الياس فاخوري
الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 23:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ا يُفتي قاعد لمجاهد، ولا يُفتي أهل الدثور لأهل الثغور، ولا شأن لهم بمعارك ابناء الله وبناته في الميدان!
سلّمت حركة "حماس"، ليل امس، الوسطاء ردها الرسمي على مقترح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة .. قالت الحركة في بيان إنه "حرصًا على إنهاء العدوان والإبادة الجماعية التي تُرتكب بحقّ شعبنا الصامد في قطاع غزة، وانطلاقًا من المسؤولية الوطنية، ودفاعًا عن الثوابت والحقوق والمصالح العليا لشعبنا، أجرت حركة حماس مشاورات معمّقة داخل مؤسساتها القيادية، ومشاورات واسعة مع القوى والفصائل الفلسطينية، ومع الإخوة الوسطاء والأصدقاء، وذلك من أجل التوصل إلى موقف مسؤول في التعامل مع خطة ترامب".
وأوضحت أنها بعد دراسة وافية اتخذت قرارها وأوصلت الرد التالي إلى الوسطاء: "تُقدّر حماس الجهود العربية والإسلامية والدولية، وكذلك جهود الرئيس ترامب، الداعية إلى وقف الحرب على قطاع غزة، وتبادل الأسرى، والإدخال الفوري للمساعدات، ورفض احتلال القطاع، ورفض تهجير شعبنا الفلسطيني منه.
وفي هذا الإطار، وبما يحقق إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع، تعلن الحركة موافقتها على إطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين، أحياءً وأجسادًا، وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح الرئيس ترامب، مع ما يلزم من ترتيبات ميدانية لتنفيذ عملية التبادل. وفي هذا السياق، تؤكد الحركة استعدادها للدخول الفوري في مفاوضات مع الوسطاء لمناقشة التفاصيل. كما تؤكد الحركة موافقتها على تسليم إدارة قطاع غزة إلى هيئة فلسطينية مستقلة من التكنوقراط، تقوم على أساس التوافق الوطني الفلسطيني وتحظى بدعم عربي وإسلامي."
كما هو جهادهم كربلائي وصمودهم أسطوري كذلك جاء ردهم زينبي ينم عن ذكاء استراتيجي ..ردٌ لم يُذهب بعزلة الكيان اللقيط، وانفجار الجامعات، وأساطيل الصمود والحرية، والمظاهرات المليونيّة في عواصم العالم واشتداد كل ذلك الغضب الإنساني ضدّ جرائم العرقبادة، وهذا ما كان وما زال يُرعب نتنياهو اذ قال: "لقد قلبنا الأمور فبدل أن تعزلنا الحرب، نحن مَن عزل المقاومة"!
وللمحتفين تمجيداً بالقوة الإسرائيلية وتصويرها على الطريقة الهوليوودية في فيلم رامبو، وكأن كبتاً كان قد حلّ بهم خلال ما مضى مُنذ ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023، اتوجّه آملاً الا تستكملوا ما تقوم به الغارات "الإسرائيلية"بالسرديات والروايات الهوليودية وتهَويل المهولين المهرولين، وتطاول المُفبركين، وعَناتِرُ الفضائيات والمنصَّاتِ وسيناريوهاتهم وتخيلاتهم الافتراضية، واذكروا ان "صناعة الخوف لصناعة القتل" هو الخط الفلسفي لدولة الكيان اللقيط، منذ دافيد بن غوريون وحتى بنيامين نتنياهو .. هؤلاء يريدون تغيير الشرق الأوسط ولو بالتهديد النووي، وهذا شعار أطلقه زعيم "الليكود" منذ بدايات الحرب على غزة ربما تأثرا بقول دين أتشيسون، وزير الخارجية في عهد هاري ترومان، وصاحب مصطلح "الحرب الباردة"، ان "قنبلة هيروشيما" غيّرت حتى دوران الكرة الأرضية!
وهنا نعود لرد أحد الفقهاء على السؤال: "لماذا جُعل باب الجهاد في آخر كتب الفقه؟" فقال "لئلا يتكلم في الجهاد من لا يحسن الطهارة" مؤكّداً انه لا يجوز ان يفتي قاعد لمجاهد، وقد "فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ" كما جاء في سورة Sura النساء An-Nisaa آية Aya 95 :
"لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا".
