أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم مطر - عن الشاعر ادونيس والحجاب: حنابلة الحداثة واكذوبة المجتمع العلماني الحنيف!!













المزيد.....

عن الشاعر ادونيس والحجاب: حنابلة الحداثة واكذوبة المجتمع العلماني الحنيف!!


سليم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 590 - 2003 / 9 / 13 - 03:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


                                                                                        ـ جنيف 2003
  نشرت صحيفة(الحياة 26 ـ 6 ـ 2003) للشاعر السوري المعروف ادونيس(علي احمد سعيد) نصا اشبه ببيان سياسي ينتقد فيه ظاهرة " غطاء الرأس" (الحجاب)، وانتشارها بين مسلمي اوربا وبالذات في فرنسا حيث يقيم الشاعر. وقد نقلت الكثير من مواقع الانترنت هذا البيان بصورة احتفائية من دون اية اشارة نقدية. علما بأن هذا البيان يستحق وقفة طويلة من التحليل والنقد ليس لأهمية كاتبه، بل لأنه يلخص بصورة مكثفة ومباشرة ومتطرفة وخطيرة وجهة النظر العلمانية والحداثية السائدة بين مثقفي الأمم العربية.
قبل الدخول في التفاصيل النقدية والتحليلية، وتجنبا لقذفنا بتهمة(التعصب الاسلامي) الجاهزة ضد كل من ينتقد طروحات العلمانية، من الضروري ان نوضح منذ البدء بأننا لا ننطلق بنقدنا هذا من وجهة نظر إسلامية. أنا شخصيا رغم إنحداري من عائلة عراقية مسلمة شيعية، لا استطيع بأن اقول عن ايماني الفكري الروحي بأنه اسلامي، بل "قد" يعتبر إيماني هذا من قبل بعض الاسلاميين بأنه "إلحادي"! بالاضافة الى اني ابدا لست من انصار " الزي الاسلامي" إذ سبق لي ان كتبت عنه في كتابي "الذات الجريحة" معتبرا إياه (زيا مصطنعا) ليس له أي اساس في تواريخ وميراثات الشعوب العربية والاسلامية. ان امهاتنا وجداتنا خلال آلاف السنين قبل الاسلام واثنائه وبعده وحتى وقت قريب، كن يرتدين الأزياء الشعبية الجميلة والمحتشمة (مع الحلي والوشم) التي تضمن حرية المرأة وجماليتها وحشمتها مع مراعات المشاعر الانسانية. فمثلا في العراق والشام ومصر ، ان هذه الازياء الجميلة والوقورة والعملية لم تكن فقط لدى النساء المسلمات بل ايضا لدى النساء المسيحيات واليهوديات والصابئيات. ولا زلت حتى الآن اطالب بالعودة الى أزيائنا المحلية بعد تطويرها عمليا وفنيا كما هو حاصل مثلا لدى المرأة الهندية التي فرضت ازيائها الجميلة الجذابة والوقورة حتى على المرأة الغربية. ففي العراق مثلا حيث  يواجه بحدة الآن سؤال الحجاب والسفور، هنالك تنوع رائع في الأزياء النسوية الشعبية، كردية وتركمانية وسريانية وجنوبية وفراتية، تستحق من حداثيينا تبنيها وتطويرها وتطويعها بدل من اللهاث الساذج وراء الازياء الغربية الفاضحة والضيقة واللاصحية واللاعملية.
 نعم نحن لسنا إسلاميين ولا من انصار الحجاب.. لكن هل هذا يعني ان نتفق مع علمانيينا الكرام باعتبار "انصار الحجاب" زمرة سياسية معادية للديمقراطية وانهم يمارسون نوعا من الغزو ضد الحضارة الاوربية وانهم يهددون السلام الاجتماعي وانهم حفنة من المتعصبين .. أي باختصار ان نعتبر بصورة شبه مباشرة كل من إرتدت الحجاب عضوة في منظمة القاعدة ومن انصار بن لادن، وجميع الملتحين حفنة من الارهابيين الذين يحق قانونيا وضميريا قمعم ولجمهم!! نعم هذه الخلاصة العلمانية الشعرية الديمقراطية التي يخرج لنا بها بيان فقيه العلمانية الشاعر أدونيس!!                          
