ساد ستوكهولم القسم الرابع هوراس ألفريدسون (1) نسخة مزيدة ومنقحة


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4407 - 2014 / 3 / 28 - 12:36
المحور: الادب والفن     

لنورمالم في شمال ستوكهولم جزيرة بقناطر، سكيبشولمن، جزيرة بأثداء، على مدخل البلطيق. كان العساكر يمضون. عساكر كثيرون. مباني عسكرية كثيرة. لم تكن ستوكهولم مدينة للجيش. لم تعرف ستوكهولم الحرب منذ بحر الدم الذي أنهى اتحاد كالمار عام 1520. كانت مدينة انسجام اللا انسجام، فكرة اللا فكرة، حلمة اللا حلمة، كانت ستوكهولم حلمة تقطر دمًا، لهذا كان بحر البلطيق أحمر من تلك الناحية، وكان الورد أحمر، وكانت الشمس فستقية. لهذا كانت المباني العسكرية والمتاحف الفنية جنبًا إلى جنب، ليقول السويديون للعالم نحن صناع البارود وأجمل التماثيل. لهذا لم يكن العسكر ما يعكر صفو مِزاج هوراس ألفريدسون، كان الصعود إلى الطابق السابع على قدميه ما يعكر صفو مِزاجه. وفي كل مرة، كانت تتلو صعوده سبع طوابق على قدميه لحظة حادة من الهياج العصبي.
- اهدأ، يا ألفريدسون، بالله عليك أن تهدأ، كانت زوجه ترجوه.
- لن أهدأ، لن أهدأ، كان هوراس ألفريدسون يصرخ.
- تريدني أن أهدئك، يا ألفريدسون؟
كان لا يجيب، وكان يظل متوترًا.
- لم تجب، يا ألفريدسون.
كان يأخذ في اللهث على الرغم من أنه منذ عدة لحظات كان جالسًا.
- تريدني أن أهدئك، يا ألفريدسون؟
كان يضاعف من لهثه، ويتردد، ولكنه يقرر فجأة أن يجذبها إليه، ويلقيها على بطنها فوق ركبتيه. يرفع فستانها، ويسحب سروالها القصير، ويأخذ بضربها، وزوجه تطلق صرخات ثاقبة، يأخذ بضربها، بضربها، وصرخات زوجه الثاقبة تزداد حدة، يأخذ بضربها، بضربها، بضربها، حتى أنه يأخذ بإلقاء أوامر عسكرية، وصرخات زوجه تتحول إلى صرخات لَذة، إلى أن يهدأ، فتنزل زوجه عن ركبتيه إلى كنبة تلقي بنفسها عليها خائرة القوى، ويأخذ هوراس ألفريدسون بالتراخي، يغمض عينيه، وينام.
في الليل، كانت لا رغبة لزوج هوراس ألفريدسون في القيام بفعل الحب، كانت تعطيه ظهرها، وعندما كان يحاول أن يأخذها من ظهرها، كانت ترفض، وتبعده عنها بعنف أقوى من عنفه، فيقوم إلى الصالون ليقرأ، وهو في شبه حالة من الذهول. ليس بسبب زوجه، بسبب ما يقرأ. كل ما كان يقرأ كان يجعله في شبه حالة من الذهول، حتى ولو قرأ "الأمير الصغير"، كل شيء كان يجعله في شبه حالة من الذهول، حتى ولو قرأ من الكوميديا ما قرأ، موليير أو غيره، كان كل شيء يجعله في شبه حالة من الذهول، حتى ولو قرأ شيئًا من النكات القليلة التي سجلتها الذاكرة الشعبية في السويد مذ كان السويد، كان يقرأ النكات، وهو في شبه حالة من الذهول. وفي لحظة من اللحظات كان يرشق أشياء يراها في لهب المدفأة بالماء، لتنتشر رائحة الحريق، ويأخذ في التفكير في أنه أنقذ أبطاله المقربين إلى قلبه من مصير الملعونين الذي كان مصيرهم، فتذهب عنه شبه الحالة من الذهول، ويرتدي ثوب شهريار في ألف ليلة وليلة. كان هذا يحصل في الشتاء، أما في الصيف، فلم يكن هوراس ألفريدسون يضع حدًا لشبه الحالة من الذهول التي يسقط فيها، كان يبحث عن الحالة من الذهول، الحالة الكاملة من الذهول، وليس شبه الحالة من الذهول، وعندما لا يمكنه تحقيق ذلك عن طريق ما يقرأ، يتوهم أنه في حالة كاملة من الذهول، فيذهب إلى علبة الصيدلية سعيًا وراء أقراص النوم، ويبتلع منها ما يبتلع، عند ذلك، وهو على وشك إنفاق الروح يكون ذهوله قد وصل أقصاه، ذهوله من نفسه، ذهوله من فعله، ذهوله مما لم يقرأه أبدًا في الكتب، ذهوله من ذهول زوجه لما تصرخ من شدة الفزع عليه، ولما ترفع السماعة، وتنادي سيارة الإسعاف بكلمات مفرومة، وهي تكاد تختنق.
اضطرابات السلوك لدى هوراس ألفريدسون كانت تترجم على مستوى آخر، عاطفي غالبًا، تثير ربما الذهول لدى الغير، ولا يجد لنفسه فيها ما يبرر لنفسه، لم يكن بحاجة ليجد لنفسه فيها ما يبرر لنفسه.
- طاب نهارك، بروفسور، كانت الطالبة إِدّا تقول لهوراس ألفريدسون.
- طاب نهارك، يا إِدّا، تفضلي، كان هوراس ألفريدسون يقول لطالبته، وهو يدعوها إلى الجلوس في مكتبه الجامعي.
كانت إِدّا قصيرة بثديين هائلين لكنها مقبولة، وكانت تريد الجلوس أمام أستاذها.
- تعالي إلى جانبي، يا إِدّا، كان هوراس ألفريدسون يقول لإِدّا.
- إلى جانبك، بروفسور؟ كانت إِدّا تسأل، وهي تستدير جارة كرسيًا.
- إلى جانبي، هنا، كان هوراس ألفريدسون يجيب، وهو يجذب الكرسي أقرب ما يكون منه.
- إنه دومًا موضوعي الفلسفي، بروفسور، كانت إِدّا تقول لأستاذها بنبرة يقظة.
- أي موضوع فلسفي، يا إِدّا؟ كان هوراس ألفريدسون يسأل، وهو يلف مسند الكرسي الذي تجلس عليه الفتاة بذراعه، ويقترب برأسه من فوق ثدييها الضخمين، ليقرأ ورقاتها.
- موضوعي الفلسفي، بروفسور، كانت إِدّا تجيب بردِّ فعلِ شخصٍ الغضبُ من طبيعته.
- موضوعك الفلسفي، يا إِدّا، كان هوراس ألفريدسون يهمهم، وهو يتظاهر بالاهتمام.
- الجنس والدولة، بروفسور، كانت إِدّا تقول بطلعة متعالية.
- الجنس والدولة، موضوعك الفلسفي، يا إِدّا، كان هوراس ألفريدسون يعيد، وهو يتظاهر بالجدية، بينما أخذ بذراعه يلف كتفي الفتاة.
- أعتقد أن الدولة رمزها ذكوري، ألا وهو القضيب، بروفسور.
- أتفق معك تمام الاتفاق، يا إِدّا.
- وهذا الرمز هو من وراء وزارة الدفاع والجيش والبيروقراطية، بروفسور.
- أتفق معك تمام تمام الاتفاق، يا إِدّا.
- ويمكن أن يكون الأب والابن والروح القدس، بروفسور.
- الأب تحت أي معنى، يا إِدّا؟
- تحت كافة المعاني الدنيوية، بروفسور.
- الابن تحت أي معنى، يا إِدّا؟
- تحت كافة المعاني الدنيوية، بروفسور.
- الروح القدس تحت أي معنى، يا إِدّا؟
- تحت كافة المعاني الدنيوية، بروفسور.
كان هوراس ألفريدسون يستدير ذا الحين كليًا أمام ثديي الفتاة العظيمين بعد أن عراهما، والفتاة تتابع بكامل الجد:
- فلا مكان في الدولة للثديين، أعني بالطبع للمرأة، ودورها، حتى عندنا في السويد، يبقى محدودًا.
كان هوراس ألفريدسون يهمهم بالموافقة آليًا، وهو يملس بيدين رخوتين الثديين الهائلين، وفجأة يقرص حلمتيهما قرصًا عنيفًا يدفع الطالبة إلى الصراخ.
- لا بأس، يا إِدّا، لا بأس!
- لا بأس، بروفسور!
- تابعي، يا إِدّا!
- لهذا، كانت تتابع بعظيم الشعور بالألم، أعتقد أن أفلاطون كان يريد تأسيس مدينته الفاضلة لأجل أن تلعب المرأة الدور الأساسي فيها.
- أفلاطون، نعم، أفلاطون، كان هوراس ألفريدسون يواصل الهمهمة آليًا، وهو يملس بيدين رخوتين البطن الحريري.
- فالأخلاق لدى أفلاطون عقلانية لا دينية، بروفسور.
- كما هي لديّ، يا إِدّا، كان هوراس ألفريدسون يواصل الهمهمة آليًا، وهو يَنزل بيديه الرخوتين إلى الفخذين المدورتين.
- وكما هي لديّ، بروفسور.
- نحن على اتفاق في كل شيء، يا إِدّا.
- في كل شيء إلا شيء.
- ما هو؟
- ما تفعل.
- هذا لا شيء، كان هوراس ألفريدسون يواصل إنزال يديه الرخوتين بين الفخذين المدورتين، وفجأة يقرص شفتي فرجها قرصًا عنيفًا يدفع الطالبة إلى الصراخ.
- لا بأس، يا إِدّا، لا بأس!
- لا بأس، بروفسور!
- تابعي، يا إِدّا!
- الأخلاق والفضيلة لا يعرفهما المرء دون مبادرة العقل في عالم المعرفة، بروفسور، مبادرة تصل بنا إلى معرفة الخير ومعرفة الشر، وبالتالي معرفة النفس، لهذا تجدني أبحث عن معرفة نفسي، وإن شئت عن لعب دوري كامرأة، وعلى دور المرأة أن يكون طبيعًا في الدولة وكليًا، أن يكون الدور الذي هي جديرة به كإنسانة، كنفس فاضلة، وأن تثبت للملأ ما قاله أفلاطون منذ آلاف السنين: الفضيلة للنفس كالجمال للبدن...
خلال ذلك، كان هوراس ألفريدسون يخرج عضوه، ويجبر إِدّا على أخذه بأصابعها، وعلى أخذه بفمها، ثم لا يلبث أن يخرسها دافعًا إياه كله في حلقها.
وفي إحدى المرات، كانت زوجه كعادتها لا تريده أن يأخذها، فذهب يطرق الباب على جارته الكولونيلة، زوجها كان كولونيل المرتبة، في حياته كان الناس يدعونها بمدام الكولونيل، وبعد موته صار الناس يدعونها بالكولونيلة، كان يريد أن يقضي غرضه معها، فعلى الرغم من عمرها، كانت تغطي كبرها بكثير من الابتسامات والمساحيق، لكنها عندما فتحت له، وهي ترتدي البزة العسكرية لزوجها، وصلته موسيقى عسكرية من الداخل، وصرخات من يعذب ويتعذب لمناسبة كان يجهلها، فعاد أدراجه، والكولونيلة العارفة بما يريد تنادي عليه:
- ماذا، يا سيد ألفريدسون؟ لماذا أنت متردد إلى هذه الدرجة؟ ادخل، يا سيد ألفريدسون، ما هذا سوى احتفال صغير بوفاة زوجي. تعال، يا سيد ألفريدسون. آه، يا لك من وغد، يا سيد ألفريدسون!
في الخريف الأخير الذي عرفته ستوكهولم، قبل شتاء بارد جدًا، حتى النوارس في خريف ستوكهولم الأخير جمدت أجنحتها. في الثالث عشر من ديسمبر، هذا التاريخ حُفر في ذاكرة هوراس ألفريدسون كما تُحفر نظريات باسكال ونيتشة وهيدغر، كما تُنقش روايات ستاندال ومان وفوكنر، كما تُصهر نواقيس الكنائس والمدارس والقصور، في الثالث عشر من ديسمبر وقع هوراس ألفريدسون في غرام ابن أخت زوجه الشاب الذي كان في الثالثة عشرة من عمره، كان الشاب الجميل عندهم زائرًا، كالقمر كان الشاب، كان الشاب علم الجمال لدى هيغل، وكان يجلس هوراس إلى جانبه، بعيدًا عن أحضان زوجه الرافضة إياه، قريبًا من لهب المدفأة، لما رأى صورة الشاب الجميل في النار، وسمع صوتَهُ صوتَ المعذَّبِ، فأخذه على حين غِرَّة بين ذراعيه، وقبله قبلة طويلة. في الثالث عشر من ديسمبر.
