|
الأكثرية السورية.. جوع السلطة!! وخراب البلاد
فوزي مهنا
الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 18:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثيرون هم من تناولوا محنة العقل العربي، وما شهده ويشهده اليوم من أزمات، الواحدة بعد الأخرى، مما أدى لحالة من الجدل والسجال المستمرين، بين من بحثوا وكتبوا في هذا الموضوع، في مقدمتهم المفكر محمد عابد الجابري، بالقطع لو كان الجابري لا زال حياً، لقال دون مواربة: عليكم الحفر بالعقل السوري أولاً. أكثر من ألف عام مضت من تاريخ بلاد الشام، لم يتمكّن السوريون خلالها من حكم أنفسهم بأنفسهم، كانوا يتنقّلون من سلطان أجنبي جائر، إلى سلطان أكثر استبداداً وجوراً، مرة من البوسنة ومرة من ألبانيا وأخرى من سلاجقة آسيا الوسطى، ثم سلاجقة استنبول، وهكذا بحجة أنهم أخوة في الدين، كانت حسنة هذا الأجنبي الوحيدة، على مدار هذا التاريخ الطويل، أنه كان المنقذ الوحيد لهذه الشعوب، من جور وظلم الحاكم الأجنبي الذي سبقه. بعد هذه الألف عام، وبعد معاناة طويلة وشاقة من حكم الاستبداد الأسدي، وطول انتظار، لم تجد الأكثرية السورية سلطة حاكمة، ترتقي لمستوى تضحيات وطموحات وآمال هذا الشعب، سوى ما أنتجته ادلب من فصائل جهادية متشددة، قامت الاستخبارات الغربية ومعها إسرائيل، بتجميعها على مدار السنوات، من كل دول العالم، ثم طبخها وفرضها على السوريين، لا من أجل سواد عيونهم، وإنما لتنفيذ ما بقي من مشروع الشرق الأوسط الجديد. أما المفارقة الكبرى، فهي أن هذه الطبخة المشوهة، قد تمّت بمؤازرة استنبول نفسها، ووضع السلطة تحت وصايتها، ليعود السوريون لتكرار نفس الدروس، ليس مرة واحدة فقط، وإنما مئات المرات، ليعدنا هؤلاء بالذاكرة إلى القرن الثاني الهجري، أيام الخليفة العباسي "المتوكل على الله" الذي كان يكره الشيعة العلوية، واستبّد بهم، مقابل ذلك أخذ بالتقرب من الأتراك لينصروه عليهم، فطمعوا به، ثم اتفقوا مع ابنه المنتصر على قتله، فقتلوه، ليستفحل عندها أمر الاتراك ويزدادوا استبداداً وبطشاً، حتى أصبح الخلفاء عندها آلة في أيديهم.(ثورة العرب، أسعد مفلح داغر، مؤسسة هنداوي، بورك هاوس، شبيت ستريت، 26/1/2017، ص40، 41). يقول الكاتب التونسي الصافي سعيد، أنه "عبر قرابة قرن من الزمان، هناك عدة صدوع، أدمت الخريطة الجيوسياسية العربية، وساهمت بتفكيكها، وأنه من رحم الصدع الأم اليهودي/ الإسلامي، ولدت كل الصدوعات الأخرى". من الصدع الفلسطيني الأساس، الذي رافقنا منذ أكثر من سبعة وسبعين عاماً، إلى الصدع السوري، وغيره من تصدّعات في الخريطة العربية، والتي سترافقنا في مستقبل السنوات، عندما قرّر الانجليز سحب بساط الخلافة من تحت أقدام الأتراك في بدايات القرن الماضي، كانوا حينها يرون أن العرب قاصرين عن حكم أنفسهم بأنفسهم، ولهذا أخذوا يخططون بأن يكونوا أوصياء عليهم، وذلك عملاً بنصيحة أشهر جواسيسهم، لهذه المنطقة "جيرترود بل"، لهذا قرر اللورد "كيتشنر" في حينه أن يبتدع نظاماً عربياً، يتكوّن من دويلات متفرقة، تتبع فيدرالياً إلى حاكم عربي، يكون من صناعة بريطانية. (صنائع الانكليز ج1 ـ سعود السبعاني ـ (ص523). لذا كان الشريف حسين هو الشخص المطلوب. هذه الوصاية على شعوب هذه المنطقة، وهذا النظام العربي المنشود، تكفّل الاستعمارين الإنكليزي والفرنسي بتنفيذه على أرض الواقع، حينما لجئا لتقسيم المنطقة لدويلات، بقيت هذه الدويلات هشّة، بسبب عوامل داخلية بدرجة أولى وخارجية بدرجة ثانية، ثم جاءت إسرائيل لتكمل هذا الدور الهدّام، باللعب على العصب الطائفي، وإشعال الحروب الأهلية فيها، وذلك عملاً بتوصيات، أول رئيس وزراء إسرائيلي "بن غوريون" بكتابه الصادر في باريس عام 1970 حينما قال: "ليست القنبلة النووية هي التي تحمي إسرائيل، وإنما الحرب الأهلية العربية، هي التي ستجعل من إسرائيل دولة قوية ومهابة". تماماً كما هو الحاصل في الدولة السورية اليوم، والتي لم تقم بتدميرها القنبلة النووية الاسرائيلية، وإنما القنبلة الطائفية التي رعتها وأشرفت عليها السلطة السورية الحالية، بشتى الوسائل، لتطال مختلف المكونات المجتمعية، كل ذلك من أجل تجميع هذه الأكثرية السنية من حولها، وتخويفها من "بعبع" ما يسمى "حلف الأقليات"، بحجة العودة إلى السلطة، فضلاً عن ذريعة المظلومية السنية، مع أن حزب البعث الذي حكمت من خلاله السلطة الأسدية أكثر من نصف قرن، باعتباره قائداً للدولة والمجتمع، كانت نسبة السنة في قياداته العليا، عشية انقلاب 1970، لا تزيد عن (42.9) بالمئة، إلا أنه بعد وقت قصير من استيلاء الأسد على السلطة في ذلك العام، قفزت هذه النسبة إلى (78.9) في المئة، لتستقر بعد عام 1980 عند (66.7) في المئة. (حنا بطاطو، فلاحو سوريا..، ص450). وهو ما حصل من انفجار وسعار طائفي بالفعل، لذلك تقوم الأكثرية السنية اليوم بتخوين كل من ينتقد ما تقترفه السلطة من أخطاء، لدرجة أن تمسك هذه الأكثرية بالحكم، أنه لو بادر أحدهم اليوم بتقديم النصيحة لرئيسهم أحمد الشرع، بالتنحي عن الحكم، لقام هؤلاء بطمره ودفنه حياً، تماماً كما فعل بنو أمية بعمر المقصوص، وذلك وفقاً لما أورده ابن العبري بكتابه "تاريخ مختصر الدول" بقوله: أنه حينما آلت الخلافة لمعاوية بن يزيد وبعد أن بايعه الناس، قام معاوية باستشارة أستاذه "عمر المقصوص" الذي أجاب: "إما أن تعتدّل أو تعتزل..." فما كان من معاوية الثاني سوى الاعتزال، وحينما علم بنو أمية بذلك، وثبوا على المقصوص وقالوا: "أنت أفسدته وعلمته! فطمروه ودفنوه حيّاً"(محمد أسعد طلس، عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع، ص50). أو يقومون بذبحه، كما فعلوا بالجعد بن درهم، حينما اتهموه بالتأثير في شخصية آخر خلفاءهم "مروان بن محمد" لينتقموا منه بذبحه في عيد الأضحى المبارك، على يد والي العراق "خالد بن عبد الله القسري" والذي خطب بالناس قائلاً: "أَيُّهَا الناس ضحوا يقبل اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ..(ابن كثير، البداية والنهاية، ج13، ص199). أو القيام بتسميمه، كما حصل للخليفة الأموي العادل "عمر بن عبد العزيز"، لأنه شدّد على الأمويين في دمشق، وانتزع كثيراً مما في أيديهم.( عصر الاتساق، ص133) ما أصعب أن تتجسّد الأفكار في الأشخاص، ليصبحوا أنفسهم هم الأفكار بحد ذاتها، سرعان ما يتحول هؤلاء الأشخاص لأبطال يترسبون في اللاوعي الجماعي للأمة، ونتيجة للنكبات المتتالية التي مرّ بها الشعب السوري، لذا بات هذا الشعب يعيش حالة انتظار البطل المنقذ، من كامل أمين ثابت (إيلي كوهين) الذي كان على وشك تولي منصب رئاسة الوزراء في سوريا، لولا تدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بن غوريون برفضه الفكرة.