أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد القطاونة - تفكيك البنية المعرفية للإلحاد المعاصر: قراءة نقدية في الأسس الفلسفية والافتراضات اللاعقلية لخطاب نفي الإله














المزيد.....

تفكيك البنية المعرفية للإلحاد المعاصر: قراءة نقدية في الأسس الفلسفية والافتراضات اللاعقلية لخطاب نفي الإله


محمد القطاونة

الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 14:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إذا انطلقنا من التعريف المعاصر للإلحاد بوصفه الإنكار المباشر لوجود الإله، أمكننا القول إن الإلحاد الحديث لا يمثل موقفًا واحدًا متجانسًا، بل يتوزع – كما يقرر معظم الدارسين – إلى مستويين معرفيين متمايزين، وإن اشتركا في النتيجة النهائية.
الأول هو الإلحاد السلبي، الذي يقوم على مجرد عدم الإيمان بوجود الخالق، دون تبني أطروحة فلسفية متكاملة تنفي وجوده. أما الثاني فهو الإلحاد الإيجابي، الذي يتجاوز الشك وعدم الاقتناع، ليؤسس خطابًا معرفيًا يدّعي البرهنة على استحالة وجود الإله.
ويمثل الإلحاد السلبي في الغالب حالة نفسية أو موقفًا شكيًا غير منضبط منهجيًا، يتغذى على الانطباعات الشخصية، أو المواقف الوجدانية، أو التجارب الذاتية، وهو لذلك أقل قابلية للمساءلة العقلية الصارمة. في المقابل، فإن الإلحاد الإيجابي هو الذي يحتل المساحة الأوسع في ساحة الجدل الفكري، لأنه يسعى إلى تقديم نفسه بوصفه مشروعًا معرفيًا بديلاً، يستند – في ظاهره – إلى العقل والعلم والفلسفة.
غير أن الدراسة المتأملة في البنية الداخلية للفكر الإلحادي تكشف أن اختلاف مدارسه واتجاهاته لا يمنع من اشتراكها في أسس مركزية محددة، تتراوح بين أسس فلسفية عقلية، وأخرى علمية تجريبية، وثالثة نفسية وجدانية. فمن الناحية الفلسفية، يقوم الإلحاد المعاصر على إنكار السببية، والقول بالتسلسل القبلي أو الزمني غير المتناهي، ورفض إمكان الوحي. أما من الناحية العلمية، فيستند إلى قراءات انتقائية لعلوم الفيزياء والكيمياء والأحياء والكونيات. بينما يتغذى على المستوى النفسي من إشكالية الشر، ومعضلة الألم، وفشل النماذج المثالية في الواقع الإنساني.
وهنا تبرز حقيقة مهمّة، وهي أن الخطاب الإلحادي – رغم ادعائه العقلانية الصارمة – لا يصدر في جوهره عن براهين قطعية، بقدر ما ينبثق من شبهات معرفية وتوظيفات انتقائية للعلم، ومشكلات نفسية واجتماعية غير محلولة. ولذلك فإن نقد الإلحاد المعاصر لا يمكن أن يكون مهمة تخصص واحد، بل يتطلب تضافر الجهود بين علماء الشريعة، والفلاسفة، والمتخصصين في العلوم الطبيعية والإنسانية، للكشف عن التهافت الداخلي في بنيته المعرفية.
طبقات الخطاب الإلحادي: قراءة في البنية النفسية والمعرفية
وقبل الخوض في تفكيك الأسس اللاعقلية للإلحاد، يجدر التنبيه إلى أن الملاحدة – من حيث البناء المعرفي – ليسوا على درجة واحدة. ويمكن التمييز هنا بين طبقة تحاول التعمق في المعرفة والفلسفة والعلوم، لكنها تصطدم بشبهات فكرية أو علمية معقّدة، وتختزن في لاوعيها رواسب تاريخية حول الصراع بين الدين والعقل، والدين والعلم، وهي رواسب تشكلت في السياق الغربي ثم انتقلت إلى الوعي العربي المعاصر.
وهذه الفئة – التي يمكن وصفها بـ«الإلحاد المنظّر» – تعتقد أن مواقفها ناتجة عن براهين عقلية نهائية لا تقبل النقض، في حين أن كثيرًا من هذه البراهين يقوم في حقيقته على افتراضات غير مبرهنة، أو على خلط بين المنهج العلمي التجريبي والأسئلة الوجودية الكلية.

