|
رواية “أولاد الكاريان”: قوى فاعلة: تعالقات ووظائف للكاتب المغربي محمد صوف، الناقد عبد الرحمن بوطيب
عبد الرحمن بوطيب
الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 02:47
المحور:
الادب والفن
= كلمة أولى لمقاربة رواية "أولاد الكاريان"، نتقدم بهذه الورقة / التصور، حول موضوعة أساس، تتلخص في العنوان التالي: ("أولاد الكاريان": قوى فاعلة: تعالقات ووظائف)، وهي ورقة تقدم قراءة مكون معين من مكونات الخطاب السردي في رواية الأديب محمد صوف، هو مكون "القوى الفاعلة"، انطلاقا من مدخل "التعالقات" المنسوجة سرديا بين الأطراف الدينامية الفاعلة في بناء الحدث الروائي، وفي تطوره الحكائي، ومن مدخل "الوظائف العاملية" المسندة إلى هذه القوى الفاعلة. = مدخل: إنارة آليات اشتغال الوقوف على القوى الفاعلة، هو في أساسه مقاربة لآليات اشتغال نوع من البطولة الروائية، الداعي إليها مؤطَّر ابتدائيا بتماه مقصود مع عنوان الرواية (أولاد الكاريان)، فهو عنوان موزع على مدخلين معجميين متعالقين بعلاقة لغوية إضافية تعيينية ضامة... مدخل "أولاد"، بتمظهر بشري، ومدخل "الكاريان" بتمظهر مادي، الأمر الذي يسمح بإمكان اعتماد خطاطة منهجية وصفية / استقرائية / استنتاجية لتعالقات، وأدوار، ووظائف ممكنة، بين عوامل معينة، حاملة للبعد القضوي المتناوَل في الرواية بكل، تجلياته، وبكل أبعاده التعبيرية / التأثيرية، في إطار تصور غائي مستهدف بقصدية واعية من الكاتب الفعلي للعمل السردي الروائي.
الحديث عن البطولة الروائية يأخذ مشروعيته من متراكم دراسات نقدية عالمة، عالمية، لعديد نقاد غربيين وعرب، اشتغلوا على هذا المكون انطلاقا من زوايا نظر قد تتقارب وتتجاور وتتشاكل، وقد تتباعد وتتمايز وتتفرد، من باب رصد أوجه المشاكلة وأوجه الاختلاف.
لا جدال في أن بطولة الشخصيات الروائية، في المنجز المعاصر، قد حظيت باهتمام كبار المبدعين، ورواد النقد المرافقين أعمالهم تنظيرا، ومناولة إجرائية، على السواء، ولعل هذا الاهتمام قد جر على بطولة هذه الشخصيات الروائية بعض الغموض، فقد تنوعت مداخل تقديمها في الأعمال المحكية، حيث أخذت أشكالا وتمظهرات تتراوح بين وسمها بكل سمات البطولة والتفوق والأسطورية في أعمال كلاسيكية، وبين التنكر لها، أو تهميش مركزيتها، أو حتى المغامرة بتغييبها في بنائية معمار أعمال روائية حديثة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تنوّعت مداخل / مناهج مقارباتها النقدية، حيث تراوحت بين اعتبارها مقولة مرجعية تحيل على أشخاص واقعيين، لهم وجودهم الاعتباري تاريخيا، وماديا، واجتماعيا، ونفسيا، وفكريا، ووجدانيا... وبين اعتبارها مجرد علامة فارغة، لا تمتلئ وتكتسب معناها إلا مع آخر جملة من النص المحكي.
أمام هذا التنوع، إبداعيا ونقديا، لا بد من المغامرة باعتماد أرضية ممنهجة للخوض في القضية المراد معالجتها بقدر معين من الموضوعية، ومن الاحتراز التوظيفي المساعد على تجنب السقوط في شرك سلطة المنهج الأحادي، ومتاهة الجري وراء منظومته المنهجية، وعدته المصطلحية. لهذا، اختارت الورقة اعتماد مقاربة تكاملية، تحاول متح أدواتها الإجرائية من معين مرجعيات نظرية مناسبة، تغامر باعتماد أدوات من تحليل بنيوي / رولان بارث، وتحليل بنيوي تكويني / لوسيان غولدمان، وتحليل عاملي / تودوروف في اشتغاله على العوامل ومحمولاتها الأساس، وغريماس في عامليته.
