نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 18:17
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
من الصعوبة بمكان التفاؤل بولادة قاعدة صلبة لعلوية سياسية حقيقة قوية ومتماسكة تستقطب خلفها جميع العلويين في الساحل السوري بعدما تعرضوا له من مذابح ومجازر وكوارث اجتماعية أخرى في أعقاب المتغيرات الجيوسياسية الكبرى التي شهدتها المنطقة مع تدمير وأفول ما كان يسمى حلف المقاومة الإيراني مع من ما كان يدور في فلكه من كيانات وأنظمة هزيلة هوت كعلب الكرتون واختفى زعماؤها المهرجين الغوغائيين إنا قتلاً أو هروباً في عتمة الليالي البهماء.
ففي ظل صمت، وجود تعتيم وعدم اهتمام واستخفاف وتواطؤ إعلامي ودبلوماسي إقليمي ودولي بمأساة العلويين، وصعف وفقر وبؤس البيئة العلوية من كل النواحي، فلم يكن العلويون، هناك أيضاً، عملياً، وعبر تاريخهم، القصير نسبياً، وكما يخيل للبعض، كتلة سياسية وديمغرافية وثقافية وإيديولوجية عقائدية واحدة، ولم يكن هناك أي تنظيم أو حزب سياسي يمثلهم ويعبـّر عن مصالحهم وتطلعاتهم، ويجمعهم، كما لم يكن لديهم، سابقاً أو لاحقاً، أي ميليشيا أو تنظيم عسكري وقوة مسلحة خاصة بهم وتدافع عنهم، ولذا كان من السهولة واليسر، وعلى الدوام، وحتى اليوم، تنفيذ الجرائم والإبادات والمجازر المتتالية الجماعية بحقهم، حتى دولة بني حمدان العلوية في حلب، تداعت بسرعة البرق على يد السلطان "الفاتح" سليم الأول، حيث تعرض علويو حلب لإبادة حقيقية واستئصال كامل من مدينة حلب وعاشوا في عزلة جبلية قاتلة، ولم يظهر العلويون للسطح، مرة أخرى، إلا في عصر الحركة التخريبية، حيث استغلهم، وبعملية تنميط ممنهج، حافظ الأسد وابنه الوريث، وهما للمفارقة، ليسا علويين ولا يمتـّون للعلويين بأية صلة، كهراوة وأداة بوليسية أمنية تأديبية فظة وضاربة لتثبيت نظام حكمهم الاستبدادي الذي انتهى في الثامن من ديسمبر، من العام الفائت، بتلك الصورة المتوقعة المهينة والمذلة والمشينة، لتعود عملية استنتاج واستنساخ المحرقة والهولوكوست والمأساة والتغريبة العلوية من جديد، ما استدعى ظهور بعض الأصوات والتحركات والأنشطة الاحتجاجية، التي اعتبرت، بشكل ما، بداية لولادة وظهور شكل من التكتل والحراك العلوي "السياسي" الذي لا يعتقد أنه سيفضي إلى تبلور تيار علوي سياسي قوي يفرض نفسه على المسرح في سوريا في ضوء تعقيدات وتداخلات محلية وإقليمية ودولية كبرى، مع افتقار واضح لأي دعم، مالي أو معنوي، من أية جهة ومرجعية فاعلة إقليمة او دولية، وانعدام تام للغطاء المالي، مع تمركز الثروة "التريليونية" الخرافية العلوية، في عهد الحركة التخريبية، وعلى مدار خمسة وخمسين عاماً، في يد أسقط وأبخل وأنذل طغمة طبقة وشريحة وحثالة مافيوزية مجتمعية عرفتها البشرية تميـّزت بالسفالة والتقتير والبخل الشايلوكي المقرف المقزز القبيح.
