أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - الديمقراطية المفترى عليها















المزيد.....

الديمقراطية المفترى عليها


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1530 - 2006 / 4 / 24 - 11:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بالرغم من تداولها إعلامياً وسياسياً على مدار الساعة لا أعتقد أن هناك كلمة تعرضت للالتباس وسوء الفهم والاستخدام في غير محلها ككلمة «ديمقراطية». ولا أريد هنا الحديث عن الاستغلال السياسي الشائن للديمقراطية من قبل الحكومات والتلاعب في تطبيقها كما يحدث في العديد من دولنا العربية بل عن الاستعمال الخاطئ والملتبس لتلك المفردة المسكينة لدى السواد الأعظم من الناس في حياتهم العامة. فقد ظن الكثيرون أن الديمقراطية تعني الانحلال أو الانعتاق التام من كل ما يحيط بالإنسان من قيود سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية والانطلاق إلى عالم حر تماماً أو ترك الحبل على الغارب للشعوب كي تسرح وتمرح على هواها. وهذه طبعاً خرافة كبرى. فلا يوجد مثل هذا العالم المنفلت إلا في الأدغال حيث تسود شريعة الغاب. أما العالم الديمقراطي فهو عالم منضبط ومضبوط ومقيد إلى أبعد الحدود.

لكم خلط البعض بين الديمقراطية والحرية بشكل مضحك علماً أن الحرية ليست سوى تفصيل من تفاصيل الديمقراطية. وهذه الحرية بتنوعاتها ليست منفلتة أبداً بل محكومة بقوانين صارمة لو عرف العرب صرامتها ومنغصاتها للعنوا الساعة التي سمعوا بها عن كلمة ديمقراطية. ولو طبقنا الديمقراطية بمفهومها العربي المتداول لكانت أقرب إلى الفوضوية anarchism حيث هناك فعلاً نظرية سياسية يؤمن أتباعها بالتحرر التام من كل أنواع القيود السياسية والاجتماعية ويضربون عرض الحائط حتى بمفهوم السلطة والدولة اللتين يعتبرونهما عدواً لدوداً يجب محاربته وتدميره. أما الديمقراطية فهي عكس الفوضوية تماماً لأنها تقوم أولاً وأخيراً على النظام والتنظيم والالتزام واحترام القانون.

واستطيع أن أوكد لكم أن الحرية الإعلامية التي تمارسها بعض وسائل الإعلام العربية أحياناً تحت شعار الديمقراطية لا يمكن القبول بها بأي حال من الأحوال في الغرب الديمقراطي لأنها أقرب إلى الانفلات الفوضوي والعبث الصبياني منها إلى الديمقراطية المسؤولة. فكم تطاولت بعض الصحف والمجلات والتلفزيونات العربية على قضايا حساسة وأشخاص وافترت عليهم دون حسيب أو رقيب. ولو فعلت وسيلة إعلام غربية الشيء نفسه لجرّها المجني عليه إلى المحاكم بتهمة القذف والتشهير وحصل منها على اعتذار وتعويضات مالية هائلة. ولا يمر يوم في الغرب إلا وتجد أناساً يرفعون دعاوى قضائية ضد هذه الصحيفة أو تلك لتجاوزها الحدود والإساءة لبعض الأشخاص. وينفق الغربيون ملايين الدولارت سنويا على قضايا القذف والتشهير ومحاكمة المتطاولين، بينما لم نسمع عن محاكمة أي وسيلة إعلام أو صحفي عربي، إلا ما رحم ربي، ليس لأنعدام الحرية في الخوض في الكثير من الموضوعات بل بسبب غياب القوانين التي تنظم الحرية وتـُعتبر ملح الديمقراطية وعمادها الأساسي وبسبب ضياع الطاسة كما يقول المثل الشامي.

ومن المضحك أن بعض الصحف العربية الصادرة في الغرب مثلاً تطبع نسختين، واحدة في أوروبا تمتنع فيها عن التشهير بأحد خوفاً من الملاحقة القضائية ونسخة في العالم العربي «تشرشح» فيها من تشاء لأن «الديمقراطية» العربية (ما شاء الله) فضفاضة للغاية وأكثر تحرراً بكثير من نظيرتها الغربية (خاصة وأنها تسمح حتى للأموات بالمشاركة في التصويت)!! إذن الحرية الإعلامية أو بالأحرى حرية التعبير التي يضمنها النظام الديمقراطي الغربي مقننة ومضبوطة بأحكام صارمة، بحيث قد تبدو ديكتاتورية وقمعية بالمفهوم العربي للحرية لأنها محاطة بسلسلة من القيود والضوابط والعقوبات. فحريتي، حسب المفهوم الديمقراطي الحقيقي، تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. واعتقد جازماً لو طـُبقت الديمقراطية الحقيقية في بلادنا العربية لترحم البعض على بعض مزايا الديكتاتورية كالفساد والتسيب والفلتان.

أما الخطأ الشائع الآخر في استخدام كلمة ديمقراطية فهو الخلط بينها وبين التسامح مع العلم أيضاَ أن التسامح موجود في كل الثقافات والأديان والمجتمعات وليس مصطلحاً ديمقراطياً. فغالباً ما نسمع أحدهم يطلب من شخص آخر بألا يقاطعه وهو يتكلم وبأن يكون ديمقراطياً معه مع العلم أن البرلمانات الغربية تشهد عراكاً كلامياً ومقاطعات ومشادات عز نظيرها، وقد يصل النقاش أحياناً إلى الحوار بالكراسي كما حدث في إيطاليا أكثر من مرة، حيث اضطر رئيس الدولة إلى إعطاء أوامر بتثبيت كراسي البرلمان بالإسمنت المسلح كي لا يلجأ اليها أعضاء البرلمان عندما يحتدم النقاش ويصبح الضرب لغة الحوار الوحيدة بينهم. وفي أحيان أخرى نسمع الأمهات يحضـّن أزواجهن على أن يكونوا ديمقراطيين مع الأولاد. والمقصود في المثالين أن يكونوا متسامحين ولينين لا أكثر ولا أقل. ولا أدري لماذا يقحمون الديمقراطية في بلداننا العربية في غير موقعها كأن يخلطوا بينها وبين التسامح الاجتماعي واللين الإنساني.