ليس من المجازفة في شيء القول بأن تنوع أشكال الإبداع الروائي، وأشكال مقارباتها النقدية يخضع، فيما يخضع له، للعلاقة الجدلية بين الفكر والواقع، فلا شك أن هناك تأثرا، مباشرا أو غير مباشر، لعملية الإبداع بواقع إنتاجها المتعين، الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، والحضاري بشكل عام. والتزاما بالحدود المرسومة قصدا لموضوع هذه الورقة، سيتم تجاوز الحديث عن كل أشكال البطولة، بما تعنيه من تمظهر لقدرات خاصة سوبرمانية، إن جاز التوصيف، تحيل إلى أبعاد التفوق، والتميز، والتعالي على واقعية التشخيص التخييلي لمفهوم الشخصية الروائية في تعبيرها عن كيان الإنسان، بكل أشكال تفاعله مع ذاته، ومع محيطه، ومع مجتمعه... مع استحضار مجمل الإكراهات الضاغطة عليه، والتي تجعل منه في نهاية المطاف إنسانا هامشيا، مشيئا، مقهورا، مستضعفا... لهذا، منهجيا، تعين اعتماد تصور البحث عن الإنسان: تعالقات ووظائف، في واقعية كينونته بن أسوار صفيح كاريان، هو كاريان سانطرال "الصوفي". = في بؤرة الموضوع الواقع المعيش يفرض نفسه على أشكال التفاعل التعبيري الأدبي الفني الجمالي معه، وفي هذا الإطار يشير لوسيان غولمان إلى أن الواقع الكولونيالي العالمي الجديد فرض على الإنسان علاقة جديدة مع واقعه، لتتجلى هذه العلاقة المستجدة في شكل قطيعة بين الذات والموضوع... الذات الفردية والجماعية، من جهة، وموضوع مجال تحركها المعيشي، من جهة أخرى، حيث وجد هذا الإنسان نفسه في قعر فضاء معاند صادم هدام لكل القيم الإنسانية المثلى، التي تضمن للفرد والجماعة حقوقهما المشروعة كونيا... وبهذا وجد نفسه بطلا، لكنه بطل إشكالي بامتياز، كلما بدأ مساره على الطريق، كلما انتهت الرحلة في وجهه إلى المأساة.
"أولاد الكاريان"، بين زمن استعمار وزمن تحرر، أولاد / أبطال إشكاليون، حَكَمَ وجودَهم واقعٌ مأزوم خائب، على حد تعبير الدكتور العروي، وأنتج منهم ذواتا / عوامل متقابلة، إما ساحقة، وإما مسحوقة. = واقع أزمة... أزمة واقع انطلاقا من متفق عليه بين عديد دراسات، متعين في أن رواية "أولاد الكاريان" هي رواية مسكونة بهم استحضار فضاءات تاريخ عيش إنسان في زمن محنة مركّبة متناسلة... زمن استعمار ممتد إلى زمن تحرر من ربقة استعمار، دون سقوط في حبائل إنجاز يمكن وضعه في قفص "الرواية التاريخية"، وقد شهد شاهد من أهلها، وفي هذا اسألوا "صوف"... إذ إننا نستحضر البعد التخييلي في هذا العمل، بين حد التوظيف الفني لقوى فاعلة واقعية، بأسمائها، وبصفاتها، معروفة الهوية، غير نكرة، وحد الانزياح عن واقع معيش شاخص، إلى بر إيهام بواقعية مع قوى فاعلة أخرى تحفّظ الكاتب بذاته صراحة عن الكشف عن هويتها، على لسان سارد / ساردي روايته في المنجز الروائي، وعلى لسانه مباشرة في عديد حوارات، سعيا منه إلى بناء عمل مسرود يتغيا خلخلة واقع إنسان، بين الكائن والممكن، أو بين الممكن والإمكان.
