|
عندما تريدُ أن تحكُمَ العراق
عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 5152 - 2016 / 5 / 4 - 14:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما تريدُ أن تحكُمَ العراق
عندما أرادَ الانجليزُ أن يجعلوا من العراق "الحديث" دولةً ، اختلفَ العراقيّونَ على رئاستها. كانَ الاختلافُ مُرّاً و مُخجِلاً في تفاصيلهِ الخاصّةِ والعامّةِ ، الى درجة أنّ "المِسْ"غيرترود بيل (مستشارة المندوب السامي البريطاني في العراق ، "السير" بيرسي كوكس) كانتْ قد كتبتْ في حينه : لقد تعبتُ من صُنعِ الملوك. ومن شدّة التعب ، استوردَ لنا الانجليزُ ملِكاً من الحُجاز، اسمهُ فيصل بن الحُسين ، وجعلوا منهُ أوّلَ " رئيسٍ" لنا ، وأجلسوهُ على عرش المملكةِ الفتيّةِ السعيدةِ. بهذه الطريقة تم اخمادُ اختلافنا على من يحكمنا آنذاك . عندها شعر جميع " العراقيين" المتصارعين على السلطةِ في حينه بالراحةِ والرضا ، لأنَّ "عراقيّاً" من بينهِم ، لم يكن هو الحاكمُ بأمرهِ ، وأمرِنا ، في نهاية المطاف . وبعد 14 تموز 1958 اختلفَ قادةُ العسكَرِ على من يحكمنا من بينهم . وهكذا "تآمرَ" نصفُ "الضبّاط الأحرار" على نصفهم الآخر ، وقامَ كلّ نصفٍ منهم ، بإعدامِ النصفِ الآخرِ رمياً بالرصاص . وفي عام 1979 اختلفَ "الرفاقُ" على رئاسة السلطة ، فتمَّ اعدامُ نصف الرفاق . ولولا الطبيعةً "الدكتاتوريّةُ " لنظام الحكم ( على اختلاف درجاتها) ، لما تمكنّ "عراقيٌّ" من حُكمِ هذا البلد خلال المدّة 2003-1958 . في عام 2003 قرّر الأمريكانُ ازاحة صدام حسين عن السلطة . وهُنا أختلفَ العراقيّونَ مُجدّداً على من يحكمهم بعده . كان الخلافُ مُرّاً ومُخجِلاً الى درجةٍ شعرَ معها السيد زلماي خليل زاد (المندوب السامي الأمريكي في العراق) بالتعب الشديد من عملية صُنْع الملوك "الجُدُدْ" في العراق. وهكذا جاء بول بريمر ( من ولاية كونيتيكت) ، وأصبحً "ملِكاً" على العراق . بعد بريمر لم نتّفِق على رئيسٍ عراقيّ لنا . فاخترع الأمريكانُ لنا مجلس الحُكم . وجميعكم تتذكّرونَ كيف كان لنا .. في كُلِّ شهرٍ " رئيس". بعدها ، سيّداتي و سادتي ، تعرفون ما الذي حصلَ لنا ، و بالتفصيلِ المًمّل . ولكنّ الخلاصة الرئيسة والمُرّةَ ، من كلّ هذا ، ستبقى كما هي : أنّنا لا نتّفِقُ على "رئيس" ، ولا نرضى برئيس ، ونتمنى لو تمّ قتلُ هذا الرئيس ، و "سحلهِ" ، و سلخِهِ ، وحرقِهِ ، بعد مدّةٍ قصيرةٍ من تولّيه الرئاسة. نحنُ في حقيقة الأمر لا نُريدُ رئيساً . واذا أردناه ، فإنّنا لا نريدهُ أن يكون رئيساً لدولة. وعندما يتم اجبارنا على قبول رئيسٍ ما ، فإنّنا سرعان ما نبدأ بكيل التُهمِ له ، والتشهير به ، والحطِّ من شأنهِ بين الناس (في الداخل) ، والعالَمِ (في الخارج) . نحنُ لا نُريدُ رئيساً . نحنُ نريدُ ، كلّنا ، أن نكون رؤساء و حُكّاماً وملوكَ وقادة ، ولو على مزبلة المحلّة . ولو سألْتَ أيّ مواطنٍ "عراقيٍّ" بسيطٍ تصادفهُ في الشارع : هل تعتقدُ أنّكَ تصلحُ لأن تكونَ رئيساً لهذا البلد ، لأجابكَ على الفور و دون تردّد : نعم . إنّ بإمكاني ذلك . وليس هذا فقط ، بل أنّ بإمكاني أن أجِدَ حلاًّ لكلّ مشاكلِ العراق خلال اسبوعٍ واحدٍ فقط ، بدلاً من هؤلاء "الذين لا نعرفُ من أين جاءوا". لقد جاءوا من العراق يا عزيزي "العراقيّ" . جاءوا من العراق . من العراق . فهل تريدُ استيرادَ " طبقةٍ حاكمةٍ" لهذا العراق من بلدان اخرى .. مرّةً أخرى ؟ . حسنٌ .. ها أنتَ قد استوردتهًم .. فماذا تريدُ الآن ؟ . انّ كلّ وزيرٍ يتم ترشيحهُ من قبلِ "الرئيس" ، ضمن "الحُزمة" ، أو " الكابينة" ، ويتمُّ وضعهُ في "الظَرْفِ المُغلقِ" أو المظروف المفتوح ، هو بالنسبةِ لكَ وزيرٌ "عراقيٌّ" سيّءٌ سَلَفاً ، وفاشلٌ مُقدّماً ، و طائفيٌّ بالفطرة ، وفاسدٌ بالضرورة .. وأنتَ ( طبعاً) أفضلُ منهُ ، وأدرى ، وأقدَر . فمن أين سيأتي لكَ رئيس الوزراء ، بعد كلّ هذا ، بوزيرٍ .. سيرضى اللهُ عنهُ ، ويُرضيهُ ، و يُرضيكَ أنتَ أيضاً ؟. سنستوردهُم يا سيّدي . سنستوردُهُم .. ونرتاح . فما نحنُ إلاّ عراقيّونَ "أقحاح" ، سبقَ لنصفنا وإنْ قام باستيرادِ النصف الآخر من الهند .. ومن آسيا الوسطى .. ومن جزيرة العرب !!! . تُرى كيف يُتاحُ لكَ أن تنسى ذلك ؟ كيف يُتاحُ لك أن تنسى أنّكَ لم تكن عراقيّاً في يومٍ ما .. ولن تكون ؟. سنستوردهُم يا سيّدي . سنستوردُهُم . لأنّنا كـ "عراقيّين" غيرُ قادرينً أبداً على أنْ نصدّرَ الى الخارجِ شيئاً غير خيباتنا المستدامة. سنستوردُ يا سيدي "العراقيّ" ، و مرّةً بعد أخرى ، "أولي الأمْرِ" فينا من الخارج .. وسينتهي الأمرُ بنا الى ما انتهى اليهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ .. واللهُ المُستعان .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمعةٌٌ مُباركةٌٌ خام برنت
-
سلاما سيّدتي و زعيمتي الاقتصاديّة .. كريستين لاغارد
-
سلاما سيدتي و -زعيمتي- الاقتصاديّة .. كريستين لاغارد
-
سأذهبُ لأصلّي .. من أجل أن يحدث ذلكَ الآن
-
سرُّ الليل
-
ما معنى قمَر .. ما معنى الإصلاح
-
القيامةُ قامتْ .. وانتهى الأمر
-
لن يحدث شيءٌ غريب ، عندما تقوم القيامة
-
عندما تُريدُ أن تكونَ سعيداً
-
يزيدُ اشتياقي
-
هُناكَ دائماً ما هوَ أهَمّ
-
فيروزُ لا زالتْ تُغنّي
-
البحث عن سبُلٌ أفضل لتخصيص الموارد الاقتصادية النادرة .. بدل
...
-
الثقةُ صامتة ، والخيانةُ تعوي
-
أنا بلغتُ سنّ التقاعد .. و أغلقتُ على روحي باب عُزلتي الشاسع
...
-
القافلةُ تعوي ، والذئابُ تحوم
-
مكيافّلّي -الحقيقي- .. والمِكيافيليّين -الزائفين-
-
من زمانٍ يا أمّي .. من زمان
-
من قصص الإصلاح .. القصيرةِ .. المُدهشة
-
أعرفُ ما هو القفَص .. مثل عصفور
المزيد.....
-
رئيس مجلس النواب الأميركي يتحرك لدعوة نتانياهو لإلقاء كلمة ب
...
-
العلماء الروس يبتكرون مسيرة جوية على هيئة طائر تنقل 100 كيلو
...
-
بعد ضبطه وبحوزته 55 ألف دولار.. إخلاء سبيل مصمم أزياء مصري ش
...
-
كيف يمكن تجنب تجاعيد النوم؟
-
بلينكن: لست متأكدا من أن إسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات مقابل
...
-
أمل كلوني: أؤيد الخطوة التاريخية التي اتخذها المدعي العام لل
...
-
بايدن يتهم ترامب باستخدام -لغة هتلر-
-
المغرب.. السجن النافذ والغرامة لمستشار وزير العدل السابق في
...
-
-رويترز-: إيرلندا ستعلن الأربعاء اعترافها بدولة فلسطين
-
تشييع جثمان حسين أمير عبد اللهيان يوم الخميس
المزيد.....
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|