خسارة اليسار في العراق من وجهة نظر اعادة الانتاج

رياض رمزي

الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 18:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

خسارة اليسار في الانتخابات. آراء من وجهة نظر اعادة الانتاج. رياض رمزي

لم يعلن يوم الانتخاب عن حضوره في مرابع حديقة حلم اليساريون أنهم سيزرعونها عطرا جديدا وسيستنشقونه من خلال شذا الرازقي ونشْر النخل لظله من فوق كمن يسعى لاحتكار الرائحة ومنعها من الذهاب نحو مرابع بعيدة خارج حديقة الوطن، ما حدث أن أنوف الغالبيةباتت عاجزة عن تقصي مواضعها في المسالك البعيدة وعن أسباب تشتتها.
مثل أرض تشققت وملأتها انخسافات أمام عين صانعها العلي القدير الذي لم يجد عليها حتى بشربة ماء، ما هو أسوأ أنها خجلة منه فلم تتلمس ما حسبته معجزة من كثرة معاصي كأنه يتربص بهم مسلطا عليهم حرب استنزاف، لا أحد ينظر نحو السماء لأن نجم حسن الطالع أمر وفق قرار إلهي بالغروب عن سماء لا يستحق من يستبشر بها ترقب حسن طالع. الخالق يشاهد شعارات مميزة هي صور ضخمة لملتحين كبهلوانات يضعون على أكتافهم عباءات سوداء مثل أصحاب المعالي الذين يعرفون عن ظهر قلب ما أسنده لهم الدين من قدرات.
وما انتحلوه لأنفسهم زورا من جدهم الغائب في السماء السابعة التي طار محلقا إليها من حفرة رملية صغيرة، رقعة تعهداته ،هو الغائب، لهم حينما كان نائما فيها، راحت تزداد اتساعا، هذا البهلوان صاحب الأرض والزمان يعرف كيف يصمت وتنقطع حبال صوته حين يسأل عما يحدث ومتى تغدو الوعود والأماني حظها من الحدوث قريب.
الجماهير صمتت صمتا يقدر الأعداء قيمته الحقيقة و الأرض تصرخ بسكنتها الذين يطالبون بعمل شيئ لتلك الأرض، والسيد يقول" أنا مشغول بتدبر أمرها مع صاحب العصر والزمان بدء من قم حتى النجف"....لا تتسائلوا ما الذي حدث ولماذا جار الزمان على أرضكم. لا أحد يصرخ لا تستمعوا لترهات تسكن عقولا لن يسمعها حتى من سيزداد تحكما فيكم. لا تدعو الجهل والحيوانات تحرز نقاطا عليكم، وعلى فقراء مساكين. علينا أن نصرخ بوجه الماشية: أفسحوا يا بقر لنا الطريق كي نستشعر بغيابكم نوعا من الراحة بعيدا عن جلبة خواركم. لا يمكن أن ترفعوا أصواتكم مثل نعيب غربان على بلابل تغرد. شعب مثل بركان خامد نسي أحقاده منذ زمن طويل كأنه تخلى عن شغفه القديم في الهيجان لأن ضجيج البهلوانات أتعبه.
زمن لم يعد أحد يستخدم فيه فرضيات لأن جدواها محدودة بسبب زيادة نزوات التاريخ التي جعلت حتى المنجمين يضلون في تنبؤاتهم لأن تخميناتهم خالفت الواقع. لكن دعني أحاول برغم شهقات أمهات اليتامى واطلاقهم نحيبا كأنهمن تمرنن عليه.

