إيلي شميس
ناشط سياسي و اجتماعي مستقل / معارض سياسي سوري / مهتم بالاقتصاد و السياسة
(Elie Chmeis)
الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 09:12
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
المصير المشترك للعلويين: أسئلة الوعي في زمن الخذلان
اعتراف ودعوة للتفكير
نعلم يقيناً أنك محاصر بين سيف الخذلان وواقع الخطر، مثقلٌ بعجزٍ مشروعٍ نتيجة الغدر والعوز ومجازر الماضي القريب.
لا يُطلب منك الآن أن تنهض أو تُقاتل؛ فمهمتك الأولى هي التوقف عن الحركة وإعادة صياغة الأفكار في رأسك.
إن الحل يكمن أولاً في امتلاكنا للرؤية الواضحة، لأن العتمة التي نعيشها اليوم ليست أبدية، فـ الإنفراجة تبدأ حتماً من لحظة وعينا النقدي بمصيرنا المشترك.
بعيداً عن أوهام العاطفة، ووشائج الدم، ومُراهقات الولاءات الضيقة، نقف اليوم أمام فضاءٍ زمني يُشبه الوقت البدل الضائع من عمر الوطن.
إن المصير المشترك لم يعد يحدده من هرب بالطائرة، بل يحدده من بقي على الأرض ليواجه حقيقة أن السياسة لا تعرف الحب، بل المصالح والضمانات.
هذا المقال ليس لتقديم أجوبة، بل لزرع بذور أسئلة وجودية في عقول شبابنا. أسئلة يجب أن تكون بوصلتنا الحقيقية نحو بناء الغد،
أسئلة لا يمكن لأي مشروع مستقبلي أن ينجح دون المرور من ضفّتها الصعبة.
نداء إليك انت كعلوي في سوريا :
أتوجه إليك بشدة، لا بصلة العقيدة أو الدم أو الجغرافيا، بل بصلة المصير المشترك، أن تقرأ هذه الأسئلة بعناية ولا تحاول الإجابة عليها قبل أن تكمل قراءتها جميعها، ومن ثم اجعلها فهرساً لك لكي نصل إلى الضفة الأخرى.
أعلم أن غياب الجو السياسي في سوريا، وخاصة في الساحل وحمص سابقاً، جعل لياقتنا السياسية أبطأ من الآخرين.
ولكن أضع بين يديك وأمام عينيك مسلّيات عقلية تجعلنا نجتمع أكثر مما نفترق، وليس كما تفعله عشوائيات التواصل الاجتماعي والمراهقون السياسيون ذوو الأعمار الكبيرة واللياقة السياسية السيئة
و لأنه في السياسة لا وجود للعواطف أو الحب أو العلاقات الغرامية؛ في السياسة توجد المصالح، مصالح بشكل حيادي لا تمسها المشاعر ولا قرابة الدم، ولا ابن فلان ولا قريب فلان.
السياسة تشبه تماماً الطريقة التي نتجنب بها سيناريو هروب الضباط وآل الأسد للعلويين وهربوا بأرواحهم يشربون الكحول في طائراتهم، ونحن على الأرض يتم تمزيق صدور أبنائنا وانتزاع قلوبهم لذنب لم نقترفه.
بل الذي اقترف الذنب هرب بطائرته الخاصة ينظر لما يحدث لك من السماء بسخرية.
انظر لحال الذين كانوا يعتقدون أن السياسة هي صلة الدم والقرابة والدين، ولو كانوا نسبة قليلة من العلويين، ولكن انظر إلى طريقة تفكيرهم وأحوالهم النفسية وجنونهم.
انظر أيضاً إلى الآخر من غير طائفتك، ما الذي سيحدث به عند اقتراب الخذلان نتيجة ظنه أن السياسة تدخل بها المشاعر والقربة وصلة الدين أو الرحم.
في الوقت البدل الضائع وهذا الوقت الحساس الذي تمر به البلاد، سأضع لك هذه الأسئلة لا لتجيب عليها، بل لتعلم كيف يتم التداخل في عالم معقد سياسياً.
وقد تكون ذو معرفة ومستوى وعي أكبر من هذه الأسئلة فدعها ولا تكترث بها، هي ليست لك، هي لمن يريد أن يبني رأيه متأخراً أو يعدّل وجهة نظره أو يدخل عالم السياسة في الوقت البدل الضائع من شبابنا حول العالم ويفهم مالذي يمكننا فعله ومن اين يبدأ
في السياسة: عدو عدوك ليس بالضرورة صديقك، وصديق عدوك قد يكون صديقك.
