أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - السلطة بين ثقافة النخبة و ثقافة العوام















المزيد.....

السلطة بين ثقافة النخبة و ثقافة العوام


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 1031 - 2004 / 11 / 28 - 05:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على مر الزمان وأمتداد التأريخ حُكمت أغلب دول العالم بسُلطات وحكومات تُسَيّرها أحدى ثقافتين هما أما ثقافة النخبة أو ثقافة العوام وقد كان للسلطات والحكومات التي أدارتها نخب تمتلك خبرة وثقافة سياسية تؤهلها للحكم الدور الكبير والفعال في وصول دولها الى مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة في العالم والتي يضرب بها المثل اليوم في رُقيّها وتمدنها في حين عادت السلطات والحكومات التي أدارتها مجاميع ثورية من العوام ممن لا يمتلكون لا خبرة ولا ثقافة سياسية تؤهلهم للحكم بدولها الى الوراء عقود بل قرون من الزمن تاركة أياها تسبح في بحار عميقة من الظلمة والتخلف .
هنا يتبادر الى الذهن سؤال مهم وخطير قد يستفز مشاعر البعض لكنني أتمنى من كل أنسان أن يجيب عنه بهدوء و روية بعيداً عن قناعاته الآيديولوجية على الأقل بينه وبين نفسه هو ... هل كان قادة ما يسمّى بالثورة الفرنسية كحكام أفضل من الملك لويس السادس عشر ؟.. وهل كان قادة أنقلاب أكتوبر البلشفي كحكام أفضل من القيصر نيقولا ؟.. وهل كان قادة أنقلاب يوليو عام 1952 في مصر كحكام أفضل من الملك فاروق ؟.. وهل كان قادة ما يسمّى بالثورة الكوبية كحكام أفضل من باتيستا ؟.. وأخيراً هل كان قادة أنقلاب 14 تموز عام 1958 في العراق كحكام أفضل من الملك المغدور الشهيد فيصل الثاني وخاله الأمير الراحل عبد الآله ورئيس وزرائه شيخ السياسة العراقية الراحل نوري باشا السعيد ؟
أن أبناء النخبة هم أنفسهم أبناء العوام ولكنهم أناس سهروا الليالي وأفنوا أعمارهم في الدرس والبحث وتخرجوا من أفضل الجامعات وأكتسبوا منها ومن الحياة خبرة تؤهلهم لقيادة بلادهم والأعتناء بشؤون مواطنيهم بعيداً عن طوباوية الشعارات الطنّانة التي يسير خلفها ويعتمد مفرداتها الخيالية من خوى عقله من الثقافة والخبرة الأنسانية ومن فقد الأحساس بأنسانيته بحيث أصبحت عنده أرخص من حبر الشعارات وقماش اللافتات وهي عند الله أعز وأغلى من الكعبة .
فعندما تحكمت ثقافة العوام بالسياسة لما يزيد على 40 عاماً بعد أنقلاب 14 تموز عام 1958 في العراق جائتنا بالأحتلال بدلاً من الأستقلال.. وبعزة الدوري وطه الجزراوي ومحمد حمزة الزبيدي بدلاً من نوري السعيد وسعيد القزاز وصالح جبر وخليل كنّة.. وبطوابير مطربي تلفزيزن الشباب بدلاً من ناظم الغزالي ورضا علي وعزيز علي وسليمة مراد وعفيفة أسكندر وزهور حسين.. وبفرق الردح والمَصخرة بدلاً من الفرقة السمفونية الوطنية العراقية التي كانت يوم تأسيسها الأولى في المنطقة وبقيت كذلك حتى تَحكّم الهمج بمصير الفن والفنانين في بلاد الرافدين.. وبمحلات بيع أشرطة أفلام الأكشن والخلاعة بدل محلات بيع أشرطة أفلام الخمسينات والستينات الكلاسيكية الخالدة .
حتى الأحزاب السياسية العراقية تدهورت أحوالها من سيء الى أسوء فعندما كانت قيادات تلك الأحزاب من النخب كان أسلوبها في العمل السياسي سلمياً وحضارياً يعتمد الحوار وتنظيم الأضرابات والمظاهرات ولم تكن تلك الأحزاب تخرج عن الأطار اللائق في العمل السياسي سواء كانت في السلطة أو في الحكومة على عكس الأحزاب العراقية التي ظهرت بعدها والتي كان يقودها بعض متهوري العوام من قليلي الخبرة السياسية والتي كانت تسعى للأستحواذ على السلطة بأية طريقة كانت منتهجة أسلوباً همجياً في عملها السياسي كتأسيس الميليشيات وتنفيذ الأغتيالات وخوض معارك دموية فيما بينها للسطو على السلطة كما حدث بعد أنقلابات 1958 , 1963 , 1968 والتي كان الضحية فيها على الدوام العراق أرضاً وشعبا .. واللافت للنظر أن أغلب هذه الأحزاب وبعد أن تحولت كوادرها القيادية التي كانت بغالبيتها من العوام الى نخب نتيجة للدراسة الأكاديمية للبعض وتراكم الخبرة السياسية للبعض الآخر بدأت في مراجعة مسيرتها السياسية وتشخيص الأخطاء التأريخية التي أرتكبتها وأدت في ما أدت الى أيصال العراق وشعبه الى وضع لا يحسده عليه لا عدو ولا صديق .
أن الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي والتي كانت تمثل غالبية هذا المجتمع لحين تسلط الهمج على مقدرات العراق تمثل شرطاً أساسياً لبناء مجتمع مدني سليم وتعتبر حلقة الوصل بين شريحة العوام وشريحة النخبة في أي مجتمع في العالم أذ لا يمكن لأبناء العوام الوصول الى وضع النخبة دون المرور بهذه المرحلة الأجتماعية المهمة والتي تنقل الأنسان تفكيراً وسلوكاً و وعياً من البداوة الى التمدن مما يجعله مؤهلاً لتولي مراكز سياسية وأجتماعية يستطيع من خلالها أن يخدم بلاده لا أن يوصلها الى أسفل سافلين كما فعل بعض العوام بعد الأنقلابات المشؤومة سالفة الذكر حين سطوا على السلطة على حين غرّة مُحَمّلين بفكر البداوة فتحول العراق بين ليلة وضحاها من سلطة المدينة الى سلطة القرية وتم القضاء شيئاً فشيئاً على طبقته الوسطى وكان بعدها ما كان مما أوصلنا الى ما نحن فيه .
