أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية.... الاستقرار السياسي، السيادة والتنمية: جدلية الدولة والمجتمع في زمن التحولات الرقمية














المزيد.....

شذرات اقتصادية.... الاستقرار السياسي، السيادة والتنمية: جدلية الدولة والمجتمع في زمن التحولات الرقمية


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 14:10
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


يمثل الاستقرار السياسي شرطاً أساسياً لترسيخ السيادة الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة. غير أن هذا الاستقرار لا ينبغي أن يُفهم في شُقِّهِ الأمني أو الشكلي فقط، بل فيما يتمتع به من قدرة على خلق عقد اجتماعي جامع يدمج المجتمع في مشروع وطني قائم على العدالة الاجتماعية والمجالية. فالاستقرار، حين لا يستند إلى الديمقراطية والإنصاف، يتحول إلى استقرار هشّ يخفي أزمات عميقة، ويعجز عن مواجهة التحديات الداخلية والتحولات الجيوسياسية الخارجية.

لقد عاش المغرب، كما غيره من بلدان الجنوب، مراحل كان فيها التعبير الاجتماعي والسياسي محاصراً، ولم يكن للمجتمع سوى الاعتماد على المنشورات السرية كوسيلة للتعبئة والنقاش. ومع الثورة الرقمية، تغير المشهد كلياً. فالرقمنة فتحت فضاءات واسعة للنقاش والتواصل والتعبئة، وكشفت أن المجتمع يملك حيوية سياسية ومدنية تتجاوز القنوات التقليدية. لكن المفارقة تكمن في أن هذه الفضاءات الرقمية تعكس في الوقت نفسه مدّ الاختناق الذي يُعانيه الواقع السياسي والاجتماعي، حيث يظل المجتمع المدني ضعيف التأثير، محاصراً بحدود بيروقراطية وقيود إدارية ومالية، في حين فقدت الأحزاب السياسية الكثير من قدرتها على القيام بدور الوساطة والتمثيل.

الاحتجاجات الأخيرة في المغرب أبرزت بوضوح هذا الاختناق. فهي احتجاجات حملت رسائل قوية تُعَبِّر عن أزمة الثقة وعن المطالب المتزايدة بالعدالة والكرامة، لكنها قوبلت في الغالب بقراءات سطحية أو مقاربات أمنية، ما يعكس غياب فهم سياسي واستراتيجي معمق لهذه التعبيرات. هذا الغياب يكشف قصر نظر في قراءة الواقع الداخلي، إذ يتم اختزال الأزمات إلى أرقام اقتصادية أو مؤشرات ظرفية، دون التوقف عند التحولات الثقافية والاجتماعية التي يصنعها جيل جديد أكثر وعياً واتصالاً بالعالم. كما أن هذا القصور في الفهم الداخلي يتقاطع مع عجز عن إدراك حجم التحولات الجيوسياسية الدولية العنيفة وغير الواضحة، والتي تعيد تشكيل التوازنات العالمية على نحو متسارع، سواءً تعلق الأمر بالصراعات الطاقية والأزمات المناخية أم بعودة المواجهات بين القوى الكبرى. في ظل هذا الغموض، يصبح الحفاظ على الاستقرار الداخلي مرهوناً بالقدرة على بناء مشهد سياسي واجتماعي متماسك، وإلا ستظل الدولة معرضة للاهتزاز مع كل تغير دولي.

يضاف إلى ذلك أن الجامعة المغربية، التي كان يُفترض أن تلعب دوراً مركزياً في التأطير وإعداد قيادات سياسية ومدنية قادرة على التفكير الاستراتيجي والتعبئة المجتمعية، عرفت خلال العقود الأخيرة عملية إفراغ ممنهجة من أدوارها الأساسية. فالمجال الجامعي الذي كان مصنعاً للنخب الفكرية والسياسية تحول إلى فضاء بيروقراطي يوزع شواهد أُفرغت من قيمتها الفعلية في كل من سوق الشغل والفضاء العمومي، بينما تم في المقابل تعزيز دور الجامعات الخاصة التي تخاطب نخبة محدودة وتُعمِّق فوارق طبقية جديدة. هذا التراجع في وظيفة الجامعة كفضاء للتنشئة المدنية والفكرية ساهم في اتساع الفجوة بين الشباب والسياسة، وحرم الدولة من رافعة استراتيجية كانت لتوفر لها جيلاً من الكفاءات والقيادات القادرة على تجديد النخب وتحقيق التوازن داخل الحقل العام.

إن ما يزيد من خطورة الوضع هو أن المغرب يشهد اليوم لحظة ديمغرافية مفصلية. فالإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 كشف أن البلاد تملك قاعدة شبابية واسعة، لكنها لن تدوم طويلاً، إذ تتجه البنية السكانية نحو الشيخوخة خلال العقود المقبلة. ما يعني أن الفرصة الذهبية للاستفادة من العائد الديمغرافي محدودة زمنياً، وإذا لم يتم استثمارها عبر سياسات شاملة للتشغيل والتعليم والصحة والإدماج السياسي، فإنها ستضيع، وسيتحول الشباب من قوة دافعة للتنمية إلى مصدر هشاشة اجتماعية وعدم استقرار.

