صوت هند رجب رياض رمزي

رياض رمزي

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 19:15
المحور: الادب والفن
    

الأرض في غزة تتكلم عربي. رياض رمزي

"مدفعٌ على يمينهم/ مدفعٌ على يسارهم/ مدفعٌ في وجوههم/ تزبد وترعد/ فيهم قذائفٌ ورصاص/ ببسالة وإقدام كانوا يجرون/ نحو فكي الموت/ نحو فم الجحيم... العالم يراقبهم حيران مندهش..." . الفريد تينيسون. قصيدة "هجوم فرقة الخيّالة".
من تحت أديمها سمعتْ ابنة تونس كوثر بن هنية صوت طفلة اسمها هند رجب وقررت أن تدير سهم عجلة مواهبها على الصوت الذي راح يندفع من تحت التراب. حولت العزيزة كوثر الصوت إلى أغنية طرقت ذاكرة مستمعين ومشاهدين في أنحاء العالم، تابعوا تصفيقا متواصلا أشد من أصوات مخازن جنود إسرائيل من وجهوا رصاصهم مثل طعم مسموم مزق قلب سمكة صغيرة أججت غضب ابنة تونس التي نهضت تدافع بفلم ناري كأنها استعدت منذ زمن لإطلاق نداء استنجاد على شكل صور تشبه أغنية أحدثت تأثيرا في العالم مثل ديْن يتطلب سداده على الإسرائيليين زمنا طويلا لأنه صوت أيما إذن لم تسمعه من قبل. شاهد الجنود آلاف الأطفال أمامهم وقالوا" لمعالجة تزايد القطط لا بد من قتلها بدلا من أن ندعها تتضاجع وتتناسل، دعها تستريح في الأرض لنتعافى من حبها المريض لبلادها ".
عندما كانت هند تستقل عربة قفزت هرة سوداء هاربة تعبر الشارع. لم تعرف هند الفأل بل تابعت النظر مثل عصفور دوري لا يعلم أن هناك من يحمل نقفة يصيد بها عصافير بلدها وهي تتقافز على طريق مدكوكة بأرجل أجدادها كآثار لا تحمل شكا أنها أرض أهلها، ولم يكن واردا في حسبانها أن صيادي العصافير حين أحكموا قبضاتهم على الزرع، الأرض والطريق أوصلوا العصفورة إلى نهاية مطاف حياتها. بقي الغريب يصيد والعصافير تموت وتتكلم من تحت الأرض بلغة عربية لهجتها فلسطينية. قال الجنود حظينا بأفضل صفقة عند تقسيم الأدوار : نحن الأحياء وهم الموتى. حينها قال الفلسطيني، الموت أمره معقد دعوه لنا نحن فقط من نفهمه.

الموت لدى الفلسطيني.
الفلسطيني يقول الموت وعدٌ. كما مات القائد السنوار شهيدا أمام جنوده كل واحد منهم يرجو موتا يفوق بجلاله موت قائده مثل ابن بِكْر يسعى لموت لا يخذل به آمال والديه. موت أب يستدرج أبنه فهو يخشى أن تخبو شمعة لتزداد توهجا فلا يعود يعني الولد شيئا غير دوام اشتعالها مثل ريح تثير ارتعاشة أضواء فوانيس الشوارع لا تنفك تنير السبيل كي لا تزايل الرغبة من أفسده غياب الضوء فلم يعد يرى الطريق أو من ازداد تخبطا في السير فظل سائرا في التيه مخيّبا رجاء أهليه. يتحول موت القائد والرفاق إلى نار داخلية تحرق الأبن والاخ والقريب كصوارف قدر بما تشعه فيهم من نار تعفيهم عن أي قصور في الرؤية. موت الصديق والرفيق أو القائد تمنح الفلسطيني توهجا كما حريق في مخزن تبن. هذا ما نطلق عليه التماهي مع الخلود: خلق تأثير يمنع الشهداء الجدد من النسيان، كأن الموت لحظة إلهام تخلق انجازا فنيا أكثر منه موتا، يشعرنا بسحر كسحر فنان أنجز لوحته في الدنيا لوحة ستظل تفتح مدارك أحياءـ سحرٌ يزيل السبات الروحي، يمنع حتى المواليد الجدد من السير عاقدين أيديهم خلف ظهورهم. كذا هو جمال الشهادة ليس بالإيمان بل بالقدوة كأن الموت وفاء للآباء والأسلاف ومن يرث منهم الشهيد الجديد تذكارا، استشهادا سيكون له وقع مدو يتخذ شكل لوحة فنية كما يحيى السنوار المصاب المجروح الذي استجمع قوته ليهزم مسيرة تحوم حول رأسه بعصا كشفت عن صورة تشبه ميتا يتقدم نحو قبره وهو يعلق حلية ذهبية تتدلى على فؤاده. ميت ولكنه ينجز مأثرة عظيمة. من العبث أن نتصوره دون أن نراه بكثافة موته البهيج التي ستجعله يشارك أبطال الدنيا أين حجزوا لأنفسهم مكانا في كتب الأساطير المقدسة. هذه هي مشكلة الإسرائيلي أنه غير قادر على منع الأحياء من التورط حين يشاهدون صورة تدعو لافتتان مستعجل بموت من يسارع لالتهام آخر كسرات خبزه في دنيا، كلحظات نهائية ستظل ماثلة في دنيا الأحياء تجذب جيشا من مغاوير يتلقون من موته ايعازا بالسير لا أحد مهم يسعى لترك مسافة عنه كي يظلوا على نفس الثقة لرؤية تسلّيهم متوقعين حدوث موت مماثل لهم. هذا الموت ليس شجاعة ولاعنادا، بل حلم بشخص اختاره لهم عقلهم فوقعوا تحت سلطة صورته عليهم. صورة موت الشهيد أبلغ من مبادئه. لطالما دفع الشهداء حياتهم ثمنا لصورة موت شهيدهم الأول. أنها حالة سحرية متى ما شعرت روحك بالتخاذل ابدأ بمشاهدة الموت الأول. في أعظم انتحار جماعي اختار أربعة آلاف من التوابين زيارة قبر الحسين ليتمثلوا صورة موته التي جعلت قلوبهم التي تخلفت عن نصرته أشبه ببراعم أخلفت موعدها في الإزهار لكنها بدأت تتنفس فراحوا يتصرفون كثوار غمرت كيانهم صورة السبط وصوته وهو يجابه جيش ابن سعد صارخا بهم " هيهات منا الذلة" صورة قرضت كيانهم بعد أن باشر الصوت وليمته في رجولتهم. كان موتا ثم استشهادا لأن الصورة والصوت منحاهم نوعا من ارتياح.

#رياض_رمزي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل