أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صفوان قسام - التطعيم الديمغرافي: أداة مدمرة في يد الساسة - سوريا نموذجا















المزيد.....

التطعيم الديمغرافي: أداة مدمرة في يد الساسة - سوريا نموذجا


صفوان قسام
اختصاصي وباحث في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي

(Safwan Qassam)


الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 13:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يُعدُّ التغير الاجتماعي ظاهرة طبيعية تمر بها المجتمعات عبر الزمن، ولكن عندما يصبح هذا التغير ممنهجًا من قبل الحكومات، يتحول إلى أداة سياسية تهدف إلى إعادة تشكيل التركيبة السكانية بما يخدم أهدافًا معينة. تلجأ بعض الأنظمة إلى استخدام التغيير الديمغرافي كوسيلة للهيمنة السياسية، وهو ما سيتم تمييزه في سياق هذه المادة عن "التطعيم الديمغرافي"؛ حيث تتجلى هذه الظاهرة في دول عدة، إلا أن التجربة السورية تُعدُّ واحدة من أبرز الأمثلة الحديثة.
التطعيم في معناه الطبيعي هو عملية إدخال عنصر جديد إلى بيئة معينة، مما يؤدي إلى تكيف متبادل بين العنصر والبيئة. وطبيًا، يشير إلى إدخال مستضدات إلى الجسم لتحفيز المناعة ضد مرض معين، ما يساعد على الحماية من الأمراض.
والديمغرافيا هي علم دراسة السكان من حيث الحجم، التوزيع المكاني، نسبة الأعمار والجنسبين السكان، ومعدل النمو السكاني، والعوامل المؤثرة فيه. والتغيير الديمغرافي، فيشير إلى التحولات التي تطرأ على الهيكل السكاني نتيجة عوامل طبيعية مثل المواليد والوفيات، أو غير طبيعية كالهجرة القسرية والحروب.
أما التطعيم الديمغرافي كمفهوم سياسي فهو استنادا إلى المفاهيم السابقة واشتقاقا منها واستمكالا لها، يمكن تعريفه بأنه "إدخال مجموعات سكانية أو عوامل ثقافية جديدة إلى مجتمع معين بوسائل طبيعية أو قسرية، بهدف إحداث تغييرات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو عرقية تخدم أجندات الحكومات أو القوى المسيطرة، دون المساس ببنية ذلك المجتمع بشكل فوري إنما متدرج مع الزمن". وهي تشبه الهندسة الاجتماعية التي تعني التدخل المتعمد في بنية المجتمعات لإعادة تشكيلها أو توجيهها وفق سياسات محددة؛ وتتم هذ الهندسة بوسائل مختلفة، منها الوسائل الإعلامية، والاقتصادية؛ أما التطعيم هنا يختلف عن الهندسة بأنه يعمل كما هو التطعيم الطبي أو الزراعي في المجتمع بحيث ننشأ نسقا داخل المجتمع يحمل خصائصا محددة ويحدد توجه المجتمع ويندمج به دون أن يغير في خصائصه العامة، كما هو الحال مع تطعيم فايروس معين، فنحن نُكسب الجسم مناعة ضده دون أن نغير في الجسم، بينما الهندسة الاجتماعية كالتغيير الديمغرافي تكون أكثر راديكالية في مداخلاتها، وقد تغيير في كل المجتمع أيضا، كأن نبدأ بتحريض مجتمع وبث الأفكار التكفيرية فيه فنحوله إلى مجتمع تكفيري متطرف.
للتطعيم الديمغرافي أشكال منها التطعيم الطبيعي: ويحدث نتيجة التغيرات الطبيعية مثل الهجرات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية. والتطعيم الصناعي: وينجم عن النزاعات المسلحة والحروب التي تؤدي إلى تهجير السكان أو استقدام عناصر جديدة. والتطعيم المقصود سياسيا: ويتمثل في سياسات متعمدة تهدف إلى ادخال تغيير معين محدود في التكوين العرقي، الثقافي، أو الطائفي لمناطق معينة.
وله نوعان منه الإيجابي، ومنه السلبي؛ فالإيجابي كأن تدخل جماعة إلى مجتمع ما لتحسين بنيته وتطويره، وتوليد جيل جديد أكثر ذكاء مثلا أو أقل عنفا؛ أو إنشاء سياقات وأجهزة اجتماعية تتصدى للجماعات السلبية أو أفكارها وسلوكياتها مثلا؛ وسلبي، يكون بإدخال جماعات تختلف مع المجتمع وتسعى للسيطرة عليه مستقبلا مثلا.
