أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض الصيداوي - سوسيولوجيا الجهاد والعنف في الجزائر: خطابا وممارسة 3















المزيد.....

سوسيولوجيا الجهاد والعنف في الجزائر: خطابا وممارسة 3


رياض الصيداوي

الحوار المتمدن-العدد: 1904 - 2007 / 5 / 3 - 11:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


- التركيبة الاجتماعية للجبهة الإسلامية للإنقاذ
تتميز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بكونها تنظيما شعبويا. أي أنها تنظيم يخترق كل الطبقات الاجتماعية بدون استثناء. فالنخبة القائدة مثلا تضم تناقضات واضحة بين أفرادها حيث نجد مثقفين اللغة العربية والفرنكفونيين، المهندسين وخريجي العلوم الإنسانية، التجار الصغار والعاطلين عن العمل، الشيوخ والشباب، الرجال والنساء، وكل أؤلائك الذين لم يجدوا لهم مكانا داخل النظام.
أ‌- النخبة القائدة
تعد دراسة النخبة القائدة مسألة شديدة الأهمية، فهي التى تخوض المعارك السياسية الكبرى وتتخذ القرارات المصيرية.
عندما درس جان باشلار Jean Baechler المتغيرات الاجتماعية التى تصاحب الظواهر الثورية توصل إلى ضرورة التمييز بين ثلاثة فئات اجتماعية: النخبة، الشعب، والرعاع. واعتقد أن كل فئة تتكون بدورها من عدد غير محدود من تجمعات الأفراد الاجتماعيين . ومن بين كل هذه الفئات يعطي للنخبة أهمية خاصة فهي حسب رأيه "الوحيدة القادرة على الاستيلاء على السلطة. فالنخبة تجمع كل أولائك الذين يبدون أكفاء في نشاط معين" . ومن ثمة تصبح دراسة النخبة القائدة ل"الفيس" بالنسبة إلينا مسألة ملحة حتى نحدد دورها في تطور الأحداث ووصولها إلى الأزمة.
رغم أننا لا نمتلك إحصاءا شاملا للأصول الاجتماعية والعلمية لقادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وخاصة بالنسبة إلى مهنهم الأصلية، فإننا يمكن أن نلاحظ طغيان عدد خريجي كليات العلوم الصحيحة. إذ يبدو أن عدد المهندسين والفزيائيين معتبر. من الممكن أيضا أن نشير دون عناء التثبت إلى أن الحركات الإسلامية تنجح عادة في الهيمنة على كليات العلوم أكثر من كليات الآداب والعلوم الإنسانية. يكفينا العودة إلى نتائج انتخابات اتحادات الطلبة لنتأكد من هذه الملاحظة. بل الأكثر من ذلك، تشمل هذه الظاهرة كل بلدان الوطن العربي تقريبا. وأكد عليها كثير من الباحثين. فكيف يمكن تفسيرها؟
