سحب السفراء من قطر ... يعزز الدور الإيراني


خالد الحروب
الحوار المتمدن - العدد: 4388 - 2014 / 3 / 9 - 14:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية     

شبكة الإذاعة الايرانية الناطقة بالانجليزية اسهبت في تغطية خبر الازمة الخليجية التي نشبت إثر القرار المفاجىء للسعودية والامارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر. ركزت تلك التغطية على ان هذه الازمة ستقود إلى تفكك مجلس التعاون الخليجي, وانهياره, وهو المجلس, بحسب تلك التغطية, الذي عانى دوما من خلافات وضعف. في اسلوب صوغ الخبر هناك غبطة يسهل التقاطها بين السطور, مُضاف إليها قدر غير قليل من التفكير الرغائبي بأن تسير الأمور من سيء إلى اسوأ في البيت الخليجي. يكرر الخبر كذلك استخدام وصف "الخليج الفارسي" بشكل ملفت, وكأنه يحمل رسالة تقول أن اي تجمع اقليمي في الخليج لا تكون إيران على رأسه وتدمغه بالختم الفارسي لن ينجح ويجب ان لا يقوم اساسا. بل إن اسم مجلس التعاون الخليجي باللغة الانجليزية Gulf Cooperation Council وهو الاسم الرسمي والدولي المعترف به والمستخدم عالميا يتم تعديله إلى Persian Gulf Cooperation Council.
ربما لم نكن بحاجة إلى إشارة الإذاعة الإيرانية حتى ندرك أن إيران هي المستفيد الاول والمباشر من خطوة سحب السفراء التي فجرت الخلاف على السطح داخل البيت الخليجي العربي. وان التمدد والنفوذ الايراني المتواصل في المنطقة العربية, من العراق, إلى سوريا, إلى لبنان, إلى اليمن, ومعطوفا عليه جيوب التأييد هنا وهناك سواء في الخليج او وراءه, هو المستفيد الاول والمباشرمن اضعاف الجبهة الخليجية بل والعربية في وقت هي في أمس الحاجة إلى الإستقواء الداخلي. تداعيات هذه الخطورة قد تكون خطيرة وكبيرة وكارثية إن لم تتحرك رئاسة مجلس التعاون وتشتغل بكل جهد لإحتوائها. فالمجلس يواجه الآن اخطر تحد له, ربما منذ تاريخ تأسيسه في اوائل ثمانينات القرن الماضي, وهو تحد يطال الأمن القومي لكل بلد من بلدان الخليج العربية بشكل منفرد, كما يطال امنها الجماعي, ويضع دول المجلس امام خيارين: إما الإحتواء الفوري للأزمة وتداعياتها, وإما فسح المجال عريضا امام إيران لتخترق الخليج في منطقة القلب منه هذه المرة, وليس على هوامشه كما هي حال الاختراقات الايرانية في العقود الماضية. ومما لا شك فيه ان صناع القرار ومنظرو الاستراتيجية الايرانية في طهران يفركون الآن ايديهم أملاً بأن تتفاقم الأزمة وتزداد توتراً, وينقسم مجلس التعاون الخليجي على نفسه, وتسير الأمور بإتجاه السيناريو الثاني ليسهل الاختراق الذي لطالما حلمت به طهران.
التحدي الكبير الذي يوجهه مجلس التعاون الخليجي يستلزم مقاربة دقيقة وعقلانية وهادئة بعيدة كل البعد عن ردود الفعل الغاضبة والعاطفية, وتعتمد على تقليب المسألة والنظر في إعتبارات كثيرة منها الآتية:
الإعتبار الاول هو ضرورة إدراك وتعقل الدرس الإيراني في السياسة الاقليمية. وهنا يدفع العرب, وخاصة عرب الخليج, ثمنا باهظا ان فات عليهم الدرس المتكرر في السياسة الايرانية الاقليمية بكونها لا تضيع وقتا ولا تتردد في القفص واقتناص الفرص بشكل فوري, والمباشرة في تبني خيارات هجومية واسثمارية سياسية كلما لاحت لها فجوة محتملة في الجوار الاقليمي. وربما لن ننتظر طويلا حتى نرى توظيفا ايرانيا سريعا للأزمة الخليجي من قبل طهران. وستحوم ملامح هذا التوظيف حول تكريس الإنقسام الراهن وتعزيزه عبر مد جسور "التعاون" و"الدبلوماسية" لتتموضع هذه الجسور في المساحة الفاصلة بين محوري الازمة السعودية, الإمارات والبحرين من جهة, وقطر وإلى حد ما عُمان والكويت من جهة ثانية. تشجيع بلورة هذين المحورين هو ما سيقع في قلب التوظيف الإيراني المُتوقع, لأن هذا معناه الإبقاء على فجورة الإنقسام الفجوة التي ظهرت فجأة, ثم السهر على رعايتها وتوسيعها.