                         الحجاب العلماني    
    ان مشكلتنا مع الشاعر ادونيس ليست حول موضوع الحجاب، بل حول افكاره الخطيرة عن الديمقراطية والعلمانية المطروحة في البيان. ولادراك مدى خطورة ولا عدالة هذه الطروحات، نورد التجربة الطريفة التالية: قمنا بترجمة المقاطع الاساسية من بيان ادونيس، الى الفرنسية، وعرضناها على بعض المثقفين الفرنسيين والسويسريين، وطلبنا منهم تخمين هوية كاتبها. كانت النتيجة العجيبة ان الجميع بلا استثناء قد اتفقوا على الجواب التالي: (( ان كاتبها لا بد ان يكون فرنسيا او سويسريا من ذوي الميول اليمينية المتعصبة المعادية للاجانب وللمسلمين بالذات))!! نعم هذه هي الحقيقة المؤلمة والقاسية: مثقف سوري عروبي يساري ديمقراطي مسلم، بل هو شاعر كبير مرهف وحساس تدمع عيناه لمشاهد الطيور ونهود العذارا، يسمح له ضميره العلماني ان ينشر طروحات ضد ابناء جلدته يخجل منها المثقفون الاوربيون انفسهم!
ولكي يكون القراء على بينة بماهية هذا البيان الذي لا يتجاوز الصفحتين نسجل ادناه المقتطفات الاساسية التي تحتوي على قائمة التهم الخطيرة الموجهة ضد المرأة التي ترتدي الحجاب، والتي قانونيا، إن لم تستحق عليها الاعدام فعلى الاقل انها تستحق عليها السجن المؤبد:
ـ (( لا بد من ان يعرف المسلمون الذين يتمسكون بالحجاب أن تمسكهم هذا يعني انهم لا يحترمون مشاعر الناس الذين يعيشون معهم في وطن واحد، ولا يؤمنون بقيمهم، وانهم ينتهكون اصول حياتهم، ويسخرون من قوانينهم التي ناضلوا طويلا من اجل إرسائها، ويرفضون المبادئ الديمقراطية الجمهورية في البلاد التي تحتضنهم وتوفر لهم العمل والحرية. ان عليهم ان يدركوا ان مثل هذا التمسك يتخطى الانتهاك الى نوع من السلوك يتيح لكثير من الغربيين ان يروا فيه شكلا آخر من اشكال الغزو...(ان انصار الحجاب هم) أقلية سياسية ، وعلى المسلمين والغربيين ان يتعاملوا معهم ، لا بوصفهم ممثلين للدين، وإنما بوصفهم مجرد حزب سياسي... (ان الحجاب ) خرق للانتماء الواحد أو الهوية الواحدة المشتركة، رمز لإرادة الانفصال. لرفض الاندماج. توكيد على الهوية الخاصة المغايرة، داخل الهوية العامة الموحدة. وفي هذا ما يمثل تحديا للشعور العام، وللذوق العام، وللثقافة العامة، وللأخلاقية العامة...انه(الحجاب) تجاوز الى شكل إعتدائي على الآخر، يتمثل في عدم احترام آرائه وافكاره ومشاعره. إضافة الى الاستهتار بالمبادئ والقوانين العامة المدنية، وبالجهود والتضحيات الكبرى التي قدمت من اجل تحقيقها... (ان الحجاب) ليس خرقا لقانون الآخر وثقافته، وإنما قبل ذلك، امتهان للذات، وشكل آخر من الحياة لكن في احضان الموت... التأويل الديني الذي يقول بفرض الحجاب على المرأة المسلمة التي تعيش في مجتمع علماني يفصل بين الدين والسياسة، ويساوي بين الرجل والمرأة، حقوقا وواجبات، إنما يكشف عن عقل لا يحجب المرأة وحدها، إنما يحجب كذلك الانسان والمجتمع والحياة. ويحجب العقل. انه تأويل يمنح الحق لكثيرين في الغرب ان يروا فيه عملا لتقويض الاسس التي ارساها نضال الغرب في سبيل الحرية والعلمانية والمساواة. وأن يروا فيه مطالبة بإلغاء دور المرأة في الحياة العامة، الاجتماعية والثقافية والسياسية، يتناقض كليا مع مبادئ الحياة المدنية في اوربا والغرب. إنه، الى ذلك ، تأويل يعمل ، في التحليل الاخير، على تحويل الإنسان والدين معا، الى مجرد أدوات في خدمة آلة سلطوية يديرها طغيان اعمى.))....
