عبداللطيف النكادي
كاتب وباحث
(Abdellatif Ngadi)
الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 03:16
المحور:
حقوق الانسان
بقلم عبد اللطيف النكادي
تحتفل الأمم المتحدة في20 نوفمبر من كل عام بالذكرى السنوية لإقرار إعلان حقوق الطفل في عام 1959 واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989 بهدف تعزيز التفاهم بين الأطفال والعمل من أجل رفاههم على نطاق عالمي. فأي احتفال وأطفال الكيان يلقنون أفكارا عن سمو عرقهم وعلى الكراهية لباقي أطفال العالم؟ أي احتفال والكيان يزج بأطفال أبرياء في منع وصول المساعدات الإنسانية لأطفال غزة؟ بل ويفتخرون بانتهاكات الجنود لحقوق الأطفال الفلسطينيين وبقتلهم بأبشع الطرق، كما حصل للشهيدة هند رجب وهي تستنجد وللطفل أمير الذي قطع 12 كيلومترا بحثا عن الطعام وقبل يد جندي بعدما تسلم كيس دقيق فما كان من الجندي المجرم الا أن تلذذ برميه بالرصاص ولا زال يتمتع بالإفلات من العقاب!
يقتلون القتيل ويمشون في جنازته هو القول الفصل في السياسة الخارجية وحقوق الانسان التي تتبناها الدول الغربية الاستعمارية. لكن حبل دعايتهم المضللة وقوة سلطتهم الناعمة كسرتهما جماهيرهم الشريفة المتحررة التي هبت لنصرة أهل غزة.
قبل أن نبدأ الحديث عن أطفال غزة نشير الى أننا سنترك شهادات واحصائيات المصادر الفلسطينية رغم أنها أقرب الى الحقيقة، لنعتمد " وشهد شاهد من أهلها" فهي جد كافية لإدانة المعتدين.
تاريخ مظلم لم تنره المصابيح
منذ ظهور الرأسمالية في أوروبا، سجلت تاريخا حافلا بالجرائم والحقد والعنصرية لم تنل منها النجاحات المادية ولا العلمية لارتباطها الوثيق بالربح المادي والتراكم الرأسمالي. وكان أول من ذاقوا ذبح الكرامة الإنسانية هم بنو جلدتها من العمال والفلاحين والمشردين المعطلين. ثم رصع هذا المسار التاريخي بكل الجرائم ضد الإنسانية من الاستعباد والاستعمار الاستيطاني وتدمير الطبيعة الى الحروب ليس فقط ضد شعوب المستعمرات ولكن فيما بين دول الإمبريالية الغربية نفسها. وبعد الحرب العالمية الثانية ظلت كل بقعة مغرية بخيراتها أو دولة ضعيفة في بنيتها العسكرية مجالا لإشعال الحروب الإقليمية أو الأهلية لتمكين القوى المهيمنة من التربح والسيطرة مستعملة التدخلات والانقلابات العسكرية.
انها سياسة اللامبالاة والافلات التام من العقاب وما تنتجه من الجرائم
لنعرج مؤقتا على السودان وأحدث تصريح لمساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر لوكالة فرانس برس. فقد صرح أول أمس عن حقيقتين هما مفتاح الشيفرة. قال: إن الفظاعات التي ارتُكبت في منطقة الفاشر بإقليم دارفور في غرب السودان قوبلت بـ ”لامبالاة” ونُفذت “في ظل شعور بالإفلات التام من العقاب.
لكن عالم اليوم وشبيبته لا يمكن خداعهما كما في السابق. فلطالما تم تبرير انتهاكات حقوق الانسان بالجهل (بالحقوق أو بالأخبار)، لكن الاعلام المسموع والمرئي المؤسسي والمواطن يزودنا بأخبار الانتهاكات وجرائم الإبادة يوميا. فالكل عاش وعايش آليات الإبادة الصهيونية ومشاركة الغرب كل الغرب وحلفاؤه من الدكتاتوريات، في مساعدة الكيان الصهيوني على الاستمرار في الإبادة ضد العزل الآمنين من أطفال ونساء وشيوخ ومرضى في المستشفيات وتلاميذ في المدارس وأسرى في السجون. كما حاصروا محور المقاومة لتسهيل ذبحها بينما، القانون الدولي يعترف بحق المحتل في مقاومة المحتلين كما اعترف منذ 10 نونبر 1975 بأن الصهيونية نوع من أنواع العنصرية.
