قاسم علي فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 18:11
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ان اسيا لديها الأنبياء وأوربا لديها الأطباء......................ادجار كينيه.
الاستشراق أسلوب تفكير يقوم على التمييز الوجودي والمعرفي بين ما يسمى "الشرق"، وبين ما يسمى -في معظم الأحيان- "الغرب"........ ادوارد سعيد
في الشرق ينظر الماركسيون الجدد
لا توجد طبقة عاملة، وان وجدت فأن المتحكم فيها هي البنى الفوقية.
لا توجد طبقة بورجوازية، وان وجدت فهي غير مكتملة النضوج والنمو.
لا يوجد صراع طبقي، هناك صراع هوياتي.. قبلي وعشائري وديني وطائفي وقومي.
لا توجد طبقات، توجد عشائر واديان وطوائف وقوميات.
لا توجد دولة، بل زعامات عشائرية وميليشياتية ومافيوية.
لا توجد ماركسية وشيوعية، فهي لا تصلح لهذه البقعة. هي فقط في عقل "اليساري التقليدي".
الماركسية والشيوعية افكار خاصة بأوربا، فهناك طبقة عاملة وطبقة بورجوازية وصراع طبقي.
يجب تحليل التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية ووضع بدائل فكرية وسياسية جديدة لها، وليس الاعتماد على أفكار القرن التاسع عشر.
الطبقة العاملة ان وجدت فهي قد ولدت قبل الطبقة البورجوازية.
لم تنتهي قائمة طروحات "الماركسيون الجدد" فهم دائما وفي كل عام يتحفونا بطرح جديد، ونحن بانتظار ما تجود به قريحتهم واذهانهم المتوقدة.
عندما تقرأ كتاب المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد "الاستشراق.. المفاهيم الغربية للشرق"، تخرج بمجموعة من الاستنتاجات حول هيمنة التصور الغربي على عقول الكثيرين، او لنقل مدى تغلغل تلك الصورة التي صنعها الغرب لبقية أجزاء العالم، فكل ما انتجه الغرب هو خاص فقط بالغرب، لكن ما تم انتاجه في بقية أجزاء العالم من الممكن انتقاله للغرب.
يتتبع ادوارد بشكل عميق ومكثف تكون تلك النظرات لدى الغرب وهو ينقل بعض تلك النظرات: (لا تنطبق عليهم "الشرق" مفاهيم المصالح الطبقية والظروف السياسية والعوامل الاقتصادية اطلاقا)، أو أن (بعض العناوين الرئيسية مثل الرأسمالية والاشتراكية لا تفي بأغراض الإسلام الحديث)، وعندما يقول المستشرق الإسلام فأنه يقصد الشرق، او (ان الشرقيين لم يفهموا يوما ما معنى الحكم الذاتي بالصورة التي نفهمه بها نحن)، وما يؤكد تلك النظرات ما اختزله المستشرق الفرنسي العنصري ارنست رينان بأن الشرق هو "الخيمة والقبيلة"، ثم يلخص ادوارد تلك النظرات ويوجزها بالقول "فمهما يكن عمق الاستثناء الخاص، ومهما تكن قدرة الشرقي على النفاذ من الاسوار المحيطة به، فهو أولا شرقي، وهو ثانيا انسان، وهو أخيرا شرقي مرة أخرى".
الشرق في الفهم الغربي ثابت لا يتغير، المزاج والطبيعة والأخلاق والعقل والعادات، هذا الثبات ترسخ في عقول الكثيرين، وهو يخرج في كتاباتهم وفي الكثير من النتاجات.
وأكثر من وقع في تلك التصورات المصنوعة في اوربا هم الماركسيون في الشرق، فإلى الان لم يحسموا القضايا التي من المفترض انهم يؤمنون بها، فبين الحين والأخر يخرج أحدهم ليتحفنا بنظرية جديدة، تجد فيها هيمنة التصور الاستشراقي التي رسخها الغرب، هذا التصور يمثل سلطة "للقوة الثقافية" كما يقول ادوارد.