يمكن للجبهة الإسلامية للإنقاذ أن تفتخر بكم هائل من مناضليها الحائزين على درجة الدكتوراه أو الجامعيين بصفة عامة. إن قضية هذه الفئة الاجتماعية المهنية في الجزائر وغيرها من البلدان العربية تكمن في أنها مهمشة بشكل غريب، خاصة حينما تختار معارضة النظام أو الاستقلال عنه. يصل الأمر دائما إلى مستوى أن أجر أستاذ جامعي في كثير من البلدان العربية يقل بكثير عن أجر راقصة مبتدئة! الأول أمضى سنوات عمره في تحصيل العلم والبحث في المكتبات والمختبرات، والثانية، رغم أنها أمية أو شبه أمية، وجدت نفسها أفضل اجتماعيا (ماليا). وزادت الرأسمالية العشوائية من تفاقم هذه الظاهرة لصالح الطبقات الطفيلية الجديدة في حين تم تفقير الكوادر والنخب المثقفة. كما أن عددا كبيرا من هؤلاء الجامعيين مزاح من فرص صناعة القرار رغم تفوقه العلمي. فالقرار يحتكره الجيل القديم مستندا إلى الشرعية التاريخية وليس إلى الكفاءة العلمية . بحث هؤلاء الجامعيون عن حل لوضعهم المهني المادي في حركة الاحتجاج التي شكلتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
نرصد أيضا أن أغلبية هؤلاء الجامعيين هم من التقنيين والمهندسين وليسو من خريجي كليات الحقوق أو الآداب أو العلوم الإنسانية أو الاجتماعية. هذه الظاهرة تستحق بعض الدرس والحفر المعرفيين. تتأكد نفس الظاهرة بوضوح من خلال انتخابات المجالس العلمية في الجامعات العربية. إذ كثيرا ما نرصد أن قائمات الإسلاميين تفوز فوزا ساحقا في الكليات العلمية والتقنية في حين تواجه صعوبات في الفوز حينما يتعلق الأمر بكليات الآداب والعلوم الإنسانية .
حاول المفكر المغربي، الدكتور محمد عابد الجابري، تحليل هذه الظاهرة، فوضع موضع اتهام النظام التعليمي في الجزائر أو في غيره من الوطن العربي. شرح "أن طبيعة التعليم المهيمن اليوم في الوطن العربي هو إما تعليم تقني مقطوع كلية عن أي تفكير في المعنى لهذه التكنولوجيا، لأنه يصنع أناس بشكل آلي ودغمائي. أو هو تعليم يركز على الأساطير ويلبد الأذهان. إن هذين النوعين من التعليم يشتركان في جذع واحد وهو غياب التساؤل النقدي: إن سؤال ماذا أو كيف لم يطرحا أبدا" . يتهم الجابري "العقل التكنولوجي" بأنه عقل "مستعد دائما لتلقي "العقائد" بنفس السهولة التي يتلقى بها القوانين العلمية. لذلك ليس من المدهش أن نرصد أن معاهد وكليات العلوم تمثل معقلا من المعاقل الهامة التي يقع فيها استقطاب النشطين الإسلاميين" .
يتفق معه في نفس الاتجاه عالم السياسة الفرنسي برينو إتيان Bruno Etienne الذي يؤكد على وجود حجج كثيرة تثبت حقيقة أن الإسلاميين الذين يشكلون المعادلة التالية "دكتوراه + لحية" = شباب حيوي ومتعلم" كثيرون على أرض الميدان. ويستنتج أن الحركة الإسلامية المعاصرة هي إفراز لعملية "التعليم الجماهيري المكثف" التى حدثت في فترة ما بعد الاستقلال. ويضيف أن الإسلاميين يمثلون تجمعا كبيرا للفئات الاجتماعية-المهنية، والأكثر من ذلك نجد أن قيادتهم يقع استقطابها بشكل متزايد في الأوساط الجامعية العلمية" . توصل الفرنسي جيل كيبيل Gilles Kepel إلى نفس الملاحظة بعد أن قام بدراسته على الحالة المصرية. وشاركهم أوليفياي روا Olivier Roy في نفس