موت - الله- -عليّ السوريّ 12-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 4675 - 2014 / 12 / 28 - 22:15
المحور: الادب والفن     

"تلك الكرة السحرية خبرتني أنك تبحث عنّي.. و رمت لي بأسرار روائح العطر على أحلامك..
من يومها احترفتُ التنجيم..
في كلّ مساء أجلس وسط ( كومة) جديدة من العشاق..
أخبرهم عن الحب و آخذ ثمن الأمل: اشتياق!
أيامي ( متشابهات)..
أنت تعلم كيف تدور الأرض في تلك البلاد:
جواسيس الدين فوق..
عمالقة النهب تحت.. و ثلة مغيّبين تحرس السياج...
ثمّ:
بعد هذا كلّه تريدني أن أقطع الحدود.. أنجّم موتي اللعين!
أفك خيبات من يدعوّن الدين.. و أروّضُ من يقطعون الرقاب!
اتركني من هذا كلّه.. و أخبرني:
متى ينتصر الغناء على الفتاوي؟
متى ينتصر الضمير على اللحى؟
متى تعود هذي البلاد؟!".

- متى تعود هذه البلاد يا " سناء"؟! ربما إذا حكمنا الدين كما يقولون !
- عندما يسود القانون يا صديقتي.. نحن بلاد بلا قانون.. إذا ما قارنتِ شعوبنا بالشعوب الأجنبية.. ستجدين أننا نتفوق عليهم بالأخلاق.. صدقيني هي الحقيقة..
كم من ساعة نعيش بلا كهرباء في الأسبوع؟!
ما نسبة السرقات، الاغتصاب، القتل وقتها؟!
جربي يا " أليس" أن تقطعي إمداد الكهرباء عن مدينة غربية، ما الذي سيحدث؟!
ربما كما حدث بعد طوفان"كاترينا" الكارثي في "أمريكا".. و الذي قدرت الخسائر فيه ب (1.8) بليون دولار: صراعٌ على الطعام.. و تقاتل الأصدقاء مع بعضهم من أجل البقاء.. لم يردعهم شيء سوى القانون الأمريكي و قوات حفظ النظام..
أجل البشر يتشابهون!
عندما يحاول ( الملتحون) إقناعك بأنهم يدافعون عن " الله".. فكّري قليلاً:
- هل وُجِدت الأديان ليدافع عنها الناس أو لتُدافع هي بقوانينها عن الناس؟!
إن القانون البشري و ليس ( الإلهي) هو المتحكم الأول بتصرفات البشر، لذلك أيضاً تقدمت الدول العلمانية..
بينما بقيت الدول التي اعتمدت على محاكمة نوايا الرعايا-عبر (القانون )الديني- على هامش الحضارة و في قلب الحروب...
الشعوب الأجنبية يحكمها القانون و تخشاه.. نحن تحكمنا الأخلاق لكن يسيء إلينا و إلى أدياننا حكم ( الشريعة).. نحن نحتاج إلى قانون مدني يتساوى فيه الجميع، و يخافه الجميع.
*************

قال لي لا تكسري أي كلمة فيها اسم " سوريا" .. انصبيها و ارفعيها و جريها بالألف.. قولي (سوريان) و لا تقولي سوريين!
المجد لأوطان الأبجدية الأولى:
المجد ل سوريا.. لبنان.. فلسطين.. العراق..
المجد لكل الأوطان التي تحدثت بلغة الألم و الأمل..
نحن يا صديقتي كتبنا اسم الشمس منذ الأزل.. و يحدثوننا بالشهور القمرية!
كيف لمن صنعت إناثهم التاريخ إسدال نقاب أسود على عنفوان حضارة لا تموت؟!

ابتسمتُ و كتبت له:
نلتقي بكوننا (سوريان) يا صديق.. و نختلف بكل تفاصيل قضايا الواقع...
غير مهم، ففي اختلافات الآراء: حياة!

في تلك الليلة تابعت الكتابة في مذكراتي:
"الحياة.. يا حبيبي:
أرواح كثيرة.. أحلام أكثر..
فشل و كثير من الخيبات.. نهوض و إشراقات عديدة..
اختلافات جميلة.. خلافات مرضية..
طعنات في الظهر..
طعنة وحيدة في القلب تميته أو تحييه و تسمى " الحب".".

لم تكن المرة الأولى التي أراه فيها مع هذه الشقراء..
نحيلة و منتصبة كفرس.. في أنفها انحناءة خفيفة تحكي قصة رض في الطفولة..
نظراتها إليه تفصح عن حب يحكي قصة رض عشقي!

