|
الجرح العراقي
حسن حاتم المذكور
الحوار المتمدن-العدد: 1845 - 2007 / 3 / 5 - 11:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العراق كأي بلد آخـر ’ يحمـل جروحاً تاريخيـة ’ وفـي حاضره تتكون جـديدة وتشفى قديمـة ’ لكن ما يميزه عـن غيـره هو جرحـه الأكبـر ... مصيبته وكارثتـه ’ انـه جـرح ضعـف الأنتماء الوطنـي لأهلـه ’ ولا اريـد هنــا اتهام الملايين من العراقيين ’ فالشعب عاش سنوات الأرهاب والتشويـه ’ المصاب بنسبـة 70% من الأميين واكثر منهـا الفقر والأوبئـة يمكن ان نجـد لـه عـذراً ’ لكنـي الوم حظــه الذي سلط عليـه قيادات ورمـوز لا تشبهه ولا علاقة لهـا بـه ’ لكنهـا اصابت منـه مقتلاً فـي عافيـة الأنتـماء للوطـن . لا ضيـر ولا عيب’ بـل ايجابي جـداً ان يتكون العراق كأمـة من قوميات واديان ومذاهب وطوائف ’ لكـن ان تتحول تلك الأيجابيـة الى مخاطـر عنصريـة وطائفيـة ومذهبيـة ’ فتلك هـي الكارثـة والجـرح الأكبـر الذي يميـز تاريــخ العراق وحاضـره ويهـدد مستقبلـه . قـد يختلف معـي البعض ’ لكنـي دائمـاً احتاج الى دليل مثلمـا احمـل دليلـي بيـدي . اسمحوا لـي ان لا اجامـل الحقيقـة ’ واقسـم الواقـع العراقي الى ثلاثـة مكونات رئيسيـة ( مثلث الجرح العراقـي ) . 1 ـــ عـرب المناطق الغربيـة : نجحت قياداتهـا ان تقنع ابناء العراق هناك ’ علـى ان طائفتهـم المختاره ’ لا يمكن للعراق ان يكون عراقاً عربياً اسلامياً بدون قيادتهـا وسلطتها واستحواذهـا على جغرافيـة العراق وثرواتـه وحقهـا فـي تقرير مصير الناس ’ وان العراق قطـراً وليس امـة بذاتهـا ’ وانـه جـزاءً من كل آخـر ولا مصيـر لـه خـارج اطاره وانتماءه القومـي والأسلامـي ’ لأجـل هـذا شرعنت العنف والتآمـر والخيانـة وسائلاً لتحقيق تلك الغايـــــــة الشريـرة ’ مثـل تلك القيادات فـي واقـع الأمـر قـد تكون عراقيـة ’ لكنهـا في واقع الحال بلا عراقيـة’ وتلك مصيبـة الوطـن فيهــم . 2 ـــ عـرب الجنوب والوسـط : استطاعت قياداتهم ورموزهـم ان تمسـخ الوطـن الى مذهب ’ وتقنع الملايين مــن اهـل العراق هناك ’ على ان الوطـن في افضل حالاتـه لا يعنـي الا الطائفـة والمذهب والعتبات المقدسـة بحوزاتهـا ومرجعياتها ’ وبفتـوة تستطيع ان تحرك الملايين في تظاهرات وحشود منفعلـه هائجـة فاقدة الرشد تقاتل نفسهـــــا لطمـاً وتطبيراً وجلـداً داميتاً ’ مـع انـه من الصعوبـة تجميـع بعض المئآت من تلك الحشود من اجل قضيـة وطنيــة او مـن اجـل مصالحهـم والأعتراض على اسباب مآساتهـم على الأقـل ’ واستطاعت تلك القيادات ايضاً حرف الأنتماء الطائفـي ودفعـه خارج حـدود الأنتماء الوطني واصبحت التبعيـة الطائفيـة بديلاً عـن الأنتماء الحقيقي لأغلب ابناء الجنوب والوسط ’ ذلك هو الوجـه الآخـر لكارثـة الجرح ’ وان تلك القيادات هـي ايضاً عراقية بلا عراقيــة ومصيبـة ابتلى بهـا العراق . ـــ ابناء شعب كردستان : ومـع احترامي لخصوصيتهـم واحقيـة مطاليبهم وقرارهـم وتأ ييدي لمستقبلهم القومي ’ 3 لكـن تبقـى الصناديق التـي حملت كما قيـل ( 99% ) تقريباً مـن الأصوات التي ترغب بالأنفصال عـن العراق ’ تعبـر عـن واقع آخـر يشكل خللاً قاتلاً فـي الأنتماء الوطني ’ ولا الوم بذلك الشعب الكردي على الأطلاق’ لأنـه ضحيـة كغيره من ابناء الشعب العراقي’ حيث استطات قياداتـه ايضاً خلط اوراقـه حفاظاً على اوضاعهـا ومكاسبهـا ومستقبل سلطتهـا ’ واستطاعت ان تقنع الملايين من الأكراد على ان كردستان سوف لن تخسـر اذا ما خسر العراق ولم يلحقها الأذى اذا ما دمـر ولا تموت بموتـه ’ او ربمـا سيحصلون على مكاسباً عكسيـة ’ وهذا هو الخطاء الفادح الذي دفـع وسيدفـع ضريبتـه بنات وابناء كردستان دون ان تشاركهـم فيـها قياداتهـم . قيادات تركمان العراق لم يكن انتماءهم الوطني بأفضل حالاً من غيرهـا ’ حيث استمرت قلوبها تخفق مـع اطماع الجار الشالي للعراق ’ اضيف الى ذلك قيادات بعض الأحزاب والتكتلات والأطراف التي ولدت من احشـاء ايديولوجيات الأمهات الأجنبيــة واستمرت تراوح على عكازات ازدواجيتهـا بين الوطـن والمنشاء ... بين الأنتمــاء والتبعيـة ’ تقف معضمهـا فـي الجانب الآخر من الجدار ’ حيث التزمت وضيق الأفق الأيديولوجـي . استثنـي هنـا الشرائح والأقليات الأخرى لمكونات الشعب العراقي ’ فهـي ضحيـة الجميع والأكثر تعلقاً وحباً للعـراق واحتماءً بالوطـن مـن فتك القروش