أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فوزي مهنا - شعب يستقبل الحاكم بالورود، ثم يودعه بالأحذية















المزيد.....

شعب يستقبل الحاكم بالورود، ثم يودعه بالأحذية


فوزي مهنا

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 12:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يوجد في قاموس السوريين عبر التاريخ، من هو كبير وعظيم، يتكئّون عليه، سوى الحاكم وحده، معه يبدأ التاريخ السوري، وعند رحيله يبدأ التاريخ مع حاكم جديد، تماماً كما هو حال أهل الشام، منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام، إذ لا عبرة للبطولة لديهم ولا للتضحيات، وما ذلك سوى ضعف الشعور الوطني وانعدام الانتماء، وإلا من يُفسِّر لنا كيف يقوم حاكم اليوم، بشطب ذكرى شهداء السادس من أيار/مايو؟ الذين علّق المستعمر العثماني أجسادهم على أعواد المشانق، في عام 1906 نتيجة لما بذلوه من تضحيات لنيل الاستقلال؟ أو شهداء معركة تشرين الأول، أكتوبر 1973 بمواجهة إسرائيل، دون أن يَرِّف للسوريين جفناً.
من يُفِّسر لنا كيف لهم القبول بمشيخة مملوكية تحكمُهم، بعد أن رحلت عنهم، منذ أكثر من مئة عام؟ إنه الفصام، الذي تتميّز به الشخصية السورية، وإلا من يُفسِّر لنا كيف تحوّلت روسية، بين ليلةٍ وضحاها، لدى الأكثرية السورية، من القاتل رقم واحد، إلى صديق تاريخي واستراتيجي، بالوقت الذي هي من دكّت رؤوسهم بالطائرات، وخرّبت مدارسهم ودمّرت ضيعهم وهجّرتهم، وجربّت كافة صنوف الأسلحة بأجسادهم، بل الأكثر من ذلك هي التي أطالت بعمر محنتهم، ومحنة بقية السوريين، مدة أكثر من عشر سنوات، نتيجة استعمالها حق النقض الفيتو 15 مرة، في مجلس الأمن.
وبدلاً من مطالبة بوتين بدفع مئات مليارات الدولارات، كتعويض عما فعله في سورية وجميع السوريين، من تخريب وإجرام، قام الحاكم العظيم بالموافقة على اتفاقات الاذعان التي أبرمها الأسد المخلوع، ليس ذلك فحسب، وانما تعهّد وفقا لبعض المصادر بدفع قيمة الرصاص والبراميل التي قتلت الشعب السوري نفسه، وهي بالمليارات! كل ذلك بذريعة التكتيك الرباني، وفقاً لتعبير جمهوره الأكثري.
بالمناسبة، على سيرة أبطال سورية المُغّيبين، على أيدي من يدّعون اليوم أنهم امتداداً للأمويين، ويعملون بوثيقة التعايش التي خطّها سيدهم معاوية بن أبي سفيان، لتجديد العهد، حيال المسيحيين والأقليات في الشام، فإن طارق بن زياد، فاتح الأندلس، الذي يتغنى بشجاعته وبطولاته، ليس الأمويون والعرب فحسب، إنما أكثر من حوالي ملياري مسلم، مات بن زياد في عهد الأمويين، متسوِّلاً في شوارع دمشق!.
ثم من يُفسِّر لنا كيف كان رئيسهم الشرع (أبو محمد الجولاني)، يُكفِّر غالبيتهم، بالمقابل كان هؤلاء، خصوصاً مثقفيهم وإعلاميهم، يصفونه دون تردد بالإرهاب، ليتحول خلال 11 يوماً لديهم، إلى المهدي المخلص، بالوقت الذي يحتاج التحدُّث عنه كإرهابي لساعات"، وفقاً للعميد أسعد الزعبي، في لقائه مع (قناة العربية، 8 مارس/ آذار، 2024) ، كونه أي (الجولاني) والقول للزعبي، "هو من أكثر من ارتكب المجازر بحق الشعب السوري، وهو من قتل أكثر من 1800 من الجيش الحر، فضلاً عن أن الطيارين الذين كانوا يقصفون الشعب السوري، بالبراميل المتفجرة وقام بأسرهم، أعادهم إلى النظام السوري".
في ضوء ما سبق يمكن القول أنّ لا جديد في تاريخ السوريين، هذا التقَلُّب في المزاج العام، بشأن الحاكم، إما تمَلُّقاً، أو تخوفاً منه، أو لأنه من الطائفة المنصورة، كما هو حالهم، منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام، فمن يوم يومهم والسوريون يستقبلون الحاكم بالورود، ثم يودعونه بالأحذية، بسبب كثرة الحكّام الذين حكموا دمشق، بحجة أنهم مسلمون، على الأقل، منذ عهد المماليك وحتى اليوم، كان الحاكم المملوكي ومن بعده العثماني، يدخل دمشق على الرحب والسعة، دون أن يعرف السوريون عنه شيئاً، أو قرعة أبيه جاءت من أين!.
حينما دخل السلطان العثماني سليم الأول إلى حلب، في صيف عام 1516 استقبله أهلها بالمصاحف والأعلام، وهم يَجّهرون بالتسبيح والتكبير ويقرئون. (محمد كرد علي، خطط الشام، جلد2، ص211) ثم خطبوا باسمه في جامع أطروش وزيّنت له المدينة، بل وُقِدَت له الشموع على الدكاكين، فضلاً عن ارتفاع لأصوات المبتهلة له بالدعاء، بالمقابل صاروا يحطون على السلطان المملوكي "قانصوه الغوري" ويذكرون أخباره الشنيعة لابن عثمان، متناسين إحسان الغوري إليهم." (بدائع الزهور، ابن ياس، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2005، ج2، ص1423)
بالمناسبة حصل هذا الترحيب والتتويج، بحضور أمير المؤمنين "المتوكل على الله" العباسي، الذي كان قد جاء مع الغوري مع عدد من القضاة من مصر، وحين قامت صلاة الجمعة في الجامع الكبير، عندها أطلق الخطيب على السلطان العثماني، لقب خادم الحرمين الشريفين. (خطط الشام، ص212)
