أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هادي الحسيني - شاعر بقي متأملاً وجه الموت















المزيد.....

شاعر بقي متأملاً وجه الموت


هادي الحسيني
(Hadi - Alhussaini)


الحوار المتمدن-العدد: 567 - 2003 / 8 / 18 - 02:32
المحور: الادب والفن
    



كثيرة هي المآسي التي عصفت بالعراق  منذ عقود عديدة وكثيرة هي الالام التي داهمت شعبنا العراقي , فما بين الموت المجاني الذي كان يزج به العراقيون في الحروب  التي  افتعلها النظام البائد  والتي ذهب ضحيتها الالاف من الضحايا الابرياء الذين  لم يقترف ذنباً يؤهلهم الى الموت ,  وما بين آلالاف الضحايا  الذين اعدمهم النظام لمجرد خلاف في الرأي , وقد بان ذلك واضحا كعين الشمس بعد سقوط النظام المجرم ., من خلال المقابر الجماعية التي اكتشفت  ومازالت تكتشف ! وما خفيه كان اعظم وافضع !! اضافة الى ذلك الملايين الذين شردوا  من بلدهم قسرا الى المنافي وتذوقوا الويلات والمآسي  على اعتاب الغربة وتذوقوا المر بكل اشكاله ..ومن بين هؤلاء الشعراء والكتاب اصحاب الكلمة الصادقة , الذين  رفضوا  رفضا قاطعا ان يساوموا على مباديء الشعر السامية   في تسخير طاقاتهم الابداعية لاعلاء ومديح الدكتاتور وجلاوزته الذين دارت دورتهم وهم الان على حافة مزبلة التاريخ  ,,
 فهؤلاء الشعراء والكتاب  اختاروا المنفى  ومرارته  ذلك ان الشعر هو الاسمى  والابقى  والشاعر هو الذي يرى الاشياء  ويعطيها بعدها بدقة متناهية  كما لو انه الملاك  المنقذ والمبشر لمستقبل كل الاشياء , فوحده الذي يرى ووحده الذي  يتنبأ  , انه فحوى الالم والفجيعة ,  وها هم ادبائنا وشعرائنا  بعد ان تلاقفتهم المنافي الواحد تلو الاخر , كان الموت بانتظارهم في
المنفى  فتلاقفهم  واحدا بعد اخر  .......                  
وبكثير من الحزن والاسى كنا قد فقدنا قبل  اربعة اعوام اخر عمالقة الشعر العربي الحديث؛ والذي اوصل القصيدة
العربية الى اعلى قممها مع نازك والسياب وبلند الحيدري واخرين . واذا كان الموت قد غيب  شاعرنا الكبير عبد الوهاب البياتي كجسد،
الا ان روحه تعيش معنا في كل تفاصيل الحياة،اما قصائده  فهي خالدة أبد الدهر كما خلدت قصائد المتنبي وشوقي والرصافي ونزار وغيرهم العشرات من الشعراء القدامى  والمعاصرين . لقد كان البياتي رحمه الله يعلم بقرب ساعته ، ذلك ان الشاعر وحده يعلم سر هذا الكون دون سواه  فهو الراوي
وهو المتنبأ بقدوم الحدث ، لكنه لا يبوح به ، فقط عندما تراوده القصيدة ؟ ففي سنوات البياتي الاخيرة والتي
عاشها في عّمان كان يحلم برؤية العراق ويبكي عليه من شدة ظلم حكامه الذين انزلوا الخراب والدمار في كل
بقعة من تراب العراق الطاهر؟ وكتب البياتي اغلب قصائده من اجل نصرت المظلومين والمضطهدين والفقراء من البشر في كافة بقاع هذا العالم المملوء بالقسوة والبطش والموت , الامر الذي جعل القصيدة البياتية ان تأخذ مكانا مرموقا
داخل سياق خارطة الشعر العربي ، فمنذ ديوان البياتي الثاني والذي هو بعنوان(     اباريق مهشمة)..
اخذت القصيدة  طابعاً اخر في عملية النضوج الفكري والشعري نحو رؤية مخالفة تماماً لما كان عليه  حال الشعر . وقد اعتبر هذا الديوان الانطلاقة لخطوات الطرق الايجابية لبناء صرح شعري جديد يواكب متطلبات العصر من دون الاساءة للقصيدة  العربية  الكلاسيكية والتي بني على اسسها  هرم الشعر العربي منذ عقود طويلة .
وخلال مشوار البياتي الشعري الذي تجاوز النصف قرن احتفظ وتفرد
باسلوبه الخاص والمميز . لقد عاش البياتي حياة ملؤها الخوف والفقر والغربة عن الوطن، الا انه كان يتجاوز هذه المحن وكدماتها من خلال ابداعه الذي لا ينضب ابداً،انه الشاعر والمعلم وامام الفقراء في الارض كما كان جده اماماً في احدى جوامع باب الشيخ، ذلك المكان البغدادي المسقط لرأس الشاعر، حيث طفولته وصباه التي اهلته تاهيلاً قوياً لان يكون شاعراً يخترق الكون ويصبح واحداً من اهم شعراء العربية المميزين في عصرنا هذا...
ورحم الله البياتي الذي كان لنا خيمة في عمان ،فكلما احسسنا بقساوة الحدث والمؤامرة الكبرى التي يتعرض لها وطننا العراق، كلما كان( ابا علي ) يصور لنا وبدقة ماذا سيحدث لاحقاً من خراب وويلات، والدموع تسيل من عينيه دون اي انقطاع ،لقد كان يعلم  بكل الاشياء، ويتنبأ بالمستقبل من خلال قصائده التي تفوح منها رائحة الشعر الصافي والغير قابل للمساومة في أي ظرف وفي اية حال من الاحوال ...
 ان البياتي صاحب مواقف ثابتة لا تتزحزح والجميع  ممن يعرفون البياتي عن قرب يعلمون بذلك .. لقد عرفت البياتي عن قرب ولمدة سنوات في العاصمة الاردنية عمان، ووجدته طيب القلب الى ابعد الحدود،
