أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضياء حميو - (أغنية مجوسية)















المزيد.....

(أغنية مجوسية)


ضياء حميو

الحوار المتمدن-العدد: 5105 - 2016 / 3 / 16 - 18:28
المحور: الادب والفن
    



"دوست دارم دوست دارم".. أحببتُ، أحببتُ. آه.. كم أحببتُ!. هي الأغنية التي أنقذته!.
طالبٌ في الثالثة عشرة من عمره حين اندلعتْ الحرب مع إيران.
ماهي الحرب؟ لا يعرف! حتى الكبار لا يعرفون!!
فلاحٌ واحد من قريته عاش الحرب مع الكورد في شمال العراق أواسط السبعينات، وعاد بحكاية واحدة؛ عن جندي اختطفته أنثى دب بجبل كورك! أخذته إلى كهفها، وتزوجت به وأنجبتْ منه!..
وحين سأله أحدهم: "هل أنجبوا بشرا أم دببه؟".
يُجيب بيقين العارف: "نص ونص".
يستحوذ الفلاحُ على الاهتمام بإنصاتٍ كامل.. فيشرعُ بوصف ذرية الجندي وزوجته الدبّة.. كيف أنها تلحس باطني قدميه يوميا بلسانها الخشن الكبير، حتى غدت أقدامه ناعمة جدا.. لا يستطيع المشي عليها خطوة واحدة.. فلا يتمكن من الهرب، إلى أن يصل بحكايته إلى الفقرة التي ينتظرها الجميع.. طريقة الجندي في مضاجعة زوجته الدبّة!
تبدأ الحرب مع الدخول الدراسي، في أيلول (سبتمبر) من عام 1980.
يفرحُ الطفل وأقرانه بها!، إذ لن يذهبوا إلى المدرسة في اليوم التالي، ولكن اليوم التالي يغدوا أسابيعا ومن ثم شهرين!، فيضجر من بقائه في البيت.
ما الحرب غير حكاية الدبة؟
يشحّ ومن ثم ينفذ النفط والغاز، ولم يعترض الكبار على تقطيع أوصال واحدة من أقدس ما زرعوه، "النخلة العمة"، صمتوا حين اضطر بعض القرويين لقطع النخيل واستخدام جذوعه كوقود للطبخ والتدفئة.
فيتعلم الدرس الأول:
إنها الحرب.. (لا مقدّس فيها).

لم يعد يُشاهدُ في التلفاز غير أغاني الحرب وخطاباتها!، حتى افتتاح التلفاز لبثه الإذاعي، تختار الحكومة له آياتٍ من القرآن قصيرة، يختمونه بدعاء ظل يتكرر ثماني سنين "اللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة وامنحه المقام الكريم الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد".
يفرحُ باختزال فقرة "القرآن الكريم"، ليشاهد ما حدث للعصفورة المسحورة ياسمينة وحبيبها السندباد، ولكن فرحته لم تدُم، فقد أوقفوا بث السندباد واستعاضوا عنه بكارتون قصير لخمس دقائق، بدلا من خمس عشرة دقيقة،
الدرس الثاني:
(إنّها الحرب لها فرحتها).

تترى دروس الحرب سريعة، ولا تبالي بفهمه لها.
اختفى من البيت ثلاثة من إخوته والتحقوا بالجبهات كجنود!، لم يشاهد أمه تبتسم بعد ذلك اليوم!..
الدرس الثالث:
(إنها الحرب لا مكان للابتسام بها).

حلّ العيد، لم يرقص الناس رقصة "الجوپي" كما اعتادوا!..
عاد أحد الجيران، بإجازة عسكرية، حاملا معه خرطوشةَ إطلاقة مدفع لم ير مثلها من قبل، طولها نصف متر وفوهتها تتسع لرأس طفل بعمره، الجار يتباهى بها أمام ضيوفه هو وزوجته، جلب الكثير من الجنود مختلف أنواع الخراطيش، وصار الطفل ورفاقه الصغار، يعرفون تماما كلّ خرطوشةٍ لأي نوع قذيفة.
لم تعد خرطوشة الجار ذات أهمية لكثرة الخراطيش، ولذا استخدمها أخوه، بعد أن وضع فيها عمودا من الحديد وصب بها "كونكريت" (إسمنت)، لتكون رافعا لمستقبِل البث التلفزيوني، بعد سنتين، صارتْ الخرطوشة تُثبِّتُ إحدى دعائم بيت عزاء الجار ذاته، بعد أن استشهد بشظية قذيفة..
الدرس الرابع:
(إنها الحرب، تستخدمها وتستخدمك).

جار آخر.. جنديٌ عاد بإجازته بعد معارك مدينة "المحمّرة"، حاملا معه إحدى الغنائم التي أراهم إياها.. ألبوم صور لعائلة إيرانية، وهي المرة الأولى في حياته التي يرى فيها الطفلُ ألبوم صور، إحدى الصور لطفلة بعمره، وسط حقل فسيح مليء بالزهور البرية، فيما شعرها الطويل يسبح مع الريح!، قال الجار "أنه لم يأخذ من هذا البيت الذي هجره أهله بسبب الحرب غير الألبوم، إذ وجد أن أهل البيت كتبوا على ورقة وضعوها بجنب قرآن: "أمانة الله ورسوله".
هل كان أهل البيت عربا؟!
يُضيف الجار بأسى: "ولكن جنودا آخرين لم يأبهوا، ونهبوا البيت كله.. حتى القرآن!".
الدرس الخامس:
إنّها الحرب (تسرق الله).