من بين التجارب العالمية في التطعيم الديمغرافي، فلسطين: حيث تم توطين مجموعات سكانية جديدة وإحداث تغييرات جذرية في التركيبة الديمغرافية. والبوسنة والهرسك خلال حرب التسعينيات، تم تهجير السكان قسرا بهدف التغيير العرقي. والصين والتبت، حيث استقدمت الحكومة الصينية سكانا من الهان إلى التبت لتغيير هويتها الثقافية والديمغرافية.
وتبقى التجربة السورية نموذجا حيّا على التطعيم الديمغرافي، فقد عانت سوريا خلال العقدين الأخيرين من سياسة ممنهجة تهدف إلى إعادة تشكيل بنيتها السكانية؛ ومن أبرز المظاهر التي تم توثيقها: التهجير القسري للسكان؛ خاصة من المناطق التي كانت معارضة للنظام السابق، وإعادة توطين مجموعات سكانية موالية له في مناطق حساسة أمنيا، سواء من الداخل أو من الخارج، ومنح الجنسية لمجموعات محددة، ما أدى إلى تغيير التركيبة الطائفية والعرقية لبعض المناطق.
وهذا قد حصل في القرن الماضي أيضا في الكثير من المناطق ذات الغالبية الكوردية في الجزيرة السورية، حيث تم استقدام بعض السكان العرب إلى مناطق الأكراد وتوطينهم فيها، وتم ترحيل بعض الكورد عن مواطنهم وتوطينهم بين العرب، وكان الهدف من ذلك إحداث تغيير ديمغرافي في بعض المناطق ما قد يساهم في تفتيت المجتمع الكوردي هناك وإعادة تموضعه ودمجه، وفي نفس الوقت تم تجنيس مجموعات كوردية وابقاء مجموعات أخرى تحت بند الأجانب! وكل ما سبق يعتبر تغييرا ديمغرافيا، أما التطعيم الديمغرافي فهو أداة سياسية خطيرة تُستخدم لتغيير المجتمعات وفق مصالح القوى الحاكمة بشكل تدريجي وعلى المدى البعيد، فمثلا إدخال داعش إلى المجتمع السوري، لا يعتبر تغيرا ديمغرافيا، ولا هندسة اجتماعية، بل أخطر من ذلك، فهو يشملهما ويتجاوزهما إلى حالة التطعيم التي تبقى رواسبها في المجتمع لسنوات كالجمر تحت الرماد تنمو في الخفاء وربما تظهر ملامحها بين الفينة والأخرى، وبعدها تخرج إلى العلن وتبدأ بالبحث عن مساحتها، وتخترق المجتمع لتظهر على شكل مكون أصيل منه ومكون يصعب على المجتمع التعامل معه، حيث يجد شرعيته أحيانا من محيطه القريب، ويسلك كما يسلك التطعيم الزراعي، من إدخال برعم على ساق شجرة، تبقى فترة تبحث عن احتضان الساق، وعندما تجده تبدأ بالنمو على حساب الشجرة وباقي الفروع، وهو ليس كالحالات الطفيلية، أو التعايش الإحيائي؛ اليوم لدينا برعم موجود في مخيم الهول وفي مخيم الروج في الجزيرة السورية اللذان يضمان عائلات وأطفال داعش، ويبلغ تعداديهما مائة ألف تقريبا، وعملية دمجهم مهما بلغت من دقة واحترافية ومهما كانت البرامج التي سيتم استخدامها لن تذهب أثار ما تركته تجربتهم في نفوس وسلوك وأفكار وعلاقات هذه الفئة التي ستقوم بدورها بالإنتشار وتفريخ أفكار وسلوكيات مشابهة لها؛ وهنا ياتي التطعيم بالمعنى الإيجابي وهو التطعيم المشابه للتطعيم الطبي، الذي يحدث بإدخال جسم حيّ ضعيف من فيروس ما مثلا إلى جسم الإنسان حيث يستطيع أن يتعرف عليه الجسم ويهاجمه ويقضي عليه، ويكوّن جهاز مناعة للتعامل معه عندما يأتي مجددا حتى لو بشكل قوي، وهذا ما يجب تطبيقه اليوم في المجتمع السوري، فعملية وضع أجهزة اجتماعية وأمنية تعمل على دمج وتجنب أخطار هذا الجسم الغريب في المستقبل والحاضر، أو تخفيف آثارها قدر الإمكان، ومواجهتها لاستئصالها إن اقتضى الأمر؛ وينطبق ذلك أيضا على تجنيس المقاتلين الأجانب الموالون للنظام الجديد اليوم، وسحب الجنسية من المجنسين في فترة النظام السابق، من الأجانب اللذين قاتلوا في صفوفه كالعراقيون والإيرانيون والروس واللبنانيون وغيرهم.
يتطلب التصدي لهذه الاستراتيجية وعيا مجتمعيا وسياسات دولية عادلة لمنع استخدام الديمغرافيا كسلاح ضد الشعوب؛ والتجربة السورية مثال حيّ على خطورة هذا النهج، ما يستوجب دراسته بدقة لفهم أبعاده وتأثيراته المستقبلية.



