أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - شام ألفة الإدلبي














المزيد.....

شام ألفة الإدلبي


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1867 - 2007 / 3 / 27 - 12:07
المحور: الادب والفن
    


ليس أشدّ مدعاة لحزن الشام ـ كما يحلو لنا، نحن السوريين، أن نسمّي عاصمة بلدنا ـ من أنّ ألفة الإدلبي (1912ـ2007)، الروائية والقاصّة الرائدة، وأديبة الشام بامتياز، أغمضت عينيها للمرّة الأخيرة في صقيع العاصمة الفرنسية باريس، وليس وسط عبق الياسمين في حيّ الصالحية الدمشقي العريق، حيث وُلدت. وليس أكثر أسى في المغزى من أن ترحل الإدلبي في هذه الأيام بالذات: حين يتهيأ ضباع النهب إلى تهديم المزيد من تاريخ الشام العتيقة الحيّة والحيوية، تلك التي التقط أدب الراحلة العديد من معالم أحيائها وأزّقتها، وخلّد حياتها اليومية في أكثر تقاليدها أصالة، وأغنى طقوسها وأعلى عاداتها تمثيلاً للإنسان وظاهرات العيش وشعائر الوجود.
والإدلبي تنتمي إلى جيل أدب الخمسينيات السوري الذي شهد نهوضاً ملموساً، ومميّزاً تماماً، في عدد النساء كاتبات القصة والرواية من جانب أوّل، والنوعية الفنّية العالية والمفاجئة لتلك الكتابات من جانب ثانٍ. بين أبرز الأسماء كانت ماري عجمي (1888ـ1965)، نازك العابد بيهم (1887ـ1959)، وداد سكاكيني (1913ـ1991) صاحبة «أروى بنت الخطوب» الذي يُعدّ أوّل عمل نسوي جدير بحمل صفة الرواية بالمعني الفنّي للمصطلح، وسلمى الحفار الكزبري (1923ـ2006). وهذا هو الرعيل الذي سيمهّد الدرب لكاتبات الجيل التالي، الستينيات والسبعينيات، من أمثال قمر كيلاني، ناديا خوست، دلال حاتم، ليلى صايا سالم، غادة السمان، وسواهنّ.
جيل الإدلبي كان قد مثّل أطوار التأسيس والريادة في الجانب الفنّي، كما تولى تقديم المزيد من مبادرات تحرير المرأة وانعتاقها في الجانب الاجتماعي، وراكم بالتالي الكثير من المدلولات الثقافية ـ السياسية الناجمة عن ائتلاف هذين الجانبين. وبالطبع، من المفيد التذكير بأنّ مجرّد توقيع امرأة على قصة قصيرة، كان كافياً بذاته لكي يؤشّر على اقتحام حقل ظلّ لزمن طويل حكراً على الرجال، قبل أن يكتسب على يد النساء صفات خاصّة لم تكن «الريادة» سوى مفهومها الظاهر والأكثر وضوحاً فقط. وأطوار التأسيس تلك كانت أيضاً مراحل متدرجة في ترسيخ الشكل وتطوير الأدوات والموضوعات، وكانت مجموعة الإدلبي الأولى «قصص شامية»، 1954، هي الأنضج في مستويات فنّية عديدة تشمل تحرير اللغة من إسار البلاغة التقليدية، وتخليص الحكاية من التضخيم العاطفي الميلودرامي، واقتحام موضوعات شبه محرّمة، واعتماد ضمائر سرد متغايرة متبادلة الوظائف...
وقصّة «يا نايم وحّد الله»، من مجموعة «يضحك الشيطان»، 1970، واحدة من أفضل ما كتبت الإدلبي في القصة القصيرة، بل هي ربما أحد أبرز النماذج الرائدة في الكتابة القصصية النسائية على امتداد الوطن العربي بأسره، وليس في سورية وحدها. وعلى هذا الصعيد تحديداً، أي ريادة الإدلبي في القصة القصيرة النسائية السورية والعربية، نتذكّر أنّ القاصّ المصري الرائد محمود تيمور كتب، في تقديم «قصص شامية»: «سوف يفرغ القرّاء من هذه المجموعة وقد اختلفوا أذواقاً وأهواء، تتفاوت مراتب إعجابهم بهذه القصة أو تلك، ولكنهم سيتفقون جميعاً على أنّ كاتبة قصصية قد بزغ نجمها ي أدبنا العربي الحديث، وأنّ هذا النجم قد أخذ يبعث في عرض الأفق ضوءه الوادع اللمّاح".