لقد شهدت أربعينات وخمسينات القرن المنصرم بداية تجربة لبناء مجتمع مدني عراقي بدأت ملامحه في الظهور في تلك الفترة ألا أنها لم تكتمل وأجهظت من قبل بعض المتهورين الذين أرادوا أنتزاع السلطة من أصحابها الشرعيين رغم عدم أمتلاكهم لأبسط المؤهلات التي ينبغي توفرها في رجال السلطة في أي مجتمع مدني وتحقق لهم ذلك عن طريق الأنقلابات الدموية التي أستندت على مبدأ الشرعية الثورية ذلك المبدأ الوصولي الأنتهازي الذي سيطر على عقول أغلب العوام في الكثير من دول العالم في تلك الفترة والذين ما أن وصل بعضهم الى السلطة حتى تحولت مجتمعاتهم التي كانت شبه مدنية وديمقراطية والتي كانوا ينادون بتحريرها من الرجعية والأمبريالية الى مجتمعات شمولية تُحكم بالحديد والنار ضاربين بعرض الحائط أماني وطموحات شعوبهم ورغبتها في أقامة مجتمعات مدنية ديمقراطية متميزة أسوة بالكثير من مجتمعات العالم المتمدن .
لا بد من وجود نخب تدير أي بلد من البلاد سياسياً وأقتصادياً وفنياً وأجتماعياً أذ أن كل مجال من هذه المجالات الحيوية والحساسة في حياة أي مجتمع من المجتمعات يحتاج لوجود نخبة واعية تمتلك مؤهلات عالية وذات ثقافة نظرية وعملية في ذلك المجال لتديره ولتتمكن من الأرتقاء به وبالتالي بالبلد ككل الى أعلى المستويات.. أما أن تدار هذه المجالات وبالتالي مجمل البلد من قبل عوام كل مؤهلاتهم هي أنهم ثوريون فمعناه تراجع هذه المجالات وبالتالي البلد ككل الى آخر عربة في قطار العالم المتمدن .
يبدوا أن عراق الخمسينات والستينات عراق المجتمع المدني عراق التسامح والمحبة الذي عاشه البعض ووعى عليه البعض الأخر قد ضاع منا والى الأبد شخوصاً وأماكن ولم يبقى لنا منه سوى الذكريات الجميلة عن شارع أبو نواس وأغاني ناظم الغزالي وكورنيش الأعظمية والمربعات البغدادية ولعبة المحيبس في ليالي رمضان المباركة والأحتفال بيوم النبي زكريا (ع ) والتي يبدوا أن جميعها أصبحت جزئاً من ماضي لن يعود .. فعراق اليوم بشخوصه وأماكنه غريب على أبنائه الذين فارقوه وفي قلوبهم حسرة على يوم يعودون فيه أليه ليحتضنوا ترابه الذي أختلطت حبات رمله بدماء أحبابهم .
لقد صدق شهيد الهمجية سعيد القزاز حينما قال نبوئته الشهيرة :
" سوف أصعد المشنقة وأرى تحت أقدامي رؤوساً لا تستحق الحياة "
فقد صعد سعيد القزاز المشنقة .. وفارق الحياة ليلاقي وجه ربه الكريم .. وترك تحت أقدامه رؤوساً لا تستحق الحياة حكمت العراق وعاثت في أرضه فساداً وملأت ربوعه التي كانت ملأى وروداً ورياحين تسبح في بحور من الدماء .
لقد كان الشهيد الراحل سعيد القزاز نموذجاً حياً من شريحة العوام أصبح بفضل جهده ومثابرته من النخب العراقية التي ساهمت في تأسيس وبناء الدولة العراقة الحديثة وسيظل تأريخ العراق الحديث يذكره هو وأمثاله بكل فخر وأعتزاز .. فسعيد القزاز الذي ولد في السليمانية عام 1904 ينحدر من عائلة كريمة وبسيطة تسكن السليمانية وبغداد وكانت مهنة أبناء هذه العائلة ( القزازة ) أي صناعة خيوط القز فقد كان والد سعيد القزاز يعمل حِرفياً بصنع وبيع القماش المنسوج من خيوط القز .. دخل سعيد القزاز الكتّاب لتعلم قراءة القرآن الكريم وحِفظِه أنخرط بعدها في المدرسة الرشيدية ثم أنتقل بعدها للدراسة في المدرسة الأعدادية في السليمانية وتخرج منها عام 1917 .. عُرف عن سعيد القزاز في مقتبل عمره علاقاته الطيبة مع الآخرين وسعيه المتواصل لبناء مستقبله فأهتم بالدراسة والمطالعة وأعتمد على نفسه فتَعلّم اللغة الأنكليزية حتى تمكن بعد ذلك من تدريسها في مدرسة السليمانية ثم عيّن بعدها كاتباً لدى المفتش الأداري في السليمانية وأعتماداً على جهده ومثابرته في عمله وأخلاصه لوطنه و وضعه لمصلحة البلاد الوطنية فوق جميع الأعتبارات بما في ذلك الأعتبار القومي له شخصياً وصل الراحل سعيد القزاز الى أعلى المناصب الأدارية في الحكومة العراقية أيام العهد الملكي وبقي بفضل مؤهلاته سالفة الذكر محافظاً على مركزه السياسي في ذلك العهد حتى أستشهاده على يد أنقلابيوا 14 تموز عام 1958 .
لقد حُكم العراق لنصف قرن من عمر دولته الحديثة من قبل نخبه الواعية المثقفة وحكم في النصف الآخر من قبل مجموعة من العوام المتهورين الطائشين وصورة العهدين والزمنين وما رافقهما وما تلاهما من تداعيات لا تزال شاخصة أمام أعين العراقيين على أمتداد أجيالهم .. لذا فالسؤال اليوم هو أي من هاتين الثقافتين سيختار العراقيون ؟


