك ابنك نفس الشيء. انتخابات "ديمقراطية"، نحن أيضًا، يمكننا القيام بها.
- جوابي لا. سأدمر بغداد، وسأعيد بناء مدينة ألف ليلة وليلة والبرجين التوأمين النيويوركيين على حسابك.
- إذا وصلت الأمور إلى حد تدمير بغداد، استعددت لإعادة بنائها، هي والورلد تريد سنتر على حسابي: أنا موافق، بشرط أن أحتفظ بالسلطة، أنا، وابني وابن ابني... مدى الحياة.
- مرة أخرى جوابي لا. وأقسم أن زوجتك ستندم.
- وزوجتك كذلك كأمك قبلها.
وطرق صد-صد الهاتف في وجهه.
مُهانًا من قِبَل هذا البربري، أفلت بولوش صرخة كبيرة أليمة، فأخذته مس رز بين ذراعيها، وسمحت له بإراحة وجهه بين نهديها.
- ابكِ، قالت، أطلق مكبوتاتك قليلاً.
أراد البكاء، لكنه لم يصل إلى ذلك. كان سعيدًا بضغط وجنته على النهدين الصغيرين لناطقته الرسمية، لما فجأة، دفع سكرتير الدولة، بووي-بووي، باب المكتب البيضاوي، ودخل. اعتذر، وأراد الخروج.
- ابقَ، قالت مس رز، ليست ساعة رضاعته، إنه صد-صد الذي آلمه.
- هو أيضًا! صاح بووي-بووي. هذا القذر، هذا القواد، هذا الدكتاتور الخراء! خابرني منذ قليل، وهددني ب...
- قطع خُصياتك، قالت مس رز.
- خابركِ أنتِ أيضًا. إلا إذا...
- لا لخُصياتي ولا لخُصياتك أية أهمية. إنها خُصى الرئيس.
ثم للرئيس:
- لا تقلق، يا وليدي! جاد بلس ماي ليتل بريزيدنت!
وواصلت تدليعه حتى قضى الرئيس بكونها تتمادى قليلاً معه، هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
- رز ولحم وتوابل، ليس الوقت المناسب للتلفظ بحماقات.
أوضح أن الأمر لا يتعلق فقط بخُصاه، ولكن بخًصى أمريكا. تبادلت رز وبووي-بووي نظرة تعني أن لا خُصى لأمريكا وإنما فرج، ككل المخلوقات الأنثوية.
- يجب عليّ القول، سيدي الرئيس، أن أمريكا كشخصي ليست لها خُصيات لكن...
أحست مس رز أنها ارتكبت خطأ، لأنها ليست على الإطلاق مخلوقة أنثوية، فحاولت تصحيح الأمور:
- لنتكلم بالأحرى عن خُصيات الأمريكيين، مواطنينا الرجوليين، الرجال الحقيقيين.
ثم بدلت الموضوع، وشرحت لسكرتير الدولة فكرتها عن فبركة براهين حول أسلحة الدمار الشامل لصد-صد، لتبرير شن الحرب، ولحفظ خُصى الرئيس... مدى الحياة.
- مختبرات سيارة، هذا ما وجدت، قالت. مختبرات لا تُكتشف، بما أنها تتحرك بلا توقف.
- يا لها من فكرة عبقرية، مس رز! هتف بووي-بووي.
- نعم، يا لها من فكرة عبقرية! أعاد الرئيس. كل أمريكا تدين لك بالعرفان.
- يا للحظ أن مس رز هنا عندما تتعقد الأمور، قالت برضاء. ها أنا أنقذ لكما الخُصيات أنتما الاثنان.
- ويا له من إنقاذ! قال سكرتير الدولة، مختبرات أسلحة دمار شامل سيارة.
- احفظ هذا بووي-بووي.
- أنت لا تحبين الرجال وإلا...
- بلى، بلى. والسود من منزلتك، الأرستقراطيون. هذا موجود السود الأرستقراطيون أو "المأرستقراطيون". اللون، هذا لا يعني شيئًا. آه! أسود كبووي-بووي... تنهدت وهي ترضب شفتيها.
- كنت أظن أنكِ تحبين الشقر مثلي، قال الرئيس.
- أنا، لست ضد. لكن أنت، رئيس، ماذا تفكر حقًا؟
واقتربت منه، وهي تغنج، بشكل مهتاج، هامسة بصوتها الرجولي:
- هَنِي!
فخاف الرئيس:
- النجدة، بووي-بووي!
واختبأ خلف سكرتير الدولة.
- هل أخيفك إلى هذه الدرجة، يا حبيبي؟ قالت مس رز، والدموع في عينيها. تذكر يوم كنا معًا في الكلية الكاثوليكية، بفضلي اكتشفت رجولتك.
ثم لبووي-بووي:
- نعم، لم يكن ذلك من الكاثوليكية في شيء من طرفي، لكن الرئيس كان خجولاً جدًا. كان يهرب من كل البنات. أنا، كل الأولاد كانوا يهربون مني. أنت ترى ما أريد قوله؟ وها هي النتيجة، صنعت منه الرجل المناسب لأمريكا في لحظة عصيبة جدًا من تاريخها.
- كان معتوهًا إلى هذه الدرجة؟ سأل بووي-بووي، ثم بسرعة متوجهًا إلى الرئيس بالكلام: معذرة، رئيس.
- يرثى له، اعترفت مس رز.
- كيف هذا، يرثى له؟ احتج الرئيس. كنتِ تلتذين، أنت أيضًا.
- ليس بما فيه الكفاية! رئيس، ليس بما فيه الكفاية!
- كيف هذا، ليس بما فيه الكفاية؟ وزعقاتك إذن؟
- كانت لإهاجتك.
- كنتِ باردة جنسيًا إلى هذه الدرجة؟ سأل بووي-بووي مس رز.
- لا، هو كان رخوًا إلى درجة لا تُعقل.
- لا تصدقها، بووي-بووي، إنها تكذب.
- أقسم برأس الرئيس الأب أن هذا صحيح.
- يقلب من الذهول، كل هذا! قَذَفَ بووي-بووي.
- القفا بالمقلوب ومع ذلك...
- لا تصدقها، قلتُ.
- أقسمتْ برأس صديقي الكبير الرئيس الوالد.
- وأنا، أقسم برأس والدي أنها تكذب. إنها لا تتوقف عن الكذب. البرهان، هذه الكذبة العبقرية التي فبركتها عن مختبرات صد-صد السيارة. إنها قادرة على كل شيء، رز ولحم وتوابل!
- ليس عندما يتعلق الأمر برجولتك، رئيس، أعطته في الصميم. أقول الصدق. كنت دميمة ولم أزل، كنت نصف رجل واليوم رجل كامل، لكن لساني بقي رقيقًا وسكريًا.
- كفى، رز ولحم وتوابل! تنسين أنك في الوقت الحاضر في البيت الأبيض، وأنك ناطقي الرسمي!
- مما يؤكد ما جئت على قوله. أنا ناطقتك الرسمية، اللسان الرسمي لإدارتك... أخرجت لسانها، وحركته في كل الاتجاهات بشبقية.
- طيب، فهمنا. لنعد إلى أشغالنا الحالية، الحرب، تمرد الرئيس.
- ثم، إلى جانب لساني الرقيق والسكري، كانت لي موهبة سحرية لإثارة الرجال... واصلت مس رز متظاهرة بتجاهل كلام رئيسها.
أوقفها الرئيس على الفور:
- كفى رز ولحم وتوابل، تَبًا لكِ!


يتبع الفصل الثالث