أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال حمد - رحلة إلى المخيم 1















المزيد.....

رحلة إلى المخيم 1


نضال حمد

الحوار المتمدن-العدد: 580 - 2003 / 9 / 3 - 02:27
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


تموز 2003

مخيم عين الحلوة

الحلقة الأولى :

يوم الخامس والعشرين من حزيران الماضي،حزمت حقيبتي ومضيت من بيتي في العاصمة النرويجية أوسلو إلى مطار  غارديمون،الذي يقع في مكان غير بعيد عن العاصمة و بنفس الوقت غير قريب منها.

غادرت منزلي بعد حديث وداعي قصير مع زوجتي وأطفالي ،وبعد وداع أسرع من الحديث التوديعي،الذي كان بدوره صعبا ومحيرا بسبب صعوبة السفر والتوغل في مجاهيل العوالم الفلسطينية والعربية الشقيقة،فليس سهلا ،لا بل أنه صعب على المسافر أن يذهب ويترك وراءه أطفاله،فقد لا يعود بسبب قانون غاب قرقوشي،أو بسبب كلام كان كتبه أو قاله عن رئيس أو جنرال أو زعيم أو قائد مصادفة أو صعلوك من الذين يتحكمون بمصير الأمة والديار والوطن والقضية.

 عنوان الزيارة مخيمي الذي أحب عين الحلوة،لكن هل لازالت عيني التي كنت أرى من خلالها فلسطين،هي نفس عيني التي جعلت مساري واضح المعالم وطريقي معروفا ومكشوفا ؟

هل لازالت كما هي،لم تتبدل أم أنها صارت مثل منظمتنا المطوية وفصائلها الوطنية؟

سؤال كان يتردد على مسامعي طوال الوقت،وأزداد ضغطه على نفسي بعد معارك الأخوة الأعداء التي حدثت بعد محاولة اغتيال عبد الله الشريدي (توفي متأثرا بجراحه يوم الخميس 17-07-2003)..

ليس سهلا أن تسافر إلى هناك وخلفك هنا من يبكي سفرك ..

ليس عدلا أن تسافر من هنا ولا تعود إلى هنا لأنك تكتب موتك بقلمك وتحفر قبرك بيدك،مع الموت كما مات الحنظلي ناجي العلي أمر صعب لا يناله أي شخص،فشتان بين الموت والحياة في هذا الزمان الميت..

ليس سهلا ولا عدلا أن لا تسافر إلى مخيمك لأن رعاعا ما أزعجك..

وأخيرا قررت ألسفر ولو كلف ذلك كسوف شمسي وخسوف قمري،فسافرت إلى حلمٍ ينتظر يقظة الذين حلموه أو حلموا به،والى مكان يعترف بأن الأفئدة ارتكبت الكثير من التجاوزات،فتطاولت على الحب وتجاوزت الهوى وتخطت بحبها للهوى عشق القلب للقلب،وابتعدت عن الحياة باتجاه اللا حياة واقتربت بالحرب والورى حد الانتحار لأجل سهوة عابرة أو فكرة جاءت وقت السكرة..

ودعت أحبتي قبل أن تنطلق بي سيارة الأجرة من أوسلو إلى المطار،وكنت في الطريق أفكر بصديقي حسن الذي يعيش حياته يوما بيوم،يصوم عن الطعام لكنه لا يهمل السيجارة ولا يمهل المال،حياته مشاعية كحياة العزابية،غرفته مثل فكرته مكتظة بكل شيء،لا مكان بين أفكارها لما قد يحسن من سيرها في عجقة الدنيا،فكرت بحسن وبحزنه على صديقه الذاهب ألى حتفه برغبة،وكان يقول:أول مرة أرى من يدفع بنفسه ثمن موته،وكنت أرد بأنني أول مرة أدفع لنفسي ثمن تذكرة قد لا تعيد صاحبها لأصحابه،لكن كل هذا لم يكن ليغريني بالبقاء في مقهى سارة على مقربة من صديقي الذي لا يهمل السجائر ولا يمهل المال ولا ينقطع عن الكأس وتصيد الحسن و الجمال.

