الداعشية الإسرائيلية وتشريع إبادة الفلسطينين


خالد الحروب
الحوار المتمدن - العدد: 5853 - 2018 / 4 / 22 - 14:38
المحور: القضية الفلسطينية     



هناك قانونان للحرب بحسب الحاخام الإسرائيلي "اوفير ووليس" المحاضر في كلية بناي ديفيد العسكرية: قانون حرب الرب، او ال mitzvah، وقانون حرب المُضطهد. هدف قانون حرب الرب ليس فقط الدفاع عن شعب اسرائيل بل وايضا قتل وإبادة اعداءه المُحتملين، مثل اعدائه في غزة بسكانها على سبيل المثال. النص التالي هو الترجمة التقريبية لما نشره ناشطون غاضبون على محاضرة دينية مصورة بالصوت والصورة للحاخام المذكور القاها في برنامج تأهيل ديني لجنود وضباط اسرائيليين في الكلية العسكرية المُشار إليها: "... نحن نقول ان حروب اليوم هي حروب ميتزفاه للسيطرة على ارض اسرائيل (اي حروب الرب)، ...، وقوانين حرب الميتزفاه تختص بحرب احتلال الارض والسيطرة عليها ... فحتى لو لمْ احتل غزة الان فإن إحتلالها يبقى جزء من السيطرة على ارض اسرائيل ولهذا فإن الحرب عليها في هذه الحالة تعتبر حرب ميتزفاه ايضا. وتبعاً لذلك فليس هناك اي طريقة اخرى، مثل عدم قتلهم جميعاً. لأن هذا هو الفرق بين قانون حرب المُضطهد وحروب الميتزفاه (الإلهية) ... حرب الميتزفاه لإحتلال الارض لا تتوقف عند حماية شعب اسرائيل من اعدائهم ... وأرى انها قد تمتد ... إلى التدمير والقتل والتسبب في إبادتهم (الاعداء!) جميعاً. لن افعل ذلك الآن لأن القيام بذلك يعارض الاتفاقيات الدولية ويعني نهاية دولة اسرائيل، إلا ان حدثت معجزة من المعجزات ... وهذا هو السبب الوحيد الذي يمنعني من القيام بذلك (اي اعلان حرب ميتزفاه ضد غزة وسكانها)". هذه الكلمات مقتبسة من نص المحاضرة نفسها، والحاخام المحاضر يتلقى راتبه من الدولة، والكلية العسكرية المرموقة تنفق عليها وزارة الدفاع الاسرائيلية: http://mondoweiss.net/2018/04/influential-soldiers-genocide/. هذا للقول بأننا لا نتحدث عن اصوات متطرفة ومهووسة بالإبادة لكنها لا تلعب دوراً مؤثراً في قلب المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، بل للقول بأن هذا جزء من خطاب يشكل عقول وتصورات الجنود الذين يواجهون الفلسطينيين يومياً، ويزرع فيهم غريزة بدائية للقتل والتدمير الديني تحت مسوغ حروب الرب وارادته.
