أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - أقبال المؤمن - الديمقراطية الأمريكية بين التنفس الإعلامي والاحتضار القيمي















المزيد.....

الديمقراطية الأمريكية بين التنفس الإعلامي والاحتضار القيمي


أقبال المؤمن

الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 02:24
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في مدينةٍ لا تنام، ولا تصمت، ولا ترحم برز اسم زهران ممداني كأحد أكثر الأصوات السياسية الصاعدة في الولايات المتحدة لكن فوزه في نيويورك لا يُقاس بعدد الأصوات، بل بما يرمز إليه من تحوّلٍ فكري وثقافي في الوعي الأمريكي.للوهلة الأولى فما حدث لم يكن مجرد جولة انتخابية ناجحة بل علامة على ولادة عصرٍ جديد من السياسة الأمريكية الإعلامية الجديدة السياسة التي تروج لجيلٌ لا يبحث عن السلطة، بل عن العدالة الاجتماعية .ينتمي زهران ممداني إلى خلفية مهاجرة من شرق إفريقيا يحمل في تكوينه الثقافي تجربة “الآخر” الذي تعلّم أن يصنع مكانه في قلب المجتمع الأمريكي دون أن يتخلى عن جذوره أو مبادئه.في نيويورك، التي تُعد أكثر مدن العالم تنوعًا وتناقضا تحول هذا الانتماء المتعدد من عبءٍ اجتماعي إلى رمزٍ سياسيٍ جامع.صوّت له الناس لأنه عبّر عنهم، لا لأنه يشبههم ولأن خطابه كان إنسانيًا صادقًا قبل أن يكون أيديولوجيًا منمّقًا. بل من الهامش إلى مركز الوعي تميّز ممداني بأنه قدّم نموذجًا مغايرًا للسياسي الأمريكي الكلاسيكي فهو لا يتحدث من برجٍ عاجيّ، بل من ميدان الحياة اليومية.ركّز في حملته على قضايا الإيجارات، التعليم، العدالة الاجتماعية، والمناخ قضايا ملموسة تعبّر عن وجع المواطن العادي أكثر من لغة الشعارات.هذا التحول من “السياسي الواعظ” إلى “السياسي الفاعل”منحه شرعية واقعية في عيون الناخبين الذين سئموا الوعود الكبرى وبدأوا يبحثون عن الحلول الصغيرة التي تصنع فرقًا بين السياسة كخدمة لا كمنبر .زهران ممداني لا يقدّم نفسه بوصفه “مرشح الأقليات”،بل كصوتٍ لمواطنةٍ أمريكية جديدة أكثر شمولًا وعدالة.إنه يجسد الجيل الأمريكي الذي يرى في التنوع ثروة لا تهديدا وفي الاختلاف طريقًا نحو التفاهم لا سببًا للصراع.لقد استطاع أن يحوّل الهوية المركّبة إلى أداةٍ للتواصل فجمع حوله من يصوّت من أجل “القيم المشتركة”،لا من أجل “العرق أو الدين”. ليجسد ضالة الأمريكي في إعادة تعريف المواطنة
أن الذي شهدته أمريكا خلال العقد الأخير زلازل سياسية واجتماعية:جائحة كورونا، صعود الحركات العنصرية، الأزمات الاقتصادية، وانقسام الخطاب الوطني.وسط هذا المناخ المأزوم برزت أصوات جديدة تعبّر عن التعب الجماعي من النفاق السياسي وتطالب بسياسةٍ تقوم على الصدق والشفافية والعدالة.ممداني هو أحد وجوه هذا التيار الجديد الذي لا يتحدث باسم اليسار أو اليمين،
بل باسم الإنسان الأمريكي الذي يريد دولة تُصغي إليه لا تُلقنه.من هنا جاء الوعي بعد الأزمات
تاريخيًا، كانت نيويورك دائمًا “المختبر الأول” للتجارب السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة.
ما يحدث فيها اليوم، سيحدث في الغد عبر باقي الولايات.فوز زهران ممداني إذًا ليس حدثًا محليًا،
بل إشارة إلى تحوّل في البنية العميقة للمجتمع الأمريكي:إعلاميا تحوّل من الانقسام إلى المشاركة،
ومن الصوت العالي إلى الوعي الهادئ ومن الهيمنة النخبوية إلى التمثيل الشعبي .كي تكون نيويورك واجهة لأمريكا المقبلة
و في نفس الوقت شهدت المجتمعات المحلية في ديربورن، هامترامك، ونيوجيرسي.فوز شخصيات مثل عبد الله حمود، إبراهيم عمر، علاء عبد العزيز، وآدم الحربي لم يكن حدثًا انتخابيًا عابرًا، بل رسالةً سياسية مكتوبة بلغة الشعب الجديد لأمريكا شعب متنوع الهوية، متعدد الانتماء، لكنه متفق على فكرة واحدة أن المواطنة لم تعد لونًا، بل وعيًا ومسؤولية.كل شيء حدث بسلاسة و في مهرجانات كأعراس احتفل بها الجميع الأمر الذي تفاجئ العالم بهذا الوعي وهذا الانسجام الهرموني
