أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد القطاونة - من رصانة المنهج الشرعي إلى انحراف الفهم العقدي - الخوارج أنموذجاً














المزيد.....

من رصانة المنهج الشرعي إلى انحراف الفهم العقدي - الخوارج أنموذجاً


محمد القطاونة

الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 19:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إذا جئنا للفهم الفلسفي لمصطلح فقه الأولويات، فإنه يقوم على مبدأ التسلسل المنهجي في تناول الأفكار والأحكام، ويُعد من الأسس الرئيسة التي تسهم في وضوح الفهم وفعاليته. إذ يضمن ترتيب القضايا ترتيباً منطقياً، ويُسهّل وصول المتلقي إلى المفاهيم والمعاني المطلوبة دون لبس أو تشويش، سواء كان ذلك بسبب التقديم في غير موضعه أو التأخير فيما حقه التقديم.
ولا شك أن مصطلح فقه الأولويات بصيغته الاصطلاحية المعاصرة يُعد من المصطلحات الحديثة التي شاع استعمالها في عصرنا، ولا سيما على ألسنة المفكرين وحَمَلة المشروع الإسلامي، حتى لا يكاد يخلو كتاب أو بحث يُعنى بتقويم العمل الإسلامي من الإشارة إليه. غير أن حداثة المصطلح لا تعني حداثة المضمون، إذ إن جذوره راسخة في التراث الإسلامي، وإن لم يُعبَّر عنه باللفظ ذاته.
ويُعد الإمام العز بن عبد السلام من أوائل من أشاروا إلى هذا المعنى من خلال علم المقاصد، وذلك في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام، حيث قرر مبدأ الموازنة بين المصالح والمفاسد، وتقديم الأعلى رتبة على الأدنى، فقال في مقدمة كتابه:
"الغرض بوضع هذا الكتاب بيان مصالح الطاعات والمعاملات وسائر التصرفات… وبيان ما يُقدّم من المصالح على بعض، وما يُؤخّر من المفاسد عن بعض…"
ويُشكّل هذا النص أصلاً واضحاً لمفهوم مراعاة الأولويات، بل يمكن استخلاص تعريف اصطلاحي منه، كما أنه يؤكد أن الشريعة لا تتعامل مع الواقع تعاملاً مثالياً مجرداً، بل تراعي حالات التعارض، حيث يقول:
"فالتعارض إما بين حسنتين… أو بين سيئتين… أو بين حسنة وسيئة… فيُرجّح الأرجح."
وقد برز مفهوم فقه الأولويات في عدد من العلوم الإسلامية، كالفقه، والتربية، والدعوة، والسياسة الشرعية، مما يدل على أنه منهج عام ينسحب على مختلف الحقول المعرفية، وليس مفهوماً طارئاً أو محصوراً في علم بعينه. فكل علم يعتمد التقديم والتأخير والترجيح عند التعارض، إنما يمارس فقه الأولويات بصورة منهجية.
كما أن التراث الإسلامي زاخر بمصطلحات تؤدي المعنى نفسه، مثل: مراتب الأعمال، والمفاضلة بين الأعمال، وأحكام الضرورة، وهي جميعها تقوم على مبدأ الترجيح وضبط الميزان الشرعي، وتؤكد أن الشريعة الإسلامية شريعة انضباط واتزان، لا شريعة فوضى أو اندفاع.
ومن أبرز النماذج التاريخية التي تكشف خطورة الخلل في فقه الأولويات العقدي: الخوارج. فلم يكن انحرافهم نابعاً من فراغ عقدي أو غياب النصوص، بل من سوء فهمهم لضوابط التقديم والتأخير في مسائل الاعتقاد، حيث قدموا فروعاً على أصول، وجزئيات على كليات، وأحكاماً خاصة على مقاصد عامة.
فقد عظّموا مسألة الحكم بالكفر وجعلوها في مرتبة تعلو على حفظ جماعة المسلمين ووحدة الأمة، وقدّموا إنكار المنكر باليد والسيف على مقاصد الشريعة في حفظ النفس والدين، وأخذوا بنصوص الوعيد مجردة عن نصوص الوعد، فاختل ميزانهم العقدي، وانتهوا إلى الغلو والتكفير وسفك الدماء.
وهذا النموذج يبيّن بوضوح أن التطرف ليس نتاج الشريعة الإسلامية، بل هو ثمرة خلل في فهم القواعد المنهجية الرصينة التي قامت عليها. فالقواعد الإسلامية في باب الاعتقاد والسلوك قواعد متماسكة، تقوم على الجمع بين النصوص، ومراعاة المقاصد، وترتيب الأولويات، وضبط المآلات.
ومن هنا يتضح أن الانحراف العقدي لا ينشأ من قوة الالتزام بالدين، وإنما من ضعف الفقه به، وخاصة فقه الأولويات، حيث يُقدَّم ما حقه التأخير، ويُؤخَّر ما حقه التقديم، فتضطرب النتائج، ويُساء تنزيل النصوص على الواقع



#محمد_القطاونة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فقه الأولويات العقدي وأزمة البرهنة في علم الكلام
- أدوات الصراع بين الأنسنة والوحي
- تفكيك البنية المعرفية للإلحاد المعاصر: قراءة نقدية في الأسس ...
- ما العرفان ؟
- التخيل المقاصدي في الفقه الاسلامي في حل الإشكاليات المعاصرة
- الدارونية واشكالية المعرفة
- العقل في محراب الوحي لإبراز دورة الحضاري
- المنهج الشكي في مواجهة اليقين
- اولويات النقد الفكري
- الإسلام وعالمية الأبستمولوجيا التشاركية للمعرفة
- اشكالية الدين والدولة
- حرية الفن الإسلامي من التجسيد الوثني والقيد الكهنوتي
- الفن في الفكر الاسلامي
- قراءات نصية: الوحي في النصرانية وظهور الهرمنيوطقيا
- القراءات الحداثوية للنص المقدس ج1
- الاحتجاجي اليوناني والاحتجاج المقدس


المزيد.....




- سوريا.. ضوابط بشأن الليرة الجديدة وفتوى حول حذف صفرين منها
- تركيا: إصابة سبعة شرطيين في اشتباك مسلح مع عناصر يُشتبه بانت ...
- مقتدى الصدر يوجه رسالة للمسيحيين في العراق بمناسبة العام الم ...
- بن غفير يدفع بقانون لتقييد الأذان في المساجد بنظام تصاريح مش ...
- بن غفير يقود معركة جديدة لمنع رفع الأذان داخل الخط الأخضر
- الصدر: دعاة التطبيع وداعمو الفساد لا يمثلوننا ولا يمثلون الم ...
- موازين القوى تتغير.. -ثوار- بنغلاديش يشكلون تحالفا انتخابيا ...
- الإفتاء الفلسطيني يرفض مشروع قانون إسرائيلي جديدا لحظر رفع ا ...
- مجلس الإفتاء الفلسطيني يرفض مشروع قانون إسرائيلي لحظر الأذان ...
- غزال غزال.. من منبر الخطابة إلى قيادة الطائفة العلوية في سور ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد القطاونة - من رصانة المنهج الشرعي إلى انحراف الفهم العقدي - الخوارج أنموذجاً