#صفوان_قسام (هاشتاغ)       Safwan_Qassam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النسوية الراديكالية في ميزان الفرويدية
- العلاقات الاجتماعية وأنواعها وأشكالها:
- دور العلاقات والمحيط الاجتماعي في التوازن النفسي وتشكل اضطرا ...
- محاولة في تأطير أشكال المشاركة السياسية البديلة للنساء ضمن م ...
- النظرية والممارسة النسوية السورية: تجربة شخصية
- أثر ضياء غوك ألب في علم الاجتماعي التركي
- متقطفات مترجمة من كتاب مبادئ وطرائق التدريس
- هل هناك عنصرية حقا ضد السوريين في تركيا؟
- الأطفال مجهولي النسب في سوريا
- في السّياسة الاجتماعية؛ الجزء الحادي عشر: مراجعة للتحليل الا ...
- هل ينجح الدمج الاجتماعي للسوريين في تركيا؟
- في السّياسة الاجتماعية؛ الجزء العاشر: ذوي الإعاقة
- نزيهة محي الدين: النسوية المقصية
- الاتحاد العام النسائي السوري كأداة ذكورية.
- موجز كتاب: جوزفين دونوفان - النظرية النسوية.
- المثلية الجنسية تاريخيا لدى مجموعة من المدنيات الثقافية.


المزيد.....




- فيديو لسباق غير قانوني بين سيارتين في فلوريدا ينتهي بكارثة م ...
- قبل لقائه ترامب.. أحمد الشرع: العقوبات على سوريا في -مراحلها ...
- شهرٌ على وقف إطلاق النار في غزة: تحذيرات من تفاقم شحّ الإمدا ...
- العراق: قوات الأمن تدلي بصوتها عشية انطلاق سادس انتخابات بر ...
- زيارة بن سلمان للولايات المتحدة...ما الشروط التي تصر عليها ا ...
- استقالة مبكرة لرئيسة بعثة الأمم بالكونغو الديمقراطية
- مقتل لبناني بغارة إسرائيلية جنوبي لبنان
- -غلاكسي إس 26 ألترا-.. كل ما نعرفه عن الهاتف الرائد القادم م ...
- وزراء دفاع الساحل يجتمعون في النيجر لتفعيل القوة الموحدة
- أمام استفحال القمع: لا حل إلاّ في التصدّي للجور والظلم


المزيد.....

- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صفوان قسام - التطعيم الديمغرافي: أداة مدمرة في يد الساسة - سوريا نموذجا