هذه هي قائمة الاتهامات الخطيرة الموجهة ضد انصار الحجاب والتي تحولهم الى آفات خطيرة لا تهدد الدول بل تهدد الحضارة الانسانية برمتها!! وعلى اساس هذه التهم يحق لأي سلطة ان تمارس ضد المحجبات اشد انواع القمع واللجم والسجن والطرد والحرمان من كل حقوق المواطنة.. نعم هذه هي العلمانية والديمقراطية والانسانية التي يتباكى عليها حنابلة الحداثة والتقدمية.. وبعدها يستغربون من اين اتتنا كل هذه الدكتاتوريات والمجازر والحروب والانتكاسات!!

                              الديمقراطية وحقوق الانسان
         ان مشكلة الشاعر ادونيس ومعه الغالبية الساحقة من العلمانيين والحداثيين العرب، انهم ينطلقون من مفاهيم للديمقراطية والعلمانية قائمة على التبسيطية والثنائية المتطرفة التي تقسم الوجود الى (خير مطلق وشر مطلق) أي ان الذي معي تماما هو(الخير) والمختلف معي بأي مقدار لا بد ان يكون هو(الشر) !! فبما اني لا احب التفاح، مثلا، معنى هذا ان كل من يأكل التفاح هو رجعي متخلف متعصب معادي للديمقراطية وللانسانية!!
اكبر تعبير عن هذه التبسيطية التلميذية في طروحات ادونيس انه اعتبر(الديمقراطية الفرنسية) هي المقياس المطلق للديمقراطيات الغربية ولعموم مفهوم الديمقراطية. فلوا اخذنا مثلا (مشكلة الحجاب) ، فأنه من المعروف لجميع المتابعين ان الحجاب مشكلة فرنسية قح وليست مشكلة اوربية. ان الديمقراطية الفرنسية وحدها التي جعلت من الحجاب مشكلة، بينما الغالبية الساحقة من الديمقراطيات الغربية تعاملت مع الحجاب بصورة شبه صامتة وبمقبولية انسانية تستحق كل الاعجاب والتقدير. في انكلترا وفي المانيا وفي امريكا لم يمنع الحجاب في أي مكان، سواء عام او خاص، ولم تنطلق أية جدالات حوله لا في الصحافة ولا في الاحزاب ولا في البرلمانات. ففي انكلترا مثلا بكل هدوء ووقار وافقت وزارة التربية على ارتداء الطالبات للحجاب بشرط ان يرتدين معه الزي المدرسي الرسمي. بل ان الزائر لمطار لندن يندهش من وجود مسلمين ملتحين ومسلمات محجبات بين موظفي المطار انفسهم!!
   مع احترامنا لثقافة فرنسا الغنية والانسانية ولمواقفها السياسية المتميزة عن العملاق الامريكي، الا انها مثل كل مجتمع ، مع المحاسن الخاصة بها تمتلك ايضا عيوبها الخاصة بها، ومن عيوب المجتمع الفرنسي ودولته الديمقراطيته ذلك الميل الى المركزية السياسية والهيمنة الثقافية الصارمة، لهذا فأنها لم تتحمل (الحجاب) واعتبرته مسّا بخصوصيتها وثقافتها الجبروتية. لقد عبر ادونيس في بيانه ، من دون ان يدري طبعا، عن هذه الروح المركزوية الفرنسية، بل انه تجاوزها في الكثير الكثير مثل أي "ملكي اكثر من الملك" بل اننا نشك بأن مبادئ ادونيس هذه قد اقتبسها من رواية اورويل الشهيرة (1984) عن دولة الاخ الكبير. تراه يفهم العلمانية كما يقول نصا في بيانه الشهير كالتالي: (( الجامع هو ، وحده ، المكان الذي يتميز فيه المسلم، مفصحا عن هويته الدينية، في الغرب ـ وهذا ما ينبغي ان يكون في البلدان العربية كذلك ـ هو المكان الوحيد الذي يمارس فيه حقوقه الدينية كاملة. كل ممارسة خارجه اجتماعية او عامة، إنما هي عدوان على القيم المشتركة. المؤسسة، وبخاصة التربوية، المدرسة والجامعة مكان مدني عام ومشترك، مكان لقاء، مكان مفتوح للناس جميعا، مكان يجب ان تزول فيه العلامات الدينية الخاصة، الفارقة، أيا كانت. نضيف الى المؤسسة: الشارع،المقهى، المنتديات، دور السينما، القاعات العامة للمحاضرات والمؤتمرات...)).  
