أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن بوطيب - آليات اشتغال اللغة الشعرية في قصيدة النثر الحداثية: ديوان -في الشارع المقابل لجرحنا القديم- للشاعرة تورية لغريب نموذجا















المزيد.....



آليات اشتغال اللغة الشعرية في قصيدة النثر الحداثية: ديوان -في الشارع المقابل لجرحنا القديم- للشاعرة تورية لغريب نموذجا


عبد الرحمن بوطيب
أديب، ناقد، قاص، شاعر (مدير مجلة امتدادات الرؤى الثقافية)

(Boutaib Abderrahman)


الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 03:01
المحور: الادب والفن
    


مقدمات
ــــــــــ الإبداع حامل منهج قراءته:
قال د. عبد الله الصائغ: (إن على الشاعر ــــــــــ كما قال الفرزدق ـــــــــ التنزيل، والناقد عليه التأويل...).
د. عبد الله الصائغ / دلالة المكان في قصيدة النثر / ط 1 / 1999 / الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع / سورية / ص 32.
التنزيل في هذا المقام هو للشاعرة تورية لغريب، متحقق وجوداً مع متن "في الشارع المقابل لجرحنا القديم"، والتأويل،
هنا وهناك، رهين بمتلق قارئ، (ولا يخفى ما للقارئ من دور، هنا، في تحقيق أدبية النص وجماليته، ذلك أن أدبيته
تلك تبقى معلقة منتظرة في حيز القوة، ما لم يتدخل القارئ لتحقيقها، فالنص بلا قراءة مجرد علامات متضامٍّ بعضها
إلى بعضها الآخر، لا ترتقي إلى درجة الأدب إن لم يباشر القارئ وظيفة القراءة الأولية، فالتأويلية، فالمتدبرة، ذلك أن
النص هو الذي يدعو، بنظامه العلامي الجمالي إلى التأويل فالفهم، وإنه لَكذلك لأنه يخيب لدى القارئ ما يسمى في
علم الأسلوب الحديث بأفق الانتظار...).
محمد بن عياد / التلقي والتأويل /مجلة علامات / 13 غشت 2020 /
مع إحالة على حسين الواد في "مناهج الدراسات الأدبية / ص 67.
. التنزيل أقوى سلطة من التأويل...، والتنزيل مراتب ودرجات، منها أنه قد يكون شعراً، أو قد يكون نظماً، أو قد يكون
تأليفاً لبديع كلام، وقد يكون، خارج هذا وذاك، من باب سقط متاع.
. التنزيل الشعري الرفيع يشب عن الطوق، فلا يخضع لقراءة نقدية واحدة ووحيدة... تتعدد رؤى التلقي حسب تعدد
مقامات كل قراءة وسياقاتها الوظيفية... ومنه، فالإبداع حامل مناهج قراءته، وفارض وجوب التمايز والتناغم
والتكامل بين أوجه القراءات المختلفة.
. أفق الانتظار المفترَض من هذه القراءة يتعين في محاولة استكشاف آليات اشتغال متن معين بما يدل على أنه نوع
خاص من جنس الشعر العام، كما تم التنصيص على ذلك تجنيساً في غلاف المتن بأنه "شعر"، من زاوية نظر معينة
ترى أن الشعر "لغة"... لغة تهرب من حد تعريف مسكوك بأنها "أصوات يقضي بها الناس أغراضهم"، إلى حد تعريف
وظيفي مرن بأنها "لغة شعرية... بها يتحقق كيان الشعر"...
هي قراءة مؤطِّرة لآليات اشتغال شعرية دلالية، وفنية جمالية، وتواصلية إبلاغية تأثيرية، من منظور نقدي نراه
ملائمًا كوسيلة للقبض على اللغة الشعرية الحاملة معالم سطح الكتن، ومكنونات عمقه... منهج يمتح آليات
اشتغاله من نقد بنيوي تكويني منفتح على إمكان توظيف إطار تداولي مسعف في تعميق المناولة القرائية هذه، على
اعتبار أن النوع الشعر ي في الديوان / النموذج لا ينضبط لمعايير تقييد نقدٍ قديم متجدد لخّصه المرزوقي في أنه «قول
موزون مقفى يدل على معنى...»، وقد وجب التنبيه، فهندسة اشتغال الفضاء الورقي في المتن تحيل إلى نوع من الشعر
جديد حددت سوزان برنار بعضَ معاييره في قولها (إنه قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحدة، مضغوطة، كقطعة
من بلور... خَلْقٌ حر، ليس له من ضرورة غيرُ رغبة المؤلف في البناء خارجاً من كل تحديد، وشيءٌ مضطربٌ، إيحاءاتُه لا
نهائية»، إنه قصيدة النثر المشاغبة... "نوع" من الشعر يقتحم بقوة صرح "جنس" الشعر.
