أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - هل هذه فلسطين؟














المزيد.....

هل هذه فلسطين؟


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1853 - 2007 / 3 / 13 - 13:10
المحور: القضية الفلسطينية
    


ضبّاط حكومة "حماس" الثقافيون الذين صادروا "قول يا طير: نصوص ودراسة في الحكاية الشعبية الفلسطينية"، للباحثين الفلسطينيين إبراهيم مهوّي وشريف كناعنة (مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2001)، وهو الكتاب الجميل في المحتوى والثمين في القيمة والفريد في وظائفه الثقافية والأدبية والتراثية، اقتفوا أثر ضبّاط حركة "فتح" الذين صادروا قبل سنوات كتاب إدوارد سعيد "سلام بلا أرض". وبين المفارقات الأشدّ إيلاماً أنّ المواطن الفلسطيني ظلّ قادراً على اقتناء كتاب سعيد في مكتبات القدس وحيفا والناصرة وتل أبيب، وهذه سوف تكون حاله أيضاً إذا نفّذ رقباء "حماس" تعميمهم ـ الصادر عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، للعلم! ـ بمنع "قول يا طير..." وإتلاف نسخه.
والحال أنه إذا كان الرقيب الفتحاوي قد خشي التأثير السياسي المباشر لكتابات سعيد المناهضة لاتفاقيات أوسلو، ثمّ استند في اتخاذ قرار المنع على مزيج من غطرسة عقائدية وانفلات بيروقراطي؛ فإنّ الرقيب الحمساوي يخشى التأثير الثقافي المباشر لكتاب يذكّر ـ لأنه في الواقع ليس بحاجة للبرهنة ـ أنّ الحكاية الفلسطينية الشعبية تخدش الحياء (الكاذب المنافق) بالفعل، ولعلها تنتهك الكثير من المحرّمات (المصطنعة الزائفة)، ويستند إلى المزيج ذاته... سبحان الله! ولا يجعلنا نضرب كفاً بكفّ عجباً، ونفوراً كذلك، إلا أولئك الثقاة من الفتحاويين الذين صادروا كتاب سعيد بالأمس، ويتباكون اليوم على مصادرة "قول يا طير..."، دون أن نستثني المتباكين من المسؤولين الكبار الذين كانوا في أعلى هرم القرار السياسي والأمني حين صودر "سلام بلا أرض"!
ليس من أجل هذا نشأت حركة "فتح"، وليس لاتخاذ قرارات خرقاء كهذه منح الفلسطينيون منظمة "حماس" أغلبية ساحقة في المجلس التشريعي الفلسطيني. هذه قرارات لا تلحق العار بأخلاقيات الحقّ الفلسطيني وروحية المقاومة الوطنية ضدّ الإحتلال وصورة الشعب الفلسطيني فحسب، بل هي افتئات فاضح وقبيح ضدّ التراث الفلسطيني بأسره، القديم والوسيط والمعاصر، واغتيال لأكثر صفحاته إشراقاً واستنارة، وتشويه لحقائق الوجود الفلسطيني المعاصر في مختلف تجلياته الإنسانية والحضارية.
ليست هذه فلسطين بندلي صليبا الجوزي (1871ـ1942)، الأديب والفيلسوف والعلاّمة والمؤرّخ والرحّالة المقدسيّ المسيحيّ الأرثوذكسي الذي أعطى أبكر المعالجات المادّية للتراث والتاريخ الإسلاميين، ضمن مقاربات ثورية تماماً في المحتوى والمناهج، وكان عاشقاً لذلك التراث قبل أن يكون دارساً متعمقاً لظواهره. ولقد سخّر مناهج البحث المادية لكي يرسم صورة شاملة مركبة للتواريخ الاجتماعية والاقتصادية والأسطورية والرمزية وراء التاريخ الفكري التقليدي، ولكي يرى حركة المجتمع وتصارع الجماعات وراء مختلف ظواهر التراث الإسلامي والعربي، بدءاً بالمذاهب والفِرَق والحركات السرية، وانتهاء بالنصوص الدينية والمصادر التاريخية، مروراً بمسائل سوسيولوجية وأنثروبولوجية بدَتْ غريبة الوقع وغير مسبوقة آنذاك: تاريخ العائلة، الأمومة، تاريخ الأوبئة، الكوارث الجماعية...
وبفضل دراسات بندلي الجوزي انخرط العرب في قراءات جديدة لحركات المعتزلة، والقرامطة، والزنج، والإسماعيلية، وأخوان الصفا، وبفضله تنبهوا إلى نقدّ جدّي رصين (وغير بعيد عن أن يكون الأول من نوعه في اللغة العربية) لمختلف مدارس الاستشراق الغربي حول الشرق الأوسط القديم، والإسلام بصفة خاصة. ولكنه، من جانب آخر، كان هو ذاته صليبا الجوزي الذي لم يتغافل عن ضرورات ممارسة التحليل النقدي للذات الثقافية والحضارية العربية والإسلامية، وأثار منذ عام 1929 مسائل بالغة الحساسية حول التسامح والتعددية، وحذّر من أخطار التعصّب القومي والديني.
