أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - امير وائل المرعب - تحت مشرط النقد














المزيد.....

تحت مشرط النقد


امير وائل المرعب

الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 10:08
المحور: قضايا ثقافية
    


تحت مشرط النقد: لماذا لا توجد فكرة أو شخصية مقدسة؟
في رحلة البشرية الطويلة نحو المعرفة، لم يكن هناك عدو للتقدم أعظم من "القداسة". ليست القداسة الدينية حصرًا، بل كل فكرة أو شخصية أو نص نُحيطه بسياج من التبجيل، ونحصّنه ضد سهام السؤال، ونمنع عنه أداة الفحص الأهم: النقد. إن الادعاء بوجود كيان فوق-نقدي هو إعلان صريح بإيقاف العقل عن العمل، وهو جوهر الخروج عن أي منهج علمي حقيقي.
لكي تصبح قراءتنا للعالم "علمية"، يجب أن نتبنى المبدأ الأساسي الذي قامت عليه الثورة العلمية: لا شيء مقدس، وكل شيء قابل للتكذيب (Falsifiability).
## المنهج العلمي ضد منطق التقديس
يقوم المنهج العلمي على الشك لا على اليقين. العالم الحقيقي لا يسعى لإثبات نظريته بقدر ما يسعى جاهدًا لتكذيبها. إنه يضع فرضيته في أقصى الظروف قسوة، ويدعو الآخرين لتحديها. النظرية التي تصمد أمام محاولات الهدم المستمرة هي فقط التي تكتسب قيمتها مؤقتًا، مع بقاء الباب مفتوحًا دائمًا لظهور دليل جديد ينسفها.
على النقيض تمامًا، يعمل منطق التقديس. هو يبدأ بيقين مطلق ويطلب الإيمان والتسليم. أي سؤال يُعتبر تشكيكًا، وأي نقد يُعد تجديفًا. هذا المنطق يحول الأفكار إلى أصنام، وأصحابها إلى كهنة، والتاريخ إلى مجرد ترديد لما قاله الأسلاف.
## تفكيك القداسة: من الرؤساء إلى الأنبياء
عندما نضع هذا المبدأ كمسطرة، نجد أنه لا يستثني أحدًا. يجب أن يمر كل شيء تحت "مشرط النقد" هذا لتنكشف قيمته الحقيقية:
* الرؤساء والزعماء السياسيون: تقديس القائد هو الوصفة الأكيدة للاستبداد. فالتاريخ مليء بقصص الزعماء الذين تحولوا إلى طغاة لأن شعوبهم رفعتهم فوق مستوى النقد والمساءلة. القراءة العلمية للسياسة تقتضي تحليل قرارات القائد، ونقد سياساته، وقياس نتائج أفعاله بموضوعية، لا بالهتاف لشخصه.
* المفكرون والفلاسفة: حتى أعظم العقول في تاريخ البشرية، من أرسطو إلى آينشتاين، لم تكن أفكارهم مقدسة. لقد تقدم العلم والفكر لأن أجيالاً أتت بعدهم، وقفت على أكتافهم لا لتعبدهم، بل لتختبر أفكارهم وتتجاوزها. تقديس المفكر يقتل الفكر نفسه.
* الأنبياء والكتب المقدسة: هنا تكمن منطقة الخطر الأعظم بالنسبة للكثيرين. لكن القراءة العلمية تقتضي التعامل مع النصوص الدينية والشخصيات المؤسسة لها كمواضيع للدراسة والفحص. هذا لا يعني بالضرورة التجرد من الإيمان، بل يعني:
* النقد التاريخي: وضع النص في سياقه التاريخي الحقيقي. من كتبه؟ متى؟ ولماذا؟ وكيف تطور عبر الزمن؟
* النقد النصي: تحليل لغة النص، وتناقضاته الداخلية، وتأويلاته المختلفة عبر العصور.
* النقد الأخلاقي: فحص التعاليم الواردة في النصوص بميزان العقل والأخلاق الإنسانية المتطورة. هل لا تزال هذه التعاليم صالحة لعصرنا؟
إن إخضاع هذه المواضيع للنقد لا يهدف إلى الهدم، بل إلى الفهم الأعمق. الإيمان الذي يخشى السؤال هو إيمان هش، أما الإيمان الذي يصمد أمام أعاصير النقد فهو إيمان جدير بالاحترام على المستوى الشخصي، ولكنه يظل خاضعًا للفحص على المستوى المعرفي العام.
## لماذا هذا ضروري؟
التحرر من وهم القداسة ليس ترفًا فكريًا، بل هو ضرورة حتمية لتحقيق ثلاثة أهداف كبرى:
* تحرير العقل: العقل الذي يعتاد على وجود مناطق محظورة يفقد قدرته على التفكير الحر في كل المناطق الأخرى.
* تحقيق التقدم: لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم وهو يرسف في أغلال أفكار الماضي التي لا يجرؤ على مسّها. الابتكار هو ابن التمرد على المسلّمات.
* بناء إنسانية حقيقية: غالبية صراعات البشر الدموية قامت على أساس صدام "المقدسات" التي لا تقبل الحوار. عندما ننزع القداسة عن أفكارنا، يصبح الحوار ممكنًا، ويصبح التعايش قائمًا على العقل والمنطق لا على الصراع العقائدي.
في النهاية، القراءة العلمية للحياة وللتاريخ وللأفكار تتطلب شجاعة فكرية وتواضعًا معرفيًا. شجاعة لطرح السؤال الأصعب، وتواضع للاعتراف بأننا قد نكون على خطأ، وأن أعظم "الحقائق" التي نؤمن بها اليوم قد تكون مجرد خرافات بالنسبة لأجيال الغد. العقل النقدي هو الأداة الوحيدة التي نملكها، وكل شيء آخر يجب أن يكون مجرد مادة خام لعمله.