الاستنتاج بعد أن درس حالة إفغانستان . ويؤكدها أيضا الباحث عبد القادر الزغل الذي يشرح الظاهرة كالتالي: "إن المدهش في الأمر بالنسبة إلى المثقفين الوضعيين أو الوضعيين الجدد هو أن المحرك الأساسي لهذه الحركة، التى تعود إلى المقدس في العالم الإسلامي، لم يتشكل كما يمكن أن نعتقد من طلبة كليات اللاهوت والعلوم الدينية المهددين بالبطالة، ولكن على العكس فهو يتكون في أغلبه من طلبة الكليات العلمية ومعاهد التقنية" .
تطبق هذه الملاحظة المجمع عليها على الحالة الجزائرية بشكل كامل. فالتعليم المكثف منذ الاستقلال في هذا البلد أدى إلى وجود فئة اجتماعية-مهنية، عادة ما تكون علمية، مزاحة من مراكز القرار. فالجيل الجديد الشاب وجد نفسه في مواجهة احتكار الجيل القديم، جيل جبهة التحرير الوطني بسياسييه وعسكرييه. حيث احتكرت المناصب ومواقع المسؤولية وتغلبت الشرعية الثورية (شرعية الذين قاتلوا في حرب التحرير الوطني) على شرعية الكفاءة والمقدرة والتكوين العلميين. هذه الأخيرة وجدت نفسها مبعدة من مراكز القرار رغم تفوقها العلمي والتعليمي على غريمتها الأولى، فبحثت عن شكل ناجع من الاحتجاج، فوجدت الحركة الإسلامية الأقوى على الاستقطاب والتعبئة والأقدر على منافسة السلطة...فانضمت إليها . لكن الغريب في الأمر أن هؤلاء الشبان المتعلمين غير معترف بهم حتى من قبل حركة إسلامية أخرى كحركة "حماس". فمحفوظ نحناح قائدها يحتج عى تأسيس "الفيس" ويعلن معاداته له ويقول بتهكم "الحزب الإسلامي يجب أن تقوده نخبة من علماء الدين وليس من مجموعة أطفال" .
ب-الطبقة المتوسطة
تشتمل الطبقة المتوسطة في كل المجتمعات على فئات اجتماعية-مهنية متعددة ومتنوعة. نجد الموظفين الذين يرتبطون عادة بأجهزة دولهم من خلال المرتبات التى تدفع إليهم شهريا. وهم عادة عاجزين عن معارضة شديدة لحكوماتهم في الدول غير الديموقراطية لأن أي معارضة جادة من جانبهم ستؤدي بهم إلى البطالة بعد الطرد من الوظيفة. ومن ثمة يجدون أنفسهم مضطرين إلى البقاء أوفياء للحكومة وعدم معارضتها علنا نظرا لمصالحهم الاقتصادية المالية. فقط المستقلون ماليا يستطيعون مواجهة السلطة بعنف. هذه الفئة تتجسد عادة في صغار التجار ومتوسطيهم. لقد مثلوا مصدرا تمويليا هاما للجبهة الإسلامية للإنقاذ. يجب التذكير بالدور الفاعل الذي لعبه التجار في إيران من أجل إنجاح الثورة الإسلامية في ديسمبر/كانون لأول 1979. ومن الممكن تفسير ظاهرة دعم التجار الصغار والمتوسطين في الجزائر ل"الفيس" كالتالي:
يمول التجار الصغار "الفيس" لأنها تناضل ضد تحالف كبار الضباط مع كبار التجار الذين يمتلكون احتكار التصدير والتوريد من الخارج. ومن ثمة فهم يدافعون عن مصالحهم الاقتصادية بانضمامهم إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