وليست هذه، في مثال ثانٍ، فلسطين توفيق بشارة كنعان (1882ـ1964)، الطبيب والأديب والباحث والمؤرخ والأنثروبولوجي الذي كانت مؤلفاته العديدة في تاريخ فلسطين الطبيعي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والإثنوغرافي والسيكولوجي والأدبي والأسطوري والأنثروبولوجي ردّاً علمياً بليغاً ومبكّراً للغاية على الشعار الصهيوني الأشهر، والأشدّ تضليلاً وخبثاً وبذاءة: «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض». وهذا المسيحيّ الأرثوذكسي بدوره، في كتابه الهام «قضية عرب فلسطين»، الذي صدر أولاً بالإنكليزية وترجمه إلى العربية النهضوي العلماني المعروف سلامة موسى سنة 1936، وصف أهمية الفتح العربي الإسلامي لفلسطين في القرن السابع، وكيفّ تعرّب الفسطينيون سريعاً، فولدت هويتهم العربية الإسلامية وترسخت أكثر فأكثر مع الغزوات الخارجية اللاحقة (الصليبية والعثمانية والغربية)، دون أن تقترن بأيّ زعم حول أيّ نقاء عرقي، بل على العكس اقترنت بنوع من المفاخرة بهذه الحصيلة من ثقافات بابلية وعمورية وآرامية وكنعانية وفينيقية وفرعونية وعبرانية وهيللينية وإسلامية...
وعلى ضبّاط "حماس" الثقافيين أن يسارعوا إلى التفتيش عن أعمال بندلي صليبا الجوزي التالية، بغية تحريمها وجمعها وإتلافها دون إبطاء: «المعتزلة والبحث الكلامي التاريخي في الإسلام»، "محمّد المكّي ومحمد المدني"، «تاريخ كنيسة أورشليم»، «البحث في القرآن»، «تاريخ حياة الفارابي وتلخيص نظامه الفلسفي»، "تاريخ النهضات الفكرية في الإسلام"، و"دراسات في اللغة والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي عند العرب". وعلى الضبّاط إياهم أنّ يفعلوا الشيء ذاته بأعمال توفيق بشار كنعان التالية: «الطبّ الشعبي في أرض الكتاب المقدس»، «علم النبات في الخرافات الفلسطينية» و«طاسات الرعبة العربية» التي تدرس تاريخ العلاقة الوثيقة بين العلاج المادي عن طريق التداوي بالأعشاب، وبين العلاج النفسي عن طريق توظيف رموز الخرافة الشعبية، واستخدام التكنيك الشعبي المعروف باسم "طاسة الرعبة"...
هل فلسطين رقباء "فتح" و"حماس" هي، حقاً، فلسطين الجوزي وكنعان؟
وهل في وسعنا أن نقبل منهم تشويه أصالتها، وقتل حيويتها، وإغراقها في ظلام ثقافي بعد فساد أخلاقي بعد تفريط سياسي؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خدّام والبعثيون في 8 آذار: اختلاط المنادي بالمنادى عليه
- الوطن والشركاء
- محكمة لاهاي والإبادة الجماعية: النظام عاجز والمفهوم قاصر
- -كليو مصر- و-ليز باترا-
- التطوّر الأحدث في عقيدة بوش: ديمقراطية أجهزة المخابرات
- البريق الأفرو أمريكي
- بوتين في هجاء أمريكا: النافخ في قربة مثقوبة
- ترانيم الاستيطان
- القيادات الفلسطينية في مكة المكرمة: وماذا عن القدس الشريف؟
- يونيسكو العمّ سام
- أمريكا الراهنة: إمبراطورية ردّ الصاع، أم الجمهورية الإمبريال ...
- فيلم أمريكي سوري... قصير
- عباس بين قبلة أولمرت وتقطيبة الأسد: العبرة في طهران
- أمازون ضدّ جيمي كارتر
- المشاورات السورية الإسرائيلية: السرّ في الاقتصاد السياسي... ...
- ممدوح عدوان... الناقد
- ستراتيجية بوش الجديدة: الحَجْر على العراقيين واستيفاء دَين ا ...
- حين قاتل الشعراء
- المشهد العراقي بعد إعدام صدّام: الفارق بين الرجل والسلحفاة
- سورية في العام 2006: المسألة اللبنانية في جذر الاستبداد


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - هل هذه فلسطين؟