ومع ذلك فالصعوبات والتحديات الأهم والاساسية لا تكمن ها هنا، وحسب، بل في بنية وتكوين الكتلة العلوية، نفسها، والمفترض أن تكون الخزان البشري للعلوية السياسية. فهناك ثمة تيارات واتجاهات وانقسامات حادة، مجتمعية وسياسية وعقائدية، منها ما كان قائماً، ومنها ما استجد وظهر بعد انقلاب حافظ الأسد على رفاقه البعثيين العلويين. وتكمن اليوم ملاحظة عدة تيارات متباينة، تصل حدود التناحر واستعداء بعضها للآخر.
فهناك تيار واضح ومناهض معارض للوضع القائم، يمثله بعض النشطاء والنخب الإعلامية والأكاديمية والفكرية والحقوقية من العلويين، ظهر بقوة على الساحة، بعد مجازر آذار الفائت، وأداته الرئيسية كانت منصات التواصل الاجتماعي، وأفلح تقريباً في إيصال صوت العلويين ومعاناتهم وما يتعرضون لهم للخارج، لكن من دون أية فاعلية واقعية وجدوى مادية على الأرض، بإمكانها إحداث أي فرق جوهري في وضع العلويين الكارثي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، لا بل ظهرت بعض الخلافات و"الانسحابات" الفورية والعداوات والاتهامات الشخصية والبينية في بعض الأجسام والمجالس والهياكل التمثيلية، الصورية و"الافتراضية" (أي على الشبكة العنكبوتية) التي شـُكِّلت مؤخراً.
تيار آخر، منافس، يبدو ضعيفاً جداً ومن دون أي عمق، أو فاعلية، داخل البيئات العلوية المتناثرة والممتدة من مصياف حتى حدود تركيا، وهو بعض رموز ومافيات النظام السابق ممن يمتلكون الثروات الطائلة وتاريخ طويل وإرث عريض من النهب والفساد، ويحاولون عبر المال السياسي، شراء، واستئجار بعض الأصوات والمنصات، وفرض أنفسهم كقوة وهياكل تمثيلية للعلويين تنطق باسمهم، وتدافع عنهم، وتظهر بمظهر الممثل وحامي حمى العلويين، لكن كان العلويون، فعلاً، آخر همهم على الدوام، عندما كانوا في أوج عزهم ومجدهم السلطوي الهالك، وهم من كانوا أصلاً، من أسباب هذا الهولوكوست والكارثة والمأساة التي يكابدها العلويون اليوم.
وعلى مقلب آخر، فلقد تركت حقبة الحركة التخريبية ندوباً وجروحاً وشروخاً عميقة وآثاراً كارثية أخرى، ولا تخفى، على مجمل بنية وتركيبة البيئات والمجتمعات العلوية تجلت بالسعي الدؤوب، وبإشراف مباشر ومتابعة يومية وحثيثة من الدوائر الضيقة بالنظام، نحو إحداث أكبر قدر ممكن من الانقسامات والشروخ الحادة والفجوات الواسعة، وحتى العداوات والصراعات العشائرية المريرة بين العلويين، واستخدام تلكم التباينات والفروق والرؤى العقائدية والتفرعات العشائرية بين العلويين، لإضعاف الطائفة وتفكيكها وتفريق أبنائها والتمييز فيما بينهم، وكان عندهم "عشائر" لأبناء الست، وأخرى لأبناء الجارية، يتعامل معها بكل عنصرية وصفاقة ووقاحة، وكان يتعتم اختيار الكثير من المناصب والمراكز الحساسة في الدولة بناء على الانتماء العشائري، ودفع بأتباع بعض العشائر، من الحثالة والمرضى النفسيين، إلى الواجهة وسلـمهم القرار، ورقاب البشر، وقدّم لهم مزايا استثنائية لم يكونوا ليحلموا بها، يوماً ما، ومكنـّهم من مصائر وحياة وأرزاق العشائر الأخرى، وأطلق لهم العنان بذلك، فنكلوا بالعلويين وقهروهم وأجرموا بحق الكثير منهم وسجنوهم ومنهم من مات بالسجن قهراً وغيظاً، من شيوخ وشباب يافع زاهر مزهر، وأخذت بعض الأنشطة المعارضة العلوية السياسة، أحيانا، وبكل أسف، أبعاداً عشائرية، لا بل إن بعض التقييمات والدراسات الأمنية للعلويين كانت تصنف أوتوماتيكياً، وتتم أولاً بناء على الانتماء العشائري لعشيرة ناجية من النار، وأخرى لعشيرة مارقة وضالة عن النظام "المقاوم" (ورجاء ممنوع الضحك والاستهزاء)، ولا تزال ذيول وتداعيات تلك الممارسات اللئيمة الفظة والقبيحة والشائنة لنظام الحركة التخريبية، قائمة لليوم وقد تترك بصماتها وآثارها داخل البيئات والتجمعات العلوية، وربما لا تمحى لعقود قائمة.
