أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - ايوب حميد - الصك بدون رصيد في القانون العراقي جريمة تمس الثقة العامة














المزيد.....

الصك بدون رصيد في القانون العراقي جريمة تمس الثقة العامة


ايوب حميد

الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 15:29
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


جريمة اصدار صك بدون رصيد ليست مجرد ورقة مرفوضة من المصرف بل اعلان عن خلل في المنظومة القانونية والاقتصادية في آن واحد فالصك في الاصل اداة وفاء لا وعد بالدفع والمشرع العراقي كان واضحا حين جرم هذا الفعل في المادة ٤٥٩ من قانون العقوبات وعده اعتداء على الثقة العامة لا على شخص واحد

القانون لم يترك ثغرة نص بوضوح على ان كل من يعطي صكا بسوء نية وليس له مقابل وفاء قائم وقابل للسحب او يسترجع بعد اعطائه المقابل او يأمر بعدم الدفع او يحرر الصك بصورة تمنع صرفه يعاقب بالحبس لكن ما يحدث في الواقع ان آلاف الصكوك تحرر يوميا دون غطاء وتتحول الى ملفات في المحاكم ما يكشف ان الاشكال ليس في النص بل في الردع الفعلي والثقافة القانونية

النية السيئة هي جوهر الجريمة فالمتهم لا يدان لانه عجز عن الدفع بل لانه علم بعدم وجود رصيد وقت اصدار الصك ومع ذلك حرره وسلمه وهنا يتحقق القصد الجرمي حتى لو حاول لاحقا تسوية المبلغ او الايداع بعد الشكوى لذلك استقرت محكمة التمييز على ان الجريمة تقوم بمجرد اصدار الصك وليس عند رفض صرفه

من الاخطاء الشائعة ان تنازل المستفيد يكفي لغلق الدعوى والحقيقة عكس ذلك فالمادة ٤٥٩ جعلت هذه الجريمة من الجرائم التي يتغلب فيها الحق العام على الخاص لان الضرر لا يصيب المشتكي وحده بل الثقة العامة التي تمثل العمود الفقري لأي نظام مالي ولهذا فان التنازل لا ينهي الدعوى تلقائيا وان كان يؤخذ به كعنصر تسوية في تقدير العقوبة

المشرع اراد ان يحمي النظام المالي من الانهيار لذلك ربط الجريمة بالثقة العامة لكن الواقع جعلها تتحول الى وسيلة ضغط تفاوضي تستخدم فيها الشكوى كأداة لتحصيل الدين لا لحماية القانون وهنا تضيع هيبة النص بين التهاون والمساومة

الحل لا يكون بتشديد العقوبة فقط بل باصلاح شامل في مفهوم التعامل بالصك يجب ان يعاد تعريف الصك في الوعي التجاري على انه اداة وفاء فوري وان تفعل الغرامات المالية والعقوبات الاقتصادية اضافة الى العقوبات السالبة للحرية لان الردع الحقيقي لا يتحقق بالعقوبة وحدها بل بمزيج من الجزاء المالي والجنائي يضمن احترام الالتزامات ويصون الثقة بالتعامل

الاثر الاقتصادي لجريمة الصك بدون رصيد لا يتوقف عند حدود المتعاملين فقط بل يمتد الى السوق كله فهي جريمة تزعزع الثقة بالاوراق التجارية وتخلق مناخا من الشك في المعاملات وتجعل كثيرا من التجار يبتعدون عن التعامل بالصكوك ويلجأون الى النقد المباشر مما يقلل من دوران المال في المصارف هذه الظاهرة تضر بالنظام المصرفي وبالثقة في ادوات الائتمان وتؤدي الى ارتفاع نسب المخاطر في السوق خصوصا عندما تصبح الشكوى وسيلة تحصيل وليس وسيلة حماية

اما على المستوى الاجتماعي فانتشار الصكوك بدون رصيد يؤدي الى نزاعات بين الاقارب والشركاء ويزرع الشك في المعاملات اليومية المواطن الذي يحمل صكا مرتجعا لا يخسر ماله فقط بل يخسر ثقته بالمنظومة القانونية والاقتصادية وكلما زادت هذه الحالات ازداد الميل نحو التعامل خارج النظام المصرفي وهذا اخطر ما يمكن ان يصيب اي اقتصاد يحاول ان ينهض

ومن واقع عملي كمحام في بغداد مختص بالقضايا المدنية والتجارية والمصرفية ارى ان التعامل بالصكوك في العراق ما زال يعاني من ضعف الوعي القانوني وان كثيرا من النزاعات يمكن تفاديها بالالتزام بالتعليمات المصرفية وفهم الصك كأداة وفاء لا كوسيلة ائتمان

اما القضاء العراقي فقد تعامل بحزم نسبي مع هذه الجرائم لكنه بقي مقيدا بتقاليد التنازل والصلح محكمة التمييز اصدرت قرارات واضحة تؤكد ان الجريمة تقع بمجرد اصدار الصك بدون رصيد حتى لو تم تسوية المبلغ لاحقا لان القصد الجرمي تحقق بالفعل ومع ذلك فان التطبيق العملي ما زال يواجه ضغوطا اجتماعية وتجارية تدفع نحو انهاء القضايا بالتراضي مما يضعف الاثر الردعي للعقوبة ويحوله النص الى اداة مساومة

القانون العراقي بحاجة الى تطوير متوازن يأخذ بعين الاعتبار واقع السوق واهمية الثقة العامة فالعقوبات يجب ان تجمع بين الردع والواقعية وان تبنى على مبدأ اعادة الثقة لا الانتقام وهذا لا يتحقق الا بسياسة جنائية متكاملة تربط بين العقوبة والوعي المالي وبين الردع القانوني والثقافة المصرفية

في النهاية ليست القضية صكا بلا رصيد بل ثقة والثقة حين تهتز يهتز معها الاقتصاد كله فالقانون الذي لا يردع يفقد هيبته والمجتمع الذي يقبل بالصك بلا رصيد يخسر اثمن ما يملكه الثقة في الكلمة والتوقيع



#ايوب_حميد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتيال الالكتروني...عمليات النصب بالعملات الرقمية
- العنوان المسؤولية التضامنية من يتحمل واجب حماية العامل
- حين يضيع المواطن بين التشويش والصمت
- إلغاء اتفاقية خط أنابيب النفط بين العراق وتركيا… تحول قانوني ...


المزيد.....




- قادة الأمم المتحدة يدينون مجازر ميليشيا الدعم السريع في الفا ...
- مقرّرة أممية: العدوان الصهيوامريكي على إيران انتهاك صارخ لمي ...
- فرنسا: ستة معتقلين بعد سطو مسلح على مختبر ذهب في ليون
- -لا لغنائم الحرب- تحقيق لرويترز عن حملة الشرع لـ -مكافحة الف ...
- شواهد طبية توثق إعدام الاحتلال لأسرى فلسطينيين بعد احتجازهم ...
- الأمم المتحدة تدعو لتحقيق مستقل وسريع في مجازر الفاشر
- الأمم المتحدة تدعو لتحقيق مستقل وسريع في مجازر الفاشر
- المرصد السومري لحقوق الانسان: يؤكد موقفه التضامني مع صحفيي ا ...
- بن غفير ينشر مقطع فيديو جديد يتفاخر فيه بتعذيب الاسرى الفلسط ...
- الأمم المتحدة تدعو لوقف الضربات الأميركية في الكاريبي والمحي ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - ايوب حميد - الصك بدون رصيد في القانون العراقي جريمة تمس الثقة العامة