كريماً، يساعد الفقراء والمحتاجين دون ان يطلب منه احد،
 متسلح بثقافة عالية ، و دائماً اجده يبحث عن الجديد من الكتب التي تصدر حديثاً في المكتبة العربية ،ويتابع بشغف جريدة اخبار الادب المصرية ومجلات ودوريات
عربية واجنبية عديدة. وكان البياتي زاهداً في الاكل حيث يتناول في الصباح الباكر الخبز والعسل وفنجان القهوةالمتعود عليه منذ موسكو وبرلين وبيروت والقاهرة ودمشق وبغداد.. تلك هي المدن التي احتضنت البياتي خلال سنوات منفاه الطويلة ؟ واسماها بمدن العشق . ورحم الله البياتي حين قال  يوماً ‘(ان الشعراء يتعرضون دائماً للاذى والوشاية والحسد والمطاردة والقتل على ايدي الغوغاء والماجورين لبعض الحكام الذين فاتهم المجد الحقيقي فارادوا ان يعوضوه بقتل الشعراء، لأنهم يعرفون اكثر مما ينبغي او انهم بوصلة ازمانهم)...
ونرى في تاريخ اغلب العصور الماضية والحديثة،دائماً الشاعر الحقيقي يكون منفياً. وقد اختار البياتي المنفى مرغماً، حتى لا يخضع لأوامر الطغاة والجبابرة المتسلطين على رقاب الشعوب.. لقد عاش البياتي حراً كريماً ابداً، ونجح في ان يكون كذلك، وذلك هو الشاعر... ان الطغاة لا يعرفون معنى الشعر، فبينهم وبينه مسافات شاسعة، وكثيراً ما يواجهون الشعر لأنهم يجهلون طبيعته وربما كان الشعراء انفسهم سيحتقرون الطغاة عندما يلاحقونهم بالأذى... ومن المفارقات ان يتحد الطغاة والحكماء في خصومة الشاعر لأخفاقهم في ادراك معناه. لقد اسس افلاطون مدينة فاضلة ليتباها بطرد الشعراء منها بحجج حاقدة، كونهم كما زعم يصفون اشياء دنيا وليست سامية،ان السمع عند افلاطون،مرحلة اخترعها هو، وصدق بها ، وحاكم الشعراء بها.. انه سلطة دنيوية من خلقه،ولذلك احبه الطغاة وقبلوا بتنصيبه معلماً اول؟ ان الشاعر والشعر هما عيش العالم دون تحضيرات مسبقة، انهما انغماس في الاشياء وغرق فيها...
وعن امريء القيس تقول احدى الروايات ، انه كان سكراناً عندما اخبروه بمقتل ابيه، فلم يرم الكأس بل اكده بقوله ( اليوم خمر وغداً امر)...فهل ندرك جيداً معنى هذا الخيار، انه يعني رفضاً لقوانين العالم كلها التي تنظمه بطريقة تستحق حرية الوجود..  لقد اجل امريء القيس ثأره، أي اخره، استبعده الى غد ليس مضموناً،،، فذلك هو الشعر؟ وذلك هو الولوج الى عالمه الفنتازي الذي لا يدركه  ولا يعرفه سوى الشاعر وحده ...؟
وكان جلجامش ملك اور طاغية اراد ان يكون الله، فاعترضته صاحبة الحانة [ الحرية]  فنصحته                             بترك طريق الطغيان، أي الرغبة في الخلود، ان يكون الله او شريكاً له والعودة الى الحرية فعاد خائباً لم ياخذ بنصيحتها فعاد الى ملكه، عاد الى طاغية او نصفه.؟
ان الطغاة والحكماء يكرهون الحرية، الشعر، وكان البياتي شاعراً كرهه الطغاة وحاربوه، الا انه كان دائماً المنتصر كونه متسلحاً بالحرية والشعر.. وقبل ثلاثة اعوام  رحل عنا البياتي ذلك الشاعر الكبير الذي قهر الحكام وكان خصمهم اللدود. وكان قد سخر كل طاقاته الشعرية لنجدة ونصرة الفقراء والمظلومين في الارض، وعاش حياة ملؤها الكفاح والغربة وعانى من الشقاء والبؤس الشيء الكثير..
لقد كان البياتي شاعراً، فارساً ، شجاعاً بحق، ابى ان لا يقول الا كلمة الحق ، وغير مبالياً للموت ، وحين بلغ السبعين من عمره كان يقول : ( لقد دخلت مرحلة جديدة في حياتي، هي مرحلة المتامل في وجه الموت. واذا كان بعض الشعراء قد يصابون بالجزع وهم يبلغون السبعين من عمرهم ويشعرون بانهم اقتربوا من الموت،  فانا اقول بانني قد مت سبعين عاماً، فما الذي يخيفني من الموت) ...هكذا كان البياتي شجاعاً لا يخاف الموت ..
وها هي الايام تمضي مسرعة وجسد البياتي بجوار معلمه ابن عربي في دمشق، كما اوصى قبيل مماته لكنه بعيداً عن اهله واصدقائه ومحبيه ومدن العشق التي عاش بها طويلاً وعن تربة وطنه العراق؟. لكن البياتي الحاضر الغائب، الكبير، الذي يؤلمه ان نفوساً جائرة بغت عليه فحرمته من ان يرى وطنه بنخيله واهله وشطيه والجرف والمنحنى....
ان رحيل شاعر بحجم البياتي يعد خسارة كبرى للشعر والشعراء، فيما ترك رحيله في نفوس محبيه ومعاصريه
من الاصدقاء وحتى الاعدقاء ، جروحاً وآلاماً شديدة الوطئة . وكم تمنيت لقاء البياتي قبيل رحيله ، حيث كنت على موعد  معه في دمشق ربيع عام (1999) لكن موت البياتي حال دون ذلك ، فاجل اللقاء الى يوم موتي؟؟
ورحم الله ابا علي البياتي ونحن نحيي ذكراه الرابعة، لنبقى نسير على خطاه ، ونستخلص الدروس والعّبر من مسيرته ومواقفه في الشعر والحياة..
واستعادة لكلمات البياتي حيث كان يقول
 (يولد الانسان منفياً، ويعيش منفياً ، ويموت منفياً ) ..

