أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلام المهندس - فاطمة الشيعية وفاطمة السنية














المزيد.....

فاطمة الشيعية وفاطمة السنية


سلام المهندس
كاتب وشاعر وناشط في حقوق الإنسان

(Salam Almohands)


الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 04:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كانت ابنتي الصغيرة تدرس في مدرسة خاصة في بيروت حين كنت مقيماً هناك قبل عام.
وذات مساءٍ، عادت من المدرسة تحمل في ملامحها الصغيرة شيئًا من الحيرة. جلست قربها كعادتي لأسمع منها أخبار يومها، فقالت لي بصوتٍ متردد:

"بابا... اليوم عرفت أن في صفّنا بنتًا اسمها فاطمة، من بغداد، لكنها سنيّة!"

توقفتُ لحظة وأنا أستمع إليها، فلم تكن الجملة بحد ذاتها غريبة، بل طريقة قولها الممزوجة بالدهشة هي ما استوقفني. نظرتُ في عينيها فوجدت فيهما سؤالًا أكبر من عمرها. لم تكن تفهم كيف يمكن أن تكون فاطمة "سنية" وهي تعرف أن اسمها هي مرتبط في ذهنها منذ صغرها بأهل بيت النبي، وبالإيمان والولاء لفاطمة الزهراء عليها السلام.

ابتسمت وقلتُ لها: "وما الغريب في ذلك يا ابنتي؟" أجابت بسرعة الطفولة: "لكن فاطمة الزهراء شيعية مثلنا، فكيف تكون هذه فاطمة سنية؟"

كان السؤال بسيطًا في لفظه، لكنه يحمل في طياته وجع أجيالٍ كثيرة تربّت على أن الأسماء تنتمي إلى الطوائف، لا إلى الناس. جلستُ معها أحاول أن أشرح لها الأمر بلغةٍ تناسب عمرها، وقلت:

"يا فاطمة فاطمة الزهراء عليها السلام ليست شيعية ولا سنية، إنها بنت النبي محمد (ص) وهي أمٌّ لجميع المسلمين. كل المسلمين يحبونها ويجلّونها، مهما اختلفت طرقهم في العبادة أو الفهم."

نظرت إليّ ببراءة وقالت: "يعني فاطمة من الصف تحب فاطمة الزهراء مثلي؟"
قلت: "نعم، تحبها مثلك تمامًا، وربما أكثر. فليس في حبّ الخير اختلاف."

ابتسمت ابتسامة مطمئنة، ثم قالت كمن اكتشف شيئًا عظيمًا: "إذن لا فرق بيني وبينها، نحن الاثنتان نحمل نفس الاسم ونحب نفس الله."

سكتُّ طويلًا بعدها، أتأمل ما قالته. كم نحن الكبار بحاجةٍ إلى هذه البساطة، إلى هذه النظرة النقية التي لا تعرف التعصب ولا التصنيف. الطفلة فهمت في دقائق ما عجزت عنه منابر وخطب ومجالس منذ قرون.

تذكرت حينها كيف أصبح الدين عند البعض رايةً تُرفع لتقسيم الناس لا لتوحيدهم، وكيف تسلّل التعصب إلى حياتنا حتى غدا الاسم أو المدينة أو طريقة الصلاة سببًا كافيًا للحكم على الآخر. بينما في الأصل، كلّنا نسجد لله نفسه، وننادي نبيًا واحدًا، ونقرأ نفس الكتاب.

كم تمنّيت لو أن كل أبٍ وأمٍّ جلسا مع أطفالهما كما جلستُ أنا مع ابنتي ذلك اليوم، ليزرعا فيهم فكرة بسيطة: أن الاختلاف لا يعني العداء، وأن الإيمان لا يُقاس بالمذهب بل بالخلق، وأنّ فاطمة السنية وفاطمة الشيعية ليستا خصمين، بل هما انعكاس لاسمٍ واحدٍ يذكّرنا جميعًا بالرحمة والطهارة.

بعد أيام رأيت ابنتي تمسك بيد صديقتها فاطمة من بغداد وهما تضحكان في ساحة المدرسة. تقدّمت نحوهما، فسألتها مازحًا: "من هذه يا فاطمة؟" قالت بثقةٍ وفرح: "هذه فاطمة الثانية، صديقتي، لا فرق بيننا إلا في نوع الشطيرة التي نأكلها!"

ضحكتُ يومها من القلب، وقلت في نفسي
لقد فهمت ابنتي ما لم يفهمه الكبار.
فاطمة الصغيرة، بطهارتها وصدقها، علّمتني درسًا عظيمًا: أن الله لا ينظر إلى الطائفة، بل إلى القلب.



#سلام_المهندس (هاشتاغ)       Salam_Almohands#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل انتصر حزب الله ؟
- مدينة الرعب تحت حكم الإسلام الطائفي
- مدرسة الإنسانية واهدافها النبيلة
- دراسة لمكافحة  الفساد في العراق
- كيف تكون الديمقراطية حقيقية لبناء الدولة؟
- كيف تكون الديمقراطية حقيقية لبناء الدولة؟
- صراع الافاعي في ارض العراق
- البطالة والتسول في ظل حكومة عراقية فاسدة
- دولة الحاكم ومليون حرامي
- الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إحلال السلام حقنًا للدماء
- مهما كانت تكلفة الوصول إلى المجد فنحن مستعدون لها
- الفيس بوك اصبح منصة اعلان الوفيات
- دعوة السلام والتسامح والمحبة بين المجتمعات
- عندما تحمل فكر إنساني
- وطننا ميليشيات إيرانية و مستشفيات إسلامية
- الكتابة  وتقييد  حرية الرأي
- الإنسانية لبناء الوطن
- تطرف رجال الدين وإرهاب الميليشيات الإسلامية
- خطورة مشروع الدولة الدينية
- جمهورية الصبيان


المزيد.....




- قوات الاحتلال تعتقل أربعة مواطنين من سلفيت وتغلق مدخل المدين ...
- ما بعد الرؤية الترمبية .. القضية الفلسطينية برعاية عربية إسل ...
- وسط صمت بريطاني مريب.. تحذيرات من تغلغل الإخوان في أوروبا
- هل تغض لندن الطرف عن أنشطة الإخوان رغم التحذيرات الأوروبية؟ ...
- ميرتس: لا تعاون مع -حزب البديل- ما دمت رئيسا لحزب الاتحاد ال ...
- قائد الثورة الاسلامية يعزي بوفاة العميد علي رضا أفشار
- الاحتلال يعتدي على شبان في كفل حارس شمال سلفيت
- بسبب الإخوان.. تغريم بنك شهير 20 مليون دولار لصالح سودانيين ...
- تفكيك نفوذ الإخوان في أوروبا.. المواجهة تصل إلى أيرلندا
- الزاوية المصمودية.. وقف آوى فقراء وصوفية المغاربة في القدس


المزيد.....

- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلام المهندس - فاطمة الشيعية وفاطمة السنية