أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - كلهم زعماء... من أين آتي لهم بالشعب ؟















المزيد.....

كلهم زعماء... من أين آتي لهم بالشعب ؟


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1544 - 2006 / 5 / 8 - 10:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حضرت قبل فترة مؤتمراً في إحدى العواصم العربية بمشاركة حشد من الإعلاميين ورجال الأعمال والنشطاء بالإضافة إلى مجموعة مزركشة من السياسيين اللبنانيين. وقد كان المدعوّن اللبنانيون نجوم المؤتمر بامتياز، لكن ليس بسبب إسهاماتهم العظيمة في فعالياته، بل بسبب مظاهر «البهورة» و«الفانطزية» و«الزعبرة» والتعالي المضحك التي أحاطوا أنفسهم بها في فناء الفندق الذي نزلوا فيه، وكأنهم في مهرجان كان السينمائي. لقد كان بقية المدعويين يتصرفون بعفوية، يتناقشون فيما بينهم في أي مكان يلتقون دون تكلف، يذهبون إلى المقهى لتناول المشروبات ويلتفون حول مائدة واحدة لتناول الغداء، يتبادلون النكات، يتمشون في ردهات الفندق دون هرج أو مرج، يسرحون ويمرحون بأريحية جميلة. أما الساسة اللبنانيون فقد كانوا يتصرفون بطريقة مسرحية كالأباطرة أو على أقل تقدير على طريقة الملوك والزعماء، فلا تمر ساعة إلا ونرى موكباً "مهيباً" مؤلفاً من حشد من الأشخاص يمر مسرعاً في هذه الزاوية أو تلك وفي الوسط شخصية لا نكاد نرى ملامحها لكثرة المحيطين بها من خدم وحشم وحراس ومرافقين، فيلتفت المارة ليعرفوا من يكون هذا، فإذا به رئيس لبناني سابق مضى على خروجه من السلطة أكثر من عشرين عاماً وبالكاد يتذكره أحد، أو زعيم حزب لا يشكل عدد أعضائه مائة رجل، أو قائد فصيل لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، أو ممثل فخذ طائفية يمكن استضافة أتباعه كلهم في جناحين من أجنحة الفندق.

لقد أصبت بدهشة كبيرة وأنا أرى تلك المشاهد التي يحتار المرء في وصفها. هل هي نوع من الكوميديا السوداء؟ أم تجسيد صارخ للبداوة السياسية في أنصع صورها في بلد يتظاهر بالتحضر؟ لقد تذكرت وأنا أرى ذلك الحشد المهول من «الزعماء» اللبنانيين في المؤتمر نكتة الرئيس السوري الراحل شكري القوتلي التي قالها للرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعيد الوحدة بين البلدين. فقد ربت القوتلي على كتف عبد الناصر وقال له: «لا أحسدك على هذه الوقعة، فقد توليت أمور شعب كله زعماء». وفي رواية أخرى «كله سياسيون، كان الله في عونك!» لكن بينما تخلصت سوريا من بداوتها السياسية وانصهرت في دولة وطنية حديثة بقي لبنان متمسكاً بتقاليده الإقطاعية والمشيخية البائدة.

مسكين ذلك البلد الذي يتكاثر فيه «القادة» والبكاوات كما تتكاثر الفئران والأرانب، خاصة إذا ما علمنا أن للعالم كله رباً واحداً! وليس صحيحاً أبداً أن ذلك ضرب من التعددية الديمقراطية. إنها العشائرية والقبلية السياسية المقيتة التي لم تعد موجودة إلا في مجاهل أفريقيا، والديمقراطية منها براء، حتى إنها انتهت في البلدان العربية القائمة على التوازنات القبلية. لقد استطاعت كل البلدان الخليجية مثلاً أن توحد عشائرها وقبائلها في بوتقة وطنية واحدة لتصبح دولاً حديثة ثمثلها حكومات وأنظمة متجانسة. وغدا هناك كيانات وطنية متحدة ومنصهرة بالرغم من التنوع السياسي والمناطقي والقبلي والعشائري والتناقضات السياسية، أي على عكس الوضع اللبناني الذي مازال يعيش في زمن ما قبل الدولة الوطنية.

لقد أراد شمعون بيريس عندما دخلت القوات الإسرائيلية إلى قلب بيروت في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم تفتيت الطائفة الواحدة إلى طوائف. ويبدو أنه كان له ما أراد. فلو كان الصراع اللبناني دائماً بين الطوائف لهان الأمر، لكنه تحول إلى تناحر وتشظي داخل الطائفة الواحدة، فالمسيحيون مثلاً تشظوا إلى أفخاذ، وكذلك الدروز والشيعة والسنة، حتى بتنا نرى زعيماً لكل فخذ يتصارع مع زعيم فخذ أخرى من نفس الطائفة. فلا تغرنك البزات وربطات العنق والجينزات الغربية وقصات الشعر الحديثة التي يظهر بها قادة الأفخاذ الطائفية اللبنانيون، فهي مظاهر خداعة بامتياز، ولا تنم عن تطور حضاري بأي حال من الأحوال من الناحية السياسية، بل هي تحجب وراءها نزوعاًً صارخاً للبدائية السياسية والتقوقع العشائري والتحزب الطائفي والتشظي الاجتماعي والمافياوية البغيضة، هذا في الوقت الذي تخلص فيه لابسو العباءات من عصبياتهم العشائرية والقبلية واستطاعو بناء دول حديثة متماسكة ومتناغمة. ما الفائدة أن أظهر بمظهر حديث وأرتدي أحدث الأزياء الغربية بينما أفكر بعقلية داحس والغبراء من الناحية السياسية، واتمسك بالزعامة حتى لو كانت زعامة شرذمة أو حارة، وأعين سفراء وممثلين لي في الخارج كما لوكنت دولة داخل دولة؟ ومن المضحك أن هناك ممثلاً لكل حزب أو فصيل لبناني في الكثير من الدول. وهو سمت بدأت تقلده الفصائل العراقية بعد أن نجحت أمريكا في لبننة العراق.

ومما يثير السخرية أكثر فأكثر أن بعض «الأحزاب» اللبنانية التي ترفع شعارات تقدمية واشتراكية هي أحزاب موغلة في الوراثة السياسية والزعاماتية والمشيخية والعائلية القروسطية. ويروي أحد الرؤساء اللبنانيين أنه زار ذات يوم زعيم أحد الطوائف فرفضت والدته أن تقف لمصافحة الرئيس، فسألها الرئيس: «ألا يستحق رئيس الدولة أن تقفي للسلام عليه»، فأجابته: «بالطبع لا، فأنت مجرد رئيس، والرؤساء عندنا يأتون ويذهبون، أما البكاوات «جمع بيك» فهم بكاوات إلى الأبد». ولا أدري أين التقدمية إذا كان الوزير في بعض الأحزاب المملوكة لهذا البيك أو ذاك مجبراً على تقديم الشاي والقهوة إذا طلب منه البيك ذلك، كما يتندر اللبنانيون.

في الغرب هناك ألوف الجمعيات والهيئات والاتحادات، لكنها عندما تحضر مؤتمراً لا تأتي فرادى، بل تحت علم الدولة التابعة لها، ففي مؤتمر ديربان في جنوب أفريقيا حضرت كل جمعيات المجتمع المدني الأمريكية تحت اللواء الأمريكي، ولم نر جمعيات تكساس تنفصل عن جمعيات كاليفورنيا في المؤتمر رغم الاستقلالية الكبيرة لكل ولاية حسب النظام الفيدرالي. ولم نر رئيس ذلك الاتحاد يجمع حوله المرافقين ويتبختر كالطاووس في ردهات الفندق الذي نزل فيه. زد على ذلك أن عدد الأحزاب في الدول الغربية محدود جداً بالرغم من التعددية الحزبية الحقيقية، ففي أمريكا هناك الحزبان الجمهوري والديمقراطي، وفي بريطانيا العمال والمحافظون وهلم جرّ. وقد حضرت مؤتمرات كثيرة شارك فيها ممثلون عن الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي، وكنا بالكاد نعرف أنهم يمثلون حزبين مختلفين، لأنهم لم يظهروا في بهو الفندق بتلك الصورة الطاووسية الجاهلية التي يظهر فيها ممثلو الأحزاب والطوائف والفصائل والشراذم اللبنانية، مع العلم أن في أمريكا من الطوائف والأقليات والتجمعات والاتحادات ما لا يُعد ولا يُحصى. لقد انضووا جميعاً تحت الراية الأمريكية، وتحدثوا خلال المناقشات كأمريكيين وليس كزعماء عصابات طائفية أو جهوية. ولا داعي للتذكير بأن الرؤساء الغربيين القدامى يحضرون المؤتمرات الدولية دون أي أبهة أو «هيصة» تـُذكر ، فبالكاد يرافقهم شخص أو شخصان، وفي أحيان كثيرة لا يرافقهم أحد، ولا يثيرون حول أنفسهم أي ضجة أو «زعبرة».