ثانيا يتنامى الوعي بتوافق الجغرافيا السياسية لحقوق الإنسان بشكل شبه تام مع تركيبة أكثر مناطق العالم اضطرابًا. كما أن مختلف مؤشرات المنظمات الدولة والأهلية ومراكز التفكير تؤكد على خريطة واحدة وجدول واحد يقسمان العالم الى قسمين حيث يعز الانسان وحيث يهان. انه أطلس حقوق الانسان الذي رسمته الدول العظمى وترعاه. والأطلس هذا يشير الى أماكن الهروب من الانتهاكات لحقوق الانسان وأماكن الأمن والاحترام. فضمن أكثر من 14 مليون لاجئ لا تجد الا المنتمين لبلدان الجنوب أو المناطق المعتدى عليها اما مباشرة من طرف الامبريالية ووكلائها واما نتيجة للحروب الأهلية.
ومنطقيا نجد أن مصائب أطفال غزة نتيجة غير مستغربة في عالم الاعتداءات الأمريكية الغربية وفي منطقة رهانات جيواستراتيجية وجيوسياسية كبرى. فهي تعج بالخيرات والمقاومات وبها دول غنية ضعيفة لا يمكنها الا الخضوع ومجاراة طغاة العصر. فلا بد أن تزرع فيها قاعدة عسكرية كإسرائيل لتشكل سيف ديموقليس. لذلك رأينا الابتزاز والتهديد البلطجي وبهدلة السيادة الوطنية لمن يعد صديقا من جهة، والتصريح العلني بإبادة شعب وتهجيره لإنشاء "ريفييرا" للمستثمرين العقاريين الأمريكان!
ولطالما أنبأنا تاريخ الكيان الصهيوني باستهداف الأطفال حيث يشكلون محورا أساسيا لخطط الاستيطان الصهيوني بفلسطين. فهذه جمعية بتسليم الحقوقية الاسرائيلية تؤكد أنه ومنذ مذبحة الخليل عام ١٩٢٩ ومذبحة دير ياسين عام ١٩٤٨، اللتين أسفرتا عن مقتل أطفال وتسببتا في التهجير. كما ازداد تعرض الشباب للأعمال العدائية بشكل ملحوظ خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، إثر قيامهم بحقهم في الاحتجاج. والعالم كله يعرف أن الاحتجاج على سياسات احتلال ما، هو فعل مشروع لأنه كاحتلال فهو مسؤول وله واجبات أممية اتجاه السكان. وعدد الادانات التي وجهتها الأمم المتحدة للكيان الصهيوني في هذا الصدد عديدة لم يصل أي بلد في العالم الى ربعها.
أما الولايات المتحدة فلها نصيب وافر من الانتهاكات. فالبشرية جمعاء كرست حقوق الطفل في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام ١٩٨٩، وهي معاهدة حقوق الإنسان الأكثر تصديقًا في العالم. لكن دولة واحدة فقط لم تُصدِّق على الاتفاقية من بين ١٩٧ دولة عضو في الأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة.
وتشمل حقوق الأطفال، الحق في:
• التعبير عن أنفسهم وفي أن يُسمع صوتهم؛ ومشاركة آرائهم،
• في المساواة، وعدم التمييز؛
• في الصحة، والتعليم، وبيئة صحية،
• في الحياة والبقاء والنمو؛ و العيش في مكان آمن ، والحماية من الأذى.
• احترام مصالح الطفل الفضلى.