واعود الان لفكرة كررتها في اكثر من مقال: نعم، أهلكتهم الروح الغزّية بايمانها وصرختها ان الجنة اقرب الى غزة وكل فلسطين من سيناء ومن الاردن واي مكان .. وعليه، لا بد من الاعتراف بقوة عقيدة المقاومة الدينيّة وفعاليتها مقارنةً بالعديد من عقائد المقاومة القوميّة واليسارية، وربما مواكبةً لبعضها وعلى نحوٍ تراكمي قوامه الفداء والاستعداد للبذل والتضحية لنصل الى التغيير الكيفي بانتصار الدم على السيف .. و”إنا فتحنا لك فتحا مبينا” (الفتح – 1) .. “وينصرك الله نصرا عزيزا” (الفتح – 3)!}
نعم، انها ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023، ليس ما بعدها كما قبلها .. كم ردّدنا قبلها، وكنّا نعني ما نقول: اليسار، اليسار حتى تنقل الارض مدارها الى اليسار! وكان اليسار الذي نُجِلُّه يعني – بلغة توفيق الزياد – مناضلون بعزمهم الشعوب تُحرّرُ، هم منيةٌ موقوتةٌ للظالمين تُقدّرُ، وهم أزاهرُ بأريجها هَذي الدّنيا تتعطّرُ، ويُشهدُ لهم بالبذلِ وبالعزمِ الذي يتسعّرُ!
وبعد، الا ينطبق هذا الوصف على المقاومة الاسلامية ايضاً وهي تنبض على وقع ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 (طوفان الأقصى بغزته والقدس ترفده ساحات المقاومة المتحدة، وينصره طوفان البحر بيمنِه، وطوفان السماء بالوعد الصادق والهدهد، وطير أبابيل) استمراراً تراكمياً لانتصار تموز 2006 حيث تختزل “غزة” اللحظة الضرورية وتعيد تأهيل التاريخ ليكون تاريخ الانسانية؟ .. نعم، من معركة الكرامة في آذار 1968 الى معركة الغوطة في آذار 2018، الى الانتصارات الاستراتيجية للجيش العربي السوري في الجنوب مرورا بالانتفاضة الفلسطينية الاولى عام 1987 (انتفاضة الحجارة)، فتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000، فالانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2001، وتحرير غزة عام 2005، ثم حرب تموز عام 2006 الى”حسان” بصحبة “ذو الفقار”، و“سيف القدس المسلول”، و”ثأر الاحرار”، و”كتائب أحرار الجليل” و”كتيبة الرضوان”، و“قسماً قادرون وسنعبر”، و”جنينغراد” ف”جنيبلسغراد”، وفلسطين بحطّينها وعين جَالُوت، ووحدة الساحات، ووحدة الجبهات — ”يميناً، بعد هذا اليوم لن نبكي”، وباسم الله نقرأ “الصف – 13″، وَالبشارة للْمُؤْمِنِينَ: “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ” ..
فيا اهل اليسار من “الطفل” الى “الشيخ الحكيم”، كفاكم نبشاً في القواميس اللغوية وتنقيباً عن المصطلحات الطبقية .. لا تنضحوا فلسفةً وعودوا الى التطبيقات العملية ب”حماس” واقرؤا المائدة – 56، والمجادلة – 22 .. وبعد، هل يحتاج دمٌ بهذه الكثافة والطهارة والقداسة أن نُقلِّب معاجمنا في حيرة وارتباك!؟ نعم، انه الدم النقي المبارك الجبار قاهر السيف .. واذكروا ان أي بوصلة لا تشير الى القدس تبقى مشبوهةً ومُخادعةً ومُضَلِّلَةً ..
