أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عادل سمارة - خريطة الطريق: قراءة عربية لإملاءات استعمارية وصهيونية















المزيد.....



خريطة الطريق: قراءة عربية لإملاءات استعمارية وصهيونية


عادل سمارة

الحوار المتمدن-العدد: 577 - 2003 / 8 / 31 - 03:02
المحور: القضية الفلسطينية
    


 
رام الله المحتلة


جرى الحديث عن خريطة الطريق او عن الممهدات لها بالتوازي مع المشروع الاميركي لاحتلال العراق الذي كانت طبعته الاخيرة مع مجيىء بوش الأب للرئاسة. وهي خطة للتسوية روجت الولايات المتحدة بموجبها أنها سوف تقدم للفلسطينيين "شيئا ما حلاً ما" ليكون مثابة تعويضٍ للعرب مقابل خسارتهم العراق، وهو أمر في غاية الخطورة لأن طرفاً اجنبياً معادياً يقدم حلا شكليا لمشكلة عربية مقابل تدمير جوهري لقطر عربي مركزي  آخر. وهذا يبرز حقيقة مركزية، وهي ان الامة العربية ليست صاحبة قرار فعل او موقف في مصيرها، انها أمة تحت الوصاية.

ولكن اتصالات المؤسسة الاميركية الحاكمة في العامين الماضيين، أثبتت لها ان بوسعها تقزيم ما تقدمه للعرب والفلسطينيين لأن السقف السياسي الرسمي العربي أكثر انخفاضاً مما توقعت، رغم درايتها بخفايا النظام العربي. وأهم ما تكشف لها:

أولاً: ان الموقف العربي الرسمي مستعد للمشاركة و/او الصمت في تدمير واحتلال العراق وبالتالي، فإن مهمة العدوان أسهل مما تخيلت، وثمنه أقل، ونتائجه أفضل.

وثانياً: ان السلطة الفلسطينية جاهزة لقبول التسوية وأنها لن تثير ما يمكن ان يُحرج العرب، الذين على اية حال فقدوا القدرة على "الَحرَجْ".
 
وعليه، قررت الولايات المتحد احتلال العراق، حتى قبل إعلان خريطة الطريق. وهنا تأكد لواشنطن ان احتلال العراق جعل تنفيذ خريطة الطريق أكثر سهولة وهذا قد يوحي بأن صاغة هذه الخريطة قد عدلوها أكثر وأكثر بما يخدم الكيان الصهيوني كما أن شركاء امريكا، اي الاتحاد الاوروبي، وروسيا والامم المتحدة قد قبلوا بتهميش دورهم في الخريطة مقابل أخذ دور ما  وبالتحديد "نصيب ما" في العراق. لقد اتضح هذا من موقف الرئيس الفرنسي في مؤتمر قمة الثمانية الصناعية في باريس في حزيران الماضي حيث قال شيراك في مؤتمر صحفي:
" "ان الغزو الاميركي غير شرعي ولا قانوني،...ولكن الآن، اما والحال على ما هو الآن، لا بد لنا من العمل معاً. من السهولة بمكان ان تشن حرباً على عاتقك، ولكن الامر الاكثر صعوبة ان تبني سلاماً بمفردك".

وهكذا، يتقاسم المستعمرون الوطن العربي ثانية كمناطق نفوذ، وإذا بنا نعيد تجربة الاستعمار ممثلا في اتفاقية سايكس-بيكو ، تحت يافطة استقلالات عربية. وبالطبع كأن شيراك يقول: إذا كان العرب انفسهم غير حريصين على العراق،  فليس أمامي سوى "هبش" حصة لفرنسا.

