تعويض عربي لضحايا الإرهاب!


خالد الحروب
الحوار المتمدن - العدد: 4234 - 2013 / 10 / 3 - 08:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أين الإسلام المعتدل وأين المسلمون المعتدلون مما تقوم به القلة المجرمة التي تنتسب إليهم وتقوم بإرهاب مخز باسم دينهم؟ بتنا لا نستطيع متابعة حلقات الإرهاب التي تقوم بها الجماعات التي تتناسل عن بعضها البعض باسم الدين وباسم الجهاد وتلطخ بفعلها كل من يمت للعرب والمسلمين بصلة. الصورة الإجمالية للعرب والمسلمين في العالم مشوهة والسبب يعود لـ«المجاهدين الأشاوس». وإن كان تردي تلك الصورة يعود لإجرام هؤلاء، فإن بقاءها وعدم تغييرها هو خطيئة الأغلبية الكاسحة والصامتة، والتي لا تفعل شيئاً من أجل الدفاع عن ذاتها الجمعية، ولا عن قيمها، ولا عن دينها. كل ما نقوم به حتى الآن هو القول الخجول بأن «هؤلاء» لا يعبرون عنا ولا عن الدين الصحيح، ثم سرعان ما يعلو صراخنا ضد الإعلام الغربي الذي «يشوه صورتنا ويتهمنا بالإرهاب»! لا يحتاج الإعلام الغربي ولا غيره للتآمر علينا لتشويه صورتنا أو ما شابه ذلك، بل يكفيه نقل وتصوير ما تقوم به تلك الجماعات المنتسبة إلينا وحتى من دون تعليق. الدفاع اللفظي عنا ومحاولة تقديم طروحات نظرية حول تسامح الدين وتعايشه، لن تُقنع أو تعوض أُماً رأت أطفالها يقتلون أمامها برصاص «المجاهدين»، ولن تقنع أو تعوض طفلاً فقد والديه، أو عشرات الضحايا وذويهم، ممن قتلوا أو مُثل بهم أو أُغتصبوا في «حلبة المعركة»!

القول اللفظي لا يدحض الفعل العملي، وإطفاء الحرائق التي تلتهم الصورة العامة للمسلمين بسبب إرهاب تلك الجماعات لا ينجح عن طريق التصريحات التي تؤكد أننا طيبون، وهي تصريحات لا معنى لها عندما يفور دم ضحايا أبرياء، بل تصبح محاولة ساذجة لتخفيف الألم!

مطلوب من الأغلبية الكاسحة من المسلمين، وفي مقدمتهم العرب كونهم قادة «الإرهاب الإسلامي»، أن ترد الفعل الإرهابي بفعل حقيقي وليس بقول أو لفظ. مطلوب تداعي هذه الأغلبية ومفكريها وقادة الرأي فيها إلى الانشغال بالسؤال الكبير حول ما يمكن عمله وما هي الآليات التي يجب تبنيها من أجل تقديم صورة الإسلام المعتدل، للعالم والناس والضحايا الذين تضرروا جراء إرهاب جماعات التطرف. وفي سياق الإجابة على سؤال «ما العمل؟»، يتعين تأسيس «الصندوق الشعبي الإسلامي لتعويض ضحايا الإرهاب». وتكون الوظيفة الأساسية لهذا الصندوق الوصول إلى كل المتأثرين بالعمليات الإجرامية المنسوبة إلى الجهاد والوقوف إلى جانبهم معنوياً وإبراز التضامن معهم ثم تعويضهم مادياً عن خسائرهم سواء في من فقدوا من محبيهم أو في ممتلكاتهم. لا يمكن تعويض أحد فقد ابناً أو أخاً أو أباً أو أماً، عن طريق القتل والإرهاب الظالم، لكن التضامن المعنوي والتعويض المادي يخففان من المصيبة أولًا، ويؤديان رسالة مهمة وملحة ثانياً، وهي أن القتلة لا يمثلون المسلمين ولا دينهم، وأن إجرامهم لا دين له ولا قيم.