الرواية، هذه، رواية تصوير أزمة باحترافية سينمائية، تلتقط المشاهد في تجلياتها العينية، اعتمادا على مُخَزَّن في ذاكرة غير مشروخة، تعيد تشكيلها باحترافية حكائية سردية روائية... وإن بنفس قصير، يسمح بوصف العمل بأنه "رواية قصيرة"... إن جاز التوصيف التجنيسي، وهذا مرصود في أعمال صوف. واقع الأزمة يتشكل من عناصر معينة، موظفة بشكل بنائي انسيابي، يجمع المتفرق، ويفرّق المؤتلف، لتقديم مشهدية سينمائية واصفة، مفكِّكة، محللة، معيدة إنتاج لوحة كلية ترسم معالم تعالقات بين ذوات، وفضاءات، وقيم... لتحديد أدوار ووظائف معينة للإنسان، وللمكان، وللقيم في سيرورة زمن وتاريخ... هي مرتكزات بنائية عاملية تعيد قراءة واقع شاخص، وتورط المتلقي ـــ بكل مسؤولية ـــ في لعبة تأويل، وإعادة توليف، وتوضيب، وتشكيل المسرود الحكائي. = تعالقات / أدوار / وظائف بين ربض الواقعي، وربض المتخيل تقدم الرواية فسيفساء تعالقات وأدوار ووظائف في سلة اشتغال ثنائية ضدية تكاملية، بين قوى فاعلة / شخصيات بتمظهر بشري، وقوى فاعلة / عوامل بتمظهر مادي مكاني، وأخرى بتمظهر معنوي قيمي. التعالقات المنتَجة بين الشخصيات البشرية، في تجاذباتها، وفي تدافعاتها، تتمثل في منظومة بناء مشتركِ عيشٍ مجسدٍ صراعاتٍ مأساويةً، وتعايشاتٍ إنسانيةً. بنيويا، تتشاكل عناصر مجوعات صغرى مغلقة، بنويات متجاورة، وفق علاقات ضامة، تتوزع على محاور تصنيفية، لها تفريعات معينة:
أولها ـــ مجموعة محور القوى الفاعلة المصنفة في إطار (الشخصيات) المتشاكلة والمتجانسة قصدا أو بعفوية، في حقل ذوات حاملة قيما إيجابية نبيلة، مقاومة، إن بشكل، وإن بشكل آخر، منظمة مقصودة، أو غير منظمة غير مقصودة (الغريب / رفائيل / مينة الحريزية / خدوج الفرملية / رموز الحركة الوطنية)، أسندت إليها أدوار عاملية تتحدد في متعين تجسيد الانسجام، والتكامل، والممانعة، والمقاومة، والصمود، ضدا على كل أشكال القهر، أوكلت إليها وظائف سامية هادفة إلى مواجهة الواقع الخائب في كل تجلياته الصادمة. ثانيها ـــ محور القوى الفاعلة المصنفة في إطار (الشخصيات) المتشاكلة والمتجانسة قصدا أو بعفوية، في حقل ذواتٍ حاملةٍ قيما سلبيةً، مؤثتةً شخصيات مقهورة، مستسلمة، انهزامية (البتول / والدها الطاهر / والدتها / مسعود / والدته / التباع / الفقيه / ساكنة الكاريان)، أسندت إليها أدوار عاملية تتحدد في متعين تجسيد وظيفة الانكسار، والخوف، والخضوع، والانهزامية، والاستسلام. ثالثها ـــ محور القوى الفاعلة المصنفة في إطار (الذوات) المتشاكلة والمتجانسة قصدا أو بعفوية، في حقل ذوات حاملة قيما سلبية، باطشة، عدوانية (الاستعمار / ولد اغضيفة / علال / عبد القادر)، أسندت إليها أدوار عاملية تتحدد في علاقة اجتراح الصراع والتدافع والإقصاء، ضدا على كل مستلزمات العيش الكريم الآمن السلمي التعايشي البناء.