نفس الحكاية تكرّرّت بعد أن سار سليم بجيشه إلى كلٍ من حماة وحمص، حيث فُتحت له الأبواب، وبايعه أهلهما على الطاعة، كما بايعه أهل طرابلس والقدس، ثم جاء إلى دمشق فاستقبله أهلها ورضوا به ملكاً عليهم، بعد أن اتفق أكابرها ومشايخها على تسليمها. (خطط الشام، ص، 212 ـ 213)
بعدها بات أهل الشام يتنّقلون من والٍ إلى آخر، وذلك نظراً إلى أن الدولة العثمانية، كانت تلجأ بين كل فترة وأخرى لتغيير الولاة، والهدف من ذلك منعهم من بناء قاعدة نفوذ قوية خاصة بهم، خشيةً من تمردِّهم أو استقلالهم، كما فعل جان بردي الغزالي، الذي قام السلطان سليم الأول بتعيينه كوال على الشام، ثم ما لبث أن ثار على الدولة العثمانية.
بعد سقوط الدولة العثمانية جاء الملك فيصل بوعود بريطانية بإقامة كيان عربي موحد، فاستقبله السوريون استقبال الأبطال، لم يطل بفيصل المقام حتى جاء المستعمر الفرنسي، ليقوم السوريون بالاحتفال به على طريقتهم، إلى درجة قام بعضهم بِجَر العربة التي كان يستقلّها الجنرال الفرنسي في شوارع دمشق، بدلاً من الأحصنة، التي كانت تَجُرّها، بالمقابل قلة قليلة منهم من لبّوا شرف الدفاع عن سورية، بقيادة وزير الدفاع، يوسف العظمة.
لقد اشتهر أهل الشام بسخاء كلماتهم وعذوبتها، عند الترحيب بالحاكم القادم، يروي بعض المؤرِّخين أنه حينما توجّه أمراء الغرب والشوف إلى مرج دابق، في عام 1516 لمعاينة المعركة الدائرة بين المماليك والعثمانيّين، حينما رأوْا أنّ الكفّةَ تميل لصالح العثمانيّين، انضمّوا إليهم ضدّ المماليك، فنالوا رضى السلطان سليم، ثم أنّ وفدًا منهم دخل عليه في مجلسه، وسجدوا له وقبّلوا الأرضَ بين يديه، وأنّ الأمير فخر الدين المعنيّ الأوّل، انبرى لإلقاء خطبةٍ امتدح فيها السلطان بقوله:
"اللهمَّ أدِمْ دوامَ مَنِ اخترتَه لمُلْكِك، وجعلتَه خليفةً عندكَ، وسلّطتْه على عِبادِكَ وأرضِكَ، وقلّدتَه سنّتَكَ وفرضَك؛ ناصرِ الشريعةِ النيّرةِ الغرّاء، وقائدِ الأمّةِ الطاهرةِ، سيّدِنا ووليِّ نعمتِنا، أميرِ المؤمنين، الإمامِ العادل، والذكيِّ الفاضل، الذي بيده أزمّةُ الأمر، أعاننا اللهُ بالدعاء لدوامِ دولته بالسعدِ والتخليدِ بأنعمِ العزّ والتمهيد. آمين." وهو ما لفت إعجاب السلطان بفصاحة فخر الدين، مما دعاه لخلع لقبَ "سلطان البرّ" عليه، وولّاه "ولايةَ الغرب والشوف.". (عيسى إسكندر المعلوف، تاريخ الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني، بيروت: المطبعة الكاثوليكيّة، 1965، ص 24، 31.).
لم يشتهر السوريون بعذوبة كلماتهم وشدة تملقهم بمواجهة الحاكم القادم، وإنما اشتهروا حياله أيضاً، بحماسهم منقطع النظير، فوفقاً لمحمد حسنين هيكل، بكتابه «سنوات الغليان» أنه بعد الإعلان عن الوحدة المصرية السورية عام 1958 بيومين، تلقّت دمشق رسالة تفيد بزيارة عبدالحكيم عامر، من أجل الاعداد لزيارة عبد الناصر، عندها توجه رئيس الأركان السورى "عفيف البزرى" على رأس وفد كبير إلى مطار «المزة» لاستقباله، وإذ بعبدالناصر، هو الذى ينزل من الطائرة، رغم ذلك، حينما عمّ الخبر مدينة دمشق، خرجت عن بكرة أبيها، زاحفةً إلى شارع «أبو رمانة» وهي تهتف بحياته، وما أن مرّت لحظات، حتى أصبح عبد الناصر هو وسيارته، محمولاً على الأكتاف، قبل أن يدخل قصر الضيافة، ليطُّل من شرفته ويخطب بالجماهير بين كل فترة وأخرى لتحيتها، حتى بلغ عدد المرات التي خاطب فيها هذه الحشود 20 مرة.
تكرّرّت هذه الظاهرة، بل تعزّزّت في عهد الانقلابات العسكرية التي شهدتها سورية، بعد نيل الاستقلال،1946، نفس الشعب الذي كان يرحّب بقائد الانقلاب بالأمس، بات يلعنه اليوم، ونفس الأيادي التي كانت تصفّق له، باتت تصفِّق للقائد الجديد أكثر، وهكذا، إلى أن جاء حافظ اسد الذي رحّب به عموم السوريون وحملوه على الأكتاف، يومها علّق تجار دمشق على مدخل سوق الحميدية لافتتهم التي تقول: "طلبنا من الله المدد، فأرسل لنا حافظ الأسد".
شعبٌ يتنكّر لتضحيات أبنائه، ثم يُصفِّق لانكساراته وخيباته، كيف له أن يستمر؟ فبينما كان الأسد هو المتسبِّب الأساس في هزيمة حزيران 1967 والتي أدت لسقوط الجولان وتسليم القنيطرة، تمت مكافأته في تلك الاحتفالات الحاشدة، كرئيس وقائد عظيم لمدة أكثر من نصف قرن!.
الأمر نفسه بالنسبة لرئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، فعلى الرغم من أنه أكثر من قتل ونكّل بالجيش السوري الحر، ورغم تعامله مع النظام المخلوع، وفقا لما أشير إليه، مما أدى لتخريب الثورة السورية، وإجهاض تطلعات السوريين، نحو إقامة الدولة المدنية الديمقراطية، ورغم الصفقة المخابراتية التي أتت به وبفريقه الجهادي السلفي، وما تلى ذلك من تفرُّد بالسلطة وتحريض طائفي، أدّت لارتكاب المجازر، وانقسامات طائفية واثنية في المجتمع السوري، رغم كل هذه الويلات، بقي البطل المخلِّص، لتكتمل بذلك حلقات السقوط السوري المحتوم.