فيس ----------> كفاح ضد------------> المؤسسة العسكرية
تجار صغار-------> كفاح ضد-------------> التجار الكبار
النتيجة
فيس + تجار صغار--> كفاح ضد-----------> كبار الضباط + كبار التجار

من الواضح وجود معاناة دائمة لصغار التجار ومتوسطيهم بسسب الاحتكار الذي تمارسه فئة كبار الموردين الذين يتعاونون بدورهم مع كبار الضباط العسكريين والشخصيات السياسية النافذة. والأكثر من ذلك فإن هذا الاحتكار يمكنه تثبيت أسعار السلع التى يبيعها للصغار والمتوسطين فيحدد من هامش ربحهم, وهو يهيمن على السوق بشكل واسع ويمنع الصغار من مضاعفة أنشطتهم وأرباحهم وتراكم رؤوس أموالهم ومن ثمة ارتقائهم إلى صفوة كبار التجار والتسلق طبقيا. يمكننا توضيح ذلك أيضا بهذا الشكل:
• إذا كان صغار التجار ومتوسطيهم حلفاءا ل"الفيس" فذلك لأنهم يدافعون عن مصالحهم الاقتصادية، أو إن صح التعبير في الأمل على إمكانية إزالة الاحتكار------> فيقومون بجمع المال ودعمها في مواجهة السلطة.
• إذا كان كبار التجار حلفاءا للسلطة العسكرية، فذلك لأنهم يسعون إلى حماية مصالحهم وامتيازاتهم التى حصلوا عليها خصوصا من عمليات التوريد-----> فينسجون علاقات متينة مع كبار الضباط الذين يتقاسمون معهم ريع احتكار التوريد.
وهذا يفسر الدعم الهائل الذي لقيته الجبهة الإسلامية للإنقاذ من قبل هذه الفئة كما يفسر إمكانياتها المادية الهائلة التى وظفت في حملاتها الانتخابية. كل ذلك نتيجة للاستقلال الاقتصادي لهذه الفئة عن الدولة وعدم ارتباطهما في علاقات مصالح مشتركة.
دعم التجار الصغار والمتوسطين----->استقلال اقتصادي------->مقاومة عنيفة ل"الفيس"
لكن، لنلاحظ أن هذا الدعم الهائل لن يستمر بالكثافة التى شهدتها سنوات 1989-90-91-92. بل سيتقلص أو ربما يكاد ينعدم. ذلك أن المؤسسة العسكرية حينما انقضت على قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ قامت في الآن نفسه بضرب كل بناها التحتية ومصادر تمويلها الخارجية والداخلية ومحاصرة أنصارها حتى تقطع عنها كل مساندة. تميز الهجوم بعدم انتقائيته وبشموله لكل فئات الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومن بينهم هؤلاء التجار الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إما للصعود إلى الجبال والمغاوير أو التخلى عن دعم الجبهة والتعامل مع النظام. ويبدو أن أغلبيتهم اختارت تنظيمات أخرى أكثر اعتدالا مثل "حماس" وبعضهم انضم إلى السلطة نفسها، والقليل صعد إلى الجبار وحمل السلاح. هذه الفئة الاجتماعية بطبيعتها التجارية تتجنب العنف وتفكر دائما بمنطق الربح والخسارة، وحينما بدا لها أن رهان الجبهة الإسلامية للإنقاذ أصبح رهانا خاسرا وأن الدولة الجزائرية لم تسقط وإنما على العكس ازدادت قوة، انقلبت على مواقفها السابقة وناشدت السلامة. بقي أن فئة أخرى، هي فئة المهمشين، لم تعش التجربة نفسها حيث غذت الإسلام المسلح بكل قواها وطاقاتها.

د- المهمشين
يعرف فيلفرادو باريتو Vilfredo Pareto المهمشين على أساس أنها طبقات دنيا مستعدة لاستخدام مكثف للعنف. ويبرز في فقرته رقم 2057 من "بيان علم الاجتماع العام" أن "الثورات تحدث نتيجة إما بسبب الإبطاء في عملية دوران النخب، أو بسبب آخر، حينما تتراكم عناصر ذات صفة دنيا في الطبقات العليا. هذه العناصر التى لا تمتلك مواقع داخل السلطة، تتجنب استخدام العنف. أما في الطبقات الدنيا فتنمو فيها عناصر ذات صفات عليا تمتلك القدرة أو الإمكانية للحكم وهي مستعدة لاستخدام العنف" . يسمي باشلار هذه العناصر ب"الرعاع" ويعرفها بكونها المجموعة التى تضم "كل المطرودين من النظام الاجتماعي" . ويعتقد الباحث الفرنسي إيف لاكوست Yves Lacoste أن كثيرا من المراقبين يفسرون ظهور الجبهة الإسلامية للإنقاذ بسبب تفاقم البطالة في الجزائر ، ذلك أن البطالة وصلت إلى شريحة كبيرة جدا من السكان الجزائريين أي حوالي 40% وأغلبهم من الشباب. وهؤلاء الأخيرين، نظرا لتهميشهم من قبل المجتمع، سيشكلون الاحتياط الأكبر الذي يزود الجناح الأكثر تطرفا للحركة الإسلامية التى استخدمت السلاح.
يحلل في نفس السياق جاك فونتان Jacques Fontaine في مقاله "أحياء فقيرة والتصويت الإسلامي في الجزائر" (Quartiers défavorisés et vote islamiste à Alger) ظاهرة تفشي الفقر وانتشار الحركة الإسلامية في المدن الجزائرية. فيجد علاقة سببية بين الفقر والتصويت لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر. ويستنتج أنه خلال انتخابات حزيران/يونيو 1990، كان التصويت لصالح الإسلاميين أكثر أهمية في المدن منه في الريف . وتكرر نفس الشيئ في انتخابات 1991 أثناء الانتخابات التشريعية في ديسمبر /كانون الأول 1991. ففي الجزائر العاصمة اكتشف أن "الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحصلت على أعلى معدل للأصوات في الدوائرالأكثر فقرا" . يشترك مع الجميع المستعرب الفرنسي فرانسوا بيرغا François Burgat ، فيؤكد أن معارضة "الفيس" تعكس غياب وجود توزيع عادل للريع النفطي بين كافة فئات الشعب حيث لا يستفيد منه إلا القلة من الأفراد المرتبطة بالنظام. وفي المقابل "فإن الجماعات التى تنضم بشكل طبيعي إلى المعارضة الإسلامية هم، منطقيا، أولائك الذين لم تصلهم فوائد الريع النفطي التى يوزعها النظام" .