. التباعد بين التعريفين يطرح إشكالات عديدة حول مفهوم الشعر وألوان تصريفه تناولها النقد والنقد المقابل، إما
بكل تطرف وصدامية، وإما بكل توسط وموضوعية... ومن بين هذه الإشكالات تساؤلٌ وجب أن يُطرح:
ــــــ هل التعبيرات الأدبية والفنية الجمالية ثابتة على أصل نموذج سابق، أم هي متغيرة سائبة غير منضبطة؟
أم هي بين ذاك وذاك؟
. قد لا نكون من المجازفين بالرأي إن قلنا ابتداءً إن التطور سنة كونية شمولية... سُنَّةٌ تمتد من تمظهرات القوانين
الفيزيائية، إلى تمظهرات الظواهر الإبداعية الإنسانية وتعبيراتها الحاملة معها رؤى وتصورات ومواقف، بشكل فني
خاص، وبلون تعبيري خاص في إطار المشترك الفني العام... فلا معنى لاحتمال وجود "نموذج" ثابت يقاس عليه، ولا
يُتَمَرَّد على سلطته... نؤمن بأن "قدسية النموذج" مجروحة، فلا حدود للتعبيرات الشعرية المحكومة، وجوباً، بشرط
ضرورة الانضباط لِسُنَّة التطور الكونية في اجتراح جريرة غواية شعر متمرد على بعض... أو على كل القيود... وفي هذا
قال د. كمال أبو ديب ــــ نقلاً عن د. صلاح بوسريف: (لقد طرحت الحداثة مقولةَ التجاوز المستمر ورفض التشكل
النهائي ومفهوم الكمال، وكانت الحداثة في الجوهر قلقَ النمذجة ورفضَ النموذج وسلطة المتشكل السائد).
د. كمال أبو ديب، جماليات التجاوز أو تشابك الفضاءات الإبداعية، دار العلم للملايين، ط 1، 1971.
نقلاً عن: د. صلاح بوسريف، حداثة الكتابة في الشعر العربي المعاصر، عمان، دار فضاءات للنشر والتوزيع، 2017، ص 138.
ــــــــــ التجنيس الصريح محصِّن أساس لموضوعية المقاربات القرائية للمتون:
. وضوح التجنيس بلفظ متعارف عليه نقدياً ــــــــــ في نسبيته التي نعتقد بصدقيتها ــــــــــ قاعدة انطلاق سليمة يمكن الركون
إلى مخرجاتها، ولو في أبسط الحدود.
. تجنيس الشاعرة تورية لغريب متنَها الإبداعي "في الشارع المقابل لجرحنا القديم" في جنس الشعر، دون تعيين لنوعه
الشعري الخاص الذي يسبح فيه محفزٌّ جوهري على الغوص في آليات اشتغال هذا الإبداع الدالة على النوع
المسكوت عنه في تجنيس المتن:
والمسكوت عنه / المسؤول عنه هو: أي نوع من أنواع جنس الشعر يسبح في حوضه هذا المتن؟
. المسألة تُطرح في إطار إشكال تجنيسي مزدوج البعدين:
ــــــ بعدٌ صريح، ملزم للشاعرة من جهة، وملزم للمتلقين من جهة أخرى، على اعتبار أن المتن "شعر"، وجب تلقيه في
خصوصيته، على اعتبار أن المتن منجز شعري متعين بكل ما للشعر من مقومات ثابتة أو متغيرة.
ــــــ وبعدٌ مسكوت عنه، غير ملزم للشاعرة بنموذج نوع معين خاص قد يصبح نموذجاً مقدساً لا تؤمن الشاعرة
بسلطته، كما أنه غير ملزم للمتلقين باحترام سقف معين في مراقي درجات استقبال تعبيراته الشعرية النوعية
الخاصة ومشروعية الحرية في تأويلها.
. سبق القول بأن "قدسية النموذج" مجروحة، فلا حدود للتعبيرات الشعرية المحكومة، وجوباً، بمعيار ضرورة
الانضباط لسنة التطور الكونية في اجتراح جريرة غواية شعر متمرد على بعض... أو على كل القيود.
. ومنه،أنه واهمٌ كل الوهم من يظن أن الشعر كائن مقبوض عليه في قفص حدود تعريفات مسكوكة، فسلطة
"النموذج" ــــــ قديمه وحديثه ــــــ لا مشروعية لها في هيمنةٍ على الإبداع مقصودةٍ، أو غير مقصودة، وبالتالي لا مشروعية
لقدسيةٍ محتملةٍ في الركون إلى منطق هذه الهيمنة التي لا منطق لها.
. ومنه، أن كل الأشكال التعبيرية الأدبية والفنية الكونية، وعبر كل مراحل التاريخ، لم يستحمَّ فيها المبدعون في نفس
ماء النهر مرتين، ولو ادّعوا ذلك وفاءً منهم لأصول "يقدسونها".
ـــــ مفارقة بسيطة، تابعة، غير أنها حاسمة، تحمل في طياتها تساؤلاً مشروعاً:
ما الداعي إلى "تعصب"، بعضِ المنتصرين للقصيدة الموزونة، مبدعين ونقاداً، وفاءً منهم للنموذج القديم في باب
الشعر، وتساهلِهم في أبواب إبداع أخرى نثرية ثبت بالملموس التاريخي خضوعها لقوانين تطور حتمية... دون أدنى
اعتراض من "متعصبين"، بين مزدوجتين حذر السقوط في شرك اتهام مجاني غير مسؤول؟
= منه نستخلص خلاصة أولى:
= الأديبة تورية لغريب شاعرة... شاعرة قدمت بين أيدينا متناً شعريًّا فريدًا، معه ننطلق من حكم ابتدائي يتلخص في
أنه متن يقدم "ديوان شعر نثري حداثي"، والضرورة المنهجية تقتضي وجوبَ الاستدلال على موضوعية الحكم
وصدقيته، في حدود نسبيته المشروعة.