الديمقراطية هنا ليست مطلباً نخبوياً ولا ترفاً سياسياً، بل شرط وجودي للدولة. فهي وحدها التي تتيح إعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، وتمكين المجتمع المدني من أدواره، وتحرير المبادرات من قيود البيروقراطية والريع. والعدالة الاجتماعية والمجالية ليست بدورها شعاراً سياسياً، بل هي الأساس الذي يُمكن من تثبيت السلم الاجتماعي وضمان أن يشعر المواطن(ة)، أينما كان، بكرامته وانتمائه. أما الجامعة، فهي مطالبة اليوم باستعادة دورها كفضاء لإنتاج الفكر الحر وتأطير الشباب وإعداد قيادات سياسية ومدنية، عوض أن تتحول إلى مؤسسة لتوزيع شهادات بلا قيمة.

إن الاستقرار السياسي والسيادة والتنمية في المغرب باتت مرتبطة بقدرة الدولة على إعادة بناء العقد الاجتماعي على أسس جديدة: إدماج الشباب باعتبارهم قوة المستقبل، وإعادة الاعتبار للجامعة كمصنع للنخب، وتوسيع الديمقراطية بما يعيد الثقة للمجتمع، وضمان العدالة الاجتماعية والمجالية بما ينهي شعور التهميش ويعيد توزيع الثروة والفرص بعدالة. دون ذلك، ستظل الدولة معرضة لاختلالات متزايدة، وسيبقى الاستقرار مجرد واجهة تخفي أزمات كامنة، فيما العالم من حولها يشهد تحولات عنيفة وغير واضحة قد تعصف بكل من يفتقد إلى أرضية صلبة من الثقة الداخلية.

ويبقى السؤال مطروحاً: هل ستكون التعبيرات السياسية والمدنية في بلدي قادرة على استخلاص العبر والتطور مع كل المتغيرات الوطنية والدولية، أم أنها ستظل أسيرة البحث عن مقاعد في البرلمان وكراسٍ وزارية، مكتفية ببرامج انتخابية طموحة سرعان ما تُهمل بمجرد بلوغ أصحابها ما يريدون؟ إن الوطن للجميع، يحتضننا جميعاً، فيما أعداؤه يتربصون لإضعافه، الأمر الذي يجعل من تعزيز الدور الاستراتيجي للمغرب على المستويين الدولي والقاري رهيناً أيضاً بصلابة استقراره السياسي ومتانة أمنه الداخلي.
3 أكتوبر 2025



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيل Z في المغرب: بين صرخة الحقوق وجرح الانكسار النفسي
- شذرات اقتصادية ... هل يكون التعليم الرقمي رافعة للعدالة الاج ...
- الحماية الاجتماعية في المغرب: استثمار في الإنسان ومعركة ضد ا ...
- شذرات اقتصادية... اقتصاد الحرب بين سطوة أوليغارشيات الصناعة ...
- شذرات اقتصادية... التنمية المحلية بأزيلال: من قلب الهامش يول ...
- الأساتذة الجامعيون: بين التضحيات الصامتة وضوضاء الفضائح
- شذرات اقتصادية... المغرب كنموذج للتنمية والتكامل في إطار تعا ...
- شذرات اقتصادية... عندما أنقذ المغرب إسبانيا من الظلام: أليس ...
- شذرات اقتصادية... نفط العصر الجديد، هل تستطيع دول الجنوب تحق ...
- شذرات اقتصادية... الحرب التجارية الأمريكية: تحولات اقتصادية ...
- شذرات اقتصادية... الرسوم الجمركية الأمريكية، التاريخ لا يعيد ...
- شذرات اقتصادية... المرأة الفلاحية في المغرب: ما بين تحديات ا ...
- التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟
- غنى وفقر مدن وقرى المعادن بالمغرب!
- حكاية من وحي المجتمع... لبيك تَمُورتْ إنُو (وطني)... -المسير ...
- شذرات اقتصادية... هل يمكن الوثوق بمجموعة بريكس+؟
- شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر، -اليد الممدودة-...
- شذرات اقتصادية... التحول السريع الى أنظمة استبدادية…
- شذرات اقتصادية ... أية تداعيات لقرار بنك المغرب
- شذرات اقتصادية… الكرة -الهجينة- …


المزيد.....




- نداء المشاركة في المسيرة الوطنية بالرباط يوم الأحد 5 أكتوبر ...
- كوت ديفوار تحظر التظاهر قبيل مسيرة للمعارضة
- إغلاق قناة -ناصر-.. وأسرة عبد الناصر تتحرك لإنقاذ الأرشيف
- هتافات المتظاهرين في المغرب.. لا نريد كأس العالم، نطالب بتحس ...
- الداخلية المغربية: أكثر من 70% من المتظاهرين قاصرون
- اعتقال متظاهرين مؤيدين لفلسطين أمام مصنع للأسلحة في فرنسا
- السودان: حوار مع المسؤول السياسي للشيوعي بالعاصمة القومية…
- جيل العولمة الرأسمالية والثورة التقنية والرقمية والنضال المي ...
- الجبهة الديمقراطية تثمن الموقف الكولومبي بطرد بعثة الاحتلال ...
- الأحزاب الحكومية تعلن استمرار حرب الطبقة البورجوازية على  ال ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية.... الاستقرار السياسي، السيادة والتنمية: جدلية الدولة والمجتمع في زمن التحولات الرقمية