مصر و الحسابات السياسوية


حنان بن عريبية
الحوار المتمدن - العدد: 4187 - 2013 / 8 / 17 - 06:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ما حصل في مصر ليس إقصاء للإخوان فقط و إنما لكل القوى المدنية و التقدمية. وهو ما يذكرنا بثورة 1952 بداية تقهقر النهضة المصرية التي عرفت أوجها في العصر الذهبي للفترة الليبرالية التي عرفتها مصر في النصف الأول من القرن 20. وهي الفترة التي أعطت لمصر و العالم العربـي الشخصيات العظيمة التي نعرفها في جميع الميادين الفكرية و الفنية و الثقافية.... لم يسجل التاريخ ازدهار دولة عربية و تقدمها في ظل حكم الجيش. و بتفحص التاريخ نجد أن جميع الدول التي شهدت حكم العسكر عرفت تقهقرا على جميع المستويات وحتى الدولة العثمانية رغم استمرارها لمدة تفوق الستة قرون و سيطرتها على أجزاء كبيرة من العالم لم تخرج لنا فيلسوفا أو عالما في أي ميدان و إن عرفت بعض الأسماء العظيمة في مجال المعمار الذي كان مرتبطا بالطبيعة العسكرية للدولة .

و هذا دليل آخر أن عسكرة الدولة يؤدي دائما إلى تقهقرها. بعد ثورة 25 يناير و بعد الانتخابات و بنزول الشعب المصري للشوارع معبرا عن رفضه حكم الإخوان أقرت المؤسسة العسكرية المصرية ظاهريا تبنيها للمطالب الشعبية. مما أفرز بديهيا تأجج الوازع الديني للجماعات الاخوانية التي ترى في مرسي نصرة للإسلام قبل التفكير في صلاحية هذا الشخص لتأسيس مسار ديمقراطي و هو وازع بعيد كل البعد عن الوازع الوطني الباحث عن مصلحة البلاد في التعايش السلمي في كنف حماية الحريات الأساسية للأفراد. زيادة أن الحل الأمني واجهة أخرى تعبر عن تسلط و توغل الجيش في جميع مؤسسات الدولة و دواليبها.

الخطر يكمن في التطرف العسكري و الاخواني. فالتجاذب بينهما عبارة عن حلبة صراع الآن من أجل الحكم و بالتالي بقاء المصريين في ظل الاستبداد. فالجيش المصري في فكه لاعتصام رابعه العدوية بالطريقة القمعية ليس له مبرر إذا نظرنا من زاوية أنهم مواطنون مصريون واعتصامهم سلمي و لا يشكلون خطرا على الأمن العام. أما تســاقط الضحايا و فك الاعتصام برفع السلاح يصبح الأمر عبارة عن إبادة فكرة حتى و لو لم يستحسنها الأغلبية فهي تبقى مجرد فكرة اختارت الاحتجاج السلمي. و بهنا تصبح النتيجة واحدة تعصب عسكري و تعصب طائفي مما يكون سببا رئيسيا في إضعاف الدولة

و في ظل ما جرى لن يكون الحديث عن دولة مدنية و ديمقراطية و إنما دولة صراع و تناحر من أجل السلطة.

إن منطق إما الكل أو الدمار سيجعل مصر تعاني تراجعا و ترديا على الصعيد الاجتماعي و الاقتصادي. فلا تعاطف مع القتل و تبرير الجريمة سواء كان من السلطة أو ممن ضد السلطة خاصة أن فتح بوابة الاقتتال و العنف سيدفع بكل الأطياف الطائفية من داخل البلاد و خارجها في مواجهة ما يطلقون عليه بالطاغوت و إشعال لهيب التكفير لتتحول مصر ساحة معركة. هي بالأساس معركة مصريين ضد مصريين لتسعد مصالح كل من يتربص شرا بهذه البلاد. فإضعاف الدولة المصرية و هز تاريخها يلقى ترحابا عند ممن يرون في تقدم مصر و انتعاشها و رقيها خطرا حقيقيا..

هنا يجب على القوى التقدمية أن تلعب دورها باصرارها على مبادئها مهما كانت الظروف وبعيدا عن منطق الحساب السياسوي و أن تواجه المنزلق الذي تعيشه مصر والذي سيؤدي بها إلى انقسامات قد تكون بوادر انتشار عقليات جهادية الشعب المصري في غنى عنها و لا نرجو لمصر ما حصل في الجزائر و سوريا و إن اختلف السيناريو. من ناحية أخرى قد نصفق للجيش و ننحني له عندما يكون واجبه وطنيا حماية من الأخطار الخارجية لكن الموضوعية في المسألة المصرية تشير إلى انتهاج منظومة عسكرة الدولة الذي لم يحقق تقدما قط.