ان خريطة الطريق هي خطة جرى إعدادها على يد الولايات المتحدة بمساعدة استشارية من الاتحاد الاوروبي وروسيا والامانة العامة للامم المتحدة. هي بالنسبة للفلسطينيين والعرب خطة إلزامية بايقاف كافة اشكال النضال ضد الاحتلال، والقيام بالقمع الذاتي للمقاومة ، وعندما يقتنع الكيان الصهيوني بهذه الخطوات يرخي من بين انيابه بعض ما قضم من حقوق الشعب الفلسطيني. فلكي يخرج الاحتلال من المناطق التي اعاد احتلالها في نيسان من عام 2002 يحتاج الى سنة كاملة ويشترط تصفية المقاومة باشتراك عسكري فلسطيني ومالي عربي رسمي. وتنتهي خريطة الطريق الى حل "نهائي" جوهره تقبل الكيان الصهيوني كما هو واعتراف عربي شامل به، وتوصل الى "حل عادل وشامل" لموضوع اللاجئين وهذا امر يمكن تفسيره في سياق "عمل خيري وصدقاتي" وتفاوض على القدس بمفهوم ديني لا قومي". اي ان تعاطي صاغة خريطة الطريق مع المسألة هو تعاطي دول عظمى مع منطقة نفوذ، نقصد المنطقة العربية بأسرها. ان للفلسطينيين من جهة، وكل العرب، من جهة ثانية موقعاً محدد سلفاً في هذه الخريطة، وليس لهم موقفاً منها. مطلوب منهم تنفيذ برنامج ما، وليس من حقهم وضع البرنامج! وعليه يكون السؤال ما موقف العرب من الخريطة لكي يتحدد مكانهم منها بموجب هذا الموقف؟

ما أن أُعلنت خريطة الطريق، حتى سارعت السلطة الفلسطينية بقبولها دون قيد أو شرط. وفعلت الشيء نفسه الانظمة العربية التي تخلت بطريقة مفجعة عن "مبادرتها" في بيروت ، مما يعزز الاعتقاد ان هذه المبادرة ليست من الامير عبد الله نفسه، بل هي جس نبض اميركي.

أما في الاراضي المحتلة، فقد جرى تناول هذه الخريطة بنقاشات وحوارات وندوات ومحاضرات في سلسة لا نهاية لها. حتى الآن، لم تبدر معالجة فلسطينية مناسبة هذا المشروع. وهذا لا يعني أننا وحدنا كاشخاص وحدويون عرب، الذين يرفضون خريطة الطريق، بل ان الشارع الفلسطيني بمعظمه ضد هذه الخطة المعدة من فريق متكامل من الاعداء.

إمتداد لمدريد/أوسلو

درجت السياسة في الاوساط الفلسطينية على منهج التفكيك من أجل تسهيل التعاطي مع القضايا بأصغر مستوى ممكن وبالتالي ترحيل القضايا الكبيرة، وليس بهدف، "تفكيك القضايا من أجل حلها وإعادة تركيبها". وعليه، قبلت القيادة الفلسطينية بمؤتمر مدريد، الذي اتخذ طابع القبول "الاستسلام/الردة" الرسمي العربي، ثم كان اتفاق أوسلو. وكان ما كان في تجربة الحكم الذاتي التي ترتب عليها:
• اعتراف عملي بالكيان الصهيوني.
• تصفية تراث الانتفاضة الاولى كحركة شعبية ولا سيما فيما يخص المقاطعة ومناهضة التطبيع.

اما سلوك السلطة "كحكم" إداري مالي من جهة، "وتشليط" الكيان الصهيوني حتى لما اتفق عليه من جهة ثانية فقد قاد الى تفجر الانتفاضة الحالية التي قبلت السلطة الفلسطينية خلالها باتفاقات "ميتشل" وتفاهمات "تينيت"...الخ. وخرجت تخريجات خلال هذه الانتفاضة مفادها أن اتفاق اوسلو قد انتهى...الخ،  وها هي تقبل الآن بخريطة الطريق كما صاغها المستعمرون الجدد. مع ان الحقيقة ان خريطة الطريق هي امتداد لكافة الحلقات المذكورة أعلاه. والتي يمكن تلخيصها في تسمية: "سلام راس المال" وليس سلام الشعوب، ولا سيما الشعب العربي.  وعليه، فإن تنقيل الخطى غير المتوازن بهذه الطريقة تعبير عن سياسة "إدارة الازمات وليس حلها" أي التخلي عن أزمة بالتعاطي مع أزمة ثانية وترحيل الاصعب الى المستقبل، الى المجهول. هذا المجهول الذي يتحكم به الأقوى.