أسئلة مصيرنا المشترك
ماذا لو قبلت إسرائيل توقيع سلام مع النظام السوري الحالي؟
ما هو موقف المعارضين للنظام الحالي من العلويين والمؤيدين إلى إسرائيل، وهل من ضمانات من أصحاب هذا المشروع؟
ماذا ستقول إسرائيل إلى مجتمعها، وماذا سيقول الشرع لمؤيديه خاصة من المتشددين، وماذا سيقول أوصياء العلويين للعلويين والدروز والأكراد، أو من نصبوا أنفسهم كمتحدثين عن جزء أو كل؟
ماذا لو بدأت تركيا بتسليح جيش الشرع بعد اتفاقية السلام وانتهى السلام، ورأى العلويون أنفسهم أمام صراع عربي إسرائيلي جديد؟
الدروز كحصة هم حصة إسرائيل، الأكراد حصة أميركا، ولكن كعلويين، من سيفرض الوصاية عليهم بعد توقيع السلام؟
ما الذي يوقف نزيف العلويين ويحميهم من مجازر أخرى ومن استنزاف لشبابهم كالذي فعله بشار بمقتل 369 ألف شاب علوي أثناء الحرب مع الكون والكواكب والمجرات ونظريات البحار الخمس، وتأتي بعدها المجازر التي قام بها الشرع ومشتقاته؟
كيف سينتهي التنمر الإعلامي والاجتماعي ضد العلويين من حلفاء السلطة الجديدة في ظل شكل لامركزي أو فيدرالي إذا حدث؟
كيف ستضمن أي شكل للدولة (فيدرالي، لامركزي، أو حتى تقسيم إن حصل) حرية المعتقد العلوي بالممارسة علناً دون تشويه متعمد من تزوير كتبهم وإطلاق الشائعات عنهم كما فعلت تركيا سابقاً وكما فعل ابن تيمية وبعض المتشددين، خاصة بتزوير بعض من كتبك وإلصاقها بك وإلحاق الضرر بك وبعقيدتك وأولادك؟
من سيحاسب النخبة السياسية العلوية في الخارج وفي الداخل مستقبلاً إن أخطأت أو فسدت أو فتحت أعينها بفجور، ومن سيمنع استعباد العلويين بأن يتم استملاكهم كأوراق طابو كما فعل حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار؟
من الذي سيضمن لي الاستقرار الاقتصادي بأن لا يتم استغلال الطائفة لمجموعة رأسمالية إقطاعية جديدة خارج إطار دولة القانون والعدالة والمساواة؟
من الذي سيضمن للعلويين إذا طُبعت أرواح تشبه أرواح آل الأسد من جديد في مجتمعاتنا، إذا ما بدأوا يقتلون الشباب المخالف لسياستهم ويغتصبون الفتيات العلويات اللواتي يعجبون بهن، ويتم التعامل معهم كأرقام وليس كأفراد كما في السابق؟
ما هو شكل الدولة أو السلطة أو الإدارة التي ستضمن التعددية الاجتماعية والسياسية والمدنية للأفراد العلويين دون مصادرتها مجدداً لـ 600 عام قادمة كالعثماني ومن ثم الأرستقراطية السورية ومن بعدها آل الأسد؟
ما هو الضامن العسكري الذي سيضمن عدم تكرار سيناريو المقتلة التي حدثت أثناء حكم بشار وبعده أحمد الشرع؟
ما هو المشروع الاقتصادي والخطط الاستراتيجية للتنمية التي سيتبناها مستقبلاً من سيتكلم بلسان العلويين؟
بعد تجارب الشعوب الفاشلة بتحالفها مع روسيا (ككوريا الشمالية، أرمينيا، كازاخستان، وبقية دول جمهوريات الموز)، ما الذي يضمن لنا كعلويين عدم تحالفنا مجدداً مع الروس الذين لا يمتلكون سوى نظام العشيرة والدم والفساد لإدارة شعوبهم؟
ما هي حصة العلويين مستقبلاً من ثروات الساحل وحمص؟ وإذا كان الأكراد يتقاسمونها بطريقة ما، هل ستختلف طرقنا عنهم لصالح شعوب أخرى؟
ما الذي يضمن لي ألا يتحول الشيخ غزال إلى خامنئي جديد يحكمني بقوة العقيدة وقوة الحشود ولا يفسح المجال لتيارات مخالفة له اقتصادياً وسياسياً لها أغلبية أو قد يخاف منها لتكون ذات أغلبية مستقبلاً، ويلتف على العلويين لصالح سلطة مجاورة لسلطة العلويين فقط ليحتفظ بنفسه بمكانته (مع كل الاحترام لمكانتة الدينية و الاجتماعية ولدوره الهام الذي جمع العلويين و يحفظ مصالحهم في الوقت الحالي )؟