الشاعر الذي يجلس في حانة الياسمين ،
كان دائماً يتحدث عن الموت
ولا يخافه .
في اواخر ايامه
اوصى ان يدفن بجوار ابن عربي
لأنه رآى في منامه
ثمة تنام عائشة ، وتنتظره
وقبل ان يكمل ثمالة كأسه الاخيرة
فز من نومه؟
وذهب الى وصيته مسرعاً.......

سلاماً عليك ايها الشاعر وانت ترقد بجوار معلمك ابن عربي ، في دمشق التي تعشقها كما تعشق بغداد،
سلاماً عليك وانت تسلم راية الشعر الى الذين من بعدك
ولسوف تبقى ذكراك خالدة في ضمائرنا
وفي قلوبنا  , لتنير لنا درب الحرية والشعر .....


هادي الحسيني
                                    شاعر عراقي يقيم في النرويج     



#هادي_الحسيني (هاشتاغ)       Hadi_-_Alhussaini#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابر
- حوار مع المخرج السينمائي العراقي هادي ماهود
- مات ابو داوود عراب الادباء في مقهى حسن عجمي
- الزمن المشلول
- لو كنت انتظرت قليلاً يا رعد عبد القادر
- النظام يتخبط والشعب يعبر حاجز الخوف
- في ذكرى بدر شاكر السياب
- حوار ساخن مع الشاعرجان دمو
- ملاحظات حول الكتابة الحية


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هادي الحسيني - شاعر بقي متأملاً وجه الموت