لعل اوضح اثبات على كون خريطة الطريق امتداداً لأوسلو هو النص التالي الوارد في الخريطة:
" بينما يتقدم الاداء الامني الشامل الى الامام، يقوم جيش الدفاع الاسرائيلي بالانسحاب بشكل سريع من المناطق المحتلة منذ 28 سبتمبر 2000، ويعيد الطرفان الاوضاع الى ما كانت عليه قبل 28 سبتمبر 2000، وتنشر قوات الامن الفلسطينية في المواقع التي يخليها جيش الدفاع الاسرائيلي".

وهذا يعني اعادة الامور الى ما انتهت عليه بموجب اتفاق اوسلو وهو امر من بين اهدافه : إشعار الشعب الفلسطيني انه بالنضال لا يحقق شيئا وليس امامه سوى التنازلات. ان محاولة الاثبات بأن المقاومة لا تحقق شيئا هي حجر الاساس في الموقف والرؤية الاميركية والصهيونية لهذا الصراع وكل صراع.

سلام إلإملاءات على مستعمرات

لم يطرح صاغة "خريطة الطريق" انفسهم كوسطاء، بل تنطحت المؤسسة الاميركية الحاكمة للأمر كآمرٍ يفرض ما يريده بالقوة. وعليه، فإن خريطة الطريق هي أوامر مفروضة على جانب واحد هو الشعب الفلسطيني والامة العربية. أما الجانب الصهيوني، فإن ما هو مطلوب منه هو "ان يتعطف" ويقبل بالتنازلات العربية، اي ان يقبل "السيد هدايا العبيد".

مثال، تنص خريطة الطريق:
" إن حلا للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي على اساس دولتين يمكن تحقيقه فقط من خلال انهاء العنف والارهاب وعندما يكون للشعب  الفلسطيني قيادة تعمل بحزم وتكون لديها الرغبة والقدرة لبناء ديمقراطية تمارس على اساس التسامح والحرية ومن خلال استعداد اسرائيل للقيام بما هو ضروري لانشاء دولة فلسطينية ديمقراطية والقبول الواضح وغير الغامض من الجانبين بهدف التسوية من خلال التفاوض كما هو محدد أدناه".

هذا يوضح ان الصراع قد أُفرغ من بعده القومي، فاصبح صراعاً فلسطينياً-اسرائيليا. ولم تعترض لا السلطة الفلسطينية ولا انظمة الدول القُطرية العربية على ذلك، بل قبلت بلا أدنى احتجاج . ولأنه اصبح صراع فلسطيني اسرائيلي، فقد نصت خريطة الطريق على ان تبدأ التسوية:
"...وتنهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967 على اساس ركائز مؤتمر مدريد ومبدأ الارض مقابل السلام، وقرارات مجلس الامن 242، 338، 1397...".

وعليه، فإن خريطة الطريق تتخذ موقفاً واضحا ضد حق العودة، فالصراع بموجب نصوصها هو صراع على المناطق المحتلة عام 1967.

كل من أقر خريطة الطريق، اقر بأن نضال شعبنا هو "إرهاباً" وعليه، يجب التوقف عن المقاومة أولاً، وقبل كل شيء. أي توقف المقاومة، وليس اقتلاع وباء الاحتلال. وهذا منسجم بالطبع مع القاعدة الجديدة في النظام الدولي الذي يخضع للديكتاتورية العسكرية الاميركية وهي: لا مقاومة في حقبة العولمة الرأسمالية". اي ان مقاومة الكيان الصهيوني وراس المال هي إرهاباً.

ومع ان الاطراف التي صاغت الخريطة، تدعي أنها "موئل" الديمقراطية، إلا انها تفرض على الشعب الفلسطيني خلق قيادة جديدة ودستور جديد، والاهم من كل هذا تفرض على الشعب الفلسطيني التنازل عن حق العودة اي عن طنهم. ان شروطاً من هذا القبيل هي شروط أعداء وليس وسطاء. هناك فارق بالطبع بين القرار الذاتي بخلق قيادة، وبين خلقها حسب طلب مفروض من الخارج، فما بالك بحق العودة! ومقابل هذا كله، فإن كل المطلوب من الكيان الصهيوني هو "الاستعداد" للقيام ب....الخ، اي مجرد الاستعداد وليس الالتزم رغم صغر الامور المطلوبة منه! وحين يكون وضع الاساسيات على هذا الحال، لا يبقى اي معنى او ضرورة للتفصيل والتحليل في امور مثل: قيادة فلسطينية جديدة، والانتخابات، وكافة الترتيبات الداخلية. فهذه مستعمرة يتم ترتيب أمورها الداخلية حسب إملاءات الاستعمار. والحقيقة انه لو قام مؤيدو التسوية بالحديث عن الامور بهذا الوضوح، لكان ذلك واقعياً أكثر.