ليبدو لنا أن المشهد السياسي في الولايات المتحدة في احسن حالاته بعيد عن الدولة العميقة و اللوبيات المسيطرة على الوعي و القرار .ولكن في الحقيقة أن المشهد السياسي يقرأ بطريقة أخرى المشهد الذي رأيناه يمكن تسميته بـ حالة “التنفس الديمقراطي الصناعي” فالنظام الأمريكي يُظهر للعالم أن شرايين الحرية لا تزال تنبض لكن من يتأمل العمق يدرك أن هذا النبض بات إعلاميًا أكثر منه مؤسسيا وأن “التنوع السياسي” الذي نراه اليوم هو في حقيقته تكيّف تكتيكي لا تحوّل بنيوي.فوز شخصيات مثل زهران ممداني في نيويورك وعبد الله حمود في ديربورن وإبراهيم عمر في باترسون يُقدَّم إعلاميًا على أنه دليل على حيوية الديمقراطية الأمريكية لكن القراءة التحليلية تكشف أن الأمر أكثر تعقيدا وأقرب إلى استراتيجية لإعادة تدوير الشرعية في نظامٍ بات يبحث عن الأوكسجين الأخلاقي أكثر من القوة الانتخابية.منذ عقود، تحوّلت الديمقراطية الأمريكية من منظومة قيم إلى منتجٍ رمزي يُسوَّق إعلاميًا.تُعرض الانتخابات كمهرجان سياسي ضخم يتنافس فيه المرشحون كنجوم على مسرح الرأي العام بينما تبقى الخيوط الحقيقية بيد ما يسمى بـالتحالف العميق بين المال والإعلام والاستخبارات.في هذا السياق، يصبح ظهور وجوه جديدة من أصول مهاجرة وسيلة لإثبات أن النظام “يتنفس”،بينما يظل القرار الحقيقي محفوظًا في غرف مغلقة لا تُنتخب. و أنما تؤكد بأن الديمقراطية صناعة رمزية النظام الأمريكي أدرك أن الاستقرار لا يُضمن بالقوة، بل بالصورة.لذلك، يتم تسويق فوز الأقليات على أنه انتصار للقيم مع أن هذه الانتصارات لا تغيّر كثيرًا في موازين القوة الفعلية.ما يحدث هو نوع من “التطعيم السياسي” للنظام يشبه إدخال جرعة صغيرة من التغيير لتحصين الجسد الديمقراطي من الانهيار الكامل.بمعنى آخر أن الديمقراطية في أمريكا لا تتجدّد بالثورات، بل تُرمَّم بالإعلانات. و بمعنى أدق إدارة الصورة بدل تداول السلطة .الحديث عن الحرية السياسية في أمريكا يبقى ناقصًا من دون فهم دور اللوبيات خصوصًا اللوبي الصهيوني والإعلامي والاقتصادي التي تمتلك القدرة على صياغة الوعي الجمعي وتحديد سقف الخطاب الذي يمكن أن يقال أو يُسكت عنه.حتى المرشحين “المستقلين” يجدون أنفسهم محاصرين بين ضرورات التمويل، والخطاب المقبول جماهيريا والسردية التي يفرضها الإعلام المهيمن.ومن هنا، فإن فوز أي شخصية لا يمكن أن يُقرأ بمعزل عن المنظومة التي تسمح له بالفوز فقط إذا كان لا يهددها لان اللوبيات هي العقل الخفي وراء أي قرار
الولايات المتحدة تتقن استخدام التنوع كـدرعٍ أخلاقي أمام العالم.إبراز شخصيات من أصول عربية أو إفريقية أو آسيوية يُظهر أن النظام منفتح ومتسامح لكنه يخفي في العمق نظامًا طبقيًا مغلقًا لا يسمح بانتقال السلطة إلى خارج نخب المال والإعلام.إنه شكل من الاحتواء الذكي حيث تُفتح الأبواب أمام رموز التغيير لكنها تُغلق أمام التغيير نفسه.و عليه أبهرتنا لعبة التنوع كدرع أخلاقي فالشعب الأمريكي، رغم وعيه يعيش اليوم حالة ازدواجٍ إدراكي فهو من جهة يرفض النخبة التقليدية ومن جهة أخرى لا يستطيع تجاوزها لأنه أسير إعلامها.الخطاب السياسي بات منتجًا من منتجات الثقافة الاستهلاكية يصمم لجذب العواطف لا لإدارة الأفكار.ولذلك، فإن أي تحوّل انتخابي يبدو كبيرًا في الشكل لكنه سطحي في الجوهر ما لم يُرافقه تحوّل في بنية الإدراك الجماعي للناخبين. ومن هنا يعيش الشعب بين الحلم والإيهام
ما تفعله المؤسسة السياسية الأمريكية اليوم هو ما يمكن تشبيهه “بالإنعاش الديمقراطي”:ضخّ دماء جديدة في الواجهة لتغطية شحّ الأوكسجين في القيم والعدالة والمصداقية.الوجوه تتبدل لكن النص واحد والكاتب أي مراكز القوة الحقيقية لا يزال خلف الستار ,وهذا بعينه. التنفس الصناعي للديمقراطية فالديمقراطية الأمريكية ليست ميتة بعد لكنها أيضًا ليست حيّة بالكامل.إنها تعيش على “جهاز دعمٍ إعلامي”يصنع وهم الحيوية في نظامٍ يتآكل من الداخل.ولعل السؤال الحقيقي ليس:هل تغيّرت أمريكا؟ بل: هل أمريكا تسمح لنفسها أن تتغيّر؟ فحين يصبح التنوّع مجرّد واجهة تتحول الحرية إلى ديكورٍ سياس وتبقى الحقيقة محتجزة في قبو المصالح الكبرى التي أطر الديمقراطية بين الأسطورة والوعي