(اليوم السابع، 19 مايو 2025) إلى حافظ أسد، إلى أحمد حسين الشرع. يروي الأديب المصري علاء الأسواني، بإحدى ندواته، حيال الطريقة الارتجالية التي كان عبد الناصر يدير بموجبها الدولة المصرية، وآلية تفكير الشعوب العربية، فيقول إن عبد الناصر ألقى خطاباً بعد الانفصال عن سوريا، قال فيه: أصدرتُ قبل قليل أمراً إلى قواتنا المسلحة الباسلة، بالتوجه إلى الإقليم الشمالي، لاستعادة الوحدة العربية من الانفصاليين السوريين، عندها استمر التصفيق لعبد الناصر بعد هذا التصريح العظيم نحو عشر دقائق، بعد انتهاء التصفيق أضاف عبد الناصر: ولكنني، وحرصاً مني على حقن الدم العربي في سوريا، أمرتُ هذه القوات بالعودة إلى ثكناتها، هنا سرعان ما بدأ الشعب بالتصفيق الحار لمدة عشر دقائق أخرى، نتيجة هذا التراجع العظيم!. هكذا تماما هو حال السوريين، ممن يصفقون لسلطة الشرع اليوم، رغم ما يجري من خراب البلاد، وما تقوم به السلطة بالغرف السرية من صفقات مشبوهة، عملاً بالمخططات المتفق عليها، أكان لصالح تركيا وروسا أم إسرائيل وأمريكا، والسبب في ذلك بالطبع هو "جوع السلطة"، يقول الباحث "باتريك هيني" والذي يتردد على إدلب منذ عام 2019 أن الهجوم الذي قام به الشرع (أبو محمد الجولاني) مع الفصائل المنضوية تحت جناحه على حلب، وهو في طريقه إلى دمشق، شارك فيه بالكاد (250) مقاتل. (أوريان 21، سورية هيئة تحرير الشام عن إعادة تموقع أيديولوجي، 24 كانون أول/ ديسمبر 2024، سيلفان سيبيل وباتريك هاني، وسارة قريرة، ترجم المقال عن الفرنسية: حميد العربي) بعد ذلك يقولون لك، من يحرر يقرر!، لذا عملت هذه السلطة على تفكيك بنية المجتمع السوري، وقتل الروح الوطنية لدى عموم السوريين، من خلال التخندق الطائفي، وعودة العصبية القبلية البدائية، المتمثلة بقيام السلطة بدعوة العشائر السورية للفزعة، من ثم الثناء على ما ارتكبته من مجازر ونهب وتخريب في كل من منطقة الساحل وجرمانا وصحنايا، فضلاً عن عما ارتكبته من كارثة في السويداء و33 قرية تابعة لها، والتي جاءت بموجب ضوء أخضر إسرائيلي، كل ذلك من أجل قيام أهالي السويداء بالاستعانة بإسرائيل، صاحبة هذا المشروع الهدّام. ختاماً: يتساءل الكاتب الياباني "نوبوأكي نوتوهارا" الذي عايش العرب والسوريون على وجه الخصوص، على مدار سنوات طويلة "كم يحتاج العرب من الوقت لكي يستفيدوا من تجاربهم ويصححوا أخطاءهم ويضعوا أنفسهم على الطريق السليم". (العرب من وجهة نظر يابانية، مشورات الجمل، ألمانيا 2003، ص13) لم يتعلم السوريون من دروس التاريخ، والراجح أنهم لن يتعلموا، لذلك هم يكررون أخطاء الماضي، بتشبثهم بالأشخاص، على حساب الأوطان، وعندما تتمسك الشعوب بأسنانها بالأشخاص، على حساب الأفكار، فعلى الأوطان السلام.
#فوزي_مهنا (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سورية.. قتلتها السلطة!
-
دور الاسلام المتطرف في تبييض صورة اسرائيل السوداء
المزيد.....
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر الجيش بالاستعداد لتدمير أنفاق حم
...
-
الأردن: لماذا أثارت مبادرة حكومية -لتنظيم- مظاهر الأفراح وال
...
-
فيديو - تحضيرات مكثفة في شرم الشيخ استعدادًا لـ -قمة غزة-
-
فرنسا: مستعد للاستقالة للمرة الثانية...لوكورنو يسابق الزمن ل
...
-
الإعلام الحكومي بغزة: مؤسسات ولجان أهلية بالقطاع تتولى توزيع
...
-
خبراء صحة: الذكاء الاصطناعي يخلق شعورا بالتشويش النفسي
-
صحفيون أميركيون يشاركون بزمالة تأسست لتعزيز الدعاية الإسرائي
...
-
الجزائر تسترجع 30 مليار دولار من الأموال المنهوبة
-
ادعاءات تثير الجدل بعد وقف الحرب بين حماس وإسرائيل.. ما صحته
...
-
ألمانيا تسعى لاتفاق مع سوريا لإعادة طالبي لجوء مرفوضين
المزيد.....
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
المزيد.....
|