ولا أبالغ إذا قلت إن الديمقراطية غير متسامحة أو حتى نقيضة التسامح كونها تقوم على الصراعات والتنافس الحاد والضوابط والقوانين والعقوبات الصارمة. هل رأيتم حزباً غربياً يتسامح مع حزب آخر مثلاً؟ بالطبع لا. فالحملات الانتخابية في الغرب تذكرنا أحياناً بحروب داحس والغبراء حيث يلجأ المتنافسون إلى أبشع الوسائل للانتصار على خصومهم السياسيين والفوز بالسلطة. وكم شاهدنا المرشحين في الانتخابات الأمريكية يتبادلون الاتهامات والدسائس الرخيصة والضرب تحت الحزام للفوز بأصوات الناخبين. ويزداد الأمر صراعاً داخل البرلمانات بعد الانتخابات حيث تترصد أحزاب المعارضة أي خطأ يقترفه الحزب الحاكم كي تنال منه وتمسح به الأرض. أما خارج البرلمانات فلا تسامح مع الفاسدين أو المتهربين من دفع الضرائب أو العابثين بأرزاق الناس أو المعتدين على كرامات الآخرين أو الخارقين للقوانين. واعتقد أن المتهربين من دفع الضرائب في الغرب سيحلمون بالعيش في بلادنا لو شاهدوا كيف يتم العبث في هذا المجال وكيف أصبح التهرب من دفع مستحقات الدولة هو القاعدة بينما الوفاء بها هو الاستثناء. كما أن السياسيين الغربيين بدورهم ربما يتوقون إلى العيش بين ظهرانينا لأنه مطلوب منهم في بلدانهم الديمقراطية أن يعلنوا عن حجم ثروتهم عند تبوئهم لأي منصب ويمتنعوا عن الاسترزاق والانتفاع من مناصبهم السياسية وإلا قضوا بقية حياتهم خلف القضبان، بينما يسخـّر الكثير من السياسيين في بلداننا مناصبهم للإثراء السريع ويتعاملون مع المال العام كما لو كان رزقاً سائباً.

ليس هناك أدنى شك بأن الأنظمة العربية مشاركة بشكل مباشر في هذه «اللخبطة» أو «الهيصة» «الديمقراطية» كي يختلط الحابل بالنابل، فالديمقراطية المطلوبة حقاً هي عبارة عن حرية تنظيم حزبية حقيقية محكومة بقانون أحزاب نزيهة وحرية تعبير مسؤولة وتداول سلمي للسلطة وفصل للسلطات الثلاث وحكم القانون لا مجرد سمك لبن تمر هندي أو حريات عشوائية وتجاوزات سياسية وانتخابية وإعلامية واقتصادية وأحزاب معارضة كرتونية تتكاثر كالفئران دون أن يكون لها أي تأثير يذكر على الساحة السياسية. وطالما ظلت الديمقراطية الحقيقية خارج الحياة السياسية العربية فإنها ستبقى ضحية للاجتزاء والتشويه. وسنظل نتعامل معها بالمقلوب أو في أحسن الأحوال على مبدأ «ولا تقربوا الصلاة»!



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليبراليون الأصوليون
- كيف غير المخترعون المسلمون وجه العالم ؟
- اشتُم العربَ والمسلمين وأصبح بطلاً في الغرب
- مبروك عليكِ العراق يا إيران
- الغزو الذي أعاد الهيبة للأنظمة العربية
- عولمة باتجاه واحد
- ما أحوجنا إلى النقد التلفزيوني
- الاستبداد العربي أكبر حليف لإسرائيل
- هل يلغون الحج يوماً ما بعد ضجة الرسوم الدنماركية؟
- لماذا لا يتوارون خجلاً؟
- عولمة الحزن والأسى والبلادة
- العولمة تعيد حساباتها
- أليست دولة المؤسسات كذبة كبرى؟
- كلنا أولاد حارة واحدة وما حدا أحسن من حدا
- العوّربة تصرع العولمة بأدواتها
- أنيتا روديك: لدي خمسون مليون جنيه لن أترك منها جنيهاً لأولاد ...
- عندما يتاجر مصممو الأزياء بعذابات الفقراء
- لماذا وحدتهم الوطنية مقدسة ووحدتنا مدنسة؟
- السمكة تفسد من رأسها
- خرافة الإعلام الحر


المزيد.....




- كوريا الشمالية تدين تزويد أوكرانيا بصواريخ ATACMS الأمريكية ...
- عالم آثار شهير يكشف ألاعيب إسرائيل لسرقة تاريخ الحضارة المصر ...
- البرلمان الليبي يكشف عن جاهزيته لإجراء انتخابات رئاسية قبل ن ...
- -القيادة المركزية- تعلن إسقاط 5 مسيرات فوق البحر الأحمر
- البهاق يحول كلبة من اللون الأسود إلى الأبيض
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /29.04.2024/ ...
- هل تنجح جامعات الضفة في تعويض طلاب غزة عن بُعد؟
- بريكس منصة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب
- رئيس الأركان الأوكراني يقر بأن الوضع على الجبهة -تدهور- مع ت ...
- ?? مباشر: وفد حركة حماس يزور القاهرة الاثنين لمحادثات -وقف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - الديمقراطية المفترى عليها