العشاء الأخير.. -علي السوري-11


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 4384 - 2014 / 3 / 5 - 23:16
المحور: الادب والفن     

انقسموا حولكَ:
طوائف متفاوتة، و منهم من أعلن السياسة سبباً للشقاق...
أمّا أنا..
فخبزتُ قرص الشمس في صينية زرقاء.. و حلمتُ:
سأرتدي الغيم فستاناً أبيض.. و سيحضر " الله" الاحتفال...

قالوا لي أنّك غدوت كقربانٍ جديد؟!.. لم أُصدق..
انقسموا أيضاً حولك.. قتيل أم شهيد.. لن أُصدّق..

نثرتُ النجوم كمكسرات .. و القمر كان صينية فضيّة..
حمَلّتها بالأحلام و الخيام .. و مدائن الياسمين..
قهوتي كانت مرّة.. كأنني في (عزاء)!

انقسموا أيضاً و أعلنوا غابة من حرب!
لا أريدك أن تعود الآن..
حبيبي..
ها هنا نُصلَبُ برصاص الكلمات..
ابقَ في السماء...

هذا ما كتبتُ قبل دخولي إلى عيادة طبيب زميل، كنتُ أعلم أن مرضي إذا ما رضختُ له سيسجنني يوماً كملك مستبد.. و أنا أريد أن أستمر..لذلك قررت أن أتمرد تمرداً خالياً من العمائم..
و العقل عندما يثور يفكر و لا يكفّر و ينكر الآخر.. المرض موجود فلنتعامل معه إذاً.. أحلم بعائلة و بطفل يشبه السوريّ.. أريد أن أسمع كلمة " ماما".. أريد أن أكتب و لن يأكلني مرض عتيد..

خرجت من العيادة بعد حوالي ساعتين.. قضيت ساعة و نصف في الانتظار، و نصف ساعة في سماع -ما أعرفه- عن مرضي..
قررت أن أمشي قليلاً في شوارع لا أعرفها، فما برحتُ أتخيل شوارع وطني و قد ملأها الخراب.. أناجيه:
يا " عليّ":
أين أكتب سريَّ الصغير في زمن الجاسوسيّة، قلة الوفاء.. الغدر و الأقمار الصناعيّة؟!
وزّعتُ على ثلاثة أصدقاء لا يعرفون بعضهم أحرف اسمك.. و احتفظتُ بالشدّة أشدُّ بها ما استطعت من فرحتي بلقائك..
يا " عليّ" أخاف أن أنهمرَ يوماً كمطرٍ شتويٍّ حزين على شجرة دائمة الخضرة تُظِلُّكَ مع أُخرى، فيصبح كل حرف مع كل صديق نهاية.. و تبقى شدّتك معي فأسكن الغيم .
************

-و لمَ لا تقولين أنّ هناك (طرف ثالث).. يقتل من الجيش و من المتظاهرين حتى تشتعل البلاد، و يدخل الغريب ( للإنقاذ) كما حدث في العراق...

-أوف عل ( أقلويتك) يا " أليس" و من يعتقل أصحاب الرأي.. و من يطارد الكتّاب و النشطاء.. من اعتقلني أنا شخصياً؟! الكرسي يفعل فعله و سيذهب بالوطن و حلمه...

-لا يا ملكة الأكثرية.. في عمري لم أفكر كمنتمية لأقلية.. أعترف بسوريتي و حسب.. لمَ هي ( موضة) كل ما فتح شخص محسوب على أقليّة فمه يكون ( أقلوي).. هل هذا يعني أنّ (الثورة) طائفية و ليست سوريّة؟!
أنظمة العرب بكلها استبدادية يا " سناء".. هذا غير قابل للشك.. لكن هل ما يجري هو إسقاط للاستبداد، أم أنه إسقاط لوطن كامل؟!
أنا بسيطة.. درويشة (إذا بدّك).. لا أفهم كيف تغرق البلد في الدماء كي نستبدل استبداد سياسي باستبداد ديني ألعن و أدق رقبة!

كانت " عبير" تستمع بحزن إلى أن ارتفع صوت الصديقتين.. و لا يوجد ما يميّز السوريين اليوم كالصراخ:
- كفى.. نقاشكما و بكل بساطة نموذج صغير عن أي دمار حلّ و يحلّ فينا.. " سوريا" ليست ملكاً لأحد و لن تكون.. و عندما نوّدع الاستبداد سنوّدعه بجميع ألوانه.. نحتاج أجيالاً من الثورات.. نحن نحتاج رجالاً.. و ليس عمائم و لحى.. البارحة فقدتُ صديقاً، لن أخبركم من كان و مع أي الأطراف الكثيرة كان ..
سأخبركم أنه قد عاش فقيراً و مات فقيراً.. لا أعلم كم ماتت معه من الأحلام...
أعلم أنه كان " سورياً" .. و هذا يكفي كي نخجل من أننا ما زلنا على قيد الترهات و التقسيمات في زمن رَخصت فيه الدماء...
***************


في نفس الزمان و غير المكان كان ل " عمار" مع "هبة" حديث آخر:
- مازال الحمقى يختلفون على المسميات.. و يحوّلون ملوك الطوائف إلى آلهة..
كانت حرباً أهليّة.. اليوم هي حربُ طوائف.. و غداً حربٌ عالمية.
- لن يخرج أحدٌ من هذه الحرب بنصر أو بعز..الأسوأ لم يأتِ بعد.. لا مكان لنا نحن البسطاء اليوم.
-كم أخاف يا " عمّار" أن يصبح المكان بكامله لنا غداً..
- ماذا تعنين؟!
- أخاف ألّا يبقى أحد على قيد الوطن بعد أن أفقدهم القتال على حيازة الآخرة كل الدنيا.. يصبح المكان لنا لأن عقولنا أو لأن كلماتنا الطيبة لوحدها بقيتْ على قيد الحياة.
***********

نحن لا نموت دفعة واحدة..
نحن نموت بالتدريج.. ببطء.. ربما هي الروح تحاول أن تتحرر من الجسد رويداً رويداً.. و كلما ذوت قليلاً كلما اقتربنا من النهاية...

أضرب لكَ أمثلة:
في غربتي سمعتُ أنّ أختي مصابة بالسرطان .. مات فيّ شيء.. لا أعرف ما هو!
لكنني تغيّرت بعدها.. كبرتُ عمراً...
صُدمتُ بما اعتقدته حبي الأول و مات شيء ثانٍ..
مرضتُ بداء مزمن.. و ذوى شيء ثالث..
رأيتُ حريق وطني من قبل اشتعاله.. كانت النبوءة أقوى من الحياة و ماتت فيّ أشياء...
لا تضحك لكني أحسّ أنني بمئة روح!.

كانت هذه محادثتي السابعة بعد المئة مع السوري الحزين.. أغلقت جهاز ( الكومبيوتر) و قلت في نفسي:
بما أني بمائة روح: أستطيع أن أُقامر بروحٍ ما في حب شخص لا يراني.. ليس سهلاً أن تحبّ قضيّة!


يتبع...