مصطفى القرة داغي
[email protected]



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبدلوا راية الظلم وشعار الموت .. وأتركوا لنا نشيد موطني
- المعركة الفاصلة في تأريخ العراق والمنطقة والبشرية جمعاء
- شعوب أم بذرة فناء
- الأنتخابات العراقية وحماية الديمقراطية
- عنصرية العروبيين تطال أكراد بغداد
- حرب العراق .. والحديث عن الشرعية
- برنامج كاريكاتير .. وبناء العراق الجديد
- 11سبتمبر.. وبذرة فناء الغرب
- مليشيات العراق الجديد وأشكالية العلاقة بين الماضي والحاضر
- مثقفون أبرياء لكنهم مع الأسف .. مذنبون
- العراق ما بين أرادة الحياة والمقدر والمكتوب
- فضائيات ام غرف عمليات
- العراق الجديد بين حكومة في العلن وحكومة في الخفاء
- ما الذي يحدث في العراق .. ديمقراطية أم فوضى و تسيّب ؟
- أقليّات العراق .. و رسالة الأحد الدامي
- مشكلة شعوب لا رؤساء
- 14 تموز ثم 17 تموز و مسلسل الأنقلابات
- ذكرى 14 تموز .. بين الأحزان و الأفراح
- مقال سياسي : عراقيوا المنافي و الأنتخابات و التلاعب بمقدرات ...
- العراق الجديد ما بين التمثيل بالجثث و أختطاف الرهائن


المزيد.....




- لماذا يصعُب فهم شدّة صراع -اليوم التالي- لحرب غزة رغم توافق ...
- Umidigi تطلق هاتفا مصفحا بمواصفات مميزة
- علماء: الدورات الشمسية ترتبط بعدم الاستقرار المغناطيسي بالقر ...
- روسيا تصنع جيلا جديدا من القوارب السريعة لوزارة الطوارئ
- البرلمان الروسي بصدد إعداد مشروع قانون يمنع استخدام صوت المو ...
- 4 ألوان تجذب البعوض ينبغي تجنبها في الصيف
- جزيئات صغيرة في الحمض النووي تمكن العلماء من تغيير جنس الأجن ...
- قتلى جراء الفيضانات في أرمينيا والجيش الروسي يرسل قوات لمواج ...
- لجنة تحقيق إسرائيلية في هجمات 7 أكتوبر.. لماذا الآن؟
- طبيب إسرائيلي يكشف: أنقذت حياة السنوار قبل 20 عاما


المزيد.....

- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - السلطة بين ثقافة النخبة و ثقافة العوام