أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود نجم الدين المعمار - السلطة امام المراة














المزيد.....

السلطة امام المراة


محمود نجم الدين المعمار

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 11:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مع تصاعد الضغوط الأمريكية على العراق في إطار سياسة فكّ الارتباط مع إيران، انتقل التفاعل السياسي العراقي من مرحلة الإنكار والمماطلة إلى مرحلة الفهم البراغماتي لطبيعة المطالب الأمريكية وحدودها. لم تعد واشنطن تُخفي أن أولويتها الاستراتيجية في العراق، كما ورد صراحة أو ضمنًا في وثائق الأمن القومي الأمريكية، والتي تتمثل في تأمين مصادر الطاقة، وضبط المسارات المالية، ومنع استخدام العراق كمنصة للالتفاف على العقوبات المفروضة على إيران، من دون انخراط مباشر في إعادة هندسة الداخل السياسي أو الاجتماعي العراقي.
هذا التحول في المقاربة الأمريكية وُوجه داخل منظومة الحكم العراقية، وتحديدًا من قبل الإطار التنسيقي، بإدراك مزدوج: فمن جهة، فإن الاستجابة الكاملة لمطلب فكّ الارتباط مع إيران لا تمثل مجرد تغيير في السياسة الخارجية، بل تهدد البنية الداخلية للإطار ذاته، بما يحمله من تشابكات سياسية وأمنية واقتصادية وشعبية مع إيران، وهو ما يجعل الامتثال الصريح انتحارًا سياسيًا داخليًا. ومن جهة أخرى، فإن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، في ظل امتلاكها أدوات ضغط مالية ومصرفية عابرة للحدود، لا تقل خطورة، إذ تُسرّع انهيار الاستقرار المالي وتدفع بالأزمة نحو انفجار اجتماعي غير قابل للضبط.
أمام هذا الواقع المازوم ، لم يتجه الإطار إلى خيار الصدام ولا إلى خيار التسليم، بل إلى ما يمكن توصيفه بـ الخيار الثالث: احتواء الأزمة عبر إعادة توزيعها داخل البنية الجغرافية والإدارية للدولة.
في هذا السياق، برز ملف تشكيل إقليم البصرة بوصفه أداة إدارة أزمة لا مشروع تفكيك، ومسارًا دستوريًا يُستخدم لتفريغ الضغط المتراكم على المركز، عبر تقسيم الازمة تمهيداً لاحتوائها.
اختيار البصرة لم يكن اعتباطيًا فهي المحافظة الأعلى كثافة سكانية في الجنوب، والأكثر تضررًا بيئيًا، والأكثر قابلية للاحتجاج، وفي الوقت ذاته تمثل الرافعة الاقتصادية الأساسية للدولة العراقية بما تمتلكه من نفط وموانئ ومنافذ. فتح باب الإقليم في هذا التوقيت يحقق جملة وظائف متداخلة : امتصاص الغضب الاجتماعي في أخطر بؤر الاحتقان ، تقديم وعد سياسي بديل عن منطق الانهيار ، وفصل جزئي بين الأزمة المالية المركزية وبين الموارد النفطية ، بما يسمح للإطار بشراء الوقت وتخفيف حدّة الضغط الخارجي بما يسمح له بالمناورة .
لا يُفهم هذا المسار بوصفه خروجًا عن التوجه العام للقوى الحاكمة ، بل كأحد الخيارات المتداولة داخلها لإدارة الضغوط القائمة . وبهذا يتحول ملف الإقليم من عامل تهديد لوحدة القرار إلى أداة لامتصاص الصدمات وإعادة ضبط التوازنات، داخليًا وخارجيًا، من دون المضي نحو تفكيك فعلي للدولة.
غير أن هذا الخيار لا يقف عند حدوده الجغرافية؛ ففتح الباب أمام إقليم نفطي في الجنوب يفتح، بحكم المنطق السياسي، نقاشًا موازياً حول أقاليم سنّية محتملة في الغرب والشمال، ليست بمعزل عن محيطها الإقليمي . وهنا تبدأ الدولة بالتحول من مركز مأزوم إلى فضاء تفاوضي متعدد الأقطاب، تُدار أزمته عبر اللامركزية لا عبر الحسم.
بهذا المعنى، لا يمكن فهم ما يجري بوصفه مشروع تفكيك للدولة العراقية، ولا بوصفه استجابة مباشرة للضغط الأمريكي ، بل باعتباره استراتيجية احتواء داخلية تهدف إلى منع الانفجار، والحفاظ على تماسك منظومة الحكم ، وإعادة توزيع كلفة الأزمة بدل تحمّلها دفعة واحدة . إنها محاولة لإدارة الانحدار، لا لعكس مساره ، في لحظة يدرك فيها الفاعل السياسي أن البدائل المتاحة جميعها مكلفة ، وأن أخطرها هو غياب البديل من وجهة نظرها .
غالبًا ما تتعامل الأنظمة السياسية مع أزماتها الكبرى بالطريقة ذاتها التي يتصرف بها الإنسان حين تهوي عليه مصيبة لا يتوقعها. في اللحظة الأولى، تسود الصدمة؛ يتجمّد القرار، ويختلط الإدراك، ويغيب الفعل خلف دهشة الحدث. ثم يأتي الإنكار، لا بوصفه كذبًا متعمدًا، بل كآلية دفاعية تحاول من خلالها السلطة إقناع نفسها بأن الخطر أقل مما يبدو، وأن الزمن كفيل بتبديده. وحين يتبيّن أن الأزمة لا تزول، تبدأ مرحلة التسويف: فتح مسارات جانبية، تدوير للنقاش، ومحاولات لإعادة توزيع الثقل بدل مواجهته مباشرة.
غير أن هذه المراحل، مهما طالت، لا تُفضي إلى حل، بل تؤجل لحظة واحدة لا مهرب منها: لحظة المواجهة. فالأزمات الوجودية، سواء أصابت فردًا أو دولة، لا تُهزم بالتجاهل ولا بالالتفاف، بل بقرار صعب يعترف بعمقها ويتعامل مع كلفتها. وما نشهده اليوم ليس نهاية الطريق، بل تعبير عن نظام لا يزال يتحرك داخل هذا المسار النفسي–السياسي، يؤخر الحسم لأنه يدرك قسوته، ويبحث عن مخارج لأنه يعرف أن الإنكار لم يعد كافيًا. وفي النهاية، كما هو حال الأفراد، لا يختار التاريخ لحظة المواجهة، بل يفرضها ويترك للأنظمة وحدها أن تحسم شكل دخولها إلى تلك اللحظة: متماسكة الإرادة، أم منهكة البنية، أم متأخرة عن ذاتها وقد استنزفها التردد.