هدنة وتصفية مؤجلة

لم يكن اتفاق أوسلو، على بؤسه، مجرد تعطف من الكيان الصهيوني على شعبنا، ولا ضغطاً اميركيا أو عربيا رسمياً، بل كان نتاج نضال شعبنا المتواصل، ولا سيما الانتفاضة الاولى. كما ان خريطة الطريق هي نتاج لنضال شعبنا ولا سيما العمليات المسلحة والاستشهادية. أدت هذه العمليات الى خلخلة الحياة اليومية داخل الكيان الصهيوني، والى تراجع الاستثمار الاجنبي داخل هذا الكيان، والى تكلفة عالية على الميزانية الحربية هناك.

أما في جانب العدو الاميركي، فإن الحزب الجمهوري حريص على التوصل الى تسوية في الساحة الفلسطينية ليقدم نفسه في الانتخابات المقبلة وقد "أنجز"شيئا ما". وهذا الامر مرتبط بتصاعد المقاومة في العراق مما ينذر بزمن صعب على الولايات المتحدة. فالمقاومة العراقية لا تنحصر في الخسائر البشرية لجيش العدو، ولا في النفقات المالية العالية، ولا في تحرك ضواري الامبريالية للمشاركة في نهش القطر العراقي، بل تصل الى عمق المجتمع الاميركي حيث تحترق أكباد أمهات الجنود تماماً كما احترقت أكبادنا باحتلال العراق. وفي حين ان احتلال العراق عبد الطريق لخريطة الطريق، فان المقاومة العراقية تعيد الى الاذهان ثانية ان المنطلق الفعلي لمقاومة العدو الراسمالي الغربي (الامريكي خاصة) والكيان الصهيوني هو في العمق القومي وليس في التجزئة القطرية التي انتقلت من الافلاس الى الخيانة.

هذه من العوامل التي تدفع لتنفيذ خريطة الطريق، التي ليست مرضية لنا كعرب، ومع ذلك فهي على ردائتها لم يكن لها لتحصل لولا المقاومة. لا شك اننا لم نتمكن من انجاز ما نريد، وعليه، فإن علينا أخذ ما يضطر الاحتلال لتراخي انيابه عنه، ولكن دون ان نقدم تنازلات سياسية له. وهذا ينقلنا لملابسات المواقف والهدنات.

ان الاعتراف بأنها مستعمرة يفترض بالضرورة المقاومة، وهذا ما يحرج مؤيدي خريطة الطريق ويحدث تفسخا في الصف الفلسطيني.

جوهر وملابسات الهدنة

اصبح واضحاً ان العدو الاميركي باتجاه فرض خريطة الطريق كحل. وعليه، تعددت المواقف الفلسطينية من الامر. وبناء على نصوص خريطة الطريق، وجوهر موقف الولايات المتحدة من الصراع، فإن ما هو مطلوب من السلطة الفلسطينية مقابل إعادة بعض الصلاحيات الادارية والمالية التي "تمتعت" بها بموجب أوسلو وقبل الانتفاضة الحالية هو أن تقوم بدور أمني جوهره تصفية المقاومة الفلسطينية، بدءاً من الكفاح المسلح وصولاً الىالمقاومة بالفكر والادب. ان المطلوب هو اقتلاع جذوة العمل الوطني، جذوة المقاومة حتى كمعتقد فكري ونفسي. إنه الإجهاز على الذاكرة التاريخية للشعب الفلسطيني وعلى الوعي الحالي لهذا الشعب.

