أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبحي حديدي - -كليو مصر- و-ليز باترا-














المزيد.....

-كليو مصر- و-ليز باترا-


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1839 - 2007 / 2 / 27 - 12:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في الموقع الرسمي لجامعة نيوكاسل البريطانية، على شبكة الإنترنيت، نقرأ النصّ التالي: "أنتوني وكليوباترا لم يكونا ذلك الجنرال الوسيم وتلك الملكة الجميلة كما أرادتنا هوليود أن نعتقد، وذلك طبقاً للخبراء في جامعة نيوكاسل، الذين درسوا عملة رومانية تصوّر أحد أكثر الأزواج الرومانتيكيين مأساوية في التاريخ". وهذا استهلال عجيب بالفعل، إذْ يحيل إلى هوليود للتعليق على مادّة يُفترض أنها تاريخية وعلمية وأركيولوجية، خصوصاً وأنّ التقرير الجامعي هذا يذهب أبعد في "تفنيد" الصورة الهوليودية فيضيف أنّ العملة تُظهر كليوباترا ذات "جبهة ضيقة، وأنف طويل معقوف، وشفتين مزمومتين وذقن ملتوية للغاية". وأخيراً، تصرّح لندسي ألاسون ـ جونز، مديرة المتاحف الأثرية في الجامعة، أنّ الصورتين على العملة أبعد ما تكونان عن ريشارد برتون وإليزابيث تايلور!
ورغم أنّ قطعة واحدة تظهرها غير جميلة، أو حتى دميمة، لا تطمس صورتها المخلّدة في مئات الوثائق الأثرية، من التماثيل إلى الأختام إلى واجهات المعابد، فإنّ هذه الضجة الجديدة التي أثارتها الجامعة البريطانية تعيدنا مرّة أخرى إلى الجاذبية الفريدة التي اكتنفت شخصية الملكة المصرية الشهيرة، وما اقترن بحال الافتتان تلك من سلسلة تناقضات. قاموس هالويل وصفها بـ «أكثر النساء مكراً في التاريخ»، وشروحات أخرى قالت إنها نسق متكامل من الحكمة النسوية، وموضوع جنسي محض، وعاشقة صادقة رقيقة أحبّت وأفنت نفسها في سبيل مَن تحب، وأميرة شجاعة وطنية، وحاكمة طاغية، وطفلة عابثة، وأنثى عتيقة كالخطيئة...
لكنّ كليوباترا السابعة لا تنأى كثيراً عن ذلك الوصف البليغ الذي أطلقه الشاعر الفرنسي الرومانتيكي تيوفيل غوتييه سنة 1845: «لم تنجب الأرحام امرأة أكثر كمالاً... إنها أكثر النساء امتلاكاً للمعنى النسوي، وأكثر الملكات تجسيداً لمعنى أن تكون المرأة ملكة. إنها جديرة بتمعّن عميق، فهي المرأة التي عجز الشعراء عن إضافة جديد على ماهيتها، وهي التي يلاقيها الحالمون في النقطة القصوى من أحلامهم». وهذا، بالطبع، وصف لا ينجو جزئياً من عقدة رفع كليوباترا إلى مصافّ فائقة، تختفي في طيّاتها الأعمق تلك الفكرة المحورية التي هيمنت على تسعة أعشار نماذج تصوير أهل الغرب لأهل الشرق: «ترقية» الأنثى الشرقية إلى مصافّ حسّية شهوانية أو رومانسية طهرانية، عابرة للخصال الإنسانيّة والبشرية المحضة. وأمّا الأوصاف الأخرى التي لا تنجو البتة من هذه العقدة، بل على العكس تنطلق منها جوهرياً، فإنها تذهب مذهب الكاتب والشاعر الإيطالي جيوفاني بوكاشيو الذي قال، في أواسط القرن الرابع عشر، إنّ جسد كليوباترا «اكتسب نعومته من لذائذ كبرى، واعتاد على أرقّ الاحتضان، فكان طبيعياً أن يعانقها في النهاية ثعبان قاتل».