. بالتالي، فهذه الوقفة / المقاربة، في محدوديتها المنضبطة لشروط إنتاجها الموضوعية، لا تعدو أن تكون جولةً
استكشافية في معالم شعرية لغة شعرية مع حروف جائلة في "شارع مقابل لجرحنا القديم"، تحاول، بها وفيها القبضَ
على آليات اشتغال نوع شعري نثري خاص، هو نوع التعبير الشعري النثري الحداثي في نموذجه مع الشاعرة تورية
لغريب خاصة، في إطار مشترك نوعي عام هو الإطار الشعري المنفتح على تكسير حدود أقفاص ما كان ينبغي لها أن
تكون صارمة... هي مغامرة في رحلة استكشافية تقف عند بعض بنيات تعبيرِ محمولاتٍ دلالية، وبنياتِ تأثيرٍ جمالية،
وبنياتِ إشراكٍ تواصلية غائية.
استكشافات
+ الشكل التعبيري الأدبي حاملُ آلياتِ اشتغاله النوعية:
. هي جدليةُ تعالقٍ تناغمي بين شكلٍ ومضمونٍ، متعارف على مشروعيتها، فلا وظيفية شعرية لشكل سابح خارج دائرة
متحكِّمِ تجربة ذاتية نوعية في إبداع، ولتورية لغريب منطلقات خاصة ترهن منتجَها بلون خاص، في تجربة ذاتية نوعية
ليست ـــــــــــ بالضرورة ـــــــــــ ككل التجارب المعبر عنها شعرياً، قالت الشاعرة:
لستُ شاعرة
أطلق رصاص قلبي
أكنس رماد الكلام
وأنتظر الخلاص
وقالت: (لعل ديواني يحمل تصوراً واضحاً عن رؤيتي للشعر، بحيث توحدت نصوصه حول الرسالة السامية للشعر،
التي تهدف للتعبير عن هواجس الذات والمجتمع).
. فماذا عن هذه الرؤية "لغريبية" للشعر، الحاملةِ في طياتها ألوانَ تجربة شعرية متفردة، موسومة في هذا المقام بأنها
رؤية شعرية مؤسسة لتجربة حداثية معبرة عن هواجس ذات ومجتمع؟
1 ــــــــــ في مغامرة استكشاف بنياتِ تعبيرِ محمولاتٍ دلاليةٍ: من تيمات دالة، إلى قيمة مهيمنة:
. اللغة الشعرية الوظيفية حاملةٌ محمولاتٍ دلاليةً قضوية:
= قطبان دلاليان مهيمنان في المتن:
ـــ قطب تيمة ثورة ذات مجروحة ثائرة فاعلة غير منهزمة.
ـــ وقطب تيمة واقع خائب صادم في ممانعة منه لا يرتفع:
+ ألف: تجليات بوح بهموم الذات الشاعرة:
وحيدة أمضي
كغيمة صيفية
كأغنية عابرة...
بحب كبير
أمضي
وبين ضلوعي
نصف قلب
نص: "مرآة القصيدة" / ص 99.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا أعود إليَّ من جديد
شفافة
أحدثني عن الضجيج العالق
في ثقوب الذاكرة
عن جنازات فقدت الأمل
عن غد اغتالته أياد غادرة
نص: "سحقاً أيها الشعر" / ص 95
= الشاهدان معبران عن لحظة بوح صريح بكامنٍ حارقٍ في صدرٍ ملتهب... صدرٍ يهرب من ذات موجوعة إلى حضن شعر
مفارق، ومن شعر آثم إلى ذات، ربما لا يستجيب لذاتٍ رافضة مسكونة بصرخات في وحدة تسافر عبر سماءٍ سفرَ غيمةٍ
صيفية لا تمطر... تتغنى بهموم لازمة، قد لا تكون بالضرورة ودوماً كأغنية عابرة لا ترسخ في ذاكرة... رحلة سيزيفية
بنصف قلب بين الضلوع.... شفيفة... تكشف بالحروف عما يختلج في الأعماق من ضجيج عالق كَرْهاً في ثقوب ذاكرة
مشروخة... إنها الوقفة النابضة حزناً في قلب شارع مقابل لجرح قديم... وما أكثر الشواهد على ذات بطولتها
إشكالية... ذاتٍ حاملةٍ قيماً إيجابية في واقع منحط خائب.... قد تنتهي إلى مأساة... وقد تنجو بجلدها وبعضِ حروف.
تيمة حزن دفين / شاخص / هامس / صارخ في نفس الآن، تتلون بحرقة من واقع عَجَّ بجنازات فقدت الأمل في أفقِ غَدٍ
اغتالته أياد غادرة...
. موطن الشاهدين، تعبيراتٌ عن انكسارات واقع شاخص لوَّنته الشاعرة بما وصفها به د. نجيب العوفي في تقديمه
المتنً / الديوانَ بأنها (رمادية شعرية تلتمع عطفاً ــــــــــ في سياقها تيمة جميلة ومهجورة تتجلى في هذا الانحياز الشعري
لهموم البسطاء والمغتربين والمشردين والمكلومين... بما يعيدنا إلى ذلك النفس الشعري الالتزامي الذي ألهب قصائد
السبعينيات والثمانينيات، وخبت جذوته في قصائد الوقت).
د. نجيب العوفي / المقدمة / ص 5
= هي إذن تعبيراتُ كشفٍ عن انكساراتِ موضوعٍ تعتلي متنَ لغة شعرية خاصة، موسومة بنفس تراجيدي صادم...
+ باء: تعبيرات كشف عن ثورة على انكسارات موضوع خائب مُخَيِّب:
قالت الشاعرة راصدة "طقسَها الشعريَّ" الصامدَ الرافضَ:
أكتب الشعر...
لأحفظ قلبي أحمر وغدي أبلج
...............