لنتأمل حلقات المجزرة الإرهابية التي قامت بها منظمة «الشباب الإسلامية» الصومالية والتي يندى لها الجبين. إرهاب أعمى موجه ضد مدنيين عزل يتسوقون ويتجولون مع أبنائهم ونسائهم باطمئنان في مركز تسوق. أين البطولة والشجاعة والدين أو حتى المروءة الجاهلية في اختطاف النساء والأطفال وبث الرعب في قلوبهم، ثم فرزهم وسؤالهم عن دينهم، فإن كانوا مسلمين أطلق سراحهم وإن كانوا مسيحيين قتلوا؟! وأية تعاليم دينية قرأها أولئك المجرمون تبرر لبعضهم اغتصاب أطفال في أيام الاختطاف، ثم لتعتذر القيادة عن تلك الأفعال وتقول بكل صفاقة إنها مجرد «تصرفات وأخطاء فردية»؟! وما هو الإنجاز العظيم الذي حققه «المجاهدون» عبر قتل العشرات من الأبرياء وجرح وإعاقة المئات، سوى تأليب الحقد والكراهية على كل ما يمت للإسلام والمسلمين في كينيا؟!

في باكستان والهند هناك أيضاً إرهابيون ومجرمون بكل معنى الكلمة يخوضون حرباً تافهة ضد كنيسة هنا أو حسينية هناك، ويتصايحون في هوس وانحطاط بشعارات دينية وكأنهم حققوا نصراً مؤزراً وكل ما فعلوه هو إراقة دماء مصلين مسالمين! وقريباً منا في سوريا، تتوالى «بطولات» مجاهدي «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام»، وتتمثل في تحطيم أيقونات كنيسة هنا، وتحطيم صليب هناك، وإرهاب كل من لا يقدم فروض الطاعة لأمير أرعن هنا أو هناك. وفي العراق نفسه تُكتب مجلدات عن سفالات أولئك «المجاهدين» وولغهم بالدم البريء. منذ إرهاب الحادي عشر من سبتمبر 2001 وصورة العرب والمسلمين ودينهم في ترد متواصل. الإسلام والمسلمون، في زمن الإعلام السريع وغير المكترث للصور الكلية للثقافات والمجتمعات، صاروا صنواً للعنف والإرهاب والتعصب. ما تقوم به جماعات الإرهاب التافهة باسم الدين، في طول وعرض العالم، يعود على كل المسلمين ودينهم بالدمار، ويؤلب ضدهم الآخرين.

لكن هناك معضلات ذهنية ونفسية تقف في وجه المكاشفة الصريحة بيننا وبين أنفسنا، والإقرار بأن غالبية الإرهاب الذي يستهدف مدنيين عزل يتم تحت لافتات إسلامية. فعادة ما نشير إلى جرائم الغرب والاستعمار والحروب التي يقوم بها ويسقط من خلالها مدنيون، وهذا تاريخياً صحيح، لكن جوهره مماحكة وجدل يريد أن يهرب من المسؤولية. نعم هناك جرائم غربية واستعمارية في الماضي والحاضر، لكن هل إثبات هذه المقولة سوف يوقف تدهور صورة الإسلام والمسلمين عند الناس العاديين في كينيا مثلاً؟ إجرام الغرب لا يبرر قيام إجرام «إسلامي» مقابل. ففي أول المطاف ونهايته هناك البوصلة المهمة التي يشير إليها النص القرآني: «ولا تزر وازرة وزر أخرى». وهناك أيضاً مماحكات مختلفة ومن درجات متفاوتة مثل حشر النقاش في الألفاظ والمصطلحات، والقول بأن تعبيرات مثل «إرهاب إسلامي» أو «جهاديين إرهابيين» هي من باب التشويه الإعلامي للإسلام وسوى ذلك. وهذه كلها معارك على مستوى لفظي لا تقدم ولا تؤخر، فما يقدم ويؤخر هو الفعل على الأرض، هو أن تنتفض الغالبية الكبيرة للدفاع عن ذاتها، ولتضرب على يد الجماعات الخرقاء التي تخرق قاع السفينة، لأنهم إن لم يفعلوا فإن السفينة آيلة إلى الغرق والخروج من التاريخ.