كتلة وطبقة لا بأس بها رمادية ضبابية خائفة متوجسة، لا موقف سياسياً علنياً لها، تتألف بالعموم من الموظفين والعمال الذين كانوا يعملون في مؤسسات النظام البائد ودوائره الحكومية، وما زالوا على رأس عملهم، ووجدوا أنفسهم أمام ساطور قرارات تمييز طائفية جائرة طالت زملاءهم "العلويين" حصرياً وتحديداً، وباتوا يعيشون حالة دائمة من القلق والخوف والرعب من "الفصل" من الوظيفة، وقطع الرزق، وراتب بشار الدولاري الهزيل، الذي لا يشبع عصفواً، ومهددين بالإحالة الجبرية الكيفية والمزاجية، من القابضين على القرار اليوم، لإجازات مدفوعة تمهيدية قبل عملية الفصل النهائي، وبعد مشاهدة ومعايشة إجراءات تعسفية عينية طالت زملاءهم، وقسم من هؤلاء لا يمكن التعويل عليه في بناء وتشكل العلوية السياسية، ومن الصعب أن يكونوا جزءاً من أي من حلقاتها، ولا زالوا في نفس تلك الحالة من عدم "الحديث" بالسياسية، والتطرق لـ"النظام" بأية كلمة خارجة عن "الطريق" والخوف من العسس والمخبرين والوشاة "الحاقدين"، والخوف العام الذي يشمل الجكيع، الذي تركه نظام الحركة التخريبية البوليسي الأمني الاستبدادي الإجرامي على جميع السوريين، وليس العلويين، من عواقب الانخراط بأي عمل أو حديث ونشاط سياسي مهما كان.
الكتلة الاعرض والأشمل هي تلك الكتلة الصامتة من الفقراء والجياع والمظلومين والمهمشين والعاطلين عن العمل والمزارعين والفلاحين في الأرياف البعيدة، والمغضوب عليهم من النظام البائد، الذين لم يستفيدوا من النظام البائد، سوى بدفع ضريبة الدم لمنظومة الفساد الأسدية، وتقديم قوافل الشهداء والقرابين من أجل تحالف عرش آل بهرزي-أخرس المافيوزي الاستبدادي، وكانوا وقوداً مجانية ورخيصة (ساعة حائط صينية بدون بطارية أو سحارة برتقال)، وضحايا لحرب ضروس طاحنة لا ناقة لهم ولا جمل بكل ما حدث ويحدث أو سيحدث مستقبلاً، ويكابدون اليوم ظروفاً معيشية قاسية من الفقر والجوع والقلة وانعدام الموارد والدعم من أية جهة، كما لم تظهر عليهم، ولم تشملهم "بركات" و"نـِعم" وعطاءات عملية التغيير، ولا يهتمون، بالمطلق، بمن هو على رأس السلطة، كما لا يهتمون بنفس الوقت بمن هو في ضفة المعارضة، وعلى قول المثل: "كيفما مالت يميلون".
معطيات مرة وصادمة وقاهرة، لا تبشر بولادة أي كيان وجسم علوي "سياسي" بسهولة وسلاسة وقوة يتوقع لها أن تحدث أي تغيير، نوعي وشيك، في الواقع العلوي المأساوي الداكن الكئيب المظلم المميت.
(يتبع)......
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