أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - إدريس سالم - نَوْرُوز ليس عيداً عربياً














المزيد.....

نَوْرُوز ليس عيداً عربياً


إدريس سالم
شاعر وكاتب

(Edris Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 09:54
المحور: القضية الكردية
    


يُعدّ عيد نَوْرُوز، من أبرز الرموز الثقافية الفنّية الاجتماعية، في الوجدان الكوردي؛ إذ يتجاوز طابعه الاحتفالي إلى كونه فعلاً هُويّاتياً وسياسياً، يعبّر عن إرادة الوجود وحقّ الاختلاف ضمن فسيفساء سوريا وحتى الشرق الأوسط والعالم أجمع. فالمطالبة الشعبية الكوردية باعتراف سلطة دمشق المؤقّتة بعيد نَوْرُوز، لا تنبع بالضرورة عن نزعة انفصالية، إنها رغبة في إعادة تعريف مفهوم المواطنة، على أسس الاعتراف بالتنوّع الثقافي والإثني، بعد عقود من الإقصاء والإنكار الرمزي والتاريخي. فالاعتراف الرسمي بعيد نَوْرُوز، يُفهم في السياق الكوردي بوصفه استعادة للكرامة التاريخية، واعترافاً بالذات الكوردية، ضمن دول الشرق الأوسط، لا خارجها؛ أيّ إنه مطلب ثقافي– حقوقي، يسعى إلى إدماج الموروث الكوردي في البنية الوطنية الجامعة، وتحويل العيد من خصوصية إثنية إلى مشترك إنساني ووطني، يحتفي بالحياة والتجدّد والحرّية.
منذ عقود مضت، والكورد طالبوا من حكومات دمشق المتعاقبة، بإصدار مرسوم، يعترف بعيد نَوْرُوز كعيد قومي للكورد، أو على الأقل أن توجّه خطاب تهنئة بمناسبة العيد، لكن ذلك لم يحدث. وفي المرسوم الرئاسي رقم (188) لعام 2025م، الذي أصدره الرئيس السوري المؤقّت، لتحديد الأعياد الرسمية، للدولة السورية، لم يُذكر عيد نَوْرُوز، من ضمن الأعياد الرسمية، التي تعطّل فيها الدوائر الحكومية. وهذا افتقار كبير، إلى الاعتراف بالمكوّنات العرقية والثقافية المتنوّعة.
إن الحساسية القومية أو الإثنية في سوريا تعتبر إشكالية كبيرة ومعقّدة، وما يسهّلها ويبسّطها، هو اعتراف الحكومة بها دستورياً، وهذا ما لن يحصل؛ بسبب هشاشة الذهنية السياسية للقادة السوريين، فهم في رفضهم وتعنّتهم، يؤكّدون ويصرّون ويعترفون، أن نَوْرُوز هو رمز هامّ وحيوي في الثقافة الكوردية، على مرّ التاريخ، وربطهم بالعطلة الرسمية قد يُفسّر كاعتراف هُوية مكوّن قومي معيّن. في سياق سوريا، التي تخشى الاعتراف الرسمي، ما قد يُفسّر على أنه تفضيل أو انحياز، أو قد يُثير اعتراضاً من مكوّنات أخرى.
تمرّ الحكومة الانتقالية في سوريا بمرحلة حسّاسة، ولا تزال تسعى إلى توازن بين مكوّنات متعدّدة. أيّ خطوة تُنظر إليها كإقصاء أو تهميش قد تثير توتّرات في هذا السياق. قد يرى الرئيس السوري المؤقّت أن الاعتراف بعطلة رسمية، يتطلّب تعديلاً دستورياً أو قانونياً أوسع، أو أن الوضع الانتقالي لا يسمح بمعالجة مثل هذه القضايا في هذا الوقت، أو ربما لأن الأولويات الوطنية الآن هي أمنية واقتصادية وسياسية، بدل القضايا الرمزية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تخشى حكومات دمشق – التي تنظر إلى القضية الكوردية على أنها قضية رمزية – من الاعتراف بالكورد دستورياً؟ وفي المقابل هناك سؤال آخر، مرحلي واستراتيجي: لم الكورد يطالبون دمشق بالاعتراف الرسمي بعيد نَوْرُوز؟
نَوْرُوز، لدى الشعب الكوردي ليس مجرّد عيد ربيعي، نَوْرُوز هو رمز قومي للتحرّر والنهضة والكرامة. فهو يذكّرنا بأسطورة «كاوا الحدّاد»، الذي ثار على الملك الظالم «ضحّاك»، أيّ إنه يرمز إلى رفض الاستبداد، وولادة الحرّية والسلام والازدهار. لهذا السبب الكبير، يرى الكورد، أن الاعتراف الرسمي بنَوْرُوز، يعني اعتراف الدولة بوجودهم الثقافي وهويتهم القومية، ضمن النسيج السوري، وليس إنكارهم أو تهميشهم كما حصل لعقود طويلة. إذاً فالقضية فضية بُعد رمزي – هويّاتي.
ولأن نَوْرُوز عيد قومي للكورد، فيحقّ للكورد أن يسعوا لجعله عيداً وطنياً سورياً جامعاً، يحتفي بالحياة والتجدّد والربيع. أيّ أن الاعتراف به سيصبح جسراً للتعدّد والتعايش بين المكوّنات السورية، لا عامل انقسام وتشتّت. وتجاهل الدولة لعيد نَوْرُوز، هو شكل من أشكال الإقصاء الثقافي والإنساني، يعيد إنتاج العقلية الأحادية في تعريف الهوية السورية.