#محمود_نجم_الدين_المعمار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعوى للجاهلية
- الانجاب ليس حقا للجميع
- حقوق الانسان العاري
- زينلسكي يدفع فاتورة خسارة ماكرون للنيجر
- اي انسان تريد ان تربيه الدولة


المزيد.....




- -كوشنر سيحضرها-.. مصدر يكشف لـCNN تفاصيل جديدة عن محادثات مي ...
- العدل الدولية تنظر في قضية الإبادة الجماعية بميانمار في يناي ...
- العقوبات على الجنائية الدولية.. هل تجهز واشنطن على القانون ا ...
- 3 شهداء وعدة مصابين في قصف مدفعي إسرائيلي على مبنى يؤوي نازح ...
- خبير عسكري: إسرائيل تعيق قدرة الجيش اللبناني على نزع السلاح ...
- لماذا توصف المرحلة الثانية من اتفاق غزة بأنها الأكثر تعقيدا؟ ...
- الحب وترامب والغرب و3 ملايين سؤال.. عرض لوقائع وكواليس مؤتمر ...
- ساحل جزيرة هرمز الإيرانية يتحول إلى اللون القرمزي الداكن.. ش ...
- -من فوق جبل قاسيون-.. من هم القادة الذين شكرهم أحمد الشرع بع ...
- رئيس الوزراء المصري في بيروت.. القاهرة تدين الانتهاكات الإسر ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود نجم الدين المعمار - السلطة امام المراة