رابعها ـــ محور القوى الفاعلة المصنفة في إطار (الفضاءات) المتشاكلة والمتجانسة قصدا أو بعفوية، في حقل فضاء إنتاج الأزمة (الكاريان / الخلاء خلف مؤسسة رعاية أبناء شهداء الاستقلال غير بعيد عن ملعب الطاس / السجن)، ولها أدوار عاملية تتحدد في متعين تجسيد وظيفة "مسرح الجريمة"، بكل ما يشعر به من أبعاد فضائية دلالية مشعرة بسلطة تجسيد دور الحد من القدرة على الفعل الإرادي الحر الإيجابي المسؤول، الضامن حقوقَ الإنسان، كما نصت عليها التشريعات، والمواثيق، والمواضعات، والأديان. خامسها ـــ محور القوى الفاعلة المصنفة في إطار (القيم والمبادئ) المتشاكلة والمتجانسة قصدا أو بعفوية، في حقل منظومة تشكيل تعالقات، إيجابية كانت، أم سلبية من باب (تأثير قيم التعليم والمطالعة / فعل الخير / التكافل / الاحتضان)، أو من باب مقابل (تأثير قيم مَرْكَزَة القهر الاستعماري / القهر الجنسي / التسلط العدواني). = امتدادات: تجليات بطولة مأساوية أشار لوسيان غولدمان إلى أن وجود قطيعة جذرية بين الإنسان والعالم، أو وجودها بشكل عارض، يؤدي إلى المأساة، حيث يضحى البطل / الإنسان بطلا مأساويا، يفقد جسور التواصل مع عالمه المحيط به، فهو في صدام دائم معه، قدره أن يبحث دوما، في رحلته المأساوية، عن الانسجام مع الذات أولا، وعن الانسجام مع العالم ثانيا، فكأنه بذلك لا يكفر عن خطاياه الشخصية، بل عن الخطيئة الأصلية، خطيئة الوجود... وفي "الكاريان" تجسدت الرحلة المأساوية لإنسان يسعى إلى تأكيد وجوده، وإحقاق إنسانيته، بقدر ما يتبدى عجزه عن مواجهة واقعه الإشكالي ذاك، في كل خروج / فعل له بحث، إما في عالم مغلق تتحدد فيه المصائر بشكل إيجابي، وبشكل مسبق، وإما ببحث في عالم لم يعد فيه المقدس مقدسا، حتى صار عرضة للتساؤل والشك... إنها الرواية / البحث المنحط الشيطاني، رواية أبطالها في سعي دائم وراء شيء ما، في وسط متدهور، زائف، يفقد فيه الأفراد توازنهم النفسي والاجتماعي فيندفعون نحو الجريمة أو الجنون. على حد توصيف جورج لوكاتش (في نظرية الرواية)، الذي طوره تلميذه لوسيان غولدمان في بنيويته التكوينية الراصدة مظاهر تفكك الشخصية الروائية في الرواية الجديدة. هذه الوضعية الاعتبارية للبطولة من منظور بنيوي تقودنا إلى حدود "المستويات"مع رولان بارث (مستوى الوظائف كما عند بروب وبريمون / مستوى الأفعال كما عند غريماس / مستوى السرد كما هو عند تودوروف في ما اصطلح عليه بالخطاب)، لنخلص إلى تعيين "ثنائيات العوامل" المحكومة بمحاور "التواصل" و "الرغبة" و "الاختبار"، قصد رصد تجلياتها في اللعبة السردية الصوفية في عالم "الكاريان". = عوامل، ومحاور إجرائيا، واعتبارا للمقام، ستقف هذه الورقة عند حدود تمثيل / نموذج تطبيقي قابل للتعميم، هو إجراء يقدم صورة مصغرة عن عوالم القوى الفاعلة في رواية "أولاد الكاريان"، وعن أدوارها العاملية، وعن العلاقات المتحكمة في سلوكاتها، وعن مصائرها في تحولاتها الدينامية، بين زمن استعمار، وزمن تحرر. النموذج سيقدم عينة مختارة من عولم متوازية: عالم اجتراح الظلم، وعالم محاولة البحث عن أفق انعتاق، وعالم فضاء كاريان. 