لنتخيل ان مثل هذا الحديث كان محاضرة او خطبة دينية القيت على جنود وضباط في اي جيش لدولة عربية او اسلامية، تعمل على غسل ادمغة الحضور بأن الحرب الحقيقية هي حرب الرب التي لا تتوقف عند حدود الدفاع عن النفس، بل تشرعن الإبادة الجماعية لليهود واسرائيل، ولا تفرق بين محارب ومدني منهم. كيف يمكن ان يكون الإنفجار الاعلامي والسياسي وإلى اي اسقف ممكن ان يصل. في الحالتين وفي كل الاحوال لا حاجة لتأكيد ابجديات إنسانوية يجب ان ترفض كل حروب الإبدات العنصرية جملة وتفصيلا ومن دون اي "لكن" ومن دون اي تسويغ. يمكن هنا توجيه نقد إلى هذه السطور مرده أن التقاط ما قاله هذا الحاخام وتضخيمه وتسليط الضوء عليه مسألة تقع في اطار المبالغات التي لا ترى إلا جزءاً من الصورة، صورة اسرائيل الديموقراطية المدنية ذات الجيش المُسمى "جيش الدفاع" والمُلتزم بمستوى سلوك وأداء عسكري رفيع يحافظ على حياة المدنيين، كما هي الصورة الرسمية التي تسوقها اسرائيل عن جيشها. ومثل هذا القول والإنتقاد هش غير متماسك لأن ما قاله الحاخام ولم يكن يتوقع ان يكون مصوراً ثم مفضوحا في العلن، تحول إلى خطاب رئيسي ديني داخل المؤسسة العسكرية الاسرائيلية التي ظلت تشهد على الدوام صراعات وتنافسات بين "الحرفية العسكرية العلمانية" و"النزعة الدينية المُتصاعدة"، وهي الصراعات المُنعكسة عما يحدث في المجتمع بعامة والمشهد السياسي العريض. فالإنزياح الهائل في المزاج الاسرائيلي نحو اليمين الديني يمثل اليوم احد اهم وربما اخطر التحولات التي تشهدها بنية المجتمع الاسرائيلي. الصهيونية التي مثلت العمود الفقري للدولة العبرية وفكرة قيامها ووظفت الدين لخدمة تلك الفكرة، فقدت مركزيتها او جزءا كبيراً منها واصبحت خاضة للدين الذي استخدمته. وإن كانت الصهيونية العلمانية قد نجحت عبر عقود طويلة في "صهينة الدين اليهودي" وتحويله إلى ايديولوجيا سياسية، وقوضت كل الآراء الدينية الأخرى التي كانت رافضة للفكرة الصهيونية وإقامة دولة يهودية، فإنها (اي الصهيونية) اليوم تجد نفسها ضحية ذلك الدين المتصهين، والذي يعيد الكرة اليوم ويقوم بتديين الصهيونية وتوظيفها لخدمة تصورات المتعصبين والعنصريين دينياً. ويمتد هذا التحول الإرتدادي إلى داخل المؤسسة العسكرية ذاتها التي تلتهمها تصورات خليطة بين التعصب الديني والعنصرية المُتصاعدة ضد الفلسطينين.
ليس ثمة مبالغة او تهويل في هذا التصوير وأمامنا التصريح النازي والإبادي الآخر الذي اطلقه حديثاً العنصري أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الاسرائيلي مُنددا بالفلسطينيين المُتظاهرين في غزة في مسيرة العودة الكبرى. ليبرمان وفي تبريره قتل الجيش الاسرائيلي لفلسطينين عزل وجرح مئات منهم خلال جُمع المسيرات قال إنه ليس هناك أناس مدنيون في غزة. هناك مليوني فلسطيني محاصرين ومسجونين في قطاع غزة ويعيشون اوضاعاً مأساوية بائسة في منطقة تغص بالبشر وتعاني كل انواع المآسي، ولخصتها تقارير الامم المتحدة بوصفها قطاع غزة منطقة قيد التحول لتصبح غير صالحة لعيش البشر مع سنة 2020. هؤلاء جميعاً بأولادهم واطفالهم وشيوخهم ونسائهم ليس فيهم مدنيون او ابرياء، كلهم اهداف شرعية ل "جيش الدفاع الإسرائيلي". هذا التصور والتصريحات العلنية لم تصدر عن متطرف هامشي، او صوت معزول، او مهووس ديني يلاحقه القضاء، بل عن وزير الدفاع نفسه، والذي كان وزير خارجية ايضا، والذي ظل يتنقل من مسؤولية رسمية إلى اخرى. ليبرمان العنصري القادم من مولدافيا والذي لا علاقة له بالارض والمكان يريد ان يبيد اهل الارض واهل المكان فلا يعود يراهم كي لا يذكرونه بفداحة جريمته.