هـ- حدود التفسير المادي الاقتصادي
لابد من الملاحظة مع المؤرخ الجزائري محمد حربي في "أن التركيبة الاجتماعية لتنظيم "الفيس" تكشف لنا ، في أكثر من مجال، مدى انغراس الإسلاميين في كافة طبقات الشعب" . هذه الملاحظة الجادة تدفعنا إلى أكثر من تساؤل وتجعل من بعض تحاليلنا "المادية" السابقة مسألة نسبية. فالأسئلة التى يجب طرحها عديدة، لعل أهمها: لماذا تشمل الجبهة الإسلامية للإنقاذ على فئات وطبقات مختلفة ومتنوعة في الآن نفسه؟ ما هي المصلحة الاقتصادية الاجتماعية التى تدافع عليها؟ كيف نفسر تواجد أو تعاطف شخصيات سياسية كثيرة معها سبق أن خدمت النظام الجزائري نفسه، أمثال الوزير الأول السابق عبد الحميد براهيمي، أو وزير الخارجية أحمد طالب الإبراهيمي، أو عبد العزيز بلخادم رئيس البرلمان الأسبق؟ هؤلاء يقدمون أنفسهم كمعتدلين ويحتجون بعنف على النظام الذي سبق أن خدموه. ما هي النتائج التى توصلنا إليها ويجب علينا الآن تحجيمها؟ أليس إلحاحنا وإلحاح العلوم السياسية الغربية خاصة على العوامل الموضوعية أي الاقتصادية المادية ودورها في ظهور الحركات السياسية بصفة عامة والحركة الإسلامية بصفة خاصة أمرا مبالغا فيه؟ ألا تحد هذه العوامل من ذاتية الحركات الإسلامية ودينامية عملها الداخلية المستقلة نسبيا عن عوامل المحيط Environnement ؟ نريد أن نقول وماذا عن العوامل الثقافية، أي الذاتية، أي تلك المرتبطة بالدينامية الداخلية لأي حركة اجتماعية تعبوية؟
شارلز كرزمان Charles Kurzman، في مقال شهير له حول الثورة الإيرانية عنوانه “Structural opportunity and perceived opportunity in social-movement theory : The iranian revoltion of 1979” (الفرصة البنيوية وتصور الفرصة في نظرية الحركة الاجتماعية : الثورة الإيرانية ل1979)، يضع محل تساؤل دور العوامل الموضوعية المادية في إنجاح الثورة الإيرانية. فهو يعتقد، أنه على عكس ما نعتقده حول الثورة الإيرانية، فالعوامل المادية كانت في صالح الشاه وليست ضده. ويبين حصول الثورة رغم الرفاهية الاقتصادية العامة التى سادت البلاد، ورغم الدعم الخارجي الأمريكي الذي استمر لآخر لحظة، ورغم وحدة الجيش الإمبراطوري ووفاؤه وطاعته للإمبراطور...رغم كل ذلك حدثت الثورة. والسبب حسب رأيه يكمن في الدينامية الذاتية الداخلية للثورة التى كانت شديدة القوة بمعزل عن المحيط حتى أنها نجحت رغم قوة الخصم ووجود دعائم كثيرة لديه. فهو يؤكد إذن على العامل الذاتي.
ونحن بدورنا اليوم ندرك أن بعض الأحداث السياسية الكبيرة ساهمت في دعم الحركة الإسلامية في الوطن العربي. لنذكر أولا بنكسة 1967 التى انتكس معها، إيديولوجيا، مشروع الحداثة الناصرية وأنتجت عودة الإسلام السياسي بشكل قوي كبديل عن الاشتراكية العربية الوحدوية. ثم مجيئ الثورة الإيرانية ونجاحها الذي شد إليه كثير من الشباب العربي فتدعم الخيار الديني بهذا الحدث الكبير. بالنسبة إلى حالة الجزائر يذكر الزعيم الماركسي الجزائري هاشمي الشريف دور نجاح ثورة الخميني فيقول "مثلت هذه الفرصة الثمينة، بالنسبة إلى الأصولية على الصعيد الوطني، ظرفا عالميا جيدا حتى تنطلق مستفيدة منه..." . أخيرا، يمكننا القول أن حرب الخليج الثانية إضافة إلى الحضر الدولي الذي تم ضد ثلاثة بلدان عربية هم العراق وليبيا والسودان ونهاية الحرب الباردة التى اضمحلت معها الشيوعية العالمية جعل الحركات الإسلامية تنفرد بالمقاومة ضد ما سمي ب"النظام العالمي الجديد". كما يمكننا التنبيه إلى أن الصعود القوي للحركات الإسلامية في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات هو إفراز لانتشار فكرة مشروع "النهضة الإسلامية الكبرى" أكثر منه إفراز لدور البطالة والأزمات الاقتصادية وإلا كيف نفسر تواجد هذه الحركات لدى بلدان الخليج العربي الغنية بنفطها وبدخلها الفردي الخام ؟