لا أطيق صوت الرصاص
حينما يشتد وطيس الحروب المستعرة
أكتب الشعر
لأن عبق الحرف يـعدل ظَهر الأيام العصيبة
يعمد الشمسَ بنور لا يصدأ
فترتفع سِدرةُ اللغة تزين أجرام السماء
وترمم الشقوق على جبين الفرح الهارب
...............
أكتب الشعر
لأورثكم زمرة دمي الثائرة
لتكتبوا على شاهدة قبري:
هنا ترقد امرأة عاشت بقلب أحمر !
فارتوت من نبع القصيد
ونجت من حياة جائرة
نص: "طقس شعري" / ص 9
غيض من فيض ثاوٍ بين دفتيْ متنٍ حاملٍ رسالةَ شعر ملتزم... معبِّرٍ عن جدلية صراع بين كيان ثائر رافض وواقع
مرفوض ضاغط، موقف جريء تصرح به الشاعرة في حوار معها قائلة: (في الشعر يجتمع ما هو عقلاني بما هو حسي،
إنه زاوية أخرى للنظر إلى العالم، من خلاله يمكن التعبير عن مشاعر لا يمكن وصفها بطريقة أخرى، أعتقد أنه وسيلة
فريدة للتفاعل مع الواقع، بحيث ينمي القدرة على التفكير وفهم مشاعر الذات الشاعرة... مَن منا لا تراوده تلك
الأفكار عن التغيير سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي؟
والشعر كجنس أدبي يمكنه أن يكون وسيلة للتغيير الاجتماعي، من خلال تسليط الضوء واستثارة الوعي حول
الجوانب التي تهم المجتمع انتصاراً للإنسانية، وذلك لا يتأتّى إلا من خلال قوة النصوص التي يشتغل عليها الشاعر،
ليس فقط من حيث الشكل، بل المضمون أيضاً، الذي يتجاوز التعبير عن هذه الرغبة في التغيير، إلى إيصال صوت
المستضعفين إلى أصحاب القرار، وهذا رهين باستحضار رسالة الشعر التي تناشد الحس الإنساني في الشاعر...).
مجلة العرب اللندنية الورقية / نص الحوار الذي أجراه مع الشاعرة الأستاذ عبد الرحيم الشافعي
+ جيم: تعبيرات كشف عن رؤية للعالم:
زاوية أخرى للنظر إلى العالم... رؤية خاصة تتلون بروح تجربة شعرية خاصة في تلويناتها، مندمجة في سياق منجز من نظيراتها من تعبيرات شعرية ملتزمة سابقة ومزامنة...
عندما تكشف الشاعرة تورية لغريب أعماق ذاتها، وعندما تعري سطح محيطها، فإن تعبيرها لا يأتي من باب انسياق
غير واع وراء دفقات شعرية تفرض نفسها عليها ساعة مخاض على علاتها... إنها الشاعرة الناظرة في مقول قولها،
المقلِّبة أوجهَ تعبير على أشكالها، الباحثة عن صوغ شعري حامل رسالة وقضية.
أكتب الشعر
لأورثكم زمرة دمي الثائرة
لتكتبوا على شاهدة قبري:
هنا ترقد امرأة عاشت بقلب أحمر !
نص: "طقس شعري" / ص 9
. من باب قياس الكل على الجزء، بعيداً عن أي إسقاط تعميمي، يمكن الاستدلال على مشيرات الرؤية للعالم لغريبية
من مداخل المقطع الشعري السابق المعجمية:
ــــــــــ مشير أن الشعر: كتابة، والكتابة تدوين رأي مصرح به لفظاً ودلالة ومقصداً.
ــــــــــ مشير أن الشعر عملية توريط في إرث، والإرث زمرة دم ثائرة... تصريح ملزِم باعتناق ثورة... ثورة حمراء من شاعرة
عاشت، مجازًا، بقلب أحمر.
رمزية المشيرات المنصوص عليها بالمداخل المعجمية (أكتب / أورثكم / دمي / الثائرة / قلب أحمر)، هي مداخل دالة
على موقف / رؤيا شعرية تنسجم ومنظورَ اعتبارِ"اللغة الشعرية" حامل كل آليات اشتغال المتن الشعري، بقدر ما هي
حاملة شعرية المغامرة بتلوين التعبير الشعري بحمولة مداخل معجمية رمزية رامزة محيلة على محمول دلالي عميق،
غير مباشر، ثاوِ بين ألفاظ وجمل، وتراكيب، ومقاطع، وانتقالات تعبيرية تأثيرية تنويرية تثويرية، وهذا ما أوضحه
الناقد





2 ــــــــــ في مغامرة استكشاف بنيات تأثير جمالية:
+ البنيات التكوينية: (وظيفة دلالية تعبيرية / وظيفة جمالية تأثيرية / وظيفة تواصلية توجيهية):
+ لعبة تكسير ما وجب في حقه تكسير من إكراهات واقع ضاغط لا تستسلم أمامه ذات ثائرة، تتجلى وحدة عناصر
تأثيث رسالتها الملتزمة بوحدة موضوعية، ووحدة عضوية معبرتين ضمنياً عن وحدة تصور قرائي لصراع وجودي بين
حد انكسار وحد انتصار، في ظل حامل شعري موسوم بأنه قصيدة نثر.
أولاً: وحدة موضوعية، ووحدة عضوية: انتقالات محكمة تهيمن على جسد كل مفردات المتن العشرين... لحمة وسدى
بينهما عروة لا تنفصم... في تجاوز صريح لظاهرة بيتية مهيمنة في القصيدة الموزونة بالانزياح إلى بنية سطرية خطية
مشكِّلةٍ جملاً شعرية...