الصورة الأعم لا تقل عنصرية وجرائمية، ذلك ان إسرائيل وعبر حصارها قطاع غزة كانت ولا زالت تطبق عملياً ما يحلم به الحاخام اوفير ووليس، حرب ميتزفاه إبادية. الفرق الوحيد بين التطبيق التدريجي الهادىء لحرب الميتزفاه الإبادية الذي تقوم به إسرائيل كدولة وسياسة وبدعم من واشنطن وتواطوء عالمي واقليمي ايضا، وما يطالب به الحاخام العنصري هو درجة العلنية والوحشية في التطبيق. اسرائيل تطبق عملياً نصيحة "ووليس" عبر الخنق البطيء والصامت، تتفادى الضجيج كي لا يحتج من تبقى من شرفاء العالم على الجريمة، وحتى تحافظ على صورتها التي كانت ولا تزال السبب الوحيد الذي يحول دون انخراط الحاخام في حربه التوراتية لمحق الفلسطينين عن بكرة ابيهم.
ليس هناك منهجية داعشية ابشع من ذلك ولا اكثر تطرفاً منها لأنها شبحية ومتسترة رغم فظاعاتها. هذه داعشية رسمية تتبناها دولة تزعم انها عصرية وحديثة وديموقراطية، وليس داعشية حزب او جماعة متطرفة على الهامش يلفظها المجتمع وتياراته العريضه. داعشنا المجرمة التي انفجرت تمظهراتها في سورية والعراق ليس داعشية رسمية ولا سياسة اي دولة من الدول، وظلت تافهة ومسترذلة ومرفوضة من قبل الغالبيات الكاسحة. كما انها ونظيراتها المتطرفة كالقاعدة وما تفرع عنها وسواها ورغم كل الضجيج والتصايح النذل بالجهاد ظلت على الهامش وسوف تختفي. بيد ان المُرعب في الداعشية الإسرائيلية هو تمكنها من رأس النظام في اسرائيل، سواء النظام السياسي او المؤسسة العسكرية. وهي ايضا ذات الداعشية التي نراها في سياسات وتصريحات امريكية وغربية على اعلى مستوى. هنا تنخر الداعشية في قلب التسيس وليس على هوامشه، لكنها تعتمد استراتيجة الإماتة البطيئة والخنق الهادىء من دون ضجيج ومن دون تفجير الدم على الشاشات. داعشية البغدادي وعصاباته لا تتصف بإجرامها وحسب بل وفي غبائها المتوهج بالدم على شاشات التلفزة لتسحب كل الإدانة نحوها، مقدمة الخدمات الجليلة الاكبر للداعشيات الاخرى التي لا تقل عنها بشاعة كي تهرب من الضوء والاعلام.
ليس ثمة ابشع من الحروب والدم في تاريخ الكون، لكن بشاعة الحقيقة لا تخفف من حقيقتها. وحروب البشر كانت وما تزال قائمة على صراعات وتنافسات السيطرة والارض والاحتلال والمقاومة. كل حرب من فجر البشرية وحتى الآن يمكن فهمها من منظور الصراعات وحمى القوة وجنون العظمة وتملك الثروة والموارد. مع ذلك ظل إستدعاء الآلهة للحرب لتقاتل مع هذا الطرف او ذاك هوس المُتحاربين منذ عصور السحيقة، من الفراعنة والرومان الإغريق، إلى الهند والصين، وليس انتهاء بأفريقيا وامريكا القارية بشمالها وجنوبها. ليس هناك "ميتزفاه" يهودية او اسلامية اومسيحية او هندوسية يقرر فيها الرب إبادة جنس لصالح جنس آخر، بل تفسيرات وتأويلات مُتعصبين يريدون تجنيد الرب في هذا الجيش او ذاك، لأهداف واطماع ارضية. لكن اذا ترعرعت الداعشية في رأس النظام نكون قد خطونا خطوات هائلة ومرعبة حقاً نحو دمار من نوع مختلف.