أولًا: التسلسل القبلي (الدليل الكوسمولوجي) ونقده المعرفي
يعد التسلسل القبلي أحد أعمدة الإلحاد الفلسفي المعاصر، ويقصد به القول بوجود سلسلة غير متناهية من الأسباب، دون حاجة إلى مبدأ أول أو علة واجبة الوجود. ويُصوَّر هذا التصور بوصفه حقيقة عقلية أو علمية بديهية، خاصة في إطار ما يُسمى بالدليل الكوسمولوجي.
ويرى دعاة هذا الاتجاه أن الكون أزلي بلا بداية، وأن القوانين الفيزيائية كافية لتفسير نشأة الكون والحياة، دون افتراض خالق متجاوز. ويصرّ الخطاب الإلحادي على ترسيخ هذا التصور، لما له من أثر مباشر في تقويض فكرة الربوبية من جذورها.
غير أن هذا البناء المعرفي لا يصمد أمام التحليل العقلي الدقيق. فقد ميّز العلماء – وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية – بين التسلسل في الآثار والتسلسل في المؤثرات، وبيّنوا أن التسلسل في المؤثرات محال عقلًا، لأنه يفضي إلى وجود ما لا نهاية له في آن واحد، وهو أمر ممتنع بالضرورة العقلية.
فالسلسلة مهما امتدت، فإن حلقاتها كلها ممكنة الوجود، والممكن لا يفسر نفسه بنفسه، بل يحتاج إلى مرجّح خارجي. وبذلك فإن افتراض سلسلة لا نهائية من الممكنات دون واجب وجود هو افتراض يؤدي إما إلى نفي وجود العالم كله – وهو مكابر للحس – أو إلى الإقرار الضمني بوجود علة أولى واجبة الوجود، وهو ما ينقض أساس الإلحاد.

ثانيًا: إنكار السببية وتفريغ العقل من بداهاته
أما إنكار السببية، فيمثل ركيزة أخرى في البناء الإلحادي، ويقصد به نفي العلاقة الضرورية بين السبب والمسبب، والقول بأن ما نراه من انتظام في الكون ليس إلا تعاقبًا اعتدناه، لا رابطة حقيقية بين أطرافه.
وقد عبّر الفيلسوف ديفيد هيوم عن هذا الاتجاه حين اعتبر أن العلية ليست إلا علاقة ذهنية ناتجة عن التكرار، لا حقيقة موضوعية قائمة في الواقع. غير أن هذا الطرح – إذا أُخذ إلى منتهاه – لا يهدم الإيمان فحسب، بل يهدم العلم ذاته، لأن المنهج العلمي قائم أساسًا على افتراض السببية والانتظام.
إن إنكار السببية لا يُنتج عقلًا علميًا، بل يُفضي إلى سفسطة معرفية شاملة، تجعل كل معرفة يقينية مستحيلة، وهو ما يكشف التناقض الداخلي في الخطاب الإلحادي الذي يستند إلى العلم، ثم يهدم أسسه الفلسفية من حيث لا يشعر.
خاتمة: الإلحاد المعاصر بين الادعاء العلمي والتهافت المعرفي
إن التحليل العميق لأسس الإلحاد المعاصر يبيّن أنه ليس بناءً معرفيًا متماسكًا كما يُقدَّم، بل خطابًا إشكاليًا يقوم على افتراضات غير مبرهنة، وتناقضات داخلية، ومصادرات فلسفية مسبقة. وهو في جوهره ليس ثمرة تقدم علمي، بقدر ما هو تعبير عن أزمة معنى، وقلق وجودي، وانفصال بين العقل ومصدره المتجاوز.
ومن هنا، فإن معركة الإيمان والإلحاد ليست صراعًا بين العلم والدين، بل هي صراع بين عقل منفتح على السؤال الوجودي، وعقل يختزل الوجود في معادلات عاجزة عن تفسير أصلها وغايتها.



#محمد_القطاونة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما العرفان ؟
- التخيل المقاصدي في الفقه الاسلامي في حل الإشكاليات المعاصرة
- الدارونية واشكالية المعرفة
- العقل في محراب الوحي لإبراز دورة الحضاري
- المنهج الشكي في مواجهة اليقين
- اولويات النقد الفكري
- الإسلام وعالمية الأبستمولوجيا التشاركية للمعرفة
- اشكالية الدين والدولة
- حرية الفن الإسلامي من التجسيد الوثني والقيد الكهنوتي
- الفن في الفكر الاسلامي
- قراءات نصية: الوحي في النصرانية وظهور الهرمنيوطقيا
- القراءات الحداثوية للنص المقدس ج1
- الاحتجاجي اليوناني والاحتجاج المقدس


المزيد.....




- النيابة الفرنسية تفتح تحقيقا قضائيا في هجوم خلال احتفال يهود ...
- مؤثرو الفاتيكان.. جيل جديد من الكهنة ينشطون في العالم الرقمي ...
- مفتي الأردن: لا تتركوا ساحة الفتوى لأهل الأهواء والتطرف
- أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة: الفتوى اليوم مساف ...
- ماذا وراء الحملة الإعلامية الجديدة على الإخوان المسلمين؟
- ما الذي حدث خلال الهجوم على احتفال يهودي في العاصمة الأسترال ...
- ما بعد هجوم أستراليا: الجاليات المسلمة في مرمى التوتر.. ورؤو ...
- رئيس وزراء أستراليا يتعهد بمراجعة قوانين السلاح ودعم اليهود ...
- اقتحام عشرات المستوطنين المسجد الأقصى بمناسبة عيد الأنوار
- فيديو.. عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى خلال عيد الحا ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد القطاونة - تفكيك البنية المعرفية للإلحاد المعاصر: قراءة نقدية في الأسس الفلسفية والافتراضات اللاعقلية لخطاب نفي الإله