إن موقعا للسلطة الفلسطينية في امبراطورية العولمة يقتضي قيامها بتصفية المقاومة. وهذا امر اثار جدلا ماراثونياً في اوساط السلطة الفلسطينية، ولا سيما الاتجاه الاميركي الذي يتزعمه رئيس الوزراء والاتجاه المحلي الذي يتزعمه ياسر عرفات . ويبدو ان "البخل" الصهيوني في تقديم محفزات للسلطة كي تقمع المقاومة، او تحديداً تقديم تغطية لتبرر عمليات القمع، قد دفعت السلطة الى الوقوف عند خط، القبول بإعلان كل منظمة مسلحة هدنة خاصة بها. وفي التحصيل الاخير، فإن هدنة معينة قد تم الالتزام بها. هي هدنة عسكرية جماعية، ولكنها ليست هدنة سياسية جماعية، وهذا ما اغضب العدو الاميركي الذي استمر في ضغطه وتنافخه. والامر نفسه فيما يخص السيد كوفي عنان، الذي نزل بالمستوى الاعتباري لامين عام الامم المتحدة الى مجرد "طرطور- وحق التأليف للصحاف" لصالح الولايات المتحدة.

ما يصر عليه العدو الامريكي والكيان الصهيوني هو تصفية المقاومة بإحدى طريقتين:
• إما تصفية أمنية جسدية تقوم بها الاجهزة المخابراتية للسلطة الفلسطينية
• أو تصفية ذاتية بأن تُخوِّل القوى المسلحة وخاصة المنظمات الاسلامية الجهادية، السلطة الفلسطينية
عقد اتفاقات مع الكيان باسمها. وبهذا تكون قد حكمت على نفسها وتراثها بالضياع.

لذلك لجأت القوى المقاتلة الى إعلان هدنة من جانبها بمعزل عن قبول الكيان بذلك أم لا. وهكذا، كانت استراحة المحارب، مخرجاً مؤقتاً من الازمة الحالية، ليرى كل طرف ما هو صانع بعد ذلك. لكن هذا  يخفي حقيقة ان المنظمات الفلسطينية قررت الهدنة اضطراراً، وتلافيا لصراع داخلي من جهة، ونظراً لخذلانها من قبل الموقف الرسمي العربي من جهة ثانية.


صيغ عديدة وجوهر أمني واحد

لقد استخدمت خريطة الطريق عبارات ومصطلحات انشائية بمضامين مغلفة مع انه يتم تضخيمها عند الضرورة تحت مجهر إعلام التسوية. فما هو معنى "دولة فلسطينية ديمقراطية قادرة على الحياة"؟ إن هذا مجرد خطاب ولغو. فلا توجد دولة في المنطقة قادرة وحدها على الحياة، وجميع دول المنطقة في وضع جغرافي وثرواتي وأمني وتطور صناعي وزراعي افضل من الضفة والقطاع بكاملهما! إن الدولة القادرة على الحياة الحقيقية هي دولة عربية موحدة، وليس كياناً يُملى عليه من عدوه  ان يصبح "دولة".

أما في الجوهر، فتنص المرحلة الاولى من خريطة الطريق على ان يوقف الفلسطينيون العنف وقفا غير مشروط، على ان يقترن ذلك باجراءات "داعمة" تتخذها اسرائيل"، وهذا يعني احد امرين:
إما أن الفلسطينيين هم المعتدون وبالتالي عليهم وقف العنف، وكأنهم ليسوا تحت الاحتلال،
أو أن الفلسطينيين هم الطرف الاضعف، ولذا يتم إملاء الشروط عليه؟ في حين ان ما على الجانب الصهيهوني إلا اتخاذ إجراءات "داعمة" وهو في هذا مخيرً.

ولا يكون الوقف الفلسطيني للعنف قرار فلسطيني داخلي، بل بالتشارك مع الكيان الصهيوني، أي برعايته واشرافه وهو ما اسموه: "التعاون الامني". اذن فاساس خارطة الطريق هو اساس اجتثاث المقاومة وتطبيق اتفاقات امنية.

ثم تنص ان على الفلسطينيين ان يقوموا باصلاحات ووضع دستور. أي ان الاصلاح الداخلي هو بأوامر المستعمر. كما ان هذه الحالة الأولى في التاريخ حيث تقوم قوى خارجية بفرض على شعب ان يضع دستوراً كما يريده هذا العدو الخارجي.
 