لنركّزالان على معجزة صمود الشعب العربي الفلسطيني والمقاومة العربية الاسلامية الوطنية وتَصدّيَهم للهجمة الصهيواوروبيكية بكل وحشيتها، وجرائمها، ومجازرها على مدي نيّفٍ وقرن من الزمان – هي هجمة بربرية تحتاج للإتيان بتوصيف قانوني جديد تضمه قواميس القضاء والعدل والمحاكم والهيئات الدولية .. نعم اكتفي هنا ببَركة التصدي لفكرة “العجز العربي” المصحوبة بالانحطاط والتخلف التي زرعها الاستعمار بكل اشكاله متّكئاً على مزاعم الاستشراق الغربي في تحليل الذات العربية وتحقير العرب وكأن الهزائم في ومن صلب تركيبتنا الجينية والنفسية – لكأن “النكبة” او “النكسة” مثلاً مفهوم ثقافي حضاري عربي، وليست مجرد مصطلح تقني سياسي. ان “ذمّ العرب” صناعة صهيواوروبيكية – ينام عليها بعض العرب – غايتها تعطيل “ديناميكية الازمنة” وانتاج العجز واليأس بوجه إسرائيل وعربدتها، و”عرقبادتها” .. ولعل هذا ان يعيدنا الى ما كتبته المفكرة العربية الاردنية “ديانا فاخوري”، في اكثر من مناسبة، عمّن يسترسلون بخدعة منطق “ما بعد الأيديولوجيا – زمن العلم والإنسانية” ..
وتأملوا كيف كشفت حرب غزة بالقاذفات والقنابل الأميركية الأكثر تطورًا والأكثر وحشية، هشاشة الدولة العبرية وعجزها على مدى سنتين من المذابح اليومية، عن الاحتواء العسكري لتلك الزنزانة الجغرافية بالمساحة المحدودة، والمحاصرة من الجهات الأربع .. وتذكّروا ان حصار القسطنطينية، وهي القلعة الجبارة، من قبل السلطان العثماني محمد الثاني، لم يدم لأكثر من 55 يومًا! وهذا الفيلسوف اليهودي - الأميركي نورمان فلنكشتاين يعلنها: "اذا كان نبوخذنصر البابلي قد هدم الهيكل الأول، الذي وضع فيه سليمان تابوت العهد (وهو قدس الأقداس) في عام 587 قبل الميلاد، واذا كان تيتوس الروماني قد هدم الهيكل الثاني في عام 70 ميلادي، ها أن نتنياهو اليهودي يهدم الهيكل الثالث بعدما وعد وتوعد ببنائه بجماجم الفلسطينيين".
أرادوا وكم عملوا على تصوير الهزيمة والنكبة والنكسة بمختلف المسميات كجزء عضوي من آلية التنظيم الجيني والانزيمي العربي الثقافي الحضاري فخرجنا من الغيبوبة وقاتلناهم حتى من قبورنا؛ نحن الجيل الذي يُسقط خرافة “العجز الجيني العربي”، ويهزم الهزيمة من غزة ولبنان الى اليمن .. نحن الجيل الذي يكسح ويشلّ المشروع الصهيوني برمّته ويحيله عاجزاً يائساً مستجيراً بالنار وقد أهلكتهم الروح الغزّية بصرختها ان الجنة اقرب الى غزة وكل فلسطين من سيناء ومن الاردن واي مكان!
على نبض ساعة السابع من اكتوبر/تشرين الاول 2023 (طوفان الأقصى بغزته والقدس ينصره طوفان البحر بيمنِه، وطوفان السماء بطير أبابيل) استمراراً تراكمياً لحرب تموز 2006 – تُطيح غزة بأُسطورة “العجز العربي” حضاريّاً وثقافيّاً.. وتُعيد “النكبة” أو “النكسة” إلى موقعها التقني السياسي!
نعم، يطاردنا الالم، لكن الأمل يحكمنا فلا نرى الا جميلا: إما النصر وإما النصر .. وسنلتقي جميعا في باب العامود/باب دمشق يوم التحرير مستحضرين صورة الفيتنامي الرائع هوشي منه الذي جثا على الأرض من أجل أن يعلن امتنانه للعشب الذي "قاتل الى جانبنا"!
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين بغزتها وقدسها و"الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ" ..
الله (ﷻ) هو المقاوم الاول بحسنى أسمائه وكمال افعاله وله حزبه وانصاره ..
سلام الأقصى والمهد والقيامة والقدس لكم وعليكم تصحبه انحناءة إكبار وتوقير لغزة واهلها - نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
كاتب عربي أردني
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