 هذه إذن خلاصة فكرة ادونيس عن العلمانية والديمقراطية: ((يتوجب تغييب الدين عن الحياة العامة وإبقائه محصورا في البيت والمعبد))!! وهذه إكذوبة كبرى طالما كررها علمانيونا ويطالبون بتطبيقها في مجتمعاتنا، بينما هي لم ولن تطبق في أي مجتمع على وجه البسيطة مهما كان ديمقراطيا وعلمانيا. انظروا الى المجتمعات الغربية ودولها وثقافاتها واحزابها، كم من العلامات والتعبيرات الدينية الموجودة فيها: ثلاثة ارباع اعلام الدول الاوربية تحمل الصلبان المسيحية.. قوانين الزواج والاحوال الشخصية تستمد جوهرها من الاخلاق المسيحية التي تؤكد على منع تعدد الزوجات وادانة الخيانة الزوجية وحق الامومة الخ.. اعتبار يوم الاحد(المسيحي) عطلة رسمية بالاضافة الى جميع الايام المسيحية، ففي سويسرا مثلا هنالك 12 يوما عطلة رسمية هي مناسبات مسيحية مثل رأس السنة واعياد الميلاد ويوم صلب السيد المسيح ويوم صعوده، ويوم هبوطه .. الخ. في معظم مدراس اوربا هناك دروس ( اختيارية واحيانا اجبارية) لتدريس المسيحية تعطى في المدارس نفسها. بل الكثير من الجامعات في بعض مقاطعات سويسرا مثلا يوجد الصليب في قاعاتها. وايضا في سويسرا هنالك ضريبة سنوية تستقطع من كل مواطن من اجل دفع رواتب رجال الدين الكاثوليك والبروتستان..ثم امريكا نفسها زعيمة الدول الديمقراطية، وضعت على دولارها المقدس عبارة ( نحن نؤمن بالله)، وكذلك توجد كنائس في معسكرات الجيش ، بما فيها القوات الامريكية في العراق!! في انكلترا لا يمكن ان يكتسب الملك الجديد اية شرعية قبل ان يوافق عليه ويباركه اسقف الكنيسة الانجليكانية. ثم هل سمعتم عن (مجلس اللوردات البريطاني) الذي يمتلك صلاحيات موازية احيانا لصلاحيات البرلمان.. لوردات هذا المجلس لا يتم انتخابهم بل تعيينهم من قبل الملك!!
هذه غيض من فيض كما يقال، وليتفضل شاعرنا الطيب الذكر ولينظر حوله في شوارع باريس ومدارسها وجامعتها ليحصي عدد الاشخاص الذين يحملون الصلبان حول اعناقهم.. ولينظر الى رجال الدين اليهود وتلاميذهم بأزيائهم الدينية الخاصة، ولينظر الى الكاهنات الكاثوليكات بأزيائهن الخاصة، ولينظر الى جماعات الطوائف الآسيوية المنتشرة في الشوارع وفي الكثير من الاماكن العامة. هل ينسى شاعرنا ، كيف انه قبل بضعة سنوات عندما قرر رئيس الجمهورية ميتران الاشتراكي، تأميم جميع المدارس الخاصة، ويعني بالذات المدارس الكاثوليكية، فانتفضت فرنسا بأكملها وخرجت الى الشوارع واحدة من اكبر مظاهراتها التاريخية التي تجاوزت المليون، حتى إضطر ميتران الى سحب قراره!!
                               حرية المرأة بين الحجاب والعري
نعم نحن لسنا من انصار الحجاب، ولكن هذا لا يعني ابدا ان نعتبره آفة خطيرة تهدد حياة البشرية وانظمتها الديمقراطية. انه اختيار شخصي، يدخل ضمن حقوق أي انسان بارتداء ما يشاء بشرط ان يراعي الحد المعقول من الحشمة والذوق المنسجم مع مشاعر واذواق الناس. ان رفض الحجاب وانتقاده يجب ان يتم من خلال الحوار والاقناع، وخصوصا من خلال طرح البديل المعقول المتمثل بأزيائنا المحلية التي كانت ترتديها جداتنا. ثم يتوجب تفهم خصوصيات الجاليات الاسلامية في المجتمعات الغربية. ان حرية وكرامة النساء المسلمات بل وحتى الغربيات غير مهددة من قبل الحجاب بقدر تهديدها من قبل العري والاستهتار الفاحش الذي يفرض نفسه على أزياء النساء بصورة تحول موضوع حرية المرأة الى مجرد حرية تعري وابتذال مشهد الجسد. كل صيف أزياء النساء تقصر عشرة سنتيمترات عن ازياء الصيف الماضي، حتى غدى الآن الجزء الاكبر من الجسد مكشوفا بصورة مفتلعة وخالية من أي ذوق: نصف النهود والبطن والصرة والبنطال الهابط تماما الى الاسفل بحيث ترى بدايات العانة ومن الخلف خط الارداف وجزءا من الكالسون، اما من تحت فلم يبقى شيئا محجوبا من السيقان والافخاذ ! اما موضة الكالسون الخيطي التي اجتاحت اخيرا الاسواق فانها تحول خلفية المرأة الى قنبلة شهوة شيطانية لتفجير جنون الشبق لدى اكثر الرجال وقارا. انه الابتذال بكل معاني الكلمة، اخلاقيا وفنيا وانسانيا ، حتى يحق لنا ، مع قليل من التفلسف البنيوي الذي يحبه علمانيونا الكرام، إيجاز حال المرأة الغربية وثيابها بالعبارة الفلسفية التالية: (( هنالك عملية ـ تطييزـ للفضاء الانثوي ـ FESSISATION DE LESPACE FEMININ))، أي تحوبل المرأة في الحياة العامة الى اشبه بعضو جنسي خلفي وامامي، متنقل!! بلغ الأمر ان هنالك من يعتقد بأن نساء اوربا خلال الاجيال القادمة سوف تنبت لهن عيون خلفية من كثرة تعودهن على التفكير بأردافهن عندما يمشين في الشوارع للتأكد من انها حقا تثير انتباه الرجال! من الطرائف التي نشرتها الصحف هنا في جنيف، ان البغايا بدأن يتذمرن بسبب الحيرة لاختيار الثياب الفاضحة التي يمكن ان تجلب إنتباه الزبائن. على حد قولهن ان ثياب النساء العاديات صرن اكثر فضائحية وعهرا من ثياب البغايا!! ان هذا الابتذال لم يستثن سوى العجائز واقلية من النساء المتزنات. حتى الامهات اللواتي توحي مناظرهن عادة بطيبة الامومة وعفتها، تشاهدهن مع اطفالهن شبه عرايا. بل الطريف والمقرف ان تشاهد احيانا إمرأة حامل وبطنها المنتفخة عاريا تماما وترتدي من تحت بنطالا رياضيا ضيقا حتى تبدو اقرب الى مسخ دمية منفوخة منه الى امرأة وأم!!
طبعا هذا الابتذال العروي لا يثير فقط المتدينين المسلمين الرجعيين المتخلفيين المتعصبين، كما يحلوا لعلمانيينا تسميتهم، بل هو مشكلة حقيقية في المجتمعات الغربية نفسها يتم التعبير عنها همسا وبين حين وآخر بسبب الخشية من رد فعل الاجهزة الاعلامية الشيطانية الجبارة التي، لأسباب لا يعلم بها الا الله والضالعون بالعلم، قد قررت ان تحيل المرأة الغربية الى موضوع جنسي مبتذل. من خلال حواراتنا الشخصية مع اصدقائنا من رجال الدين المسيحيين، بروتستان وكاثوليك، هنا في جنيف، طلبنا رأيهم الشخصي حول ظاهرة استفحال عري المرأة، جميعهم قالوا انهم ضد هذا الابتذال لكنهم لا يتجرؤون الكشف العلني عن مواقفهم هذه خوفا من اتهامهم بالرجعية والتعصب ثم ابتعاد الناس عن كنائسهم! منذ فترة قامت حملة اعلامية شعواء ضد إدارة احدى المدارس في قرية سويسرية لأنها تجرأت وبكل ادب وبعثت بكتاب الى عوائل الطالبات ترجوهن حثّ بناتهم على إرتداء الثياب المعقولة، لأن الاساتذة يشكون من عدم قدرتهم على النظر والحوار الطبيعي مع الطالبات، فواحدهم اينما يقع نظره على الطالبه يواجهه مشهدا فاضحا يخربط تفكيره! الكثير منا قد قرأ عن تلك الفضيحة التي أثارها ( وزير المساوات بين الجنسين) الياباني عندما إعتبر ان النساء اللواتي يتعرضن الى الاغتصاب هن السبب في ذلك بسبب ملابسهن الشهوانية المثيرة. ( القدس 4 ـ 7 ـ 2003 ).
كل هذا نذكر به شيخنا ادونيس ومريديه من العلمانيين العرب الذين اعتبروا الكفاح ضد الدين ومعتنقيه واجبا مقدسا يفوق واجب الكفاح ضد الزيف والانمساخ وتلوث الحياة والاخلاق والضمائر..

                               حقوق مسلمي فرنسا
اننا نندهش كيف يتاح لبعض النخب العربية المقيمة في فرنسا ان تتفق مع العنصريين الفرنسيين في التركيز على مشكلة الحجاب وتتناسي المشاكل الاساسية الكبرى التي تعاني منها الجاليات العربية والمسلمة. ومن اهم هذه المشاكل واخطرها هي (قضية الحقوق السياسية) لاكثر من اربعة ملايين عربي مع مليوني مسلم، حتى الآن لا يوجد لهم ممثل واحد لا في البرلمان الفرنسي ولا في الحكومة ولا في أي من اجهزة الدولة وقيادات الاحزاب ومؤسسات المجتمع. ان هذه الوضعية الظالمة تتناقض تماما مع كل مبادئ الديمقراطية والجمهورية الفرنسية عن الاخوة والحرية والمساوات. ان حرمان هذه الملايين من حق التمثيل في الدولة التي يقيمون فيها ويحملون جنسيتها لهو تجاوز سافر على ابسط حقوق الانسان وشعارات العلمانية والديمقراطية.
 اما كان بالاحرى من شاعرنا ادونيس وانصاره اصدار البيانات التي تندد بمثل هذا الخلل في الديمقراطية الفرنسية. والتنديد ايضا بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري الذي تعاني منه الجاليات العربية والمسلمة، والتي دفعت الكثير من المثقفين الفرنسيين الى مناصرتهم والدفاع عن حقوقهم المهضومة. ثم اننا نسأل هؤلاء العلمانيين ، ماذا قدمتم عمليا لهذه الملايين المحجورة في معازلها عند اطراف المدن؟ ليس الاسلاميين من يهدد سلامة هذه الجاليات بل البطالة والفقر والفراغ والجهل وعصابات السرقة والمخدرات والبغاء. ان الجهات الاسلامية هي وحدها ، رغم كل عيوبها وتعصب بعض اطرافها، التي تبادر الى "التنازل" والاتصال بهؤلاء والاهتمام بمشاكلهم وتقديم النصح والخدمات لهم. صحيح ان هنالك بعض المجموعات الاسلامية المحدودة جدا المحسوبة على التطرف والارهاب، ولكن الجزء الاعظم من المتدينين اما افراد مستقلين تماما او هم عبارة عن مجموعات دينية صوفية ومؤسسات خيرية تتجنب السياسة اكثر من أي عدو.