كان يظنني ميتا لا محالة،وكنت أقول له :

من أنا ليقتلني وبش من الأوباش ؟

أين أنا من ناجي العلي وحنا مقبل وغيرهما من الشهداء الذين قتلوا برصاص الأشقاء ؟

أنا عابر سبيل في زماننا العابر السبيل،لا متراس لي يقيني رصاصهم،ولا مدافع لترد على قصفهم،لدي قلمي وحبي ووضوحي المتمترس بين حروفي والقابع في دخان حرائق كلماتي،الخارج للعلن من موت الذين وثق بهم البعض،إلى اضمحلال الثورة ونهاية السكرة بتمزق الفكرة،وبداية الثورة بنهاية الثورة،وولادة المحاسبة بزوال المناسبة وبروز القانون المتسلح بالتجربة التي غدت مثل سوق الكناسة في زمن الخليفة هارون الرشيد،والآن في زمن العراق المحتل من جديد.

وصلت مطار غارديمون،فاعتذرت من صديقي حسن بعدما أوصيته بشموعه ووحوشه التي يسمونها في النرويج " تروول"،ترجلت من القطار السريع وأخذت عربة متحركة، ثم سرت بها نحو باحة المطار وقاعة المغادرة،بعد وقت قصير أقلعت طائرتنا، فأصبحنا بين الأرض والسماء نحلق كالطيور عاليا عاليا،ثم غفوت قليلا بعد أن داهمتني نوبة نعس لا أعرفها ولا أذكر أنني رأيت مثلها في السابق.

بعد رحلة استمرت حوالي الساعة و45 دقيقة وصلنا العاصمة البولندية وارسو،كان معنا 45 دقيقة فقط ثم نصعد الطائرة المتجهة إلى بيروت.

في وارسو تذكرت الماضي البعيد والآخر القريب،تذكرت سفرتي الأولى إلى عاصمة شرق أوروبا سنة 1984،حيث حلف وارسو الشهير وحيث بداية الحرب العالمية الثانية،وحيث ثورة العمال على الحزب الذي يفترض أنه حزبهم ويمثل طبقتهم وعالمهم ومعاناتهم،حزب العمال البولندي الموحد الذي كان يحكم البلاد،والذي لازال يحكمها الآن لكن باسم مختلف وشعارات وسياسة وبرامج مختلفة أيضا،كان يتبع موسكو وصار يتبع واشنطن.

تذكرت أصدقائي من البولنديين والعرب والأمميين،وتذكرت الشعب البولندي الطيب والذين ساعدوني على التغلب على جراحي بعد حصار بيروت الشهير ومجازر صبرا وشاتيلا وإصابتي الخطيرة ،المميتة والعصية على العلاج السريع..

تذكرت أيام الشباب والعلاقات العلنية والأخرى السرية بين القلب ومشيئة الحياة وشهوات الصبا وطيش الرجولة الشابة بين حقول القمح والذرى..

كنت أتذكر سنين حياتي في هذا البلد ودراستي ونشاطي السياسي والنقابي وكل الذين أحببتهم وأحبوني،وكذلك الذين عاديتهم وعادوني أو حاربتهم سياسيا وحاربوني،كنت أتذكر كيف كنا لفلسطين وكيف كان التراب كاملا رغم تجاوزات المتنفذين وتنازلات المندفعين نحو سلام إسرائيل والزاحفين إلى هناك بلا حنين.

لقد نسيت في تلك اللحظات نفسي،وأصبحت أعيش تجربتي السابقة هنا في الدقائق القليلة المتبقية،كأنني عدت الآن للزمان الأولِ وللمنزلِ الأول.

هي بلاد لم نكن نعرفها قبل أن تطأها أقدامنا،أنها بولندا التي لا أدري لماذا أتخيلها وكأنها مصر،مع أنني لم أزر مصر من قبل،ولا أعرف عنها سوى ما قرأته وشاهدته في السينما والتلفزيون.