الجملُ الشعريةُ المشكلةُ جسدَ النصوص متناغمةٌ متسقة... مفتتحات وقفلات... المفتتحات "عتبات" ممهدة
لتعبيرات متلاحمة الأعضاء من نص / كيان قائم بذاته هي القفلات المؤسسة مع مفتتحاتها وحدة موضوعية متجاوزة
تعدد أغراض، أو موضوعات في الجسد الواحد.:
+ نموذج، وليس هو الوحيد، قالت الشاعرة:
+ في "العتبة / المفتتح":
ليست حروباً...
تستطيع أنثى ثائرة
أن تحدث كل هذا الخراب
ص 15
+ وفي الجسد / القفلة:
في الشارع المقابل لجرحنا القديم
نزيف لا يخاف الموت
وحدها
سنابل القمح تعلم
كم من فم ضاق به الرغيف

وحده الرب
يحصي في سجل الحياة
أطفال الوعود الكاذبة
وهم يتساقطون تباعا
في يد قابلة
لم تحصّن نفسَها
من الحياة

نص: "قبلة فارة من ساحة البارود" / ص 17
ثانياً: لعبة لغة / معجم وظيفي حامل شعرية إدهاشية:
في باب لغة الشعر في قصيدة النثر قال الناقد المتعدد نور الدين حنيف أبو شامة: (أكاد أجزم في طرحي المتواضع بعض
الصواب في عزلي قصيدة النثر عن سياق ردّة الفعل، على اعتبار أنها كيان عضويُّ الوجود لا صوري، وأصيل الكينونة
لا متناسل عن أبوة، وحتميُّ الحدوث لا عابر، ومستقلّ الكينونة لا تابع، ودليلي في ذلك وجود بعض المتون الإبداعية
القديمة التي انفلتت من قبضة التجنيس، وأذكر منها مواقف النفري التي جدّد فيها اللغة الشعرية ورفع الكتابة إلى
مراتب إدهاشية غريبة.
ولقد كان المتنُ النّفريُّ ــــــــــ على حد قول أدونيس ــــــــــ "يتحرك صامتاً في نطقه، وناطقاً في صمته، فهو يستخدم اللغة لا لكي
يعبّر بالكلمات، فهذه عاجزة، وإنما لكي يعبّر بما يقدر أن ينسج بها من علاقات هي رموز وإشارات... اللغة هنا، جوهرياً،
مجازية... إنها تُخْرِجُ ما تفيده الكلمات عن موضعه من العقل إلى ما لا يمكن فهمه إلا تأويلاً"...).
أدونيس، الشعرية العربية، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى 1985، ص 71
نقلاً عن نور الدين حنيف أبو شامة / في استشكال قصيدة النثر / مقدمة كتاب قيد الإعداد.
= انطلاقاً منه، وتأسيساً عليه، نتساءل: (ما هي إمكانات لغة تورية لغريب الضامنةُ تَفَرُّدَ تجربتها اللغوية في تعبيراتها
الشعرية، كما هي في المتن؟).
. دون أدنى شك، وانطلاقاً من الحامل اللغوي لمجمل القضايا والتعبيرات الفنية المرتبطة بها في المتن، خارج دائرة
تحقيل غير لازم، نقول:
ــــــــــــ تورية لغريب شاعرة تحترم قواعد المغامرة في قول الشعر انطلاقاً من احترامها قواعد اللعب باللغة... شاعرة
متمكنة بعمق من قواعد سلامة ضاد... مرة تلعب بلفظها بحد توظيف تقريري مباشر مراعٍ حقيقة دلالة دال، بما
يقتضيه سياق التوظيف التعبيري الجمالي التأثيري ذاك، ومن ذلك قولها:
يقول طالعك اليوم:
اسمك المكرر لا يعنيك
ولا يعنيني أيضاً...
أصابعك الطويلة
تكفي
لنفض الغبار عن ملامح
حبيبتك السابقة
تلك التي طردتَ الضيوف باكرا
من حفلتها الراقصة
نص: "زوابع العناد والغياب" / ص 27
. شاهد ملغوم... حربائي... يتلون بألف لون ولون... يغري بتلقي لفظ على ظاهر قول... ويسمح بالجري، حيناً آخر،
وراء لفظ ممانع يرحل إلى حدود تخوم انزياح وخروج عن مقتضى ظاهر إلى دلالات لا يستقيم القبض عليها إلا بتلذذ
معانقة غواية لعبة تكسير دلالة لغة:
قالت الشاعرة:
قرص القمر...
وجهُ الحبيبة عند الشعراء
رغيف جوعى العالم
موائد مستديرة لأشلاء وطن منكوب
عتبة نص "حرف مخمور" / ص 39، الذي قالت فيه:
القصيدة حرف مخمور
يترنح في رقصة غجرية
الليل...
زاوية ينسكب فيها رماد البسطاء
اقفل نوافذك
وغادر
اترك تذكارك الأخير،
ونجمة وحيدة
تضيء عتمة الحنين
نص "حرف مخمور" / ص 41

ثالثاً: لعبة تصوير زمكان / مشهدية إبداع في مرسم فنانة:
ــــــــــــــ تورية لغريب شاعرة تشكيلية محترفة... الرسم بالكلمات يهرب منها إليها... يسعى جاهداً للفرار من قبضتها خارج
مرسم وأصباغ ولوحات... فتقبض عليه حياً أو حياً في أحضان شارع مقابل لجرحنا القديم.