 من المعيب جدا على العلمانيين العرب ان نكتشف بأن طروحات الحكومة الفرنسية نفسها اكثر انسانية ورأفة من طروحاتهم على ابناء جلدتهم. لم تتجرأ هذه الحكومة بأن تحكم بالاقصاء والتكفير على المتدينين المسلمين، بل على العكس انها تحترمهم وتتعاون معهم من اجل ترتيب امور الجاليات المسلمة. ليس صدفة ابدا ان وزارة الداخلية الفرنسية نفسها قد جهدت من اجل توحيد المؤسسات الاسلامية ضمن هيئة اسلامية فرنسية عليا تشمل كل التراب الفرنسي.
ان المشكلة المستعصية للعلمانيين والحداثيين العرب انهم يصرون على الاستمرار في فهم الدين ودوره في المجتمع بصورة وهمية خاطئة وعتيقة تعود الى بدايات الثورتين الفرنسية والبلشفية. انهم يعتقدون ان الدين اشبه "بالحصان" الذي تجاوزه الزمن ولم يعد مفيدا امام وسائل النقل الحديثة من سيارات وقطارات وطائرات. كلا ثم كلا ، ان الدين ، اي دين ، اسلام مسيحية يهودية بوذية هندوسية، أي دين شعبي مهما كان، هو اشبه "بالاقدام" لا يمكن لوسائل النقل الحديثة مهما بلغت من تقنية وجبروت، ان تجعل الانسان يستغني عن قدميه في سيره في دروب الحياة. هذا هو اختلافنا مع العلمانيين السلفيين(الحالمين بجائزة نوبل لقاء نضالهم ضد الحجاب واللحية)!! اما اختلافنا مع الاسلاميين السلفيين، فلأنهم على العكس، قد اعتبروا الدين هو الانسان نفسه وكله، ولم يتركوا أي مجال آخر للتعامل مع الحداثة وثقافتها وافكارها .. نعم هذا هو عين التعصب: ان تتطرف بتضخيم شيء من اجل الغاء شيء آخر!! إذا كان سلفيوا الاسلام يكفٌرون كل من لا ترتدي الحجاب، فأن سلفيي الحداثة يكفرون ويحتقرون كل من ترتدي الحجاب.. وفي كلتا الحالتين الانسان وحريته وكرامته هو المغيب..
كل هذا اقوله وانا لست اسلاميا وقد يعتبرني البعض ملحدا، ولكن لأني اؤمن بأن خلاصنا واستقرارننا وديمقراطيتنا لن تتحقق بالتعصب الديني او الحداثي، لأن الدين والحداثة، مثل القدمين واليدين، احدهما يكمل الآخر، وتبقى الوسطية هي الحل...                                                 

 



#سليم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حملات التطهير العرقي الكردية ونذر الحرب الاهلية في العراق..
- بالفكر الوسطي الجديد نبني وطننا الجديد
- ايها العراقيون: الى متى هذا الصمت عن حماقات البرزاني ـ الطلب ...
- الموقف المطلوب إزاء الاحتلال الامريكي لبلادنا: خير الامور او ...
- جروح الامة العراقية


المزيد.....




- رأي.. فريد زكريا يكتب: كيف ظهرت الفوضى بالجامعات الأمريكية ف ...
- السعودية.. أمطار غزيرة سيول تقطع الشوارع وتجرف المركبات (فيد ...
- الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس يخضع لعملية جراحي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابطين وإصابة اثنين آخرين في كمين ...
- شماتة بحلفاء كييف؟ روسيا تقيم معرضًا لمعدات عسكرية غربية است ...
- مع اشتداد حملة مقاطعة إسرائيل.. كنتاكي تغلق 108 فروع في مالي ...
- الأعاصير في أوكلاهوما تخلف دمارًا واسعًا وقتيلين وتحذيرات من ...
- محتجون ضد حرب غزة يعطلون عمل جامعة في باريس والشرطة تتدخل
- طلاب تونس يساندون دعم طلاب العالم لغزة
- طلاب غزة يتضامنون مع نظرائهم الأمريكيين


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم مطر - عن الشاعر ادونيس والحجاب: حنابلة الحداثة واكذوبة المجتمع العلماني الحنيف!!