1/ عالم اجتراح الظلم نموذجه التمثيلي متعين في شخصية أدوات الاستعمار باعتباره كيانا كولونياليا جمعيا مؤسسيا، وفي شخصية "ولد اغضيفة" باعتباره كيانا فرديا مرجعيا له نظائر وأشباه في واقع شاخص محدد تاريخيا. هذا النموذج، باعتباره ذاتا عاملية، يسعى إلى تحقيق "رغبة" في التمكن من "موضوع عاملي" يمكن تأطيره في إطار "همجية قانون غاب"... ترسله في ذلك "عوامل مرسلة" سلبية ناتجة ممثلة في تحولات عولمية سياسية اقتصادية اجتماعية حضارية معاصرة، مرهونة برهان سلطة بربرية استعمارية في وجه، وعدوانية باطشة في وجه آخر، تساعده في ذلك عوامل مساعدة (تحولات رأسمالية احتكارية توسعية استنزافية / تدهور منظومة قيم إنسانية كونية / امتلاك قوة باطشة غير واعية)، وتقف في وجهه عوامل معاكسة (مد تحرري كوني / انتشار فكر ماركسي تنويري / امتلاك صلابة ومناعة ذاتية ضد كل أشكال الاختراق القيمي). = المسار / امتدادات... تحولات بين زمنين: أ ـــ الاستعمار... مآله اندحار (عودة السلطان محمد الخامس / إعلان الاستقلال / إطلاق سراح المعتقلين...). ب ـــ "ولد اغضيفة"... مآله الندم والتوبة ومعانقة عرفانية تسامحية. 2/ عالم محاولة البحث عن أفق انعتاق نموذجه التمثيلي متعين في شخصية نموذجين متقابلين: "البتول" / نموذج البحث عن الاستقرار النفسي والاجتماعي والفكري، في ظل ضغوطات واقع سقوط في أحضان استسلام تام أمام سلطة اجتراح الظلم، و"الغريب" / نموذج البطل المقاوم الواعي المرشد المجهول. "العامل المرسل" في وضعية الممثليْن للنموذج متعين في منظومة قيم متعارف على صدقيتها ومشروعيتها، و"العامل المساعد" هو، ولو بتفاوت متجل، هو امتلاك وعي سليم بحتمية مقاوم وممانعة. و"العامل المعاكس" منظومة شروط استئساد قوى الشر والظلام (مد كولونيالي / فضاء صفيحي). = المسار / امتدادات... تحولات بين زمنين: أ ـــ البتول... مسارها سقوط في أحضان مأساة مركبة (حرمان من توثيق رسمي لأمومة / خضوع لواجب الستر بتمثيلية زواج نظيف / طلاق / رجوع إلى حضن مغتصب / فقدان ابنِ سفاحٍ في حادثة مأساوية). ب ـــ الغريب... نهاية مؤسفة غير منتظرة (خيبة أمل من تحقق مخرجات مشروع نضال ومحاولة تغيير واقع حال). 3/ عالم فضاء كاريان فضاء مشعر بالأزمة البنيوية، من قبل ومن بعد، في بنية دائرية مغلقة... وضعية هشاشة مركبة. "العامل المرسل" بالنسبة إليه متعين في دافعية جمعية مشروعة منفتحة على شرعة حقوق إنسان. "العامل المساعد" بالنسبة لهذه العينة متمثل في مؤسِّسات وعي بقهر شمولي غير مشروع. "العامل المعاكس" بؤرة متفسخة مرتكزات (فقر / تفسخ قيم / عنف / استغلال). = المسار / امتدادات... تحولات بين زمنين: أ ـــ الكاريان من قبل: نقطة انطلاق (تجمع سكاني يسمونه في الإذاعة بالسكن غير اللائق / خلاء وراء مؤسسة / ملعب بدون مستودع للملابس، بدون دوشات / شمع...). ب ـــ الكاريان من بعد: نقطة وصول (الكاريان كدار لقمان / لعوينة تسقي أبناءه، والشمع، ولدى البعض مصابيح الغاز تنير لياليه، والخوف من الحريق، والصغار يكبرون رغم أنفهم...). وما انتهت الحكاية... حكاية "أولاد كاريان".