#امير_وائل_المرعب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحل وعي من لينين الى نظرية الوتار والوعي الكمي للمادة
- حلزون الوجود - نص تاملي
- “الصورة التي غيّرت كل شيء”
- صفقة تيك توك: تحليل استراتيجي للسيطرة على السردية في الساحة ...
- خطة لتطوير العراق
- الرياضيات اصلها عدم وهي اكتشاف وليس ابتكار
- الوعي مراة كاربونية معقدة للتناظرات الرياضية للكون
- التردد الكهروكيميائي والديالكتيك الدماغي وانعكاس وصراع الفكر ...
- السيمفونية الكونية: تحقيق في التناغم الفيثاغوري ونظرية الأوت ...
- العدد - ملخص كتاب بروفيسور جون ماكليش
- المعنى في الوجود الصفري - حوار
- المحرك الكمومي: من الفيزياء النظرية إلى إعادة تشكيل البشرية
- زياد الذي غيرني
- شهاب جيكور
- الكون الواعي: بحث في الضبط الدقيق، والواقع الكمومي، وطبيعة ا ...
- العراق عبر العصور 10 الاف عام من الحضارة والصراعات
- المادة والوعي
- رقصة الالكترونات هل تحمل مفتاح اللغز
- المادة الوعي الديالكتيك
- حوار مع الذكاء الاصطناعي عن لغز الوجود


المزيد.....




- من الأعلى..مصري يبرز مدينة أموات يقطنها الأحياء في مصر
- نشطاء -أسطول الصمود- يتحدثون عن سوء المعاملة.. وإسرائيل تنفي ...
- في السعودية..عدسة مصور تُظهر امتداد المدرجات الزراعية في جاز ...
- -لماذا نُحاسَبُ وحدنا؟- - غزيّون يستذكرون السابع من أكتوبر
- الانتخابات البرلمانية بعيون السوريين في الداخل والخارج
- ماكرون مطالب بإيجاد حل للخروج من الأزمة السياسية في فرنسا.. ...
- مصر وخطة ترامب حول غزة.. بين الترحيب و-شياطين التفاصيل-
- من النيبال إلى المغرب: مسلسل الصور المتحركة -وان بيس- يتحول ...
- لوفيغارو : الفرنسون يطالبون ماكرون بالاستقالة ويحملونه مسؤول ...
- مأساة عائلة من غزة.. 17 نزوحا متواصلا من التنقل والتشرد والن ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - امير وائل المرعب - تحت مشرط النقد