فماذا فعل الكيان الصهيوني لهذه الحقوق ومن في الغرب قام باللازم ضده غير الشباب وأحرار العالم من الشرفاء والمتنورين وبعض الدول القليلة؟
لنبدأ بالأمم المتحدة حيث انها في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2025، نشرت تقريرًا باللغة الإنجليزية بعنوان "إبادة جماعية في غزة: جريمة جماعية" للمقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 (A/80/492).
وجاء فيه أن الإبادة الجماعية: "يدعمها تواطؤ دول خارجية مؤثرة، لطالما مكّنت إسرائيل من انتهاك القانون الدولي بشكل منهجي. وقد سهّل الدعم المباشر والمعونة المادية والحماية الدبلوماسية، وفي بعض الحالات، المشاركة الفعالة لدول خارجية، هذه الفظاعة المبثوثة مباشرةً، والتي أُحيطت بخطاب استعماري يُجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم. وقد كشفت عن فجوة غير مسبوقة بين الشعوب وحكوماتها، وخانت الثقة التي يُبنى عليها السلام والأمن العالميان.
وبالأرقام تشير منظمة هيومان ريتش أن الأمم المتحدة صرحت: «سُجِّل أعلى عدد من الانتهاكات المُوثَّقة عام 2024 في فلسطين، (...) والبالغ 8,554. وقد جوَّعت السلطات الإسرائيلية آلاف الأطفال الفلسطينيين في غزة، وقتلتهم، وتسببت لهم بإصابات دائمة، وهي مسؤولة عن أفعال مستمرة تتمثل في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وأفعال الإبادة الجماعية.
الهجمات الإسرائيلية على المدارس والمواقع الدينية والثقافية في غزة
أعلنت الأمم المتحدة في بلاغ بتاريخ 10 يونيو2025: أن إسرائيل "دمرت نظام التعليم في غزة ودمرت أكثر من نصف المواقع الدينية والثقافية في قطاع غزة، كجزء من هجوم واسع النطاق لا هوادة فيه على الشعب الفلسطيني ارتكبت خلاله القوات الإسرائيلية جرائم حرب وجريمة ضد الإنسانية تتمثل في الإبادة." وهكذا فان: "أكثر من 658 ألف طفل في غزة لم يذهبوا إلى المدارس منذ 20 شهرًا."
وتتحدث كثير من الأوساط عن ابادة الذاكرة " memoricide" وهي سياسة ممنهجة ضد التراث الفلسطيني، وتمس بهوية الأطفال والأجيال القادمة. وقد نهبت إسرائيل طوال الحرب على غزة نحو 20 ألف قطعة أثرية نادرة من “قصر الباشا” قبل أن تدمره.
الأرقام كثيرة ولا شك أن بلاغ الأمم المتحدة ليوم 20-11-2025 سيحمل أرقاما جديدة لكن تبقى المقاربة النوعية كقصص المعاناة والصور والفيديوهات أكبر ادانة للإجرام ضد الانسانية. فلن يطال النسيان أبدا صور وفيديو اغتيال الطفل محمد الدرة. ستبقى مثالا حيا على همجية الكيان ضد طفل أعزل بين يدي والده. كما شكلت جريمة اغتيال الطفلة هند رجب ذات الست سنوات إيقاظا قويا للضمير العالمي وتعبئة غير مسبوقة وهذا ما يفسر جرائم الكيان ضد حماة حقوق الانسان والشهود والصحافيين.
في الختام شكرا لك أيها القانون الدولي على كلامك وعلى الرصد والتنديد. ولكن لطالما عجزت على انفاذ قوانينك وتوصياتك ومعاهداتك. شخصيا أقول لست صديقنا، لست صديق الشعوب المستضعفة المقموعة.
وقد جاءت حكم في أدبيات البشرية منذ آلاف السنين. (أترك مقولات الأمم المستضعفة اليوم وحضاراتها) وأذكر بمقولة من اليونان التي يعتبرها الغرب أصل حضارته. أذكر بقول أنتجون ابنة أوديب:
من يحبني بالكلام فقط ليس صديقي. أنتيجون
#عبداللطيف_النكادي (هاشتاغ)
Abdellatif_Ngadi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