وداعا أيتها البلاد التي أحب رغم كل التحولات الظلامية التي شهدتها السياسة البولندية،وداعا لشبابي الذي نام هنا على صدور الصبايا وحواري الجامعة وبين شقائق النساء،وداعا للجامعة التي كانت تجمعنا نحن الأجانب بسكان البلاد،ووداعا لكل المقاهي الجامعية وصالات المحاضرات ومساكن الجامعة وكلية العلوم السياسية،وداعا للمستشفى"كونستانتشين" الذي أعادني واقفا على قدمي رغم ما فعلته بها طائرات أمريكا الإسرائيلية،وداعا للدكتور علي العراقي،هذا المتشرد،المنفي،الفار والهارب من غدر الزمان والنظام وأخطاء الأحزاب الشيوعية العربية والأخرى اليسارية والقومية.

ترى هل لازال يعمل في نفس المستشفى أم أنه عاد إلى العراق المحتل أو "المُحَرَرْ" بلغة المتأمركين من أهل العراق،أتمنى أن لا يكون هو من الذين يؤمنون بالاحتلال بالرغم من عفونة النظام السابق،وما لحق بعلي من أذى على يد النظام وأزلامه.

ها نحن نغادر وارسو في الطريق إلى بيروت،تدور عقارب الزمن دورتها الجديدة،ونحن من جديد في الطائرة بين الأرض والسماء،بعيدا عن مخيمنا عين الحلوة،لكن قريبا من ملكوت السماء..

تقول زوجتي :

 عين الحلوة خطر والبقاء لمدة ثلاثة أسابيع كاملة في مخيم عين الحلوة حيث لا يوجد قانون أو نظام ولا مكان للأمن والسلام،وحيث الفقر والبؤس والحرمان،يعتبر أمرا صعبا للغاية..

وأقول لها :

عين الحلوة بدايتي وأن لم تكن النهاية في فلسطين فلا بد أنها في عين الحلوة..

يتبع..

 



#نضال_حمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للحرية مهر وللمقاومة النصر ..
- إسرائيل تفتح أبواب جهنم السبعة
- الحاكم الظالم أخطر من النمر المفترس
- سيرجيو دي ميلو ضحية السلام المفقود
- شهداء الصحافة بين نارين
- صبيان الفلوجة وعجز أعداء العوجة
- الضحك على الذقون
- فتاوى نبيل شعت الجديدة
- أرقام ونسب توضح حجم المعاناة
- أولاد الحارة والطائرة
- مجنون يحكي وعاقل يسمع
- فيلم طويل من التنازلات التاريخية
- يجب إسقاط حكومة أبو مازن
- الأسرى أولا ..
- العراق يفخر بكم.. - إلى سعدي يوسف، علاء اللامي،سليم مطر وحمز ...
- الهدنة بين الموت والفناء
- تبكي يا أبن الأربعة !
- من قلةِ الرجال سموا الديك أبو علي..
- كيف نعمل لأجل السلام ؟
- العراق المحتل و الدول اللقيطة..


المزيد.....




- السعودية.. تداول فيديو -إعصار قمعي- يضرب مدينة أبها ومسؤول ي ...
- أبرز تصريحات وزير الخارجية الأمريكي حول غزة وهجمات إيران وال ...
- مصرع 42 شخصا بانهيار سد في كينيا (فيديو)
- رئيس الوزراء الإسباني يقرر البقاء في منصبه -رغم التشهير بزوج ...
- -القاهرة الإخبارية-: مباحثات موسعة لـ-حماس- مع وفد أمني مصري ...
- مستشار سابق في البنتاغون: بوتين يحظى بنفوذ أكبر بكثير في الش ...
- الآلاف يحتجون في جورجيا ضد -القانون الروسي- المثير للجدل
- كاميرون يستأجر طائرة بأكثر من 50 مليون دولار للقيام بجولة في ...
- الشجرة التي لم يستطع الإنسان -تدجينها-!
- ساندرز يعبر عن دعمه للاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ويدين جميع أش ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال حمد - رحلة إلى المخيم 1