حين يضيع المواطن بين التشويش والصمت

ايوب حميد

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 17:36
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    

التشويش على خرائط GPS لم يعد خللا تقنيا عابرا بل اصبح اجراء غامضا ترك اثرا عميقا على حياة الناس واقتصادهم. ملايين العراقيين يعتمدون على الخرائط في اعمالهم اليومية من النقل والتوصيل والخدمات اللوجستية. فجأة توقفت الخدمة واضطربت الاعمال وتعطلت الشركات بينما اكتفت الجهات الرسمية بالصمت ولم تقدم تبريرا او توضيحا.

المادة 40 من الدستور العراقي نصت بوضوح على ان حرية الاتصالات والمراسلات مكفولة ولا يجوز مراقبتها او التنصت عليها او الكشف عنها الا لضرورة قانونية وامنية وبقرار قضائي. ومع ذلك تم تقييد خدمة حيوية تمس الاقتصاد الوطني دون اعلان قرار قضائي او بيان رسمي يحدد السبب او المدة او الجهة المسؤولة.

الضرر الذي اصاب الشركات لم يكن بسيطا. شركات التوصيل والنقل الذكي فقدت قدرتها على تحديد مواقع الزبائن والسائقين، وانهارت جداول التسليم، وتكبدت خسائر مالية يومية بسبب التأخير والغاء الطلبات. بعض الشركات اضطرت لتعليق عملها مؤقتا، فيما تعرضت اخرى لفسخ عقود من زبائنها بسبب العجز عن الالتزام بالمواعيد.

المواطن بدوره خسر جزءا من رزقه، فالسائق الذي يعتمد على التطبيق ليعمل لم يتمكن من مواصلة عمله، وصاحب المتجر الذي يستخدم الخرائط لتوصيل بضاعته وجد نفسه في مأزق. وحتى المؤسسات الخدمية اضطرت للعودة الى الطرق اليدوية القديمة، ما سبب فوضى في التنظيم واهدارا للوقت والمال.

هذا الوضع يفتح الباب واسعا امام اقامة دعاوى التعويض ضد الجهات التي تسببت بالضرر. فالدستور والقانون المدني العراقي يقران بحق المتضرر بالمطالبة بالتعويض متى ثبت الفعل غير المشروع والضرر والعلاقة السببية. واذا تبين ان التشويش تم من دون مسوغ قانوني او قرار قضائي، فان المسؤولية تقع على عاتق الجهة التي امرت به او نفذته.

ان اخطر ما في القضية ليس فقط حجم الخسائر، بل غياب الشفافية. فحين تتصرف الدولة خارج اطار القانون وتصمت عن توضيح قراراتها، فانها لا تشوش على الخرائط فقط بل على الثقة نفسها.
الطريق لاستعادة هذه الثقة يبدأ بالاعتراف، ثم المساءلة، ثم التعويض. فالدستور لا يحمي الاشارة الفضائية فحسب، بل يحمي حق المواطن في المعرفة والعدالة

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل