ساد ستوكهولم القسم الخامس عشر بيتر أكرفيلدت (3) نسخة مزيدة ومنقحة


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4418 - 2014 / 4 / 8 - 12:36
المحور: الادب والفن     



وضع بيتر أكرفيلدت جوستين في قفصِ كلابٍ ما بينهما حاجز، وبدا عليه أنه لا يسمع نباحها لجوعٍ يمزقُ لها الأحشاء. فجأة، نهض، وضربها بقدمه.
- لا تضغطي عليّ، أيتها الكلاب القذرة! نبر بيتر أكرفيلدت.
- نباحها فظيع! شكت جوستين.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- إذن لماذا؟
- لتقطّعَكِ بأسنانها.
- أنتَ لا قلب لك.
- بإمكانكِ أن تقولي هذا.
- مقابل كيلو ونصف لحم تريدها أن تقطّعني بأسنانها؟
- كيلو ونصف لحم أغلى.
- أغلى مني؟
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- الحيوانات ممنوعة في ساد ستوكهولم.
- ليس أنا.
- كيف تفعل؟
- لن أقول لك.
- تدفع.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- تُفْسِد.
- لا معنى للفساد في مكان الفساد.
- ساد ستوكهولم فساد؟
- وكل ستوكهولم.
- هذا ما أريد رؤيته.
- لن أخرجك لترين.
- في الشتاء الضباب كثير لا شيء يُرى.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- اخرسي، يا دين الكلب!
- تسبين دينها، وتريدين أن تخرس؟
- اخرسي، يا دين الرب!
- أفضل هذا.
- ومتى ستطلقها؟
- لست أدري.
- أنت لن تطلقها؟
- بلى.
- سأطعمها شيئًا آخر.
- لا تحب إلا اللحم الآدميّ.
- ليس أنا.
- أنتِ.
- لماذا؟
- لا تسألي.
- قل.
- تظنينني أحب هذا؟
- إذن لماذا؟
- لن أقول لك.
- غريب الطبع أنت.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- ولئيم.
- لا.
- بلى بلى.
- لا.
- وأناني.
- قليلاً.
- أرأيت؟
- ماذا؟
- لئيم.
- لا.
- لا تتركها تنبح أكثر، فلم أعد أحتمل.
- لا أريد أن أطلقها. ليس بعد.
- أشكرك!
- اخرسي، يا دين الكلب! قلدها.
- أوشكتْ على التقامِ قدمِكَ.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- بلى بلى.
- كلاب ضارية، فماذا تتوقعين؟
- احذر في المرة القادمة.
- لن تكون هناك مرة قادمة.
- ستطلقها.
- من عندها إلى عندكِ.
- ليس من عندها إلى عندكَ.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- وإذا ما نبحتُ مثلها؟
- انبحي. ليس هكذا، هكذا.
- أنت تنبح مثلها.
- في ساد ستوكهولم، الكل ينبح مثلها.
- يلهث.
- ينبح.
- يصرخ.
- ينبح.
- يجأر.
- ينبح.
- عوووووووووووووووو!
- عوووووووووووووووو!
- بإمكانكَ أن تقولَ هذا! قلدته.
- نعم.
- تتقنُ هذا.
- أتقنُ ما لا أتمنى.
- كأمرك معي.
- كأمري معك.
- أَمضي بعد كلابك.
- إنها طريقتي في الإغراء.
- في الإذلال.
- شيء فوق طاقتي.
- لا كآمانيك.
- كل ما تمنيته لم يتحقق! شيء غير ملموس، أمانيّ! كمن يتابع المايوه في حلبة التزلج الفني، وينتظر الكشف عن رِدفين مدورين يضغطهما، أو عن فخذين خجولين يدفن رأسه بينهما، يعجبه المنظر ولا يلذه، فلا شيء ملموس، ليس كصعقة الحب مثلاً.
- سأقطف لك تفاحة.
- لماذا؟
- لتحل أمورك.
- لتطرديني.
- من جحيم إلى جحيم.
- وكيف لي أن أحل أموري؟
- تظل المسألة مسألتك.
كان على ساعدها وشمٌ لشجرة تفاح أحمر، قطفت واحدة، وأعطته إياها.
- اقضمها!
- انتظري!
أخرج قرص فياغرا من جيبه، وشربه مع كأس ماء.
- لأجل أن تكون الوصفة كاملة، قال.
- أَعْرِفُ الآنَ لماذا كل ما تمنيته لم يتحقق، قالت.
- كان عليّ أن أعالج طاقتي الحيوية الشبقية. هل تريدين قُرصًا؟
- هاتِ.