#أقبال_المؤمن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من سيحكم العراق بعد الانتخابات 2025
- تقاطع الخطاب الاعلامي العراقي - المشكلة ام الحل
- العبادي بين مطرقة الاحزاب وسندان الانتفاضة
- الدكتاتورية المزدهرة في العراق
- فن المقال النقدي
- لهنريك أبسن دمى في العراق
- وليم شكسبير الفلاح السياسي
- مشاهد يندى لها الجبين القتل الجماعي ..والرسوب الجماعي.. و جل ...
- لا قول بعد ما قالَ العِراقُ
- من يعرف داعش لا يصدق انها في الموصل
- العراق لا يحتاج الى قائد معجزة
- اكرام الميت دفنه
- ارهابي في سورية و ثوري في العراق
- الغائب الحاضر سعد قيس مرادونا
- واحد زائد واحد كم الناتج يا ساسة العراق
- مرتزقة السياسة وسياسة المرتزقه
- العراق ! اين هو من دولة العراق ؟
- هل بات التغيير الجذري في العراق قاب قوسين او ادنى ؟
- العراق يستحق الاكثر … فالف مبروك
- الحرب الطائفية ام التقسيم


المزيد.....




- قضاة محافظون بالمحكمة العليا الأمريكية -ينتقدون بشدة- رسوم ت ...
- الفلبين تعلن حالة الطوارئ بسبب الإعصار -كالمايغي-
- سقوط الفاشر وأثره على سياسة واشنطن بالسودان
- تحقيق يكشف تمويل شركة -إكسون- حملات تضليل مناخي
- غزة بعد الحرب.. تفاصيل العيش في خيم
- سوريا.. جملة -انا استخبارات ولاك- بفيديو رجل يهدد شرطي تشعل ...
- الفلبين: أكثر من 140 قتيلا عقب إعصار -كالمايغي- ورئيس البلاد ...
- السلطات الأوروبية تُفكك شبكة احتيال بالعملات المشفرة
- -هجمات الدببة- تثير ذعرا.. واليابان تنشر قوات من الجيش
- -صقور ترامب- نحو إسقاط مادورو.. وروسيا تلوّح بالصواريخ


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - أقبال المؤمن - الديمقراطية الأمريكية بين التنفس الإعلامي والاحتضار القيمي