أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - لماذا لا يتوارون خجلاً؟















المزيد.....

لماذا لا يتوارون خجلاً؟


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1460 - 2006 / 2 / 13 - 08:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ابتلي العالم العربي في السنوات القليلة الماضية بثلة من الكتاب والصحفيين والمتفذلكين الذين سهلت لهم شبكة الانترنت المنفلتة من عقالها وبعض وسائل الإعلام الناطقة بالعربية تفريغ أحقادهم على ما كل هو عربي وإسلامي وممارسة نوع من الإرهاب والتعهير الفكري المفضوح، فراحوا يسخرون من التاريخ العربي القديم منه والحديث وينثرون خطاباً ممجوجاً لا يتفوه به حتى عتاة الأعداء، إلى حد أن كتاب صحف معاريف وهآرتز وأيديعوت أحرنوت الإسرائيلية يبدون متحفظين ورصينين ومتوازنين ومتعاطفين مع القضايا العربية مقارنة بهذا الرهط الجديد من المتلبرليين العرب الخارجين على السرب. إنهم باختصار الغربان الجدد مروجو ثقافة الهزيمة وجلادو الذات الذين لا هم لهم إلا النعيق واللطم والعويل المنظم وتحبيط الشعوب وبث روح اليأس والقنوط في النفوس ومحاربة أي خطاب انتصاري وتصوير أي إنجاز عربي أياً كان نوعه على أنه مجرد لعب عيال، كما لو أن العرب لا يقدرون إلا على تحقيق الهزائم والنكسات. وكلما حاول بعض الوطنيين العرب استنهاض روح الأمة تصدوا له على الفور بوابل من المقالات المسمومة وسخروا منه بطريقة مقززة ونعتوا كلامه بأنه خشبي يعود إلى الستينيات أو ديناصوري أو مستحاثي وشبهوه بالإعلامي المصري الشهير أحمد سعيد على اعتبار أن سعيد كان يذيع بيانات بطولية، بينما كان الوضع على الأرض خلال حرب سبعة وستين مأساوياً من حيث تقهقر القوات العربية أمام القوات الإسرائيلية. ولا أدري لماذا يصورون لنا فترة الستينيات من القرن الماضي كما لو كانت رجساً من عمل الشيطان، مع العلم أنها كانت فترة نهوض عربي كبير بالمقارنة مع الآن بالرغم من النكسة. وليس صحيحاً أبداً أن كل ما يفعله العرب يدخل في خانة العنتريات الجوفاء والانجازات الوهمية كما يحلو للجوقة الجديدة تصويره. فمعظم الأمم تعرضت للهزيمة ثم نهضت كطائر العنقاء من تحت الرماد ولو بعد حين.

من السخف الشديد تطبيق حالة أحمد سعيد على الوضع العربي عموماً. فهذه محاولة دنيئة لتثبيط الهمم وتكريس الروح الانهزامية إلى ما شاء الله ورفع معنويات الأعداء، خاصة أن أهم إنجاز يمكن أن يحققه أي طرفين متصارعين ضد بعضهما البعض حسب فنون الحرب النفسية الجديدة هو الشعور بأنه لا يمكن أن تقوم لك قائمة وأن الهزيمة التي لحقت بك شبه أبدية. وهذا أمر في غاية الخطورة. وقد ساهمت في تكريسه بعض الأقلام العربية وما زالت غير مدركة مدى أبعاد فعلتها الشيطانية الممقوتة. لقد غدا كل من يتفوه بقليل من الحماس أو التفاؤل أو يتباهى ببعض الانتصارات البسيطة إما أحمد سعيداً جديداً أو عنترياً مختلاً عقلياً في نظر الليبراليين العرب الجدد. وبات مطلوباً من الجميع أن يمشي الحيط الحيط ويقول يا ربي السترة كما لو أنه مكتوب علينا أن نبقى مهزومين ومتخلفين إلى أبد الآبدين.

واللافت في هذا الخطاب التحبيطي الجديد أنه تدميري بامتياز، فهو لا ينتقد من أجل النهوض والتقدم، وهو أمر مطلوب جداً على اعتبار أن النقد هو ملح الحضارة، بل من أجل التيئيس والتثبيط والتنويم. لقد تعلمنا في المدارس أن أي جهد بسيط يقوم به التلميذ يجب أن يُشجع لا أن يُذم لأن للتشجيع تأثيراً كبيراً على تقدم التلاميذ وتفوقهم. لكن الجوقة الجديدة امتهنت الذم فقط عمـّال على بطـّال. وفي كثير من الأحيان يأخذ المرء انطباعاً بأن مروجي هذه الثقافة البائسة موظفون لدى الأعداء ويقومون بمهمة الطابور الخامس بامتياز، خاصة أنهم يخاطبون أبناء جلدتهم باللغة العربية وليس بالعبرية أو الانجليزية. إنه كما وصفهم البعض إعلام عربي ناطق بالعربية لا أكثر ولا أقل. أما أفئدتهم وميولهم وأهواؤهم فهي دون أدنى شك ليست عربية. إنها في مكان آخر تماماً.

ألا يحق لنا بربكم أن نتباهى بانتصارنا الإعلامي في السنوات العشر الماضية؟ لقد حاولت في منتدى الجزيرة الإعلامي الثاني أن أشير إلى الإنجازات التي حققها الإعلام العربي مثلاً في الأعوام الأخيرة على مستوى توحيد الشارع العربي على الأقل ثقافياً ووجدانياً وأشرت إلى أن العوربة تفوقت على العولمة في منطقتنا على الأقل، بدليل أن الفضائيات العربية اكتسحت الساحة وأن الأمريكيين بدأوا يخشون على صورتهم في العالم العربي وراحوا يهاجمون الإعلام العربي ويرصدون ميزانيات كبيرة لتحسينها كما أخذوا يتنافسون مع بعض وسائل الإعلام العربية على قلوب وعقول الشعب العربي بالرغم من خطورة وسائل إعلامهم العولمية الرهيبة، لا بل إن الرئيس الأمريكي أطلق مبادرة للأمن القومي تقضي بتعليم اللغة العربية للأطفال الأمريكيين من الآن فصاعداً كمؤشر على فشل وسائل الإعلام الأمريكية في اختراق الساحة العربية. ويكفي أن هناك شعاراً الآن يتناوله الإعلاميون الغربيون أنفسهم يقول: العالم يشاهد CNN لكن CNN تشاهد الجزيرة.

وإذا كان أعداء الخطاب الانتصاري يعتقدون أن هناك نوعاً من الأحمد سعيدية أو التخريف والهذيان والاعتداد الزائف بالنفس فيما ذكرته أود فقط أن أذكرهم بأن قناة الجزيرة مثلاً حصلت في استفتاء غربي وليس عربي على خامس أشهر وأفضل ماركة تجارية في العالم وعلى لقب أشهر ماركة إعلامية. بعبارة أخرى فإن قناة الجزيرة غدت القناة التلفزيونية الأهم عالمياً وليس عربياً بشهادة الأوربيين والأمريكيين أنفسهم. وعندما ذكرت هذا الكلام في محاضرتي في المنتدى المذكور تنطع أحد المتلبرلين المغاربة وشن هجوماً كاسحاً على ما أسماه بخطابي الانتصاري. وأضاف أن ما قلته مجرد انتصار أجوف وزائف. لاحظوا التبجح والصلف والادعاء في خطاب هؤلاء التيئيسيين المحبطين المنبوذين. إنهم لا يتورعون عن لي ذراع الحقيقة وتطويعها كي تتماشى مع خطابهم التحبيطي والتثبيطي. إنهم من يهول الأمور فعلاً ويقلبون الحقائق رأساً على عقب. بعبارة أخرى إنهم يكذبون ويصورون الأشياء بغير ما هي عليه كي يبقى الشارع محبطاً ويائساً وغير قادر على القيام بأي مبادرة خلاقة. فإذا كان أحمد سعيد قد تطرف في انتصارياته كما يزعمون فهؤلاء المتلبرلون يتمادون في بكائياتهم الممنهجة والمبرمجة كما لو أن الواقعية تعني في قاموسهم وخطابهم أن تقول عن أي نجاح عربي إنه رسوب من نوع آخر أو أن اللون الأبيض في العالم العربي أسود حتى إشعار آخر.

لا اعتبر نفسي أصولياً ولا إسلاموياً كما يحلو لليبراليين الجدد تسمية الحركيين الإسلاميين، لكني استطيع أن أوكد أن أكبر دليل على هزيمة هذا التيار الليبرالي التحبيطي في الشارعين العربي والإسلامي هو فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة ومن قبلها صعود تيار الإخوان في مصر. قد نختلف مع هذه التيارات كثيراً لكننا لا نستطيع إلا أن نسلم باكتساحها الساحة في حال إجراء انتخابات حقيقية شئنا أم أبينا واندحار التيار المسمى ليبرالياً زوراً وبهتاناً. لقد جاء فوز الإسلاميين ليفضح الخطاب الليبرالي التسخيفي ويعزله تماماً. فقد صدع الليبراليون في الماضي رؤوسنا وهم يتحدثون عن أن الحركات الإسلامية ليست أكثر من ثلة من الإرهابيين الذين لا يمثلون إلا أنفسهم فإذا بها تمثل السواد الأعظم من الشارع.

لقد انفضح الخطاب الليبرالي شر انفضاح أيضاً بعد الفشل الديمقراطي الكارثي في العراق الذي طبلوا وزمروا لديمقراطيته القادمة على ظهور الدبابات فإذا بالبلاد تعود إلى ما قبل عصر الدولة الوطنية حيث تحولت بلاد الرافدين إلى كهنوتات وملل ونحل متناحرة. ولو كنت محل هؤلاء لتوقفت عن الكتابة والثرثرة الانترنتية احتراماً للنفس والقراء وتواريت خجلاً. أليسوا هم الذين كانوا ومازالوا يعيروننا بأن السياسي أو الصحفي الغربي الذي يحترم نفسه يستقيل إذا اكتشف الناس كذبه ونفاقه وخداعه؟



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عولمة الحزن والأسى والبلادة
- العولمة تعيد حساباتها
- أليست دولة المؤسسات كذبة كبرى؟
- كلنا أولاد حارة واحدة وما حدا أحسن من حدا
- العوّربة تصرع العولمة بأدواتها
- أنيتا روديك: لدي خمسون مليون جنيه لن أترك منها جنيهاً لأولاد ...
- عندما يتاجر مصممو الأزياء بعذابات الفقراء
- لماذا وحدتهم الوطنية مقدسة ووحدتنا مدنسة؟
- السمكة تفسد من رأسها
- خرافة الإعلام الحر
- لماذا كلما ارتقى الغرب علمياً انحدر إنسانياً؟
- تعددت الأكاذيب والاستعمار واحد
- -الدمقراطية- العراقية:ضجيج ليبرالي وحُكم كهنوتي!
- مجلس الطُغيان الدولي
- متى يُحسن السوريون التعامل مع الإعلام؟
- محاكمة صدام على جريمة من وزن الريشة
- متى يقلد الحاكم العربي ذكر النحل؟
- أمريكا والشارع العربي: متى تأثر الرعيان بثغاء القطعان؟
- إلى الأمريكيين: إذا أردتم تحسين صورتكم لدينا فلا تصغوا لأزلا ...
- هل يحق للسعودية أن تتباكى على العراق؟


المزيد.....




- انجرفت وغرق ركابها أمام الناس.. فيديو مرعب يظهر ما حدث لشاحن ...
- رئيس الوزراء المصري يطلق تحذيرات بشأن الوضع في رفح.. ويدين - ...
- مسؤولون يرسمون المستقبل.. كيف ستبدو غزة بعد الحرب؟
- كائن فضائي أم ماذا.. جسم غامض يظهر في سماء 3 محافظات تركية و ...
- هكذا خدعوهنّ.. إجبار نساء أجنبيات على ممارسة الدعارة في إسطن ...
- رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يقرر البقاء في منصبه
- هجوم إسرائيلي على مصر بعد فيديو طريقة تدمير دبابة -ميركافا- ...
- -حتى إشعار آخر-.. بوركينا فاسو تعلق عمل وسائل إعلام أجنبية
- أبراج غزة.. دمار يتعمده الجيش الإسرائيلي
- مصر.. تحركات بعد الاستيلاء على أموال وزير كويتي سابق


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - لماذا لا يتوارون خجلاً؟