لكم تفاخر اللبنانيون بأنهم استطاعوا التغلب على عصبياتهم الطائفية ونزعاتهم «البكاواتية» من خلال النظام العلماني الذي صهر الأديان والعقائد والأعراق في بوتقة واحدة. لكن ذلك لم يتحقق إلا على الورق، فما زال لبنان بلد الطواويس الزعاماتية والمشيخات والطوائف والعقائد المتناحرة والمتكاثرة، على عكس الهند مثلاً التي استطاعت فعلاً أن تتخلص من تناقضاتها الطائفية والعرقية الخطيرة ومهراجاتها بالنظام العلماني الحقيقي الذي صهر الجميع في إطار واحد ووضع البلاد على طريق التنافس العالمي في الكثير من المجالات، هذا بالرغم من أن أصغر ولاية هندية فيها من الطوائف واللغات والعقائد والعرقيات أكثر مما في لبنان من سكان وسنديان. لكن مع ذلك فإن عدد الزعماء والقادة اللبنانيين «ما شاء الله» يفوق عدد أعضاء البرلمان الهندي ومهراجات بلاد الهند والسند مجتمعين.

كم كان غوار الطوشي محقاً عندما قال في إحدى مسرحياته: «كلهم زعماء، من أين آتي لهم بالشعب؟!»

[email protected]

www.faisalalkasim.net



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا ديموقراطي إذن أنا قاتل!
- الديمقراطية المفترى عليها
- الليبراليون الأصوليون
- كيف غير المخترعون المسلمون وجه العالم ؟
- اشتُم العربَ والمسلمين وأصبح بطلاً في الغرب
- مبروك عليكِ العراق يا إيران
- الغزو الذي أعاد الهيبة للأنظمة العربية
- عولمة باتجاه واحد
- ما أحوجنا إلى النقد التلفزيوني
- الاستبداد العربي أكبر حليف لإسرائيل
- هل يلغون الحج يوماً ما بعد ضجة الرسوم الدنماركية؟
- لماذا لا يتوارون خجلاً؟
- عولمة الحزن والأسى والبلادة
- العولمة تعيد حساباتها
- أليست دولة المؤسسات كذبة كبرى؟
- كلنا أولاد حارة واحدة وما حدا أحسن من حدا
- العوّربة تصرع العولمة بأدواتها
- أنيتا روديك: لدي خمسون مليون جنيه لن أترك منها جنيهاً لأولاد ...
- عندما يتاجر مصممو الأزياء بعذابات الفقراء
- لماذا وحدتهم الوطنية مقدسة ووحدتنا مدنسة؟


المزيد.....




- موقف -مختلف- لفرنسا بشأن ملاحقة -الجنائية الدولية- لقادة إسر ...
- ماذا قالت تركيا عن سبب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟
- لماذا -تتناقض- مواقف إدارة بايدن تجاه أوكرانيا وغزة؟.. مسؤول ...
- فرنسا تعرب عن دعمها لـ-استقلالية- للمحكمة الجنائية الدولية
- محاكمة ترمب في القضية الجنائية غير المسبوقة تدخل مرحلتها الن ...
- مجلس الأمن يعقد جلسة مفتوحة لمناقشة الوضع في رفح
- كواليس قرار الجنائية الدولية بشأن كبار القادة في إسرائيل و-ح ...
- الجيش الأميركي: أكثر من 569 طن مساعدات سُلمت لغزة عبر الرصيف ...
- مسؤول أممي: لا مساعدات من الرصيف العائم في غزة منذ يومين
- بايدن: هجوم إسرائيل في غزة -ليس إبادة جماعية-


المزيد.....

- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - كلهم زعماء... من أين آتي لهم بالشعب ؟