ورغم ان خريطة الطريق مبنية على اتفاق أوسلو، إلا ان عودة الامور لما كانت عليه قبل الانتفاضة الحالية، مرهون بتنفيذ الفلسطينيين للاشتراطات والاتفاقات وخاصة الامنية لصالح الكيان. وبالمقابل، لا تطلب خريطة الطريق من الكيان الصهيوني تنظيف الضفة والقطاع من المستوطنات، بل وقف توسيعها.

ان النقطة الرئيسية منذ بدء المرحلة الاولى لخريطة الطريق وحتى النهاية، هي التأكيد على تنازل السلطة الفلسطينية عن حق العودة. لا يتم هذا التأكيد بالكلام الصريح، ولكنه بالجوهر الصريح وهو:  " تصدر القيادة الفلسطينية بيانا لا يقبل التأويل يعيد تاكيد حق اسرائيل بالعيش بسلام...".

وهذا النص يتضمن نقطتين خطيرتين:

الاولى: ان تأكيد حق اسرائيل في الوجود والعيش بسلام، دون ان ينص مباشرة على حق العودة، معناه شطب حق العودة.

والثانية: ان هذه الدولة الصهيونية يجب الاعتراف بحقها في العيش دون ان تُحدد حدودها، وهذا يعني انها ذات حدود متحركة أبداً.

وهكذا نلاحظ ان المطلوب ما زال تنفيذ فلسطيني لأوامر من طرف واحد، في حين يبقى المطلوب من الكيان الصهيوني اعمالاً تكميلية.

اما دور الولايات المتحدة والدول العربية المعترفة بالكيان الصهيوني  فهو تقوية الجانب الامني الفلسطيني وتدريبه ليقوم بمهمة القمع. وعليه، حتى الآن كل ما تم الاتفاق عليه وما يجب تنفيذه هو القمع والامن.

المنظمات غير الحكومية

 ورغم أن خريطة الطريق هي مشروع سياسي، لا علاقة له بالتنمية، صاغته قوى معادية لشعبنا على شكل تعليمات لبلد لا يعدو وضعه وضع مستعمرة،  فإن من صاغوها أصروا على إعطاء حظوة للمنظمات غير الحكومية. أنظر الباب المسمى" بناء المؤسسات الفاسطينية" في  ص 5 من الترجمة العربية لخريطة الطريق حيث ينص:

"الحكومة الاسرائيلية تسهل مساعدة اللجنة الدولية المكلفة بمساعدة إجراء الانتخابات، تسجيل الناخبين، حركة المرشحين مسؤولية التصويت،ودعم المنظمات غير الحكومية المنخرطة في الانتخابات". وفي باب المجتمع المدني، تنص خريطة الطريق في ص 5 أيضاً: "تواصل دعم المانحين بما يشمل زيادة دعم المنظمات غير الحكومية وبرامج شعب لشعب، والقطاع الخاص ومبادرات المجتمع المدني".

 في حين ان خريطة الطريق تعتبر الحركة الوطنية وخاصة الاسلامية مجموعات إرهابية.

هذا يؤكد بأن المنظمات غير الحكومية جزء من القانون العام الذي تتسم به حقبة العولمة وهو: لا مقاومة في حقبة العولمة...ان العولمة حرب على المقاومة.

المستوطنات

كما اشرنا في بداية هذه المقالة، فإن المستوطنات كمختلف القضايا الرئيسية تؤجل الى مرحلة الحل النهائي. وما يتم تفكيكه هو البؤر الاستيطانية الصغيرة. وهذا ينسحب على المرحلتين الاولى والثانية من خريطة الطريق.

كما تبقى الحدود مؤقتة وتظل السيادة غير محسومة كما هو في النص:

 "في المرحلة الثانية انشاء دولة فلسطينية بحدود مؤقتة وعلامات سيادية....كمحطة علىالطريق نحو الحل الدائم، وكما لوحظ سابقاً، فإن هذا الهدف  سيتحقق عندما تكون للشعب الفلسطيني قيادة تعمل بحزم ضد الارهاب... المرحلة الثانية تبدأ بعد الانتخابات الفلسطينية مع امكانية انشاء دولة فلسطينية ذات حدود ؤقتة في العام 2003".

