أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - هيفين عمر - نجم في العتمة: حين يُصاب العدل بالعمى














المزيد.....

نجم في العتمة: حين يُصاب العدل بالعمى


هيفين عمر

الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 00:00
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


في البلاد التي يطول فيها الليل حتى يُشبه النهار، لا تُقاس العدالة بالقوانين، بل بمدى اقترابك من الظل الصحيح. هناك، تُوزن القيم بالنفوذ، وتُسكَت الأصوات بالنقود، ويُعاد تعريف الخطأ والصواب كل يوم حسب من يجلس على الكرسي.

الفساد لا يأتي كزلزال، بل كنسمة خفيفة في البداية، يتسلل إلى المفاصل قبل أن يصير جسدًا كاملاً يحكم نبض الدولة. يدخل في اللغة، في المعاملة، في الأوراق الرسمية، في الوجوه التي تبتسم وهي تفتح الأبواب إلى الهاوية. هو ليس رشوةً فقط، بل فكرة: أن كل شيء قابل للمساومة — حتى العدالة، حتى الكرامة، حتى الحق في أن تكون بريئًا.

ذات مساءٍ غامض، في زاوية نائية من هذا النظام المعتم، وُجد “نجم” لا كاسمٍ لإنسان، بل كرمزٍ لكل من لم يرضخ. لم يحمل سلاحًا، ولم يرفع صوته، بل اكتفى بأن يعمل بشرف. ومع ذلك، كان الضوء الذي بداخله كافيًا لفضح العتمة حوله، فحُوسب كما يُحاسب من أشعل شمعة في ممرٍ ممنوعٍ من النور.

في عالمٍ كهذا، تصبح الطاعة ملاذاً، والكرامة عبئاً، والعدل ترفاً نادراً لا يُمنح إلا لمن يعرف طريق الظلال. هناك، لم يكن السؤال عن الحق، بل عن “الترتيب”، ولم تكن الجريمة في الفعل، بل في عدم الخضوع الكافي. وفي لحظةٍ واحدة، صار العرق جريمة، والكدّ تهمة، والسكوت نجاة.

وفي مكانٍ أعلى، جلس وجه العدالة بلا بصر. قاضٍ، أو رمز لما تبقّى من القانون، يزن بميزانٍ مائل ما لا يُوزَن. لم يسأل “لماذا يحدث هذا؟” بل “لماذا لم تكن تحمل الورقة المناسبة؟” هكذا، يُغلق الملفّ، ويُفتح الجدار. لا يُحاكم الفساد، بل يُبرَّر. لا يُدان الظلم، بل يُهذَّب لغوياً ليبدو قانوناً.

الفساد ليس فرداً، بل طيفٌ طويل يبدّل ملامحه في كل مؤسسة، في كل مكتب، في كل تبريرٍ صغير، في كل صمتٍ اختياري.
هو القاضي الذي يلتفت عن الحقيقة، وهو المأمور الذي يبيع ضميره بملف، وهو المواطن الذي يبرّر خوفه باسم “الواقعية”.
هكذا يشيخ الوطن، لا لأن الزمن يمضي، بل لأن العدالة تُستنزف ببطئ، وتُمحى تحت أنقاض الطاعة والسكوت.

لكن… في العتمة دوماً شيء لا يُخمد:
قبسٌ صغير في ضمير من يرفض، في قلمٍ يكتب، في صوتٍ يصرّ أن يسأل.
فالوطن لا يُبنى على الخضوع، ولا يُرمم بالسكوت، بل بالعدل أولًا.
وحين تُغلق الأبواب، ويُختنق الهواء بالفساد، لا يُنقذ البلاد سوى من يعيد فتح نافذة للضوء، ولو بشقّ قلمٍ واحد.

كل وطنٍ يملك نَجمه الخاص — ذاك الذي يضيء ولو من وراء القضبان،
يذكّر الناس أن العتمة مهما اشتدّت، لا تُطفئ جوهر النور في الإنسان.

ولعلّى التاريخ يشهد بأن الضوء لا يموت.
حين كان نيلسون مانديلا محبوساً في جزيرة روبن ثلاثين عاماً، لم يكن في السجن رجلٌ واحد، بل ضمير أمة بأكملها. من زنزانة ضيّقة، أعاد تعريف الحرية حين قال: "أن تكون حرّاً لا يعني مجرد كسر القيود، بل أن تعيش بطريقة تحترم حرية الآخرين وتعزّزها."
خرج مانديلا من ظلام السجن لا ليطالب بالانتقام، بل ليذكّر العالم أن العدالة هي الطريق الوحيد لبناء وطن لا ينهار تحت ثقل الخوف.

فما أبسط الحقيقة، وما أعقدها في آن:
الوطن لا يقوم على القوة، ولا على الخوف، بل على ميزانٍ لا يُباع — ميزان العدل.
ومن يُطفئ هذا الميزان، يترك الوطن يتيه في الظلال إلى أن يولد من جديد،
في يد من يؤمن أن النور لا يُستأذن ليدخل.



#هيفين_عمر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يفقد القلب بوصلته
- قناع الفضيلة ووجه الشهوة: وحش في عباءة الإنسانية-
- أنين الأطفال: صرخات في صمت البيوت-
- -زهرة الصمود في صحراء القيود: المرأة في زمن الجراح-
- قوة المرأة في مواجهة العزلة والخذلان: من الضعف إلى القوة
- إمرأة ثائرة ..
- الرجولية الذكورية صناعة دينية
- الزواج القسري ..
- المرأة وجسدها : قوة الاستقلال والتقبل الذاتي
- تاريخ وتقسيم كوردستان: فهم العوامل التاريخية والسياسية وراء ...
- تحاكم الدين و السياسة
- العبودية الذكورية للمرأة
- مطلَّقة
- الإنسان عدو نفسه.
- طفولة مغتصبة ( زواج القاصرات)
- النرجسية...
- المرأة . الطلاق . الشرق .


المزيد.....




- -أب وابنه-.. أستراليا تعلن تفاصيل جديدة عن مشتبه بهما والسلا ...
- وفاة إيمان شقيقة -الزعيم- عادل إمام وأرملة الراحل مصطفى متول ...
- مسلم أعزل ولا يمتلك خبرة في الأسلحة.. من هو الرجل الذي انت ...
- المغرب: قتلى جراء -تدفقات فيضانية استثنائية- في آسفي جنوب ال ...
- نيوزويك: اليابان تكشف عن سلاح ليزر سيغير قواعد الحرب
- مصر.. أسعار السيارات مُرشحة لتراجع جديد في عام 2026
- سوريا تعتقل 5 مشتبه بهم بعد مقتل جنديين أمريكيين ومترجم في ه ...
- السلطات السورية تُعلن توقيف خمسة أشخاص وتكشف خلفية منفّذ هجو ...
- -استيقظت فوجدت ضلعي مكسورًا-.. عشرات المعارضين خارج السجون ا ...
- -غير قانوني-.. حكم قضائي يُبطل قرار الحكومة الإسرائيلية إقال ...


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - هيفين عمر - نجم في العتمة: حين يُصاب العدل بالعمى