. عود على بدء، محاولة تمثل مشهدية الجرح الطافح وجعاً... من حد ذات، إلى حد موضوع:
كأني بها وُلِدَتْ وفي يدها ريشة... في قلبها رعشة... في أعماقها حرقة... على شفاهها، بلسانها، صرخة:
خذ ضجيج صمتي
وتعال لنسقط معًا
في قصيدة على هيئة فرح
أكتب بخطي الرديء
أجمل عبارات الحب
أراقص حظي المتعب
على إيقاع التانغو
وأشرب نخب الهزائم
مع قضايا وطني الخاسرة
نص: "عيناك والوطن" / ص 75
مشهدية الجرح الطافح وجعاً في الشاهد لا غبار عليها... ترقص على حبال استعارات تشخيصية تؤنسن فضاءات
وجع... من هنا وجبتْ وقفةُ تأملٍ على مشارف وظيفية عنوان خارق كل مألوف: شارع مقابل لجرح قديم...
. ثنائية تعالق مكان وزمان... ثنائية قديمة في القول الشعري العربي... جديدة مع الشاعرة تورية لغريب...
. تعالقات طرفي ثنائية لغريب ليست نسخة مكرورة من تعالقات تقليدية خرجت إلى حدود تفسير ديني فرضته
مقاماتُ قولٍ قديماً وسياقاتُه... تورية لغريب ـــــــــــــــــ في شعرية تفاعل مكان وزمان ـــــــــــــــــ تورط متلقي بوحها بحشره بين
سلطة مكان، بكل حرفيته المتمثلة في مظهره الطوبوغرافي المحكوم بمعايير أبعاد الطول والعرض والارتفاع والمساحة
والمعمار، وسلطة كينونته كفضاء دلالي متلون بنفسية إنسان وجد نفسه مقبوضاً عليه وعلى جراحاته في فضاء مكان
ليس ككل مكان... وفي زمان ليس ككل زمان.
. الطرفان: مكان وزمان... المكان شارع مقابل زمن جرح قديم...
ـــــــــــ حضور المشير المكاني المتعين ليس تأثيثاً مجانياً... ظاهر المعنى يحيل إلى مكان فيزيائي معروف... بَيْدَ أنه خف
توظيف، يحيل إلى فضاء مكاشفةٍ وإدانة... مكاشفةٍ واصفةٍ واقعَ حالٍ ووجعٍ... وإدانةٍ لكل ما لا يجوز فعله في فضاء
عام مشترك... الزمان إطار نفسي يؤطر علاقة ذات ثائرة بمكان شاهد... زمن حامل صرخة في وجه جرح قديم لعين.
. المداخل اللغوية والأسلوبية المتناسلة من زواج طرفي المعادلة "مكان / زمان" حاضرة، وبقوة بين ثنايا جسد متن
يرسم لوحة معاناة إنسان مقهور في أرض قاهرة: (شارع / جرح / أصقاع الجليد / بورصة / وطيس حروب مستعرة /
أيام عصيبة / مدينة تبعثرت ملامحها / وجدتني غريبة بين أزقتها المتشعبة / شاهدة قبر / كنت قطعة من هذه الأرض /
لم تمطر أبداً / النجوم / سواد المكان / ضوء الهلال / الفدان الحليق / يستدرج النسائم / مضاجعة الأرض...)، هي
مشهدية جرح طافح وجعاً... حاضر هنا وهناك، بين وجه شارع، وانعكاس جرح قديم.
يقول د. عبد الله الصائغ: (إن الشاعر مريض بالرؤيا غير المدجنة، منحرف عن يقينيات الآخرين، مدجج بأحلام نظافة
المكان، مسحور بطلسم الكلمات الفاعلة، وهاجس الشعر الحداثوي الأصيل هو التواصل مع هموم الناس الطيبين
خلال شعرية مونقة قوامها جماليات البنيتين: الداخلية " المعنى"، والخارجية "الشكل"، وغاية المبدع اليوم ليست
واحدة، وإنما هي غايات متداخلة، فالمتلقي ليس تقليدياً كما كان...).
د. عبد الله الصائغ / دلالة المكان في قصيدة النثر / ط 1 / 1999 / الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع / سورية / ص 32.
ـــــــــــــــــ هذا شاهد نقدي، نسحبه على الشاعرة تورية لغريب وعلى قولها الشعري، بناء على هاجس شعر حداثي مرصود
لديها، مشفوعٍ بمرض رؤيا شعرية خاصة بها، على حد توصيف "د. الصائغ"، موظَّفٍ بما سمح به حق تأويل مشروع
لناقد.... فماذا عن سلطة ترميز؟
رابعاً: شعرية تعبير هارب إلى فضاء رموز:
ــــــــــــــ الشعر القابض على الأنفاس لا يكون إلا بتلويناتِ فسيفساءِ بنياتِ تعبيرٍ وتأثير... لغةً وصورةً ورمزاً وإيقاعاً... ومن
الرمز ما خلق دهشة...
. بعيداً عن تنظير... قريباً من تظهير، نبادر إلى القول: إن الشاعرة تورية لغريب شاعرة مفتونة برموز...
الرموز تكثيف دلالي... تقاسمُ مشتركِ معنىً متعارفٍ عليه نسبياً بين مبدع قاصد، ومتلق مستهدف...
. تفرد ديوان الجرح القديم بتعبير خاص برموز نوعية جاءت عفو اللحظة التعبيرية الشعرية... دون صناعة، ودون
تكلف... حقلان رمزيان موظفات باحترافية أصيلة:
. رمز فضاء / وهو قيمة مهيمنة: أمكنةٌ وعناصرُ طبيعة: (شارع / جليد / حميم / شمس / نور / سماء / مدينة / شاهدة
قبر / أرض / مطر / نجوم / مكان / هلال / جدجد / فدان / سنابل / ليل / خراب / عيون فجر / طريق / شفق / طائر /
بيت / ليلك...).