فعندما يقول أحدهم "لا توجد طبقة عاملة" او انها "تتحكم فيها قوى فوقية" أو "الطبقة العاملة وجدت قبل البورجوازية"، فهو هنا يفكر بما صنعه التفكير الاستشراقي، أي ان عقله خاضع تماما لتلك النظرات، لأنه لا يعطي بدائل لتلك الأفكار؛ لنذهب معه: "لا يوجد صراع طبقي"، هذا شيء جيد، حسناً، ما هو شكل الصراع الموجود هنا؟ انه صراع "هوياتي"، قومي، عشائري، ديني، طائفي. اين يوجد الصراع الطبقي؟ فقط في الغرب، هناك نمط الإنتاج الرأسمالي تام النضج. حسنا، اذن لماذا تريد ان تكون ماركسيا هنا وتكتب وتنظر في الماركسية؟ لماذا لا تكون "هوياتي" عشائري، قومي، ديني، طائفي؟ اليس هذا أفضل؟ لا، يجب ان نجد تحليل للتشكيلة الاجتماعية والاقتصادية، حتى نخرج برؤى جديدة. ولماذا هذا التعب وصرف الجهد والطاقة؟
أو مثلا يقول لك "الطبقة العاملة وجدت قبل البورجوازية". حسنا، لنسلم معك بهذا التنظير "الفلتة"، لكن الطبقة العاملة منهجها ماركسي، يعني أنك بالضرورة ستتبع المنهج الماركسي، وهذا المنهج لا يوافق بهذا الطرح، فالماركسية تقول ان البورجوازية ولدت حفار قبرها، وانت تقول ان الحفار جاء ليحفر حفرة لشيء غير موجود؛ ترى هل هذا كلام منطقي وسليم؟
هذه الطروحات والأفكار التي تخرج من هنا وهناك لها منشئين جوهريين، أولا هي هروب من الماركسية، فهذه النظرية بدأت تشكل عبئا على الكثير من اتباعها، وهؤلاء بدأوا بشكل رسمي بالتفكير في الخلاص منها، فبعد ان هربوا من احزابها، أي خرجوا من المنظور السياسي الميداني والعملي، بقي المتعلق الأخير الا وهو الفكري والنظري، هنا قام هؤلاء باستيراد بعض الأفكار الليبرالية، وغلفوها بلغة ماركسية، والا ماذا يعني القول ان "البنى الفوقية هي المتحكم بالواقع الموجود في العراق وإقليم كوردستان"؟ ثم يقول لك "خلق نقابات عمالية ومهنية مستقلة عن الأحزاب"!! وهذا الطرح ضمن ما يسميه "الاستراتيجية النضالية"، الجديدة طبعا؛ لكنه لم يقل لنا على ماذا تناضل هذه النقابات؟ اكيد حسب فهم "الماركسيون الجدد" تناضل هذه النقابات ضد الاخلاق واللغة والدين والأفكار والقيم العشائرية والقومية؛ فالبنى الفوقية هي المتحكم بالمشهد، وهنا نرى العمال وهم يحققون الانتصارات بالإضرابات والاعتصامات ضد اللغة المستخدمة من قبل الطبقة البورجوازية!!! اسف، لا توجد بعد طبقة بورجوازية.
وهو الطرح الآخر، يكنب أحدهم معتمدا على سطر يتيم في كتاب، في التصنيفات الطبيعية يعد كتابا عاديا، يقتبس هذا "الماركسي الجديد" ما نصه (ولدت الطبقة العاملة في العراق قبل تشكل البورجوازية بكثير، وقد خاضت نضالا طبقيا وواجهت القمع قبل ان تبرز البورجوازية في العراق الى الوجود). ومن خلال هذا السطر يبني طرحه الجديد، ويعد نفسه كأنه ابتكر او اكتشف شيئا يريد نشره على الماركسيين، حتى يستطيعوا رسم مخطط جديد لإدارة الصراع؛ لكن لنرى تناقضات هذا النص:
طبقة عاملة ولدت من اللا شيء، انها المسيح في الأسطورة الدينية، ثم بدأت نضالا طبقيا، أي انها قد تهيئ لها ان هناك عدو يستغلها، لكنه غير موجود حسب النص، فلم يأت بعد، فعلى من خاضت اذن نضالا طبقيا وضد من؟ مكنون النص لا يخبرنا بذلك، المشكلة ان هذه الطبقة العاملة واجهت القمع!! لكن من من؟ وعلى ماذا أصلا واجهت القمع؟ هل سٌلب او سٌرق منها شيء ما؟ تصور هذه هي الطروحات الجديدة "للماركسيون الجدد"، وهي تشبه الى حد بعيد ما وصف به مؤرخ الفلسفة ول ديورانت لفلسفة القس بركلي من انها "بناء شاهقا فريدا في بابه من الشعوذة المنطقية".
اما المنشأ الثاني لمثل هذه الطروحات فهي سيطرة وهيمنة الطروحات الغربية الليبرالية، فتلك الافكار تؤمن ب "مركزية الغرب"، والمستشرقين لعبوا دورا كبيرا في هذا الطرح، لقد رسخوا فهما ان ما موجود في الغرب غير قابل للتحقق في مكان آخر، وهذا الفهم كان قد ترسخ لدى الكثيرين، وهو يخرج في كتاباتهم بين الحين والأخر، رغم انه مغلف بلغة براقة، لكن كما يقول مهدي عامل بصواب بالغ فأن "مكر اللغة الإيديولوجية كله في ملمسها المخملي، تقول ما تخفي، وتخفي ما تقول، كأنها في خجل مما تقول، او في نفاق مستمر".
يقال ان نيوتن كان دائما يردد القول "ايتها الفيزياء احفظيني من الميتافيزيقيا"، ويجب علينا أيضا ان نردد امام طروحات "الماركسيون الجدد" ايتها الطبقة العاملة احفظينا من "الماركسيون الجدد" قبل الليبرالية.
#قاسم_علي_فنجان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