#رياض_الصيداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوسيولوجيا الجهاد والعنف في الجزائر: خطابا وممارسة 2
- سوسيولوجيا الجهاد والعنف في الجزائر: خطابا وممارسة 1
- سوسيولوجيا الجيش الجزائري ومخاطر التفكك 5 والأخيرة
- سوسيولوجيا الجيش الجزائري ومخاطر التفكك 4
- سوسيولوجيا الجيش الجزائري ومخاطر التفكك 3
- سوسيولوجيا الجيش الجزائري ومخاطر التفكك 2
- سوسيولوجيا الجيش الجزائري ومخاطر التفكك 1
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر:الحزب، الجيش، الد ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية: الحزب، الجيش، الدولة 13
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...
- صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، ال ...


المزيد.....




- تعرّف إلى قصة مضيفة الطيران التي أصبحت رئيسة الخطوط الجوية ا ...
- تركيا تعلن دعمها ترشيح مارك روته لمنصب أمين عام حلف الناتو
- محاكمة ضابط الماني سابق بتهمة التجسس لصالح روسيا
- عاصفة مطرية وغبارية تصل إلى سوريا وتسجيل أضرار في دمشق (صور) ...
- مصر.. الحكم على مرتضى منصور
- بلينكن: أمام -حماس- اقتراح سخي جدا من جانب إسرائيل وآمل أن ت ...
- جامعة كاليفورنيا تستدعي الشرطة لمنع الصدام بين معارضين للحرب ...
- كيف يستخدم القراصنة وجهك لارتكاب عمليات احتيال؟
- مظاهرة في مدريد تطالب رئيس الحكومة بالبقاء في منصبه
- الولايات المتحدة الأميركية.. احتجاجات تدعم القضية الفلسطينية ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض الصيداوي - سوسيولوجيا الجهاد والعنف في الجزائر: خطابا وممارسة 3