= على سبيل ختم ... خلاصات تركيبية يظهر جليًا أن رواية "أولاد الكاريان" ليست مجرد سرد تاريخي، أو وصف اجتماعي، بل هي لوحة تركيبية متشابكة للقوى الفاعلة، التي تشكل عالم الرواية، كما تحدّد مصائر الشخصيات في فضاءات مأساوية تجمع بين الواقعي والمتخيَّل، بين الإشكالي الراهن، والبديل المأمول. إن التحليل التفصيلي لهذه القوى، عبر تعالقاتها، وأدوارها، ووظائفها، يكشف عن لعبة سردية متكاملة تنسج مأساة الإنسان في مواجهة واقع مركّب، إشكالي، خائب، يحكمه الظلم، والاضطهاد، والتحديات البنيوية والاجتماعية، وفي الوقت نفسه، يسعى الفرد للتشبث بالكرامة الإنسانية، بالوعي، وبقيم المقاومة والممانعة. وقد تبين، من خلال رصد ثلاثة أبعاد مركزية في الرواية، أن كل فضاء وكل شخصية ليست اعتباطية، بل تقوم بوظيفة عاملية محددة، تجعل من الرواية تجربة معرفية ومعبرة عن جدلية الإنسان والواقع، بين زمن الاستعمار وزمن التحرر، وبين الماضي المشحون بالصدمات، والحاضر المشكَّل بمحاولات الانعتاق والتغيير. ومن ثم، فإن الرواية تعكس مأساة بطوليّة إنسانية، حيث تتداخل البطولة مع الانكسار، والمقاومة مع الاستسلام، والصراع مع البحث عن الانسجام، فتجعل من كل شخصية، ومن كل حدث، ومن كل فضاء، عاملا بنتائيا وظيفيا نشطا في بناء المعنى وإيصال رسالة / رهان الكاتب. في السياق النقدي، يمكن القول إن رواية "أولاد الكاريان" تفتح آفاقا لإعادة قراءة الرواية المغربية المعاصرة، ليس فقط باعتبارها نصا سرديا قائما على الأحداث التاريخية والاجتماعية، بل كنموذج تحليلي لمقاربة القوى الفاعلة وعلاقاتها المعقدة، في بعدها البنيوي، والتكويني، والعاملي، بما يسهم في فهم أعمق للإنسان في مواجهة التحديات، وللواقع الذي يختبر إرادته وقيمه. وفي النهاية، يبقى مشروع محمد صوف في هذه الرواية رحبا، متعدِّد المستويات، يتيح للقارئ، أو للناقد، ممارسة تأمل منهجي يتجاوز مجرد التلقي السطحي، نحو قراءة تعالقات الإنسان والمكان والزمان والقيم، في لعبة سردية محكمة، تتجلى فيها مأساة الإنسان البطولي الإشكالي، وسط عالم مضطرب، لكنه حيّ، قادر على الإلهام، والوعي، والتفاعل.
#عبد_الرحمن_بوطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(خطاب المنزلة بين المنزلتين: من ربض الشعر، إلى ربض النقد) /
...
-
دراسة نقدية (رؤى الناقد): نقد نقد / قراءات في أعمال نقدية لل
...
-
-المشروع الفكري والنقدي للدكتور جمال بندحمان- (من التنظير ال
...
المزيد.....
-
الاحتمال صفر
-
أسعد عرابي... رحيل فنان يكتب العالم باللون وناقد يعيد ترميمه
...
-
النقد الثقافي (المعنى والإتّجاه) في إتحاد الأدباء
-
فنانون عرب يشيدون بتنظيم مهرجان بغداد السينمائي
-
تحديات جديدة أمام الرواية الإعلامية حول غزة
-
وفاة الفنان السعودي حمد المزيني عن عمر 80 عامًا
-
حروب مصر وإسرائيل في مرآة السينما.. بطولة هنا وصدمة هناك
-
-لا موسيقى للإبادة الجماعية-.. أكثر من 400 فنانا يعلنون مقاط
...
-
الأوبرا في ثوب جديد.. -متروبوليتان- تفتتح موسمها بعمل عن الأ
...
-
الصّخب والعنف.. كيف عالج وليم فوكنر قضية الصراع الإنساني؟
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|