وبين أفضل المراجع عن موقع كليوباترا في المخيال الغربي، هنالك كتاب ماريا وايك «عشيقة الرومان: تمثيلات عتيقة وحديثة»، مطبوعات جامعة أوكسفورد، الذي يناقش على نحو معمّق فكرة الأنثى التي يلتقيها الرومانيّ الفاتح هنا وهناك في أمصار الإمبراطورية، فيتخذها عشيقة ويكون لها أدوار سياسية أو ثقافية في حياة الإمبراطورية. وترصد وايك تمثيلات هذه المرأة ـ العشيقة كما انعكست لاحقاً في المجتمعات الإيطالية والبريطانية والأمريكية، وكما أخذت تتجلى في مختلف أشكال الثقافة الشعبية، أي في السينما والمسرح والتلفزة والإعلان. كذلك تتوقف بالتحليل عند النماذج التي رسّخها في الذائقة العامّة عدد من الشعراء في العصور القديمة، أبرزهم «ثلاثي المراثي» بروبرتيوس وتيبولوس وأوفيد، حيث تنقلب مرثاة العشيقة إلى مديح مبطّن للإمبراطورية والتفوّق الذكوري في آن.
وهكذا فإنّ من الطبيعي أن تحظى شخصية كليوباترا بحصّة وافرة في هذا النوع من النقد الثقافي العميق الذي انكبّت عليه وايك، خصوصاً في تنقيبها عن الرسائل الخافية في عشرات الأمثلة، وأشهرها ربما شريط هوليود الشهير الذي أخرجه جوزيف مانكفيتش واستحقّ بالفعل لقب «ليز ـ باترا» نسبة إلى ليز تايلور. قبله شاهدنا ملكة مصر في دور فاسقة قاتلة (تمثيل كلارا باو)، وماجنة شريرة انتهازية (كلوديت كولبرغ)، وبغيّ في إهاب ملكة (روندا فلمنغ)، فضلاً عن صوفيا لورين في بدء صعودها، وليلي لانغتري، وسارة برنار... وبالطبع، كان لا بدّ من تمثيل كليوباترا في صورة مصاصة دماء الرجال، الفيلم الصامت الذي أنتجته شركة فوكس سنة 1917 ولعبت فيه دور البطولة ثيوديشيا غودمان، التي اتخذت لنفسها اسم Theda Bara، الجناس الذي إذا قُلبت حروفه فإنه سيشكل عبارة «الموت العربي»، مع تصرّف طفيف في تبديل موقع حرف واحد. والتأويل هذا ليس من عندنا، لمن يهمّه الأمر، بل هو راسخ في المعاجم والموسوعات الغربية.
وهكذا، ولأنّ الشرق انقلب إلى رغبة متخيَّلة، في هيئة امرأة متخيَّلة تجري إعادة تمثيلها بحيث تشبع رغائب مَنْ يتخيّلون، فقد توفرت عشرات الـ «كليوباترات» الغربية، حسب الراغبين والرغائب، في كلّ عصر وحقبة، ولكلّ جيل وذائقة. ليس عجيباً، إذاً، أن تكشف جامعة نيوكاسل النقاب عن القطعة النقدية المعجزة في يوم عيد الحبّ تماماً، 14 الماضي، عن سابق قصد وليس بالمصادفة؛ وأن يتعالى في الغرب كلّ هذا الضجيج حول اتضاح الفارق الجمالي بين "ليز ـ باترا" الهوليودية الغربية، و"كليو ـ مصر" التاريخية الشرقية!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطوّر الأحدث في عقيدة بوش: ديمقراطية أجهزة المخابرات
- البريق الأفرو أمريكي
- بوتين في هجاء أمريكا: النافخ في قربة مثقوبة
- ترانيم الاستيطان
- القيادات الفلسطينية في مكة المكرمة: وماذا عن القدس الشريف؟
- يونيسكو العمّ سام
- أمريكا الراهنة: إمبراطورية ردّ الصاع، أم الجمهورية الإمبريال ...
- فيلم أمريكي سوري... قصير
- عباس بين قبلة أولمرت وتقطيبة الأسد: العبرة في طهران
- أمازون ضدّ جيمي كارتر
- المشاورات السورية الإسرائيلية: السرّ في الاقتصاد السياسي... ...
- ممدوح عدوان... الناقد
- ستراتيجية بوش الجديدة: الحَجْر على العراقيين واستيفاء دَين ا ...
- حين قاتل الشعراء
- المشهد العراقي بعد إعدام صدّام: الفارق بين الرجل والسلحفاة
- سورية في العام 2006: المسألة اللبنانية في جذر الاستبداد
- غرفة أورهان باموك
- سورية في توصيات بيكر هاملتون: فاقد الشيء كيف يعطيه؟
- مَن يتذكّر ال -برافدا-؟
- لقاء بوش المالكي: البون شاسع بين النوايا والجثث


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبحي حديدي - -كليو مصر- و-ليز باترا-