اما المرحلة الثالثة، فمبنية على انعقاد مؤتمر دولي، حيث يكون الفلسطينيون قد قدموا كل شيىء. وعندها، لا يوجد ما يلزم بعقد هذا المؤتمر. وحتى لو انعقد، فإن اجندته واضحة في انحيازها. فهو سيبحث في "حل عادل وشامل لقضايا الحدود اللاجئين والقدس والمستوطنات ". والحل العادل من وجهة نظر مؤتمر للاعداء لن يكون عادلاً لشعبنا.


طريق للأنظمة العربية

تجدر الاشارة الى ان العدو الراسمالي الغربي يُعامل الوطن العربي دوماً كمجموع، في حين ان الانظمة العربية القطرية الحاكمة تتعاطى مع كافة القضايا كأجزاء مفككة. واذا كان الخضوع العربي غير بارز في حقبة ما قبل العدوان على العراق، فإن احتلال العراق ومشاركة الانظمة العربية في ذلك، بدرجات متفاوتة، وضع الولايات المتحدة في موضع من يُملي ايضاً على هذه الانظمة تقديم تنازلات للكيان الصهيوني. لذلك، نصت الخارطة على:
" ...تقطع الدول العربية التمويل العام والخاص وكافة اشكال الدعم للجماعات التي تدعم وتشارك في العنف والارهاب".

ان هذا يعني فيما يعنيه قبول الانظمة العربية بالفهم الاميركي للمقاومة على انها ارهاباً، وتطبيق الاوامر الاميركية في هذا الصدد. تنص الخريطة:
"هذا الاجتماع سيكون مفتوحا  وعلى اساس هدف تحقيق السلام الشامل في منطقة الشرق الاوسط (بما يشمل السلام بين اسرائيل وسوريا واسرائيل ولبنان) وعلى اساس المبادىء التي وردت في مقدمة هذه الوثيقة".

وتنص كذلك على:
"اعادة الروابط العربية مع اسرائيل التي كانت قائمة قبل الانتفاضة (المكاتب التجارية...الخ"

اما في المرحلة النهائية فتنص الخريطة :
"تقبل الدول العربية بعلاقات طبيعية كاملة مع اسرائيل والامن لكافة دول المنطقة في اطار سلام عربي-اسرائيلي شامل". وهكذا تقرر الولايات المتحدة للدول العربية ما عليها ان تقوم به تقريراً لا نقاش فيه.

سيمر حل كما مر أوسلو فما العمل

تنص خريطة الطريق في مرحلتها الثالثة على:
" هدف المرحلة : التوصل لإتفاق وضع دائم نهائي شامل عام 005 2، من خلال تسوية يجرى التفاوض حولها، أستناداً لقرارات مجلس الأمن 242 ، 338 ، 1397 التي تنهي احتلال سنة 1967 . وتتضمن هذه التسوية حلاً عادلاً منصفاً (وعملياً) لمسألة اللاجئين ، وحلاً (تفاوضياً) بشأن وضع القدس، ويفي بتحقيق " الرؤية " الخاصة بدولتين إسرائيلية وفلسطينية ... . "

واضح تماماً ان معسكر العدو بصدد فرض حل معين، سيىء بكل المعاني، ولكنه يريده حلاً نهائياً.  لذا، فإن علينا وضع هذا الامر بالاعتبار كي نتمكن من التعاطي مع التحديات في إطار فهمها وليس التفاجئ بها.

إن المكونات الرئيسية لهذا الحل هي:
• اعتراف فلسطيني وعربي بالكيان الصهيوني، وتطبيع العلاقات معه كي يندمج في المنطقة اندماجا مهيمناً.
• تصفية حقوق الشعب العربي الفلسطيني في العودة، بينما يبقى الباب مفتوحاً "لقانون العودة" الصهيوني مما يجعل إعادة احتلال اراض عربية مجدداً امرا ممكناً.
• إقامة دولة فلسطينية شكلية على اراض من المحتل 1967، حيث لم تنص الخريطة على انسحاب صهيوني من كامل هذه الاراضي.
• الانتهاء من القضية الفلسطينية كجامع عربي قومي عام، ودفع كل دولة قطرية للانشغال بنفسها بعيدا عن الاخرى.