القوميـة والطائفيـة والمذهبيـه . ذلك هو مثلث الجرح العراقي وتقاسيم مكوناتـه ’ الباب الذي ظـل مفتوحـاً امام الغزات والمحتلين والمغامرين المحليين ’ وعلى جوانبـه تتربع دول الجوار العروبي الأسلامي تتسلى بعذاباتـه وتحفر فيـه جروحاً من الحقد والأطماع ’ ومن ذات الجرح دخل القطار الأمريكي في 08 / شباط / 1963 محملاً بالزمر الكريهة من البعثيين والقوميين والأسلاميين ’ ودخل الأحتلال واستقر اخيراً ضيفاً مفروضـاً مدججـاً بعجائب وغرائب الأرهابيين والتكفيريين والمليشيات المسلحـة وفرق الموت اليومي ومخاطـر كارثـة تدويـل هويـة وثروة وجغرافيـة العراق وقضيتة ’ مضافاً الى كل ذلك تيـزاب المحاصصـة الذي يحفر في الجرح فتنـة رهيبـة . لسبب واحـد اجـد عـذراً للجماهير بملايينهـا ’ من شمال الوطن الى جنوبـه ’ ومن شرقـه الى غربـه ’ حيث اتذكرهـا عندما التفت حول ثورة 14 / تموز / 1958 الوطنيـة وساهمت بقيادة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم بخياطة جرحهـا عبر اربعـة اعوام تقريباً كان شفاء الجرح في متناول يـد الثورة ’ لكن القوى التي لا تريد شفاءً لـه وان يعيش العراق امناً مستقراً مزدهـراً استنقرت محلياً واقليمياً ودولياً وتآمرت حتـى فتحت الجرح ثانيـة ومزقت ضماداتـه بأنقلابهـا المشترك الأسوذ فـي 08 / شباط / 63 ’ للسبب ذاتـه اتهم القيادات القوميـة والدينيـة والمذهبيـة والحزبيـة بمسؤوليتهـا عن مقتـل ثورة 14 / تموز وزعيمهـا الشهيـد عبد الكريم قاسـم ’ ولا يوجـد من بينهـا من لا يحمل اثـراً من سيماء المسؤوليـة . تلك هـي قناعتي ’ ولا ينفع معهـا رغبتي على ان لا اكون مصيباً ’ بحثت عبثاً وجهلاً عن عكسهـا فـي كتابات الكبار من مثقفي الطوائف والقوميات والمذاهب والأيديولوجيات ’ فلـم اجد مع الأسف ما يقنعني ’ واحياناً يفاجئني بين سطور كتاباتهـم القيــح الكثيـر من نزيف الأنتماء لأسباب ذلك الجرح المخيف مع ذلك يعتقدون خطاءً على انهم يكتبون وطنيــة ’ وعندما يرون دموعاً عراقيـة بين سطور ما يكتبـه بعض الوطنيون او يشمون فيهـا رائحة الحقيقة يستنفرون ويثورون شتمـاً وتشهيراً واتهاماً مفبركاً ووعيداً ’ ويعتقدون خرافـة ان ذلك واجباً وطنياً . من سيعيـد خياطـة جـرح العراق ويضع ضماداتـه عليـه ويسهر على مداواتـه ويرعاه حتـى الشفاء التام ... ؟ انهم ابناء العراق بجميع مكوناتـهم ’ فقـط عندما يكسرون حواجـز الطائفيـة والعنصريـة والمذهبيـة التي تفصلهم عن العراق ’ ويلتقون جميعاً داخـل خيمـة الوطـن ’ يطهروا قلوبهم وضمائرهـم وخلفياتهم من كل ما هـو ليس وطنيــاً ’ متسامحون متحابون متوحدون ’ انذاك سيشفـى الجرح ويتعافا العراق ويصبــح قوياً بأهلـة وهم اقوياء بوطنهـم ’ ومثلما سيكون لهـم وحدهـم ’ سيكونون لـه وحــده . 04 / 03 / 2007
#حسن_حاتم_المذكور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق مملكة الرموز المبجلة
-
هل من اهل لهذا العراق ... ؟
-
صابرين والمشهداني : وحهان لفضيحة واحدة
-
دور الجماهير في الخطة الأمنية ...
-
خطة امن ... في بيئة اللا أمن
-
الرسالة عارية : من يستحقها ... ؟
-
كركوك : مدينة لأهلها ...
-
عروبة السقوط في الأمتحان الآخير
-
بين المصيبتين ... يحترق العراق
-
ضجيج الهزائم
-
اريد اسألك يا وطن
-
اشكالية الخصوصية العراقية
-
مأزق الخطط الأمنية
-
مدن تبكي هويتها
-
متى سيعود العراق ... احلى وطن ... ؟
-
امة تليق بأصنامها ... والعكس
-
هل ننسى فعلتهم ... ؟
-
صدام الرذيلة والهزائم ... يرتدي عباءة المجاهد !!! .
-
جيش مقتدى وتياره الى اين ... ؟
-
لجنة التنسيق في لقاءها التشاوري
المزيد.....
-
إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟
...
-
الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا
...
-
وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي
...
-
وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا
...
-
حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ
...
-
انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية
...
-
في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟
...
-
دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول
...
-
أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ
...
-
-واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|