* * *

تفاجأت جوستين بحضور آرون، الأخ الأصغر لدافيد، كان في مثل عمرها، وكانت صعقة الحب. فاضت جوستين حنانًا، وشعرت بمشاعر تعرفها لأول مرة في حياتها، انجذبت إليه، وانجذب إليها. لم يتركا بعضهما لحظة واحدة إلا حين الذهاب إلى النوم، ولو كان الأمر بيدهما لناما معًا منذ الليلة الأولى، ولم ينتظرا كما كان العُرف ليلة العرس.
- هل كنا نعرف بعضنا، يا جوهرتي؟ وجد آرون نفسه يسأل، وهو يتنزه مع جوستين ممسكًا بيدها.
- كنا نعرف بعضنا دون أن نعرف بعضنا، ابتسمت جوستين.
- أقدارنا بيد الأقدار.
- أقدارنا، فقط أقدارنا.
- فقط أقدارنا.
- وكنا نتكلم مع بعضنا دون أن نتكلم مع بعضنا.
- ما يقوله العشاق في الغربة كنا نقول.
- ما يقوله العشاق، فقط ما يقوله العشاق.
- فقط ما يقوله العشاق.
- وكنا نداعب بعضنا دون أن نداعب بعضنا.
- بيد الله كنا نداعب بعضنا.
- بيدنا، فقط بيدنا.
- فقط بيدنا.
- كالبرق لما يداعب الرعد والرعد لما يداعب البرق.
- البرق والرعد هما للسماء ابنان ونحن للغبراء ابنان.
- إرادة الطبيعة هما ونحن إرادة الحياة.
- طال الفِراق.
- وفاض الشوق.
- طال الغياب.
- وفاض الدمع.
- اللاعدل لاعدل.
- اللاعدل عدل.
- ليس لهذا السبب يتأخر العشاق.
- قليلاً.
- القليل كثير.
- لماذا تأخرتَ إذن كثيرًا؟
- أنا أم أنتِ، يا كَنزي؟
- أنتَ، أنا، كلانا.
- لماذا تأخرنا إذن كثيرًا، يا حُلوتي؟
- كان علينا أن نتأخر كثيرًا لنحب بعضنا كثيرًا.
احتضنها، وطبع على ثغرها قبلة بوزن الريشة.
- حذار! أنت توجعني!
- قبلة النحل للورد توجع؟
جعل أصابعه تزلق على وَرِكِها.
- حذار! أنت توجعني!
- سقوط الشلال في حضن الماء يوجع؟
ضغط رأسه على بطنها.
- حذار! أنت توجعني!
- بيات الطائر في عشه يوجع؟
- تعالَ!
- أنا آتٍ.
- هناك من ينادي علينا.
- ملاك الحب؟
- ملاك الوجع.
- لن أترك للوجع أن يجد إلى قلبك سبيلا.
- إلى جسدي.
- وإلى جسدك.
- إلى جسدي، فقط إلى جسدي، فالقلبُ ابنٌ للجسد.
- أهبُكِ جسدي.
- كم أنت طيب القلب، يا آرون!
- كيلا يصيبَ جسدَكِ أقلُّ وجع.
- هل ترى الغمام في السماء؟
- أرى.
- إنه جسدي.
- يقصفه الرعد فيتساقط مطرًا.
- هل ترى الأعشاش في الأشجار؟
- أرى.
- إنها جسدي.
- تهدمها الريح فتحلق طيرًا.
- هل ترى الأعشاب في البستان؟
- أرى.
- إنها جسدي.
- تحرقها النار فتشتعل زُمُرُّدًا.
جذبته من يده، وذهبت به إلى الكوخ. خلعت ثيابها، واستلقت عارية. أخافه جمالها، فخلع بدوره ثيابه، وهو يرتعش. قبلها من ثغرها، ومن ثديها، ومن بطنها، ومن فخذها، ومن ساقها، ومن قدمها، وجوستين تطلق تأوهات العناق الأول. وعندما اخترقها، صرخت من الوجع، وكأنها تفقد للمرة الأولى بكارتها.



* يتبع القسم السادس عشر