اتّشحت المدن بالسواد، وبدلا من السؤال: ابنُ مَنْ، الذي أتوا بنعشه اليوم "شهيدا" إلى مركز الشرطة؟ -لتتسلم عائلته جثمانه-، صار السؤال: كم عدد النعوش؟
الدرس السادس:
إنها الحرب لها (أسئلتها الخاصة).

لم يحبّ الطفل هذا الرجل المُعَمم في إيران، الذي لا يريد أن تنتهي الحرب إلى أن يدخل "كربلاء"!
فيما ماكينة الحرب الإعلامية الحكومية، تُردد دوما: "الفرس المجوس الحاقدون".. كرهَ جيرانَهُ الإيرانيين المجوس، الذين لا يوقفوا الحرب ليعود إخوته إلى البيت، وتعود لأمه ابتسامتها.
أبوه يضع المذياع على إذاعة "مونتي كارلو" ويغفوا بانتظار خبر عن الحرب.
تمر السنين... والحرب تغدو منسية للعالم إلا لوقودها؛ العراقيين والإيرانيين.
إذاعة "مونتي كارلو" ولأيام طويلة، لا تذكر شيئا عن الحرب... فقط إعلانها عن جبنة "لافاش كيري" - جبنة البقرة الضاحكة-...، لم يكن يعرف عن الجبن إلا أنه إحدى مشتقات الحليب، وكشأن أغلب القرويين.. لا يشتري أهلُه من المدينة إلا السكر والشاي والتبغ لأبيه.. لم يذق الجبن يوما لأنهم يكتفون بما يزرعونه وتنتجه حيواناتهم، ومن هذه الأخيرة لا يعرف سوى الحليب، والزبدة، واللبن الخاثر الذي يسمّونه "روبه".
سألتْ أمه عن طعم الجبن؟!
اعتدل أبوه بجلسته كمن يريد أن يُلقي خطبة، وقد أصاغ ماتبقى من أفراد العائلة السمع له، قال: "لقد تذوقته عند زيارتي لأحد الأصدقاء، "حضري" من بغداد، والجبن يشبه الروبه الصاكه -الجامدة-، وملحه زايد، كسر بجمع خرط -هراء-"!..
بعد هذا الجواب لم يفهم الطفل لماذا كل هذا الاهتمام من إذاعة "مونتي كارلو" بـ "روبة صاكه"!!، ولكنه سيتعلم الدرس السابع:
(إنها الحرب، تضحكُ منّا، كصورة بقرة الجبنة).

ترصد الحكومة في القناة الثانية ساعة بث، تديرها "منظمة مجاهدي خلق الإيرانية" المعارضة، وتتضمنُ فقرة قصيرة لأغانٍ فارسية قديمة.
يشدُ صوتٌ المغنيةِ الطفلَ، طفلٌ لا يُجيد اللغة الفارسية، لكنه يردد مع المغنية المجوسية "دوست دارم دوست دارم".. ودِدتُ، وددِتُ.. آه كم وَدِدْتُ!، يحلّق مع شَعرِ صبية الألبوم، يراها ترقص، فيما قذيفة تسقط فتختفي الصبية وينفلتْ شعرها صاعدا إلى السماء،
تتوقف اللقطة..!
دوست دارم دوست دارم...
يتوقف عن الكراهية!..
سيتعلم درسه هذه المرة من الموسيقى، وأن يحب الشعوب .
تخسر الحرب الأولى جولتها معه، وتنتصر أغنية "شانهايت"*.
يكبر الطفل، وتكبر الحروب...الخليج الثانية، والثالثة، و....!؛
دوست دارم دوست دارم..
لم تعد الحرب حكاية دبّة، ولا انواع خراطيش!،
ستكبر الموسيقى وأغنيات لمهستي، داريوش، ستار، كوكوش، وهايده كولبيكاني،
ويدخل الطفلُ مدرسةً أخرى.

* شانهايت: أغنية إيرانية للمغنية هايده كولبيكاني 1942-1990.



#ضياء_حميو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (نخلة المشاع)
- شكر بعد الأوان
- لعبة حافة الهاوية
- الله كريم
- ديمقراطية الفاسدين
- تقرير فضائي -قصة قصيرة-
- نداء من أجل أحمد الأطرش - قصة قصيرة -
- حِشمةُ المجتمع - قصة قصيرة -
- ثرثرة كاس بيرة
- سرُّ بغداد
- Big Bang
- مقايضة
- إنتصاب العذرية - قصة -
- جريدة الشرق الأوسط تسرق دراهمي
- دعاءُ قبلةِ ليلة القدر
- عصفور ماء العنب
- الغلطة
- التوأم
- جنيةُ الفيس بوك
- حلمُ ليلة نيسان


المزيد.....




- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...
- ابنة رئيس جمهورية الشيشان توجه رسالة -بالليزر- إلى المجتمع ا ...
- موسيقى الراب في إيران: -قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجا ...
- فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية ( ...
- الموسم الخامس من المؤسس عثمان الحلقة 158 قصة عشق  وقناة الفج ...
- يونيفرسال ميوزيك تعيد محتواها الموسيقي إلى منصة تيك توك


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضياء حميو - (أغنية مجوسية)