من يضمن لي في حالة الفيدرالية ألا يظهر مئة رامي مخلوف جديد محسوب على سلطة ما يقوم بسلب أرزاقنا مجدداً ومحاربتنا والتضييق علينا فقط لأنه متحالف مع من لديه قوة أمنية نافذة (حياد العدل المطلق)؟
ما هو تعريف الأمن القومي الجديد لي ومن سيعرفه، ومن سيضمن لي عدم تحول أمن الدولة إلى دولة أمنية من جديد؟
من يضمن حرية الفرد العلوي المطلقة التي لا تشبهها حرية كبقية مكونات اللامركزية أو الفيدرالية أو ما بعد التقسيم (إن حصل) داخل المجتمع نفسه، بأن لا تُصادرها أو يتم المساومة عليها أو التقليل منها كحد وسطي لمراعاة معتقدات أو عادات وتقاليد مكونات أخرى؟
إذا فُرض علينا التعايش من جديد مع رجالات من النظام السابق وبدأت محاولات الانقلاب لملكية أو خطف الطائفة من جديد عبر بطون رجال الدين ورجال الاستخبارات السابقة أو المستقبلية أو رجال المال، هل سيشرع القانون لي استخدام خناجر الخاصرة بيدي أم أن البقاء سيبقى للأقوى والأكثر دناءة؟
كعلويين، ما هي صيغة القانون لمحاسبة أي سلطة الذي سيضمن لي حياة وليست فخاً، كما فعل السياسيون في لبنان بالشباب اللبناني من سرقة مقدراته ومستقبله وحقوقه (لا لاتفاق الطائف بصيغة سورية)؟
ما هي صيغة عقد الاجتماع الداخلي لدينا كعلويين لضمان الاختلاف بالعادات والتقاليد والحريات المتفاوتة، إذا استمرت التبعية للشيخ غزال كـتبعية دينية سياسية وامتدت لتصبح اجتماعية وأثرت بشكل كبير على الحريات الفردية مستقبلاً إذا لم يتم رسم له حدود صارمة لسيطرته؟
بعد انتهاء كل هذا الذي نمر به، ألسنا بحاجة لمراجعة تفصيلية للماضي الذي مررنا به، لنزع القدسية عن بعض رموزنا السابقة إن كانت سياسية أو اجتماعية أو حتى دينية؟ ألسنا بحاجة لخطاب جمعي جديد يتم الاتفاق حوله لوضع استراتيجية لعدم تكرار ما حصل؟
ما هي المناهج المدرسية التي سنسمح لأطفالنا بدراستها إذا كان هنالك أشياء لا تتوافق مع تاريخنا المتفق عليه ومع عاداتنا المشتركة؟ وما هي قصص ما قبل النوم التي سنخبر أطفالنا عليها بعد أن تم توثيق على الإنترنت كل الفجور الاجتماعي من قبل بعضنا كطائفة ومن قبل بعض الآخرين من بقية الطوائف؟ وما هو الوسط الاجتماعي والنفسي الذي سينمو أطفالنا عليه كتاريخ مشترك إذا حصل هذا؟
الأيتام من أطفالنا والذين كانوا شاهدين كغيرهم من بقية المكونات على فجور ما حدث، ما هي الأجوبة التي تتناسب مع السياق التاريخي والديني وشكل الحكم الذي سأقدمه كي يستطيعوا تقبل شكل المستقبل الجديد؟
من سيكتب التاريخ؟ وهل سيكون هنالك أكثر من تاريخ؟
في الختام لا بد من إلحاح للتفكير في هذه الأسئلة المطروحة بين أيديكم ليست مجرد حبر على ورق،
بل هي كلفة التجاهل وثمن الخذلان الذي دفعناه وندفعه. لقد دفعنا ثمناً باهظاً جميعاً لأن بعضنا اعتقد بأن السياسة يمكن أن تُدار بعلاقات الحب والقربى أو الوفاء الأعمى،
وأن المصير يجب أن يصب في شخص وليس في مشروع مشترك. الآن، وفي هذا الوقت الحرج، لا يمكننا تحمل ترف الصمت أو الانشغال بالهامش.
إن ترك هذه الأسئلة معلّقة دون بحث عن ضمانات قانونية، اقتصادية، وسياسية وعسكرية واضحة، يعني ببساطة أننا نوقع على وثيقة التهميش القادمة بأيدينا.
المصير المشترك لم يعد كلمة عابرة، بل هو قرار جماعي يتشكل من إجاباتنا الفردية على هذه التساؤلات الوجودية.
فهل سنبدأ التفكير الآن، أم ننتظر الطائرة القادمة لتأخذ المذنبين وتتركنا ندفع ثمن جريمتهم من جديد؟
مصيرنا المشترك
#إيلي_شميس (هاشتاغ)
Elie_Chmeis#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