***
ما هي نظرية أعادة الانتاج؟.

يقول ماركس أن تاريخ العالم هو تاريخ صراع الطبقات. جوهر التغيير هو التغير الذي تقوده الطبقات الاجتماعية في عملية إعادة الإنتاج، أي الصراع بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج: بين من يستغل ومن يُيستغل.. على الطبقة المسيطرة أن تتوسع على حساب طبقة أخرى، ومن هنا يحدث التغيير: بين من يتحكم بوسائل لالانتاج على حساب من هو محروم منها. فالأولون يقومون بتوزيع الناتج وفقا لمصالحهم. لكن قوى الأنتاج تقاوم ذلك التوزيع وفقا لوعيها وقدراتها ودرجة تنظيمها.من يسيطر سيدير عجلة التوزيع لصالحه بين تراكم واستهلاك وذلك يعتمد على درجة تطور المجتمع: قوة الفئات المسيطرة ومقاومة الشغيلة، أي قوى الانتاج . وفقا لمفهوم التراكم البدائي لرأس المال.
كيف حدث التراكم في المجتمعين الاشتراكي والرأسمالي؟. يعتمد ذلك على طبيعة العلاقات السائدة. لكي يتطور المجتمع لا بد عليه أن يزيد من حصة التراكم. في المجتمع الرأسمالي تم من خلال الثورة الصناعية.. مضافا إليها استغلال الشعوب الأخرى والسيطرة على أسواقها. وهي حالة أدت إلى حد بعيد من تسهيل النمو وتأجيل الصراع بسبب الفيض والفرات من استغلال الدول الأخرى... ما هو الوضع في الاتحاد السوفيتي عقب ثورة أكتوبر عام 1917 في طل غياب مصادر خارجية وحروب التدخل ضد النظام الوليد الذي لم تكن لديه مصادر خارجية ناهيك عن تدمير قوى الأتناج نتيجة الحصار والحروب؟. طرح الاقتصادي الروسي الشهير بريئبريجينسكي نظرية التراكم البدائي الاشتراكي لرأس المال. تتلخص النظرية في غياب مصادر خارجية لتمويل التراكم. طرح فكرة استغلال الفلاحين وتخفيض رصيد الاستهلاك. أي التضحية بطبقة معينة وافقار المجتمع لمصلحة زيادة التراكيم وتوجيهه نحو الاستثمار لغرض تحقيق وفرة اقتصادة تتجه نحو بناء قاعدة مادية للمجتمع تبعا لندرة الفائض. هكذا كان على الجمهور والفلاحين دفع الثمن. ما سهل وأوجب عملية العنف في سحب الفائض البضاعي. أدرك ستالين أنه لا يوجد طريق ملكي لبناء القاعدة المادية عدا الاستغلال وما رافقه من عنف وغياب أي شكل من الاحتجاج. لم يكن أمام الدولة غير التطوير السريع لقوى الانتاج.
ما هو شكل التطور في العراق إن وجد؟. ماهي أوليات النظام الجديد بعد سقوط النظام السابق عقب وصول القوى الدينية للسلطة؟. لم يكن أمامها غير أربعة خيارات حتمية : استغلال موارد الدولة( البترول) بطريقة بربرية وخلق فئات زبائنية وتأسيس أذرعة مسلحة، وأخير البحث هن ظهير خارجي يدافع عن النظام. كل ذلك نتيجة غياب قطاعات انتاجية رائدة كانت محطمة بسبب النظام السابق وهلاك القوى المنتجة نتيجة الحروب . ما يعني غياب أية قوة قادرة على إدارة الصراع. ترافق ذلك مع تحكم كامل للسلطات الجديدة بسبب تدني الوعي الذي ساعد على هبة دينية وطقوسية وتشظية المجتمع. أنها ملامح المجتمع الجديد: غياب طبقات أو فئات رائدة لجأت إلى رؤى دينية توجل قدوم شرور تنتظر للانعتاق. وهو ما أزال كليا مفهوم ماركس أنه لكي يتطور المجتمع لا بدمن نهوض قواه المنتجة في ظل سيطرة قوى تقوم بسرقة الفائض وتوزيعه عن طريق نهبه وما هو أسوأ جعل الجشع وعدم العدالة أساس سير المجتمع. ما يعني زيادة الاستغلال والاعتماد على الحليف الخارجي مترافقا مع زيادة الوعي الديني الكاذب، ما يعني زيادة التوجه نحو الحلول السحرية وهي فرصة إضافية لزيادة الطقوس وجعل الغالبية تنظر إلى الدين وقادته لكشف الطالع. ما يعني أن الجمهور سيشيخ قبل الأوان وهذا ما يصب في مصلحة الحاكمين. ما هو أسوأ أن لا أحد لديه القدرة على التحليل. ما يعني أن الجمهور سيسقط في حالة من العدمية. هنا تتدخل الطقوس مرة أخرى والبكاء الذي سيرسخ فكرة الهروب لمن فاض به الكيل وعليه العودة إلى الدين حيث لا يعرف الفرد أين يقع مركز وجوده، ناهيك أن من يقود لا يترفق بحال رعيته لأنه أقصاهم حتى فضيلة تعاطفه معهم، فهو أول من سيمنع عليه العودة. " آه يا أمة..." كما قال المتنبي.
من بقدرته كسر هذه الحلقة؟ في مجتمع لا توجد لدى البائسين القدرة على المجابهة. ليس غير ذلك الذي رقد في حفرة رملية وغاب غيبته الصغرى ليس في مقدور أحد غير انتظار عودته الكبرى... يعني هذا غلق التفكير لحين مجيئ اليوم الموعود.
أعترف أنها جروح ليس بوسع أي نطاسي بارع أن يعيد لئمها. الحل هو طوباوي بامتياز أن ننتظر انتهاء الغيبة الصغرى وعزوف أوان الغيبة الكبرى. لكنه وعيٌ سينتقل بالوراثة.

#رياض_رمزي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل