في بيتنا داعشي 3 التعايش


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4817 - 2015 / 5 / 25 - 10:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أولاً
التعايش بين الأديان خداع واستغواء، التعايش حسب الأديان، التعايش مع الأديان، لأن الدين دين الأقوى، ما أن تستتب له الأمور حتى يستقوي على الأديان الأخرى: الإسلام على المسيحية واليهودية في زمن الخلافة، المسيحية على اليهودية والإسلام في زمن الحروب الصليبية، اليهودية على المسيحية والإسلام في زمن الدولة العبرية. الباقي كله شعارات براقة حول المحبة والإخوة والسلام بين الأديان من صنع العولمة، للتمويه، والتستر على نهبها لخيرات الشعوب واستغلال إنسانها.

ثانيًا
العَقد الديني عَقد يمكن فسخه في أي وقت كان، في أيامنا داعش وما يجري في العراق، والعَقد الاجتماعي ثابت لا يمكن فسخه اليوم ولا الغد ولم يفسخ في الأمس، فرنسا خير مثال على ذلك، يتعايش فيها كل الأفراد الذين كانوا ينتمون إلى إمبراطوريتها والمنتمون حاليًا إليها كقوة عظمى، بغض النظر عن دينهم أو أصلهم أو لونهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، لكن لهذا شرطين أساسيين: تطوري النظام الاقتصادي ضامنه، وحقوقي النظام الجمهوري ضامنه. دون هذين الشرطين لَمَا كان للعَقد الاجتماعي مكان، ولتفجرت الأوضاع كما هي عليه في العالم العربي. إذن الانتماء إلى بلد ليس سببه اللغة، ليس سببه الحدود، ليس سببه يا هلا بالنشامة وكلنا عرب وهباب الطين وعمان مربط خيلنا، الانتماء إلى بلد سببه الحقوق والواجبات المدنية والخلقية التي يوفرها الوطن لمواطنيه، لا بوصفهم مسيحيين أو مسلمين أو يهودًا أو ملحدين معاذ الله أو غيره، وإنما بوصفهم مواطنين، وفقط مواطنين، وليقوم المواطنون بمسؤولياتهم على أكمل وجه نحو الوطن، فالوطنية هي أن تكون، القومية هي أن تكون، وفي الاغتراب لا توجد هناك قومية ولا وطنية ولا أي فستان آخر.

ثالثًا
الداعشي في بيتنا كيف؟ في نابلس ستينات القرن الماضي على أيامي، نعم منذ ذلك الوقت البعيد، لم يكن هناك أقل مشكل بيننا نحن الأصدقاء مسيحيين ومسلمين، لم يكن الأمر مشكلاً، لم يكن مطروحًا، لم يكن مفتوحًا، لم يكن مغلقًا، لم يكن معلقًا، بائنًا، خافيًا، مشمومًا، ملعونًا، مرجومًا، نحتفل بأعياد المسيحي منا والمسلم، يعني كان التعايش، نحن الأصدقاء ما بيننا، نموذجًا يحتذى به، لكن –هناك دومًا لكن- عند الحلاق كنا نُعَامل على أساس مسلم ومسيحي، عند اللحام، قطعة الأوزي لابن فلان، أبوه صاحبنا، مش من عبدة الصليب(!)، في المدرسة، معلم الرياضيات في نظرته إلى صديقنا يوسف (زوزو) ليس مثل معلم الدين أو الجغرافيا، إلى آخره. في القدس اليوم الموحدة تحت العلم الإسرائيلي، هناك وَسواس دائم لدى اليهودي والمسيحي والمسلم محوره اليهودي والمسيحي والمسلم، على الرغم من أن تساوي الحقوق "المقدسية" من غير السياسية واحد للجميع، وعلى الرغم من أن الداعشية ستكون في القدس، لو كانت، لا بخطبة شيخ خرفان، يعني وعظية، بل سياسية أولاً وقبل كل شيء، كما يجري اليوم لتأسيس دولة الخلافة بأمر سياسي من طرف الأمريكان.

رابعًا
في المجتمعات العربية، في المجتمعات غير الديمقراطية، ومن قال مجتمعات عربية يعني مجتمعات غير ديمقراطية، لا يوجد تعايش بين مسيحيين ومسلمين، هناك رضوخ الأقلية للأغلبية، إن لم تتصاغر أيها المسيحي فارحل، وهذا ما يجري، يرحل المسيحي، ولكونه في ثقافته وطموحه يرمي إلى الأفضل، والتكيف عنده مذهل، في العبودية وفي الحرية. الوضع نفسه للعربي الإسرائيلي مسلم ومسيحي، ولولا تضحيات الاثنين لما كان لهما الحد الأدنى من المكاسب الاجتماعية والسياسية التي لهما اليوم. بينما الأشياء في العراق تنحو منحى آخر، وكل الأقليات، ليس فقط الأقلية المسيحية، تعاني من شبح الهولوكوست الداعشي، وكلام فارغ عواطف الغرب وصياحه النجعي، لأنه متورط، وليس في العراق فقط، تهمه مصالحه ولا شيء غير مصالحه، فاتركوهم يتذابحون، كلاب كلهم تأكل لحم بعضها.

خامسًا
يقال عن ثلاثتها أديان توحيدية بينما هي ليست توحيدية إلا بالاسم، عمياء فيما يخص التواجد كل منها على حدة، فكيف فيما يخص التعايش كلها معًا؟ الطقوس ليست واحدة، الهموم ليست واحدة، القيود ليست واحدة، كيف ترى الأشياء، كيف تشعر بالأشياء، كيف تتعامل مع الأشياء، ما الأهمية الدينية، الفلسفية، الروحية، هل نتعايش لنتقدم أم لنتأخر، لنتوحد أم لنتشحر، لنحزن في بنى اجتماعية وسياسية واقتصادية على وشك الانهيار أم لنفرح، وهل الفرح ديني أم دنيوي أم وضعي، تحت معنى جمعي، وإن شئت جِماعي، أم خبزي أم طبيخي أم بطيخي أم مريخي أم غيره، وعلى الأقل ما هو الجهد الثقافي بعد كل شيء للأديان الثلاثة كل دين على حدة ولها جميعًا في سبيل إرساء دعائم التعايش ما بينها؟


يتبع في بيتنا داعش 4 أمريكا