يعتقد العدو الاميركي ان بوسعه فرض تسوية طبقاً لميزان القوى الحالي، محاولا تجاهل عناصر القوة والتناقضات الجديدة التي يفرزها الوجود والقوة الموضوعية للامة العربية. وعليه، فإن تسوية من هذا الطراز سوف تُواجه باستمرار المقاومة الفلسطينية.
 
وليس من الغريب ان تشهد الساحة الفلسطينية تعقيدات وإشكالات داخلية طبقاً لالتزام اجنحة من السلطة الفلسطينية بإملاءات الاعداء. وستغلف هذه الاجنحة مشروعها القمعي "بالمصلحة الوطنية"، كما حصل سابقاً. ولكن هذا قد يعيق المقاومة ولكنه لن يوقفها. وليست هذه هي التجربة الفلسطينية الاولى، علماً بأن التجربة الحالية اكثر قساوة حيث ينفذ قسم من القوى السياسية إملاءات اعداء الشعب والامة. وقد لا تكون فترة مواجهةالاشكالات فترة بعيدة. ففي حال انتهاء الهدنة التي اعلنتها القوى المسلحة، وفي حال مباشرة عملها الكفاحي’ يمكن ان تقوم اجهزة امنية تابعة للسلطة بمحاولات قمع قوى المقاومة، وهو قمع قد يصل حتى التحريض الشفوي.

وعندها، قد تختار قوى المقاومة طريق العمل السري تفادياً للاحتراب الداخلي، وهو نموذج العمل الذي لا ينتهي ولا يمكن اجتثاثه. ولا شك عندها ان وتيرة العمل ستكون أقل. وهذا يذكرنا بمسألة اساسية وهي ان النضال الفلسطيني هو جزء من المشروع النهضوي العربي، وأن تحرير فلسطين ليس مشروعاً فلسطينياً قطريا ضيقاً. لذا، لا بد ان نرى الصورة في بعدها العربي الشامل الذي تتكون اسسه مما يلي:
• تواصل النضال الشعبي داخل كل قطر عربي لتغيير انظمة الكمبرادور التابعة.
• توصل مقاطعة العدو الصهيوني والولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائها في سائر ارجاء الوطن العربي.
• تواصل مناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني والولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائها.
• تواصل المقاومة الباسلة في العراق الشقيق، مع التأكيد بأن الطريق الى فلسطين يبدأ من هناك.
• التأكيد بأن الحل لفلسطين هو ضمن المشروع القومي العربي الوحدوي الاشتراكي.

كنعان



#عادل_سمارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تديين الصراع مجرد إيديولوجيا راسمالية: سابقة على الاقطاع ومت ...
- المرأة والانتخابات بين -الكوتا- العالمية والمناصفة في مجلس ا ...
- خطة الهدف ( الحملة الشعبية لأنهاء الاحتلال) أم حملة مع الاحت ...
- إشكالية الناصرية
- الآن-: نحن أقوى من بوش فلنبتزه
- سياسة فك الارتباط لن تكون حكومية
- قمتا بوش في شرم الشيخ والعقبة
- انقسام آخر للمثقفين العرب
- خطاب العرش الامريكي لاستعمار الوطن العربي
- استقالة عريقات تعيد عرفات الى الواجهة
- أنثراكس:هدى عماش أم... بريطانيا العظمى
- الوحدة محظورة والتضامن ممنوع حتى لو رغبتم...فما العمل!
- خصخصة، وراسمالية مافيا، وكمبرادور في العرق تغيير في التركيب ...
- بدأت ألمذبحة... ذهبت السلطة وبدأت المقاومة
- انحطاط الحزبية العربية
- زمــن الوكــلاء
- جامعة الدول العرية...دور لا قومي
- نعم، لم تبذل البشرية بعد دماً يضمن الحرية
- دجلة بالاحمر...والعدوان عربي
- حق العودة بين الاممية والعولمة


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عادل سمارة - خريطة الطريق: قراءة عربية لإملاءات استعمارية وصهيونية