أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إكرام فكري - بطلة خارقة ببدلة رخيصة: ثمن التحرر من دور المنقذة














المزيد.....

بطلة خارقة ببدلة رخيصة: ثمن التحرر من دور المنقذة


إكرام فكري

الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 09:36
المحور: كتابات ساخرة
    


هناك دائمًا تلك اللحظة الساخرة والمؤلمة، حين تدركين أن كل البطولات الوهمية التي نصبتِ نفسك فيها منقذة كانت موجّهة لأشخاص لم يرغبوا أصلًا في إنقاذ أنفسهم. لحظة يقظة مضحكة، لكنها تترك مرارة في الحلق؛ حين تدركين أن كل حروبك خيضت في الاتجاه الخطأ، وأن جيشك لم يتكوّن إلا منك وحدك … رسمتِ لنفسك صورة بطلة خارقة، لكن ببدلة رخيصة، مهمتها جمع النقود من أي مصدر متاح لتقديمها لشخص لا يتقن إلا فن الادخار: ادخار المال، وادخار المزيد من الخوف والكبت في أعماق قلبك.

مع مرور السنوات، اكتسبتِ خبرة احترافية في إرضاء الجميع ما عدا نفسك. كنتِ تحاولين كل يوم أن تجعل الآخرين سعداء: تبتسمين رغم التعب، تساعدين، توافقين على طلباتهم. وبعد وقت، تدركين أنكِ فارغة، مشاعرك مختبئة، وحياتك الشخصية مهملة. رغم محاطتك بالناس، تشعرين بالوحدة والفراغ، لأن كل طاقتك صُرفت للآخرين ولم تمنحي نفسك فرصة لملء كوبك الداخلي.

تخيلي كوبًا: كل مرة تصبين فيه ماءً من وقتك، طاقتك، مشاعرك. في النهاية، يصبح كوبك فارغًا تمامًا. حتى وسط الناس، تشعرين بالعطش الداخلي، بالوحدة، بالفراغ، لأنك لم تملئي كوبك لنفسك أبدًا. كنت تقدّمين قلبك وروحك بسخاء مبالغ فيه، ليس لأنك غنية بالاحتواء، بل لأنك كنت تبحثين عن اعتراف واحد يقول: “وجودك ليس خطأ”. يا للسخرية، أن تعطي كل شيء لتحصلي على أقل القليل، أقل بكثير مما تستحقين.

إنه نوع من الكذب اللطيف الذي يظن الإنسان أنه لا يضر أحدًا، لكنه يستنزفك أنت.

ثم تأتي اللحظة الأكثر سخرية ووقاحة: اللحظة التي تقررين فيها أخيرًا وضع حدودك الخاصة. أن تقولي “لا”، وكأنك ترتكبين خطيئة أخلاقية لا تُغتفر. الخوف من زعل الآخرين يسيطر عليك، رغم أن الآخرين لم يخشوا يومًا كسرك أو إيذائك. ترتجفين وأنت تمنعين أحدهم لأنك اعتدت على هذا العبور سنوات حتى أصبح “طبيعيًا”.

داخلك غرفة فارغة، كبيرة جدًا، لم تسمحي لنفسك بالدخول إليها أبدًا. طوال حياتك، كنت تحاولين ملء الغرفة بالأشخاص أو الأشياء أو القبول الخارجي لتشعري بالأمان، أي شيء، حتى لو لم يكن مناسبًا، فقط لتشغلي الفراغ. الآن، عندما تتوقفين عن الهروب وتجلسين وحدك في هذه الغرفة، تكتشفين شيئًا غريبًا: الغرفة آمنة، وهي ملكك بالكامل. يمكنك تنظيمها كما تشائين، إضافة ما تريدين، أو تركها فارغة. هذا الفراغ هو المكان الوحيد الذي يمكنك أن تتنفسي فيه بصدق، بعيدًا عن توقعات الآخرين، بعيدًا عن الحاجة لإرضاء أي شخص.

لكن لا بأس. أنت الآن في مرحلة إعادة بناء نفسك، مرحلة إعلان نهاية العرض. تضحكين من سخافة الماضي، وتذرفين الدموع في ذات اللحظة لأن الجرح مازال غضًا ودافئًا. مرحلة تفهمين فيها أن الفراغ الذي كنت تهربين منه طويلاً هو المكان الوحيد والآمن الذي يمكن أن يولد فيه السلام الداخلي الحقيقي.

قد لا تملكين سيارة فارهة، ولا أرضًا، ولا مدخرات ضخمة، لكنك تملكين شيئًا أثمن بكثير: الحقيقة. وحقيقتك، مهما كانت حزينة، أفضل من كل الأدوار المفروضة التي ارتديتها. تذكري: الحزن لا يقتلك، الإرضاء هو الذي يفعل. والوحدة لا تدمر، الأشخاص الخطأ هم من يفعلون.

في النهاية، لم تعد أمنيتك البحث عن “نهاية سعيدة”، بل عن “بداية نظيفة”. عن قلب يستطيع أخيرًا أن يتنفس دون أن يُثقله الشعور بالذنب. عن مستقبل لا يطلب منك أن تكوني منقذة للجميع، بل فقط أن تكوني حرة.

وهذا، رغم كل شيء… يكفي تمامًا.



#إكرام_فكري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واجهات مترفة وأموال قذرة: التلاعب النفسي والاجتماعي لغسيل ال ...
- بين بريق الشاشة وواقع القاع: قصة جيل ضائع
- بين الهويتين
- خبر عاجل
- إعادة لحظة البداية
- المرأة بين الحرية و الاستغلال
- المرأة بين الاستغلال التسويقي وتفكك الأسرة: وهم التحرر أم فخ ...
- عندما تذبل اللذة وتبقى الحقيقة
- حين تذبل اللذة وتبقى الحقيقة
- الماضي الذي لا يتركني
- هواتفي
- الغرائز الطبيعية: ممارستها بانسانية
- الإرث الاستعماري: بين مظاهر التحضر والاستغلال الطبقي
- تحسين النسل بين الماضي والحاضر: من سياسات الاستعمار إلى التع ...
- عندما يصبح الاختيار رحلة لفهم الذات
- العرب والدين: بين النزعة الفردية و وحدة الأمة
- العرب والدين: بين النزعة الفردية و وحدة الأمة
- القوة الموازية في الفرد و المجتمع
- المجهول : الرحلة بين الحياة و الموت
- المجهول: الرحلة ما بين الحياة و الموت


المزيد.....




- لجنة مصر للأفلام: هل تضع التسهيلات الجديدة مصر على خريطة الس ...
- مهرجان الدوحة السينمائي ينطلق بتكريم جمال سليمان ورسائل هند ...
- 200 شخصية سينمائية أجنبية تحضر فعاليات مهرجان فجر الدولي
- كتابة الذات وشعرية النثر في تجربة أمجد ناصر
- الكلمة بين الإنسان والآلة
- الفنان الأمريكي الراحل تشادويك بوسمان ينال نجمة على ممشى الم ...
- مصر.. الأفلام الفائزة بجوائز مهرجان -القاهرة السينمائي- الـ4 ...
- فولتير: الفيلسوف الساخر الذي فضح الاستبداد
- دموع هند رجب تُضيء مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ46
- توقيع الكتاب تسوّل فاضح!


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إكرام فكري - بطلة خارقة ببدلة رخيصة: ثمن التحرر من دور المنقذة