الإعتبار الثاني هو ضرورة إيقاف الأزمة فورا وعند حدها الذي وصلت إليه, وعدم السماح لها بالتفاقم عن طريق القيام بأية إجراءات اخرى من قبل اي طرف. فتجميد الأزمة على ما هي عليه والحيلولة دون تدهورها هو الخطوة الاولى لبداية حلها وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه. وهنا علينا ان نقول ان رد فعل قطر على الخطورة كان حكيما وناضجا, إذ لم تتسرع بالقيام بسحب سفرائها من الدول الثلاث كرد ومعاملة بالمثل. وعدم الرد هذا يمثل إبقاءً الباب مفتوحا لأية جهود وساطة يجب ان تبدأ الآن وفوراً. وهنا فإن القناعة التي يجب تتملك الجميع تكمن في لا حل عملياً إلا بالحوار وإعادة ترسيم العلاقات والمواقف على اسس تعاونية وتكاملية وسيادية. سياسة إدارة الظهر والقطع لا تحل المشكلات, فهذه السياسة في عالم اليوم المتسم بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والاعلامية المفتوحة والمركبة والمعولمة ليس لها من ناحية عملية تأثير كبير.
الإعتبار الثالث هو إعادة تذكر احدى القواعد الصعبة في مشروعات التكامل الاقليمي وهي صعوبة توحيد السياسة الخارجية والسياسات الامنية, وتجربة الإتحاد الاوروبي تقدم الدرس الأكثر غنى في هذا الصدد. فهذه التجربة التي تعتبر رائدة تجارب التكامل الاقليمي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية تقول لنا ان هناك جوانبا في هذا التكامل يمكن تحقيقها والتقدم في إنجاز مستويات عالية في تنفيذها مثل الجانب الاقتصادي, والجمركي, وجانب تنقل الافراد والبضائع, وجوانب اخرى متعلقة بالفن والتشريعات وحقوق الإنسان وغيرها.وفي المقابل هناك جوانب بالغة الصعوبة حيث يتسم التقدم في انجازها وتحقيق مستويات ولو متواضعة فيها بالبطء والتدريج واحيانا الجمود, وعلى رأس هذه الجوانب السياسة الخارجية المشتركة, وكذلك السياسات الامنية الداخلية ـ وهذه تختلف عن الاستراتيجيات الكبرى التي تكون احيانا هي الدافع الاساسي للتكامل الاقليمي, كالأنخراط في حلف الناتو مثلا كإطار عسكري حام للمنظومة برمتها. لكن المقصود بالسياسات الامنية هنا ما يتعلق بالداخل والمجتمعات والتهديدات "غير الوجودية".
الاعتبار الخامس, وبالتأكيد ليس الاخير إذ هناك اعتبارات اخرى يمكن اضافتها, متعلق بمستقبل التعاون بين دول الخليج والأطروحات الأخيرة التي نوقشت في القمم الخليجية بشأن الإنتقال من مرحلة "مجلس التعاون الخليجي" إلى "الإتحاد الخليجي". مستقبل تلك الافكار الطموحة يجب ان يتم التميهد له عبر مراحل وسيطة تعزز من التعاون والتسيس الخليجي الداخلي على اسس براغماتية ومصالح متبادلة. والأزمة الحالية تطرح بقوة ضرورة إيجاد آلية خليجية لفض النزاعات تكون فعالة وقوية وتقف إلى جانب التقدم للإمام عند الرغبة في الانتقال إلى اية مرحلة جديدة من التعاون. في السياسة والعلاقات الدولية والاقليمية لا تعتبر الخلافات شيئا نادرا او مُستغربا, بل ربما كانت هي النمط الاكثر تسيداً, والسياسة اصلا هي حسن إدارة تلك الخلافات وتقليلها إلى الحد الأدنى وتفادي منعكساتها السلبية. الأزمة الحالية من هذا المنظور يمكن تحويلها إلى مناسبة لإجتراح مقاربات ايجابية وآليات مستقبلية تقوم على قاعدة إحتواء الخلافات والسيطرة عليها وحلها, وعدم تركها للسيطرة على الحكومات والدول وبالتالي قيادة الجميع الى المجهول.