و " علي".. الذي ما كان يوماً لي.. أصبح حلماً أبعد..
رحل إلى " سان دييغو" في " كاليفورنيا"..
قال أن لديه معرض رسم هناك .. لم يدعوني و لا أعلم لمَ أعرف فقط أن الشخص الوحيد الذي لم احتج لغتي معه.. أبى إلا أن يحدثني بلغة الرجل الشرقي...
- ربما أحبها " ستيفاني" اسمها... أصولها إيطالية!
*****************

لا يشبه " هبة" أحد..
هذه الثقة بالنفس من هذه المرأة ( الطائر) كفيلة بأن تدفعك إلى الأمام و لو كان كل ما حولك يسير خلفاً:
"-لم أقارن نفسي في يوم ما بأحد..
كانت مقارنتي دوماً بين عقلي في الأمس و فعلي اليوم..
أيضاً لم يكن في حياتي مثلٌ أعلى.. لا قريب و لا غريب.. تعلمتُ أن أرى الناس على حقيقتهم بسلبياتهم و إيجابيتهم.. و عرفت قبل هذا سلبيات شخصيتي و شخصي..
كنتُ تلك الصبارة البريّة التي اكتشفت أنها تُزهر بمحض الصدفة...
عندما أسأل نفسي اليوم عن سبب نجاحي المتواضع.. لا أجد جواباً أفضل من استمراري في المحاولة...
الجميع - إلا الندرة- يعتقدون أنهم ضحايا..
قلة قليلة من الناس تعترف بالخطأ.. تتقبل الآخر.و تحترم الاختلاف..
قلة قليلة تستخدم عقلها في زمن التوريث و التكرار!
يوجد مشكلة عامة في تقبل أخطاء " الأنا" و عيوبه...
الناس يلجأون إلى الكذب، السباب، الغضب.. و كثير من الانفعالات غير الناضجة ليحموا الأنا في داخلهم ...
أما الندرة ( القلة القليلة) تلجأ إلى " الحب"..
الإنسان المتوازن يقف حتماً على جزيرة من المحبة.. و أي كان شكل هذه المحبة وسط محيط هائج.. فهي ملاذ آمن...
كيف تصبح الجزيرة مأهولة أكثر؟! سؤال أبديّ.".

انتهت مقالة " هبة" قرأها " عمّار".. و أعادها.. ثم أعادها.. خُيّل إليه أنه يستطيع أن يمنح هذه المقالة طفلاً من التصفيق..
تذكر " عبير".. و تذكر كيف لم يقوَ حبها على تحدي ترهات طوائف.. بينما تتحدى مقالات " هبة" أكاذيب أديان !
في داخله نما ماردٌ من ثقة.. بأنه قوي و شجاع:
هي قوة هبة الإيجابية.. بالإضافة إلى ستار مسدل على هوىً قديم...

جرّب " عمار" بكافة الطرق دعوة " هبة" إلى العشاء.. لكنها مشغولة أبداً، تكتب.. تقرأ.. تقيم مناظرات شعرية في بيتها المتواضع..
" هبة" تستغل كل ثانية من حياتها في التحدي.. و " عمار" لاعب الوقت الضائع أبداً.. لا يعرف كيف ستنتهي حكاية لم تبدأ إلا من طرف واحد.
- ما رأيك أن نشرب القهوة اليوم معاً...
- و لما لا تدعوني إلى العشاء؟!
تلعثم " عمار".. و ابتسم قائلاً:
- فكرت بهذا.. خفت أن تعترضي...
ضحكت " هبة":
- أجيد فن الاعتراض لكن لا أعتمده دائماً...
******************

كعادتنا عندما كان هنا في هذه المدينة، أنا و " علي".. على ( التشات) نكتب عن خيبات الحلم في زمن الحرب:
كتبتُ له:
-لقد تحولوا من ( خلفاء) لله في الأرض لتعميرها..
إلى حكّام باسم الله يقومون بتدميرها ..
لقد أعلنوا موت " الله"...
- أضحك الآن .. ما تقصدين يا " نيتشه" ؟!
- أقصد أن من ينصّبُ اللحى كأصنام، يتجاهل عن سابق إصرار و ترصد وجود العقل وحكمة " الله"...
لقد قتلوا " الله" مع كل صيحة تكبير قُطِعَتْ فيها رقاب..
مع كل صرخة أم خسرت أولادها في سياق مقامرة الأغنياء على الوطن.. مع السرقات.. الرشاوي.. مع طعنات أهل البلد الواحد لبعضهم...
لقد قتلوا " الله" مع كل استخدام لجوع الأطفال في الحملات الانتخابية.. مع كل استغلال ليتم الأطفال في تسويق الوطنية...
و " الله" كاسمٍ قد مات في تلك البلدان الموبوءة بداء الطائفية...
- رائع جداً ما كتبت يا صديقتي...
قلتُ في نفسي : كم أحبك!
كتمتها.. ثم كتبتُ له:
- ما أخبار حسناوات الرسم.. أما زلت تهوى رسم النساء؟!

كتب " علي " أنه تعرف على حسناء جديدة.. تلك الرسالة محوتها فور وصولها، لأني لا أريد أن أحفظ تفاصيلها.. و لا أريد أن أصدق ما فيها..
أظنه يقصد " ستيفاني"...
عندما يعود من " سان دييغو" ربما سأخرج عن جبني.. و سأسأل عن التفاصيل...


يتبع...