كان طابور من العسكر يمضي تحت نافذة هوراس ألفريدسون، وكان مجرد سماعه لوقع بساطيرهم على البلاط الرطب يدفعه إلى تعذيب نفسه لما لا يعذب غيره. لم يكن معرض غوغان في المتحف الوطني ليمنعه من تعذيب نفسه. كان يلهث على قدمي جلاد مجهول، وكل ستوكهولم كانت تلهث، كانت كل ستوكهولم تلهث كما يلهث هوراس ألفريدسون، كان ستوكهولم، وكان يلهث، وكانت كل ستوكهولم تلهث، كان يلهث على قدمي جلاد مجهول، غير معلوم، غير ملموس، جلاد مقدود من الجليد والدم، وكل ستوكهولم كانت تلهث، كانت تخبط كالسمك الخارج من الماء، وتضرب بالأرض كما يضرب بالأرض هوراس ألفريدسون. وكان هوراس ألفريدسون يلهث على قدمي جلاد الجليد والدم، يضع رأسه تحت قدميه، ويتركه يضغط، ويتركه يسحق، فيكاد هوراس ألفريدسون يموت اختناقًا، لكنه كان يفكر في ثدي جوستين، ويستسلم تحت حذاء الجلاد الوهمي دون أن يشعر بشيء. في البيت، في الشارع، في الجامعة، في ساد ستوكهولم. جلاد وهمي.
- أنتِ جلادة وهمية، يا كاتارينا فريدن.
- لا تتلفظ بحماقات، يا هوراس ألفريدسون.
- تكونين ما لا تكونين.
- هل هذه هي فلسفتك الجديدة؟
- هي هذه.
- هل سمعتِ، يا كريستينا سفينسون؟
علت الموسيقى في العلبة الليلية إلى الحد الأقصى، وتفجرت حماسة الراقصين، وللحديث مع غيرك، كان عليك أن تصيح في الحجرات التحت الأرضية.
- كيف؟
- هل سمعتِ ما قال هوراس ألفريدسون؟
- ماذا قال؟
- أنا جلادة وهمية.
- أنتِ ماذا؟
- جلادة وهمية.
- أود لو أكون جلادة وهمية.
- فلسفته الجديدة.
- كلامه الجديد.
- هام ما تقولين.
- الأهم في رأيي.
- سفسفته الجديدة.
- الفلسفة سفسفة قديمها كجديدها. لنقل فلسفة، ولنفهم سفسفة. جديدها كقديمها، ما يتغير ثوبها، كلامها. إذا كان الكلام جديدًا كانت الفلسفة جديدة، وهذا ليس شأن من شؤون الفلاسفة فقط.
- لكل منا فلسفته الجديدة إذن.
- تحت شرط أن يكون كلام كل منا جديدًا.
- كلام جديد يخرج من تحت لساني، علقت كاتارينا فريدن، وأنا ألعق عضو هوراس ألفريدسون، وهو يصفعني في الوقت ذاته. اعذرني، يا ألفريدسون، نسيت أن أصفعك! قبل هذا يجب أن أصفعك! لماذا لا تصفعين لندغرن وأكرفيلدت، يا كريستينا؟ اصفعيهما لتلعقي بكل حرارتك الجنسية! نعم، هكذا! مزقي بطن الأول فالثاني بأظافرك! كيف تشعرين؟
- كالجليد!
- كل عالم للجليد في ستوكهولم كلام جديد.
- نحن في ساد ستوكهولم لا في ستوكهولم وإن كان ساد ستوكهولم في ستوكهولم.
- اتركيني أفعل بدلك، وخذي الفلسفة الجديدة.
- أنا الكلام القديم؟
- سيخنقه في فمك، فلا تخشي شيئًا.
- كيف سأبدأ؟
- ادخلي هذا السيخ فيه.
- سينزف.
- هذا أفضل من أن يخرأ، كما يخرأ كل الكتاب اليوم.
- لا، يا ماخور الخراء! صرخ هوراس ألفريدسون، لا، يا كريستينا سفينسون! رفقًا بي، لا تكوني مجرمة!
- يخرأون كبعضهم البعض، فلا يتميزون.
- كريستينا سفينسون، لا!
- ربما تميز واحد بخرائه عن خراء واحد آخر، بلونه، بثقله، برائحته، لكن الخراء يبقى خراء.
- قلتُ لا، يا ماخور الخراء!
- هو ذنب تطور كلام الخراء إذن.
- كريستينا سفينسون!
- لا خراء يطور كلام الخراء إلا الخراء.
- أيتها المجرمة!
- تقولين يطور؟
- أيتها الجلادة!
- بلغة الخراء.
- أيتها السادية!
- وبلغة الإبداع؟
- أيتها السويدية!
- أَسَنُ الماء.
- يا ماخور الخراء!
- على الفائز بنوبل أن يطوّر كلام الخراء لا كلام الإبداع.
- يا ماخور الخراء! يا ماخور الخراء!



* يتبع القسم الخامس