. رمز أعلام: (نيرودا / شي غيفارا)... رموز مشحونة بهاجس اختزال بوح بطقوس جنائزية مأساوية ممتدة ما بين ذات
شاعرة واعية حاضنة وجعَ كل المستضعفين والمقهورين والمهمشين والمسحوقين على وجه الأرض، وواقع متآمر مخاتل
قاتم يضغط بكلكله على صدور... شعرية الترميز طافحة بنكهة تمرد فاعل غير مساكن، وغير مهادن، وغير هارب إلى
طبيعة هروباً رومانسياً انهزامياً متخاذلاً.
سمة دالة على ثورة فكر وثورة لون تعبير موسوم بأنه قصيدة المرحلة... قصيدة الدهشة، كما هي قصيدة النثر
الحداثية في نظرنا المتواضع... وفي هذا التوسيم لنا كلام لا يسمح بزمن خاصٍّ له هذا المقام.
هي قصيدة نثر حداثية هاربة بنا ومعنا من كل الأقفاص... ومنها قفص أوزان مسكوكة.
فماذا عن جناية ثورة بنيات تحقيق موسيقى شعر نثرية؟
خامساً: لذة هروب من قبضة وزن إلى نبض أنامل بإيقاعات:
ــــــــــــــــ الشعر موسيقى... همس نغمات تنسل من منبع روح صافٍ لتقع في أعماق بحار أرواح عطشانة... إن لم يبلغ الشعر
بصاحبه رعشةَ "هَزٍّ " على حد قول ابن خلدون فهو مجرد سبك بهي نظم، أو مجرد تأليف بديع كلام.
. الموسيقى نغمتان: أوزان، وإيقاعات... أولاهما بنية وزنية خارجية مسكوكة قابضة على نفَسِ تعبير... سلطةُ مقدسٍ
لا مهرب منه لشاعر إلا إليه... فهو الكلام الموزون المقفى... ثانيتهما بنية إيقاعية داخلية مرنة تتلون بألوان طيف غير
مقصودة لذاتها... غير منضبطة لحدود مرسومة لها... من تجلياتها / النموذج ما يأتي من تقنيات، من باب قياس
شاهد مختار على مسكوت عنه على اضطرار.
إيقاع التكرار، بنية مهيمنة:
ـــــــــــــ بالأصوات: تجانس صواتي محمول بتكرار صوامت وصوائت بتجاور أفقي وعمودي، منه حضور بارز لأصوات بعينها
متعانقة: (لام ميم "9" / كاف نون "11" / سين "13" / راء "15" / ميم "17" / سين تاء "21" / عين تاء "27" / تاء قاف
"28" / ...).
ـــــــــــــ بالألفاظ: تجاور لفظي نغمي يستدرج المتلقي سيراً به إلى مرفأ استئناس بإيقاع، منه: (اشتياقي "7" / كنت " 11" /
وحده "17 / "18" / استيقظ "21 / 22" / 23" / يعني "27" / أضعت "29" / قشة "32" / يشبه "35 / 36 / الكلمات
"56" / ...).
ــــــــــــ بالصيغ الصرفية: (ترتفع / تزين / ترمم "9" ــــــــــــــــــــ تخرج / تنتظر "18" ــــــــــــــــــــ يتعرق / يتأوه / يتكدس "35" ــــــــــــــــــــ أحفظ /
أفك "37" ــــــــــــــــــــ اقفل / غادر / اترك "41" ــــــــــــــــــــ نجمة / فرحة / سرير "47" ــــــــــــــــــــ ...).
ـــــــــــــ بالروابط اللغوية: (لا النافية "9" / لام التعليل "10" / لا النافية "27" / "92" / ...).
ـــــــــــــ التنغيم بتقطيع أوصال اللفظ، أفقياً وعمودياً: (ل ل ح ق ل / ل ل ر ق ص "13" / ا س ت ي ق ظ ـــــــــــــــــــ ا س ت ي ق
ظ "23").
وقس على هذا بكل ما يرشح من جسد نصوص حاملة ألوان موسيقاها في سياقات بنائها الجملي والتركيبي... وإذا كان
النثر لا يستجيب لغناء، فعديد نصوص لتورية لا تستعصي على أوتار.
3 ـــــــــ في مغامرة استكشاف بنيات إشراك تواصلية غائية:
الخطاب الشعري من المنجزات القولية الإبلاغية التأثيرية التي تحيل على أنواع مختلفة من الرؤى، وذلك باختلاف
أشكال التواصل والتفاعل بين الأطراف التداولية، وللغة دور هام في هذا المقام لأنها هي الشفرة الرمزية المهيمنة في
العمليات التواصلية، فكل متكلم يهدف إلى تحقيق مقصدية معينة، غالباً من أجل التأثير والإقناع في ذوات الآخرين.
الاشتغالات التواصلية التداولية للغة عديدة، نحاول هنا الوقوف عند بعض نماذجها الحاضرة في المتن لتقصي
وظائفها المقصدية، فالخطاب الشعري ليس بمنأى عن هذه المباحث التي تقوم على مقاصد بين المتكلم والمتلقي.