والحال أنه يصعب على المرء، إذْ يقرأ هذه القصة البديعة العذبة، «يا نايم وحّد الله»، أن لا يتذكّر العمل الفذّ «قنديل أمّ هاشم»، للأديب المصري الكبير الراحل يحيى حقي. هي حكاية شرق وغرب، إذاً، ومنذ السطور الأولى تضعنا الإدلبي في سياق هذا التناظر: «كان هو من صميم الشرق، ومن أقدم مدن العالم، كان من دمشق الخالدة. وكانت هي من العالم الجديد، من بلاد ناطحات السحب والإنسان الآلة. وحينما تزوّجا كان يحمل كلّ منهما في أعماقه أمنية تعاكس الأمنية الأخرى». كانت ترغب في زيارة الشرق، «أرض الأنبياء، ومهبط الوحي، ومنبع الأساطير»، وكان و«قد بهرته مدنيّة بلادها يؤثر أن يظلّ فيها".
وحين يروي الشرقيّ لزوجته الغربية تقاليد شهر رمضان، وتجربة الصيام الجسدية والروحية، وطقس المسحّر وطبلته وأغنيته الشائعة «يا نايم أذكر الله، يا نايم وحّد الله»، واجتماع الأسرة في البيت الشاميّ القديم قبل مدفع الإفطار، وليلة القدر، والرقص الدينيّ ـ الصوفيّ الذي يؤدّيه رجال «الميلوية»... تقع ابنة الغرب في عشق هذه المناخات الشرقية الخلابة، وتحثّ زوجها على اصطحابها إلى دمشق. وإذْ يفرح الأهل بخبر الزيارة التي يزمع ابنهم وزوجته القيام بها إلى دمشق، فإنّ أوّل قراراتهم من أجل الاحتفاء بالزائرين، وحُسْن استقبال الزوجة الأجنبية خاصة، كان... هدم البيت القديم وبناء آخر "على الطراز الحديث"! والإدلبي لا تكشف هذا المآل الدرامي العنيف، والمباغت تماماً، إلا في السطور الأخيرة من القصة. وهي في ذلك ترجيء توتّر السرد، وتسير في بناء عناصر الحبكة على مهلها، بتؤدة بارعة وصبر مدهش، دون أن توحي البتّة بما تخبئه في الصدمة الختامية ذات الدلالات الثقافية والوجدانية المؤثّرة: الشرق يتصالح مع الغرب، عن طريق تدمير السبب ذاته الذي يجعل الغرب منشدّاً إلى الشرق.
أليس في قلب هذه المفارقة الأليمة أنّ ضباع النهب الكاسرة وقطط الفساد السمان تعلن اليوم الرغبة في مصالحة دمشق مع الحداثة (الاستهلاكية، المبتذلة، المفتعلة)، عن طريق التهديم الهمجي لأوابد التاريخ في شام العمارة والمناخيل والقيمرية، شام إلفت الإدلبي؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيلي فيزل وصناعة الهولوكوست: الكلّ وحوش خارج الشرنقة
- ضباع الشام
- بوش في أمريكا اللاتينة: فشل ليس بحاجة إلى شرور اليسار
- هل هذه فلسطين؟
- خدّام والبعثيون في 8 آذار: اختلاط المنادي بالمنادى عليه
- الوطن والشركاء
- محكمة لاهاي والإبادة الجماعية: النظام عاجز والمفهوم قاصر
- -كليو مصر- و-ليز باترا-
- التطوّر الأحدث في عقيدة بوش: ديمقراطية أجهزة المخابرات
- البريق الأفرو أمريكي
- بوتين في هجاء أمريكا: النافخ في قربة مثقوبة
- ترانيم الاستيطان
- القيادات الفلسطينية في مكة المكرمة: وماذا عن القدس الشريف؟
- يونيسكو العمّ سام
- أمريكا الراهنة: إمبراطورية ردّ الصاع، أم الجمهورية الإمبريال ...
- فيلم أمريكي سوري... قصير
- عباس بين قبلة أولمرت وتقطيبة الأسد: العبرة في طهران
- أمازون ضدّ جيمي كارتر
- المشاورات السورية الإسرائيلية: السرّ في الاقتصاد السياسي... ...
- ممدوح عدوان... الناقد


المزيد.....




- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس
- منع إيما واتسون نجمة سلسلة أفلام -هاري بوتر- من القيادة لـ6 ...
- بعد اعتزالها الغناء وارتدائها الحجاب…مدحت العدل يثير جدلا بت ...
- ترشيح المخرج رون هوارد لجائزة -إيمي- لأول مرة في فئة التمثيل ...
- توم هولاند -متحمس للغاية- لفيلم -Spider-Man 4-.. إليكم السبب ...
- 100 فيلم لا تُنسى.. اختيارات نيويورك تايمز لسينما الألفية ال ...
- الحكم على ثلاثة بالسجن لمساعدتهم في جريمة قتل مغني الراب سي ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - شام ألفة الإدلبي