القول إن « نَوْرُوز ليس عيداً عربياً»، يضعنا أمام إشكالية العروبة، بوصفها مرجعية للدولة السورية، مقابل التعدّد القومي والثقافي، الذي يشكّل واقع البلاد. فالنظام السياسي، سواء القديم أو المؤقّت، لا يزال في جوهره يستند إلى تصوّر «العروبة الجامعة»، ما يجعل أيّ عيد أو رمز لا ينتمي إلى هذا الإطار يبدو «خارج الهوية الرسمية».
لكن في المقابل، نحن الكورد وسائر المكوّنات غير العربية، نرى أن الدولة الوطنية الحديثة، لا تقوم على هُوية أحادية، فبناء دولة على تعدّدية معترفة بها دستورياً، تتيح لكلّ مكوّن أن يحتفل بطقوسه الدينية والثقافية والفنّية، دون أن يُطلب منه تبرير ذلك، أو انتظار «اعتراف» من السلطة المركزية.
ومن هنا، تصبح المطالبة بالاعتراف بعيد نَوْرُوز، رمزاً لمطلب أوسع، وهو الانتقال من الدولة الأحادية أو المركزية إلى دولة المواطنة التعدّدية، حيث لا يُقاس الانتماء القومي بمدى قربه من «الهوية الرسمية»، وإنما بمدى احترامه لحقوق الآخرين ضمن الوطن الواحد.
وأخيراً، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، فإن يوم الحادي والعشرين من آذار، هو يوم الكورد، هو عيد نَوْرُوز، عيد الربيع والإنسانية، عيد متجذّر في وجدان الناس، لا تلغيه مراسيم ولا تمحوه التجاهلات والاستفزازات. وإن ما يجري اليوم من استفزاز مقصود ومخطّط، عبر الامتناع عن تثبيت عيد نَوْرُوز عطلة رسمية، في مرحلة يُفترض أن تكون مرحلة صياغة عقد اجتماعي جديد، لا يخدم مصلحة أحد، ولا يقرّب المسافة بين الشمال الكوردي ودمشق. ومَن لا يدرك أن العدالة تُقاس بميزان الإنسان، لا بسطوة المنتصر، فليس مؤهّلاً لقيادة وطن جريح يتلمّس طريقه نحو النور والحرّية والاستقرار.



##إدريس_سالم (هاشتاغ)       Edris_Salem#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغة بين القهر والحرّية: أنطولوجيا الهُوية الكوردية
- فردانية العنوان والضمائر واللغة في قصيدة «تناغم بدائيّ بوحشي ...
- أحمد الزاويتي لموقع «سبا»: «هروب نحو القمّة» مرآة لمأزق الهُ ...
- الفنّ الأصيل في مواجهة التلوّث السمعي
- «مرثية الأشياء الصغيرة»: الحنين كهُوية وجرح جمعيّ
- حين يضحك الإنسان الشرقي في جنازته
- مازن عرفة لموقع «سبا»: رواياتي هي «سيرة حياة» الإنسان المدمّ ...
- مازن عرفة لموقع «سبا»: العنف مزروع في ذاكرة «الفرد - الجماعة ...
- «طابق عُلويّ»: الحبّ بوصفه عزلة وجودية
- سربند حبيب: أنا منفيّ داخل المنفى، والوطن أستحضره بذاكرتي ال ...
- «ترانيم التخوم»: رواية الذات المحاصرة بين المُحاكاة والعدم
- مازن عرفة لموقع «سبا»: أكتب، كي أتحرّر من الكوابيس والهلوسات ...
- «بوح الحياة» مرآة للقلق الوجودي والتصدّع الاجتماعي
- من «الغابة السوداء» إلى «داريا الحكاية»: سُريالية المنفى وعب ...
- تكويعة القرن.. من الخيانة إلى الواقعية
- غياب الكورد حضور للاستبداد
- الوهم والواقع في رواية «إثرَ واجم»
- لِنعُدْ صِغاراً...
- سهير المصطفى لموقع «سبا»: المرأة الشرقية كلّ المجتمع
- حياة الماعز: الإنسان أولاً وأخيراً


المزيد.....




- المعارضة الإيفوارية تندد باعتقالات قبل أسابيع من انتخابات ال ...
- المعارضة الإيفوارية تندد باعتقالات قبل أسابيع من انتخابات ال ...
- هيومن رايتس ووتش: هجمات إسرائيل حولت غزة إلى أنقاض
- خطة ترامب لم تتناول مساءلة الاحتلال عن انتهاكاته لحقوق الإنس ...
- -الأغذية العالمي-: خفض المساعدات يهدد الملايين بالجوع في الص ...
- رايتس ووتش: عامان من الجرائم بلا محاسبة في غزة.. دعوة لعقوبا ...
- -الأغذية العالمي-: خفض المساعدات يهدد الملايين بالجوع في الص ...
- السويد تلوح بالرد على تقارير تعذيب الاحتلال للناشطة -غريتا ت ...
- قصف على غزة و-رايتس ووتش- تعتبر خطة ترامب منقوصة
- مراسل -رؤيا-:إصابة بالرصاص الحي واعتقال 3 أشقاء في اقتحام لق ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - إدريس سالم - نَوْرُوز ليس عيداً عربياً