#فوزي_مهنا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سورية.. شعب لديه قابلية للاستعباد!!
- الأكثرية السورية.. جوع السلطة!! وخراب البلاد
- سورية.. قتلتها السلطة!
- دور الاسلام المتطرف في تبييض صورة اسرائيل السوداء


المزيد.....




- بعد إعلان ترامب.. متحدث أممي يُحذر من مخاطر التجارب النووية ...
- لحظة محرجة.. قاض يلاحظ أن شرطيًا لا يرتدي بنطاله أثناء الإدل ...
- رغم إصراره على تحقيق -أعلى الأرقام-.. شعبية ترامب تتراجع إلى ...
- المدمرة يو إس إس غرايفلي تغادر ترينيداد وتوباغو
- قمة ترامب شي جينبينغ : ماذا بعد اللقاء؟
- -أغمضي عينيك يا هند-.. وثائقي يروي ساعات الرعب الأخيرة للطفل ...
- محادثات إسطنبول.. إلى أين تتجه العلاقة بين أفغانستان وباكستا ...
- كيف بدت أصداء انطلاقة الموسم الـ 6 من -The Voice-؟
- بمكافآت ممتعة لحيواناتها.. حدائق الحيوان تحتفل بأجواء الهالو ...
- وزير الخارجية الألماني في دمشق... برلين تمد يدها لسوريا بعد ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فوزي مهنا - شعب يستقبل الحاكم بالورود، ثم يودعه بالأحذية