أ. أفعال الكلام:
الفعل الكلامي هو كل ملفوظ ينهض على نظام شكلي دلالي إنجازي تأثيري، ويعد نشاطاً مادياً نحوياً يتأسس على
أفعال قولية لتحقيق أغراض إنجازية كالأمر، والنهي، والاستفهام، ومنها في المتن صيغ أسلوبية إنشائية موظفة
بإحكام لأداء وظيفة الإبلاغ، ووظيفة الإشراك، بغاية تحقيق درجة عليا من التأثير: (كيف يتسكع الليل وحيداً...
وتحت ستاره... تكتظ حكايات العابرين "19" / استيقظ أيها الليل لنقتسم فتات القلوب "21" / امنحني غياباً أطول
"25" م ما رأيك أن نجرب الاحتمال الأخير... أبتسم لك من بعيد... وأنت تقيس قامة عشق "31" / دعنا نختزل عدد
ساعات الثرثرة "31" / اقفل نوافذك وغادر... اترك تذكارك الأخير "41" / لا تصدقوا أن الأرض تتسع للجميع "42" /
ماذا لو أعدنا تشكيل هذه الأرض؟).
ب. الضمائر: يهيمن في المتن ضمير المتكلم الحاضر بقوة حضور الذات الشاعرة باعتبارها مركز العلاقات التواصلية
المعبرة عن تجربة ذاتية تمتد إلى علاقة تواصل تفاعلي مع مخاطَب مفترض، وأطراف أخرى غائبة مستحضَرة
بالضرورة في عملية الإبلاغ براهن تقاسم مشترك تجربة مأساوية: (أشتاقني فيك شعراً / أشتاقك لغة / أكتب الشعر /
لأحفظ قلبي / أكتب الشعر لأورثكم / كنتُ قطعة من هذه الأرض، وكنت حصّادي / جرحنا القديم / استيقظ /
امنحني غياباً أطول... فأنا منذ آخر لقاء أتنفس السراب وأحتضر / ما رأيك أن نجرب الاحتمال الأخير / يا من علمتني
غواية الحب / موت أحدهم في القلب / وهم يتساقطون...).
ج. الإشاريات: ولها وظائف تواصلية أساس، ومن أهم هذه الإشاريات أسماء الإشارة والموصولة والنداء، وغيرها من
العلامات اللغوية التي لا يتحدد مرجعها إلا في سياق الخطاب الشعري: (هنا ترقد امرأة عاشت بقلب أحمر / كل هذا
الخراب / أيها الليل / تلك التي / يا من علمتني /...).
خلاصة وحيدة
متن "في الشارع المقابل لجرحنا القديم" متن شعري نثري حداثي بامتياز، تفرد بنقل تجربة ذاتية مشحونة بانخراط واع
في قضايا مجتمع وإنسان... قالت الشاعرة:
(الأدب عموماً، قصة ورواية وشعراً، وسيلة فنية راقية، لكن الشكل الجمالي لهذه الأجناس الأدبية وأولها الشعر، لا
بد وأنّ لها ارتباطاً وثيقاً بتحليل الذات والمجتمع، فعندما أنظم نصاً شعرياً كل ما يمكن توظيفه من محسنات لغوية
تجعل منه لوحة فنية تروق القارىء، فالذاتية ( la subjectivité ) هنا حاضرة، إنها تعبر عن ذائقتي الشعرية ومكامن
الجمال من زاويتي الخاصة، هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون، فإنني أعبّر عن مشاعر ووعي ذاتيين نابعين
من القلق الوجودي الذي يلازم المبدع عامة في كل حالاته النفسية، ومن خلال تخصص علم النفس الذي أهتم به
كباحثة، كتبت مقالاً عن علاقة الشعر بعلم النفس، فالشعر شكل من التداعي الحر الذي يعكس الرغبات المكبوتة،
المخاوف، والصراعات الداخلية التي تعتمل داخل النفس، وبالتالي، فمن خلال الشعر يمكن التعبير عما يخالج
النفس من مشاعر، موازاة مع ما يؤرق الإنسان من أفكار يصعب التعبير عنها بطريقة متداولة).



#عبد_الرحمن_بوطيب (هاشتاغ)       Boutaib_Abderrahman#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية “أولاد الكاريان”: قوى فاعلة: تعالقات ووظائف للكاتب الم ...
- (خطاب المنزلة بين المنزلتين: من ربض الشعر، إلى ربض النقد) / ...
- دراسة نقدية (رؤى الناقد): نقد نقد / قراءات في أعمال نقدية لل ...
- -المشروع الفكري والنقدي للدكتور جمال بندحمان- (من التنظير ال ...


المزيد.....




- من آثار مصر إلى الثقافة العالمية .. العناني أول مدير عربي لل ...
- اللاوا.. من تراث للشلك إلى رمز وطني في جنوب السودان
- الوزير المغربي السابق سعد العلمي يوقع -الحلم في بطن الحوت- ف ...
- انتخاب وزير الثقافة والآثار السابق المصري خالد العناني مديرا ...
- بعد الفيلم المُرتقب.. الإعلان عن موسمين جديدين من مسلسل -Pea ...
- عاجل.. المصري خالد العناني مديراً لمنظمة اليونسكو
- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تنتخب ...
- فنان تونسي بأسطول الصمود: نعتذر لأهلنا بغزة لأننا لم نصل إلي ...
- اليونسكو تختار مديرا عاما يقودها في مرحلة بالغة الصعوبة
- فيلم تايلور سويفت يعتلي صدارة شباك التذاكر متفوقا على -معركة ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن بوطيب - آليات اشتغال اللغة الشعرية في قصيدة النثر الحداثية: ديوان -في الشارع المقابل لجرحنا القديم- للشاعرة تورية لغريب نموذجا